"ودية" تستبق "الطارئة".. استياء واسع وسخرية من قمة "ابن سلمان" بشأن غزة

"إعمار غزة يجب أن تشارك به الدول التي مولت وسلحت الكيان الصهيوني"
اجتماع غير رسمي.. لقاء ودي.. قمة أخوية.. مسميات عدة وصف بها لقاء استضاف فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالعاصمة الرياض، رؤساء دول خليجية بالإضافة إلى ملك الأردن عبدالله الثاني ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
وقالت وكالة الأنباء السعودية "واس": إن اللقاء الذي وصفته بـ"التشاوري" عقد بدعوة من ولي العهد، مؤكدة أن القادة تبادلوا وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خاصة الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في غزة.
وكانت الوكالة قد استبقت الإعلان عن اللقاء بالتأكيد على أنه "فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه فسيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة المقبلة التي ستنعقد في القاهرة في 4 مارس/ آذار 2025".
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن مصادر مطلعة أن اجتماع الرياض تناول اقتراحا مصريا شمل تمويلا يصل إلى 20 مليار دولار على مدى 3 سنوات من دول الخليج والدول العربية الغنية، من أجل إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها.
وجاء الاجتماع في أعقاب طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خطة بشأن تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وتولي الولايات المتحدة السيطرة عليه، إلا أنه تراجع عن خطته المعلنة بشأن غزة، قائلا: إنها "جيدة لكن لن يفرضها وإنه يوصي بها فقط".
الأمر الذي روجت له وسائل إعلام محسوبة على الأنظمة العربية بأنه تراجع نتيجة التكاتف العربي، وعمدت لكتابة أخبار بديباجة توحي بأن الرئيس الأميركي تراجع عن موقفه المتشدد الداعم لخطة تهجير سكان غزة بعد "اللقاء الأخوي" الذي جمع "الزعماء العرب" في الرياض.
إلا أن ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي سخروا من هذا الربط واتهموا قادة الأنظمة العربية خاصة ولي العهد السعودي بشراء ود أميركا، وأنهم لن يتخذوا مواقف تخدم القضية الفلسطينية وتضمن للفلسطينيين حقوقهم، مؤكدين أنهم اجتمعوا وانفضّوا دون تحقيق شيء.
واستنكروا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #قمة_الرياض، #السيسي، #بن_سلمان، وغيرها، غياب السلطة الفلسطينية أو ممثلين عن المقاومة الفلسطينية عن القمة الودية بالرياض، معربين عن استيائهم من مناقشة أمر قوم دون حضورهم.
وألمح ناشطون إلى غياب سلطنة عمان واليمن عن القمة التشاورية "الودية"، مستهجنين ضعف المبلغ المعلن لإعادة إعمار غزة، فيما أعرب آخرون عن رفضهم تحميل تكلفة إعادة إعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية للأنظمة العربية، دون محاسبة للمتسبب.
بدورها، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إن إعادة إعمار غزة يجب أن تتم بتوافق وطني، وإنها لن تسمح لأي قوة خارجية بالتدخل، مشيرة إلى أن مفاوضات المرحلة الثانية لم تبدأ بعد، وأن الاتصالات مستمرة مع الوسطاء.
وكان القيادي في الحركة أسامة حمدان، قد أكد خلال جلسة "الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة"، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة في نسخته الـ16، أن حماس لن تتنازل عن غزة ولن تخرج منها تحت أي تفاهمات، ولن تقدم أي تنازلات ثمنا لإعادة الإعمار.
وقال خلال الجلسة التي جاءت في أعقاب الإعلان عن خطط عربية أميركية دولية لإنهاء الحرب، إن "المُقاوم في غزة، الذي ضحى بنفسه لأجل أرضه، وخسر نصف عائلته أو كلها، لن يقبل أن تكون حماس خارج المشروع الفلسطيني تحت أي ضغط أو تنفيذ لأي مخطط".
وكان تقييم أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي في 18 فبراير/ شباط 2025 أن الاحتياجات اللازمة لإعادة إعمار غزة وتعافيها، بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع التي استمرت 15 شهرا، ستتجاوز 50 مليار دولار.
وأشار التقييم السريع والمبدئي للأضرار والاحتياجات اللازمة لإعادة إعمار غزة إلى الحاجة إلى 53.2 مليار دولار للتعافي وإعادة الإعمار على مدى السنوات العشر المقبلة، منها 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى.
