قرار "العدل" الدولية بشأن إبادة إسرائيل.. مكسب قانوني أم خسارة سياسية؟

14999 | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

أصدرت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، في 26 يناير/ كانون الثاني 2024 قرارا بفرض تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة، لكنها لم تلزم إسرائيل "نصا" بوقف إطلاق النار.

وأثار القرار جدلا بشأن إمكانية عدّه مكسبا قانونيا ودوليا للفلسطينيين، لأنه يقترب من إدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة، لكنه لم يتضمن نصا بوقف إطلاق النار.

خبراء قانون دوليون ونشطاء اختلفوا في تقييمهم قرار المحكمة؛ فبعضهم رأوه سيئا ويحمل نفس الرؤية الاستعمارية لفلسطين لأنه لم يناقش القضية سوى من تاريخ 7 يناير 2023 لا تاريخها الممتد إلى عام 1948، وأكدوا أنه يدعم بذلك الاحتلال.

الفريق الآخر عده انتصارا كبيرا لأن هذه أول مرة تجرى فيها محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة، والقرارات أكدت ضمنا أن هناك إبادة أو تقترب من الإبادة، مدللين على ذلك برفض إسرائيل لها.

وأقرت المحكمة، في قرار أولي في القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة الجماعية، بـ"حق الفلسطينيين بقطاع غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية".

وهاجم متطرفو حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مثل وزير الأمن إيتمار بن غفير قرار المحكمة ووصفها بأنها "معادية للسامية"، وزعم "أنها لا تسعى للعدالة بل لاضطهاد الشعب اليهودي".

فيما رحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقرار المحكمة ودعت للضغط على إسرائيل لتنفيذه ووقف "الإبادة الجماعية" المستمرة ضد الفلسطينيين.

كما رحبت حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، والسلطة الفلسطينية بـ "الأمر القضائي التاريخي"، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الهمجي.

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، قدمت جنوب إفريقيا طلبا لإقامة دعوى ضد إسرائيل بشأن انتهاكات الأخيرة لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.

تفاصيل القرار

قرار محكمة العدل الدولية مكون من ستة بنود، صوت عليها قضاة المحكمة الـ15، ومعهم قاضيان من جنوب إفريقيا وإسرائيل، ليصبح المجموع 17 قاضيا، وصدرت أغلب القرارات ضد إسرائيل بأغلبية 15.

القرار بتّ فقط في طلب جنوب إفريقيا اتخاذ إجراءات طارئة، وليس في القضية الأساسية المتمثلة فيما إذا كانت إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية، وهي قضية سيستغرق الفصل فيها سنوات.

أمرت "العدل الدولية" إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، ورفضت، في حكمها، الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى، وأكدت أنها في صميم اختصاصها.

لهذا يعد قرار المحكمة الدولية وما قالته رئيستها "جوان إي دونوغو"، في بداية الجلسة، انتصارا لدعوى جنوب إفريقيا وهزيمة لإسرائيل، في رأي كثير من خبراء القانون الدولي والسياسيين.

حيث طلبت من إسرائيل، "منع ومعاقبة" التحريض على الإبادة، وذكرت أنها تقر بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، مؤكدة أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل.

كما أمرت المحكمة إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وقالت إن على إسرائيل اتخاذ "إجراءات فورية وفعالة للسماح بتوفير خدمات أساسية ومساعدة إنسانية يحتاج إليها الفلسطينيون بشكلٍ مُلِح لمواجهة ظروف العيش غير الملائمة".

وبموجب الحكم أيضا يتعين على إسرائيل أن ترفع تقريرا إلى المحكمة في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة التي طالبتها المحكمة بها لوقف الإبادة في غزة.

ويلزم البند الأول من قرار المحكمة إسرائيل باتخاذ التدابير كافة لوقف قتل الفلسطينيين، ومنع إيقاع ضرر جسدي أو عقلي جسيم بحقهم، ووقف أي إجراءات محسوبة للتسبب بفنائهم أو فناء جزء منهم صوت عليه 15 قاضيا مقابل 2.

