"رائحة الموت".. هكذا حولت إسرائيل بعلبك التاريخية إلى أطلال وشوارع مهجورة

16 days ago

12

طباعة

مشاركة

على خلفية أوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلالها بشكل كامل، أصبحت بعلبك، أكبر مدينة تاريخية في لبنان، مهجورة؛ حيث فرّ عشرات الآلاف من سكانها.

وفي تقرير يسلط الضوء على حال المدينة، قالت صحيفة الباييس الإسبانية إن قرية عين بورضاي، إلى جانب قرية دروس وأيضا مدينة بعلبك المجاورة، تقع ضمن المنطقة الحمراء في خريطة وادي البقاع التي نشرها أخيرا متحدث الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي عبر منصة إكس. 

في ذلك اليوم، واليوم الذي يليه، أمر أدرعي أولئك الذين يعيشون في الحدود المدرجة في تلك المنطقة من الخريطة - حوالي 100 ألف شخص - بمغادرة منازلهم فورا إذا كانوا لا يريدون الموت.

مجازر متواصلة

مثل عادته، لم يتأخر جيش الاحتلال عن ارتكاب المجازر. وفي غرة نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أدى انفجار قنبلة في عين بورضاي إلى مقتل جميع أفراد أسرة الطفلة سيلين نصيف البالغة من العمر ثلاث سنوات. 

وقد نجت بعد أن رمت شقيقتها جثتها بعيدا قدر الإمكان في محاولة لإنقاذ حياتها.

وقد عثر عليها أحد أقاربها القلائل المتبقين، عمها حسن، على بعد أمتار قليلة من منزلها عندما جاء على إثر سماع الضجيج. 

وقام الرجل بتسليمها إلى أشخاص آخرين ثم ركض إلى المنزل محاولا إنقاذ شقيقه وبقية أفراد أسرته. ويقول: "لم يتبق منهم سوى أشلاء".

وأشارت الصحيفة إلى أن سيلين وعائلتها لم يكن لديهم أي فرصة للهروب. 

في واقع الأمر، قصف منزلهم، مثل الآخرين، دون سابق إنذار، وفقا للسلطات المحلية، قبل يوم واحد من أوامر الإخلاء، وهي الأكبر منذ تكثيف الموجة الأخيرة من الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل. 

وفي الساعات التي سبقت ذلك القصف، قتلت الهجمات الإسرائيلية ما لا يقل عن 67 شخصا في وادي البقاع، وهو اليوم الأكثر دموية في الحرب في السهل الشرقي للبنان.

وتعد إسرائيل جزءا من هذا السهل الذي يبلغ طوله 182 كيلومترا، أرضا خصبة لعناصر حزب الله الذين يشتبكون مع جيشها في القطاع المحيط بالحدود الجنوبية للبنان، الذي قامت إسرائيل بغزوه في غرة أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

وقد قتل ما لا يقل عن 150 شخصا في الأسبوع الأخير في الوادي جراء الهجمات الإسرائيلية، 52 منهم بيوم واحد في منطقة بعلبك الهرمل، بحسب وزارة الصحة اللبنانية. 

وترى مصادر لبنانية أن العديد من الهجمات وقعت دون سابق إنذار وخارج المنطقة التي أمرت إسرائيل بإخلائها. 

ومن بين طرق الوصول إلى بعلبك التي كان عدد سكانها قبل الحرب نحو 82 ألف نسمة، الطريق الذي يمر عبر قرية دروس. 

وبدت بعض المنازل المدمرة وكأنها ستنهار على الطريق، حيث كانت بعض الأجزاء مغطاة بأنقاض المباني التي دمرها القصف. 

وكان أحد المنازل، الذي تعرض للهجوم عند الفجر، لا يزال يتصاعد منه الدخان. وفي ذلك المبنى، توفيت امرأة، بحسب مصادر قريبة من حزب الله، كما أصيب خمسة أطفال.

رائحة الموت

وأشارت الباييس إلى أنه من الصعب تصديق أن مثل هذا الدمار يمكن أن يترك خلفه حياة وناجين. 

وفي أحد هذه المنازل المدمرة، لم يبق سوى الحديد، وسيارتين ذابتا جراء الانفجار، وحطام صغير لا يتجاوز حجم اليد في بعض الأحيان. 

كما انهار المنزل المجاور له على أحد جدرانه الجانبية وغطى الغبار الرمادي الداكن جميع المباني المجاورة. 

ويبدو أن هذا هو نفس ما يظهر في صور الناجين الذين تم إنقاذهم من تحت أنقاض منازلهم التي قصفت في غزة، حيث لقي أكثر من 43 ألف شخص حتفهم خلال العام الطويل الذي استمرت فيه الحرب.

 ويضاف إلى ذلك مقتل 2800 شخص في لبنان في نفس الفترة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، وفقا لحكومة البلاد.

ويقول أحد السكان الذي يقترب عندما يرى مجموعة الصحفيين: "إنه ليس أسمنت المنزل المدمر". 

ويضيف هذا الرجل: "إن هذا الغبار مادة تحملها القنابل. ألا تلاحظون رائحة غريبة؟"، في إشارة إلى رائحة كريهة وحارقة، تشبه رائحة الغاز المسيل للدموع، وتسبب صداعا فوريا لمن يستنشقه.

ونوّهت الصحيفة إلى أن هذا المنزل المدمّر، والحظيرة المجاورة له التي تحولت إلى غبار، والسيارات المحترقة، بسبب طلقات الطائرات دون طيار، وفقا لبعض السكان؛ هي الأثر الأكثر وضوحا لهجمات إسرائيل في وادي البقاع. 

وفي قرية دروس، يظهر بوضوح قوة حزب الله في الأعلام الصفراء والملصقات التي تحمل صور قادتها، الذين اغتالت إسرائيل عددا منهم، والتي تحيط بالطريق المؤدي إلى بعلبك. 

وعلى طريق آخر في الوادي، يظهر وجه حسن نصر الله، الأمين العام للتنظيم الذي اغتيل في 27 سبتمبر/ أيلول، فوق العبارة التي خاطب بها ذلك الزعيم أتباعه في بعض خطاباته: "يا أيها الكرام".

مدينة مهجورة

يقع موقع بعلبك الأثري الروماني، وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، في وسط تلك المدينة، التي أصبحت الآن شبه مهجورة بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أغلقت أيضا الفنادق والمطاعم التي كانت مليئة بالسياح. 

وقد احتلت بعض العائلات الشيعية المسلمة، مثل غالبية سكان المدينة، في هذا الحي ما كان في السابق ثكنات عسكرية من الاستعمار الفرنسي. 

ويبدو أن الكثيرين منهم، الذين يرتدون نعالا بلاستيكية ممزقة، فقراء للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون الفرار إلى أي مكان. 

ولا يبدو أن هذا هو حال عبدو، الشاب الميكانيكي المتدرب البالغ من العمر 19 عاما، والذي كان فخورا بقراره بالبقاء. 

ولكن يبدو أن هذا هو حال نزار نون، البالغ من العمر 62 عاما الذي لا يسمح له سِنّه بالتنقل، بعد أن بقي بمفرده. 

وفي مستشفى دار الأمل، حيث ترقد سيلين في قرية دروس المجاورة، تساءلت الممرضة حيدر يوم الجمعة عمن "سيعتني بالمرضى" إذا غادر الجميع.