رغم الأحكام القاسية ضد المعارضة.. لماذا تتجه أوروبا لتصنيف تونس "دولة آمنة"؟

"بالرغم من وجود قمع في تونس ضد المعارضين، إلا أنه لا يعد اضطهادا ممنهجا أو خطرا جسيما"
بعدما هدد القضاة بأنه سيحاكمهم هم أيضا لو قاموا بتبرئتهم، انصاع القضاء التونسي في 19 أبريل/ نيسان 2025، لرغبة الرئيس قيس سعيد وأصدر أحكاما بالسجن بلغ مجموعها 892 سنة بحق 40 متهما فيما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”، من بينهم قيادات سياسية ومحامون ونشطاء مجتمع مدني.
ورغم استمرار انتهاكات قيس سعيد للحقوق والحريات الأساسية في تونس، اقترحت المفوضية الأوروبية بشكل مفاجئ تصنيف تونس كدولة آمنة، وهو ما عده مراقبون "مكافأة لسعيد".
وهنا، تتساءل صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية: “كيف يمكن التوفيق بين الأمرين؟”
شريك إستراتيجي
وفي مستهل التقرير، تقول الصحيفة الألمانية: "لا تعد تونس مجرد بلد عادي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بل تعد شريكا إستراتيجيا".
وتابعت: "فالتعاون الذي اتفق عليه مع الرئيس التونسي قيس سعيّد عام 2023، والمقدَّر بـ 900 مليون يورو، يهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي للدولة وتحديث اقتصادها".
وأردفت: "وفي المقابل، يتوقع الاتحاد الأوروبي من الحكومة التونسية أن تُغلق طرق الهجرة نحو أوروبا".
وأكمل التقرير: "وفي منتصف الأسبوع الماضي، اقترحت المفوضية الأوروبية بقيادة أورسولا فون دير لاين أيضا تصنيف تونس كدولة منشأ آمنة في قانون اللجوء الأوروبي".
وهنا تساءلت الصحيفة الألمانية مستنكرة: “تونس، بلد لا يُلاحق فيه أحد سياسيا؟”
مشيرة إلى أنه "في الوقت الذي اقترحت فيه المفوضية الأوروبية هذا الاقتراح، كان نحو 40 متهما ينتظرون الحكم عليهم بتهمة التآمر المزعوم ضد أمن الدولة".
لافتة إلى أن الأمر بدا كأنه "محاكمة مُفبركة ضد رجال ونساء يرى الرئيس سعيّد، الذي يحكم بأسلوب سلطوي، أنهم يشكلون تهديدا ما لسلطته".