وفيما يخص البند الثاني المتعلق بإلزام الجيش الإسرائيلي بنفس البنود السابقة وبشكل فوري أيد القرار 15 قاضيا مقابل 2.

وبخصوص البند الثالث وهو "منع تحريض المسؤولين الإسرائيليين على الإبادة الجماعية ومعاقبة المحرضين أيد القرار 16 قاضيا ضد قاضٍ واحد.

وصوت أيضا لصالح البند الرابع الخاص بـ "توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة" 16 قاضيا من أصل 17 مقابل قاضٍ واحد.

وحول البند الخامس المتعلق بـ "امتناع إسرائيل عن تدمير أي أدلة على ارتكابها الإبادة الجماعية"، وافق أيضا 15 قاضيا من 17 مقابل اثنين فقط.

أما البند السادس، والأكثر أهمية، وهو ضرورة تقديم دولة الاحتلال الإسرائيلي تقريرا للمحكمة خلال شهر حول "تطبيق الإجراءات الواردة في قرار المحكمة"، فأيده أيضا 15 قاضيا مقابل 2 فقط.

وكان أكثر ما أثار الاستغراب هو أن المحكمة لم تتحدث عن أنه "يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار"، لكنها قالت ضمنا إن الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب يجب أن تتغير بشكل جذري في ظل الظروف الحالية.

وزعم محامي إسرائيل أن "قتالها في غزة يحترم قوانين الحرب"، غير أن ما قالته القاضية الأميركية رئيس المحكمة خلال الجلسة، يشير إلى عدم موافقة المحكمة على ما تقوله إسرائيل.

واحتفل رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامافوزا" والوفد الجنوب إفريقي بقرار محكمة العدل الدولية وظهرت عليهم السعادة لتحقيقهم انتصارا من أجل الإنسانية.

لحظة احتفال رئيس #جنوب_إفريقيا سيريل رامافوزا بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية بشأن دعوى بلاده التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في #غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/14qM3cnXC3

— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 26, 2024

مكسب أم خسارة؟

الذين رأوا، من الخبراء والسياسيين والنشطاء، أن قرارات محكمة العدل الدولية سيئة ولا ترقى إلى ما كان متوقعا، استندوا في رؤيتهم لعدة أمور منها:

أنها لم تنص على ما كان الجميع ينتظره من إلزام إسرائيل بوقف فوري للعدوان في غزة وتهديدها بالعقاب في مجلس الأمن لو لم تلتزم، خاصة أن بنود القرارات كلها تكاد تنطق بأن هناك إبادة جماعية فعلية.

وأكدوا أن عدم النص على وقف إطلاق النار سوف يترك باب التفسيرات المتناقضة مفتوحا، ويفسره كل طرف بمعرفته.

وقد بدأت إسرائيل وواشنطن تستغلان ذلك بالفعل، حيث رحب نتنياهو "بعدم إصدار أمر بوقف إطلاق النار"، وقال "إن إسرائيل ستواصل الدفاع عن نفسها"، أي عدوانها على غزة.

فيما أكد متحدث باسم الخارجية الأميركية، فضل عدم الكشف عن اسمه، لقناة "الحرة" أن "حكم المحكمة يتفق مع وجهة نظرنا بأن لإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات لضمان عدم تكرار الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر وفقا للقانون الدولي".

وكان لافتا أن "العدل الدولية" استخدمت كلمة "فورا" فقط حين تحدثت عن إطلاق (حماس) سراح الأسرى الإسرائيليين، بينما طلبت من إسرائيل وقف الإبادة "خلال شهر"، دون أن تطالبها بشكل صريح بوقف الحرب فورا أيضا لمنع هذه الإبادة.

ويقول الخبير المصري في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي "محمد سيف الدولة" إن نص قرار العدل الدولية على ضرورة وقف القتل والتدمير للفلسطينيين دون وقف إطلاق النار قرار يصعب تنفيذه إلا بوقف العدوان.

لذلك يصف القرار بأنه "أمر شبيه بمرافعة المحامي في قضية تاجر البندقية لشكسبير حين أقر بحقه التعاقدي في اقتطاع رطل من جسم المدين ولكن بشرط ألا يريق نقطة دم واحدة"!

لم يتضمن حكم #العدل_الدولية وقف إطلاق النار ولكنه اكد على ضرورة وقف القتل والتدمير للفلسطينيين وهو ما لا يمكن تنفيذه إلا بوقف العدوان. وهو امر شبيه بمرافعة المحامى فى قضية تاجر البندقية لشكسبير حين اقر بحقه التعاقدي فى اقتطاع رطل من جسم المدين ولكن بشرط الا يريق نقطة دم واحدة

— محمد سيف الدولة (@seif_eldawla) January 26, 2024

وكانت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور أكدت في تعليقها على الحكم من أمام مقر المحكمة أنه "لا يمكن تنفيذ أوامر العدل الدولية دون وقف إطلاق النار".

منتقدو قرار العدل الدولية استغربوا أيضا أن تؤرخ المحكمة لقضية غزة وفلسطين وما يجرى هناك من إبادة جماعية بتاريخ بدء طوفان الأقصى فقط والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.

رأوا أن عدم النظر للقضية ككل من منظورها التاريخي منذ عام 1948، ومن هيئة تابعة للأمم المتحدة التي أصدرت مئات القرار ضد الاحتلال الإسرائيلي، مؤشر سلبي.

وقد فسر الباحث المتخصص في شؤون فلسطين "زياد ابحيص" لموقع "الأردن 24" ذلك بأن الأمم المتحدة والنظام العالمي الحالي لم يغادر بعد، في إطاره العام، "طغيان الرواية الاستعمارية للصراع".

وأكدت وكالة "أسوشيتدبرس" أن "التدابير المؤقتة الستة التي أصدرتها المحكمة سيكون من الصعب تنفيذها "دون التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار أو وقف القتال".

ويقول المحلل السياسي المصري "محمد بصل" إن قرار محكمة العدل الدولية لن يتسبب عمليا في وقف إطلاق النار ولا محاسبة إسرائيل على جرائمها "لأن فاعلية اختصاصها مكبلة بقيود مجلس الأمن".

لكنه يرى أن القرار سيكون له آثار سياسية كبيرة ورائعة، منها أنه لأول مرة في تاريخ جرائم إسرائيل يصدر قرار ضدها من أعلى محكمة دولية ويتضمن إدانة قضائية دولية لها.

قال إن "مضي بعض الدول قدما في مساعدة إسرائيل في جرائمها الآن سيصبح أمرا أكثر كلفة بكثير من ذي قبل، خاصة تلك التي تحركت فيها دعاوى لاتهام قيادات بدعم جرائم الإبادة، لأن حيثيات محكمة العدل الدولية واضحة في إدانة تلك الممارسات بالفعل".

أكد أن "إدخال المساعدات الكافية الآن وفورا أصبح له سند قانوني دولي قوي".

- القرار صادر بأغلبية تاريخية لم يحظ بها قرار التدابير المؤقتة في قضية ميانمار وأقلية الروهينجا ولا قضية روسيا وأوكرانيا.. بما في ذلك الأعضاء عن أمريكا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين
- القرار خطوة في مسار طويل يجب البناء عليه فبعض الحيثيات دالة تماما على ثبوت جرائم الإبادة

— Mohamed Bassal (@BassalMohamed) January 26, 2024

اختراق تاريخي

الفريق الذي رأى أن قرار المحكمة يشكل انتصارا للفلسطينيين ضد الاحتلال ذكر أن القرار ينص ضمنا على وقف إطلاق النار، لكنه تجنب الإشارة له بمصطلح سياسي صريح كما طلبت جنوب إفريقيا.

قالوا إن المحكمة أمرت إسرائيل بالامتناع عن قتل أي فلسطيني، والامتناع عن التسبب بأي أذى جسدي أو نفسي لهم، كما ألزمت الجيش الإسرائيلي بذلك.

وأن طلب المحكمة التوفير الفوري للخدمات الأساسية والمساعدات لغزة يعني الأمر ضمنا وقف إطلاق نار فوري بما يشمل كسر الحصار، ومن ثم على الدول المختلفة أن تكسر الحصار وفقا لهذا التفسير وتفتح مصر معبر رفح بلا تفتيش.