محاكمة مسيسة
وحسب سرد الصحيفة الألمانية، مثلت قائمة المتهمين شريحة عريضة من المجتمع التونسي: سياسيون ليبراليون وإسلاميون، ورجال أعمال، وصحفيون، وناشطون من المجتمع المدني التونسي.
وقد عُد أحد رجال الأعمال، الذي كانت له علاقات مع الديكتاتور التونسي السابق بن علي، رأس المؤامرة المزعومة. كما شملت القائمة نسويات أيضا.
وأضافت "زود دويتشه تسايتونغ": "حتى المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي وُجد اسمه ضمن لائحة المتهمين".
ووفقا لتقارير إعلامية، وُجّهت إلى الأخير تهم تتعلق بـ"الماسونية" وبعلاقات مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد". وادعي أنه سعى لاختراق الدولة التونسية.
وأشار التقرير الألماني إلى "هزلية المحاكمة"، لافتا إلى أن لائحة الاتهام لم تُقرأ خلال مجريات المحاكمة.
"وبعد محاكمة سريعة"، حسب وصف الصحيفة، أصدرت المحكمة أحكامها؛ عقوبات سجن تراوحت بين 13 و66 سنة. وقد حُكم على ليفي بالسجن 33 سنة.
في المقابل، احتجت عائلات المتهمين وممثلوهم، إلى جانب منظمات المجتمع المدني، بشدة على الأحكام. وتحدثوا عن "جنون"، و"حكم مسيس"، و"جريمة قضائية".
وفي هذا السياق، كتب كمال الجندوبي، الوزير التونسي السابق والناشط في مجال حقوق الإنسان، على فيسبوك: "هذه المحاكمة إهانة للعقل، وصفعة للقانون، وبصقة في وجه دولة القانون".
مشهد عبثي
وفي مشهد عبثي آخر، اعتُقل أحد أبرز المحامين في البلاد جراء تعليقه على الحكم الصادر.
فإثر صدور الحكم، صرح المحامي أحمد الصواب، أمام كاميرات التلفزيون بأن من "شعر بالسكين على عنقه" في هذه المحاكمة لم يكونوا المتهمين، بل رئيس المحكمة نفسه. مشيرا بيده إلى موضع نحره.
وتعقب الصحيفة: "وبسبب ذلك، وُضع الصواب رهن الحبس الاحتياطي نهاية الأسبوع بتهمة (جرائم إرهابية)".
وأردفت: "ويؤكد زملاؤه المحامون أن المحامي لم يكن يقصد تهديد القاضي، بل أراد التعبير عن أن الرئيس قيس سعيّد هو من أصدر لائحة الاتهام الغامضة، ووضع السكين على عنق المحكمة لفرض أحكام قاسية".
ويرى التقرير أن المحاكمة ومجرياتها تشير إلى "أجواء القمع المتزايد في تونس".
وتابع: "فقد انتخب قيس سعيّد رئيسا لأول مرة عام 2019، وفي 25 يوليو/ تموز 2021، علق عمل البرلمان، وأقال رئيس الوزراء، وعيّن حكومة جديدة. ولاحقا، فرض سيطرته أيضا على القضاء".
وأضاف: "وفي يوليو/ تموز 2022، أكد لنفسه مزيدا من السلطات من خلال استفتاء شعبي".
مشيرا إلى أن المعارضين التونسيين يشتكون من أن البلاد تشهد الآن نفس الأوضاع التي كانت سائدة في عهد الديكتاتور بن علي، الذي أطيح به خلال الربيع العربي عام 2011.

صفقة اللاجئين
وحسب الصحيفة الألمانية، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كانت الشراكة مع تونس نموذجا لاتفاقيات أبرمت لاحقا مع موريتانيا ومصر ولبنان.
وأفاد التقرير بأن "الصفقة نسقتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بالتعاون مع أورسولا فون دير لاين، ويبدو أن الصفقة آتت أكلها للاتحاد الأوروبي". وأوضح: "إذ انخفض عدد المهاجرين الفارين من تونس عبر البحر المتوسط نحو إيطاليا بشكل كبير".
وأردف: "وينطبق ذلك على كل من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء عبر تونس نحو أوروبا، وكذلك على المواطنين التونسيين أنفسهم".
ووفقا للقواعد المعمول بها، يتعين الآن على دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي مناقشة اقتراح المفوضية بإدراج تونس ضمن أول قائمة أوروبية موحدة للدول الآمنة.
وبهذا، ستُدرج الدولة الواقعة في شمال إفريقيا ضمن نفس التصنيف الذي يشمل مرشحي الانضمام الرسميين للاتحاد الأوروبي (باستثناء أوكرانيا)، إضافة إلى كوسوفو وبنغلاديش وكولومبيا ومصر والهند والمغرب.
وقد اتخذت عشر دول أوروبية هذه الخطوة بالفعل على المستوى الوطني، حسب الصحيفة الألمانية.
ومعنى هذا القرار -وفق التقرير- أن المفوضية ترى أنه "بالرغم من وجود قمع في تونس ضد المعارضين، إلا أنه لا يعد اضطهادا ممنهجا أو خطرا جسيما"!