وضمن هذا التفسير قال الدكتور محمد البرادعي، وهو موظف سابق في الأمم المتحدة، إنه طالما أن حكم المحكمة يعد معظم العمليات العسكرية في غزة جرائم إبادة جماعية، فعلى مجلس الأمن أن يصدر قرارا بوقف إطلاق النار.

يتعين الان على مجلس الامن، فى ضوء حكم محكمة العدل الدولية ان معظم العمليات العسكرية فى غزة قد تكون جرائم ابادة جماعية، ان يصدر قرار ا بوقف اطلاق النار بموجب مسئولياته الواردة في ميثاق الامم المتحدة

هل يمكن للدول العربية أن تاخذ المبادرة فى هذا الشأن؟ #غزة_تُباد

— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) January 26, 2024

وعد "البرادعي" حكم محكمة العدل الدولية "انتصارا للعدالة والقانون الدولي في مواجهة القوة الغاشمة وإدانة صريحة ومشينة لإسرائيل لارتكابها أعمالا يمكن من حيث النوعية والأدلة الظاهريّة أن تشكل إبادة جماعية طبقا للاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية".

كما عده إدانة غير مباشرة لكل الحكومات (أميركا والغرب خصوصا) التي ساعدت إسرائيل وأيدتها في عملياتها العسكرية في غزة، خاصة التي صوتت ضد وقف إطلاق النار.

قال إن الحكم لم ينص صراحة على وقف إطلاق النار إلا أنه أمر إسرائيل بالتوقف عن قتل الفلسطينيين أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بهم أو إخضاعهم عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرهم كليا أو جزئيا  

وقد رأى كبير الدبلوماسيين الجنوب إفريقي "كليسون مونيلا" أن قرار المحكمة يعني بوضوح وقف إطلاق النار.

قال، عبر تويتر، إنه "تضمن أن تلتزم إسرائيل بأثر فوري ألا يرتكب جيشها أي أعمال موصوفة في البند الأول وهي "قتل الفلسطينيين أو التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير"، عادا "هذا أمرا بوقف العمليات العسكرية على الفور".

Read the order carefully. "The state of Israel shall ensure WITH IMMEDIATE EFFECT that its MILITARY does NOT commit any acts described in point 1. These are: a) Killing of members of a group (Palestinians)
b) Causing serious bodily or mental harm. That's an order to halt… https://t.co/gsgUegZRf5 pic.twitter.com/GGyF0g8rB4

— Clayson Monyela (@ClaysonMonyela) January 26, 2024

من رأوا القرار انتصارا أيضا لفلسطين قالوا إن القرار شكل تقويضا عميقا لشرعية الكيان الصهيوني الوجودية، بصفته "وطنا قوميا" لمجموعة تعرضت لإبادة جماعية.

حيث ظلت إسرائيل تحتكر مسألة الإبادة الجماعية منذ قضية الهولوكوست النازي، وتتلحف بها وتبتز العالم بأنها ضحية لها.

لكنها هذه المرة باتت متهمة بما اتهمت به غيرها، وهو مكسب يحتاج للبناء عليه وتعزيزه لنزع المشروعية عن الصهيونية كأيديولوجيا استعمارية.

بحيث يمكن أيضا توظيف الحكم لصالح الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا وبأساليب مختلفة ونزع هذا الغطاء الذي تلتحف به إسرائيل لتمنع انتقادها بدعوى "العداء للسامية" أو "إبادة اليهود" وتقمع بموجبهما احتجاجات العالم ضد ما تفعله من إبادة.

أعذر كل من كان يأمل في قرارات أكثر قوة من محكمة العدل الدولية، فنحن الأمة المكلومة، ونحن الذين نعيش الفجيعة على مدار الساعة، والمشاهد الإجرامية تقطع قلوبنا، لكن تلك العواطف لا ينبغي أن تصرف عقولنا عن قيمة هذا الحكم التاريخي الذي صدر اليوم من المحكمة، على دولة مدللة في العالم كله…

— جمال سلطان (@GamalSultan1) January 26, 2024

ماذا بعد القرارات؟

تعد القرارات الخاصة بمراقبة ما ستفعله إسرائيل لمدة شهر، ومطالبتها بتقديم تقرير لها عن الأعمال الحربية في غزة بمثابة مطالبة غير مباشرة بوقف العمليات الحربية، كإجراء مؤقت لحين الحكم النهائي.

ومع أن إسرائيل حاولت تفسير القرار من وجهة نظرها مؤكدة أنه لم يأمرها بوقف العدوان، أجمع خبراء ومحللون على أنه لا يمكن عمليا تنفيذ طلبات المحكمة دون وقف العدوان.

ووفقا لنظام المحكمة، هذه القرارات ملزمة لإسرائيل كطرف في اتفاقية منع الإبادة الجماعي، ما يعني توقيع عقوبات عليها حال لم تلتزم، وفق أساتذة بالقانون الدولي.

ويقول خبير قانون دولي لـ "الاستقلال" إنه إذا لم تلتزم إسرائيل بطلبات المحكمة خلال هذه الفترة (شهر) يمكن لجنوب إفريقيا طبقا لميثاق الأمم المتحدة أن تلجأ لمجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنفيذ الحكم بما في ذلك تطبيق المجلس لعقوبات سياسية واقتصادية وغيرها ضد تل أبيب.

الخبير الدكتور "السيد أبو الخير" قال: لو رفضت إسرائيل التنفيذ واستندت للفيتو الأميركي في مجلس الأمن حال أصدر عقوبات ضدها، فسيكون الأمر محرجا لواشنطن بصورة كبيرة أن تستخدم الفيتو ضد قرار بتنفيذ حكم لمحكمة العدل الدولية خاصة أنها هي وإسرائيل طرفان في اتفاقية الإبادة الجماعية.

أضاف: "إذا تم استخدام الفيتو ضد قرارات لمجلس الأمن عقب صدور حكم العدل الدولية من جانب أميركا يمكن اللجوء الى الاتحاد من أجل السلم".

وينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377، المسمى "الاتحاد من أجل السلام"، على أنه في أية حالة يخفق فيها مجلس الأمن، بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين".

ويضيف: "يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة وقد تصدر أي توصيات تراها ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين، وإذا لم يحدث هذا في وقت انعقاد جلسة الجمعية العامة، يمكن عقد جلسة طارئة وفق آلية الجلسة الخاصة الطارئة".

لكنه السيد يرى مع ذلك أن "الولايات المتحدة ليس لها حق التصويت لأنها طرف في الحرب هي وبريطانيا وفرنسا وقدموا مساعدات عسكرية لإسرائيل لتنفيذ العدوان".

ومن شأن صدور قرار عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل أن يزيد الضغط السياسي علي إسرائيل ويمكن أن يكون بمثابة حجة لفرض عقوبات عليها، وفق مراقبين.

وفي هذه الحالة يمكن لمختلف الدول ان تطبق عقوبات ثنائية على إسرائيل في حالة عدم التزامها بحكم محكمة العدل الدولية، وهوما طالب به أيضا الدكتور محمد البرادعي.

والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبت في النزاعات بين الدول، ملزمة قانونا، ولا يمكن الطعن فيها، لكن المحكمة لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها.

وقالت وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية إن حكم العدل الدولية يُعد "توبيخا ساحقا لسلوك إسرائيل في زمن الحرب، وسيزيد من الضغوط الدولية المتصاعدة لوقف الهجوم المستمر منذ ما يقرب من أربعة أشهر".

رأت أن صدور هذه الاتهامات في وجه حكومة إسرائيل، التي تأسست كدولة يهودية بعد المذبحة النازية التي راح ضحيتها 6 ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية يشكل تغييرا كبيرا.

فيما قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إنه وإن لم تصدر محكمة العدل الدولية حكما بشأن ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جريمة إبادة جماعية، وهو الأمر الذي سيتقرر في وقت لاحق، لكن حكمها المؤقت "يقدم أوضح إشارة حتى الآن إلى الاتجاه الذي يميل إليه القضاة"، أي إدانة إسرائيل.