كلفة إعمار غزة
ورفضا لتحميل الأنظمة العربية كلفة إعمار غزة، تساءل السيد التهامي: “لماذا تقوم دول الخليج بتمويل عملية إعادة إعمار غزة؟ أوليس الأجدر والأحق أن تقوم دولة الكيان بعملية التمويل تلك؟ أليسوا هم من قاموا بتدمير غزة بهذا الشكل الهمجي غير المبرر؟ أمن أجل القضاء على حركة المقاومة يتم دك غزة وتدميرها بهذا الشكل الهمجي السادي؟”.
وذكر بأن المبدأ يقول: إن "مَن أتلف شيئا فعليه إصلاحه"، قائلا: "بل ويجب إجبار الكيان على تعويض المتضررين من أبناء غزة؟ إلى هذا الحد يصل الجبروت والقهر؟ أم إلى هذا الحد يصل الاستسلام والتسليم بإملاءات الآخرين؟ (حتى وإن تم تصويرها بشكل آخر مخالف للحقيقة)".
وتساءل التهامي: "ما الذي يجعل الدول العربية تسارع بهذا الشكل إلى إعادة إعمار غزة؟ (تمويلا وتنفيذا) ؟! هل ثمة ما لا نعرفه؟"، مؤكدا أن المسكوت عنه في "موضوع" غزة أكبر بكثير من المعلن! وشبهه بجبل الجليد الذي لا يُرى إلا خُمُسه!.
وعد طارق عنتر، الكلام عن إعمار غزة مثل محاولة تحويل ضرورة استعادة ملكية العقار لجدل حول طريقة طلاء الجدران، مؤكدا أنه "تضليل لواجب العالم الأخلاقي في تحرير شعب وأرض".
وسخر جمال الهواري من زهد المبلغ المعلن لإعادة إعمار غزة، قائلا: "اجتماع الرؤساء العرب في الرياض انتهي بمقترح تمويل إعمار غزة بـ20 مليار دولار مع أن من كم يوم فقط السعودية وحدها دفعت لترامب 600 مليار دولار".
وقال المحامي حسين جعيدي: “لو أن العرب دفعوا تكلفة إعمار غزة في بناء جيش فلسطيني ما احتاجوا لإعادة إعمارها”.
واستنكرت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد، أن إسرائيل تدمر وأموال العرب تعمر - ويتكرر المشهد وتستنزف ثروات النفط -، قائلة إن إعمار غزة يجب أن تشارك به الدول التي مولت وسلّحت الكيان الصهيوني وأولها أميركا والدول الغربية.
وخاطبت العرب المجتمعين في الرياض قائلة: "ستتخلى حماس عن حكم غزة لكنها لن تختفي طالما أن هناك احتلالا إسرائيليا وإن اختفت خرج غيرها".
غياب فلسطيني
وإلى جانب رفض تحميل العرب وحدهم مسؤولية إعمار غزة، برز الاستنكار للإقصاء الفلسطيني عن القمة، وتعجب خبير الإدارة الإستراتيجي وإدارة الأزمات مراد علي، عقد القادة العرب لمناقشة القضية الفلسطينية وكيفية التعامل مع مقترح ترامب حول تهجير أهل غزة دون حضور أي طرف فلسطيني، متسائلا: “هل هذا طبيعي؟”
وقال: "لا أفهم إصرار القيادة في مصر على تحميل دول الخليج تكلفة إعادة إعمار غزة"، وتساءل: "لماذا لا تتبنى مصر حملة دولية لمطالبة إسرائيل تكلفة ما دمرته؟"، مؤكدا أن هذا هو المنطق وهذا ما قامت به دول أوروبا مع ألمانيا بعد الحرب العالمية.
وقال أحد المغردين، إن مشهد اليوم من اجتماع القادة العرب في الرياض، بدون ممثل لدولة فلسطين للرد على مخططات ترامب لتهجير الشعب الفلسطيني المناضل يعد إجحافا لمكتسبات الثورة الفلسطينية.
وتساءل آخر: “لماذا لقاء الإخوة العرب في الرياض لم يدعوا لفصائل المقاومة أو المتحدث الرسمي لهم أو خليل الحية مع السلطة الفلسطينية أم ليس إخوة لهم؟”
وخاطب "الإخوة العرب" الذين اجتمعوا قائلا: "لقد خبتم وخسرتم".
قمة بلا قيمة
وتقليلا من قيمة قمة الرياض المصغرة "الأخوية والودية"، أوضح بلال نزيه، أن المطلوب من أي قمة عربية مطالبة الصهاينة بتكلفة إعادة إعمار غزة والمدن الفلسطينية، وتعويض سنوي لذوي القتلى على غرار ما تدفعه ألمانيا لهم.
كما أشار إلى أن "المطلوب من القمم العربية فرض الانسحاب من كل فلسطين والعودة إلى بلادهم لأن هذه أرض فلسطين ليست لهم دون قيد أو شرط"، قائلا إن "في حال الرفض يجب التجهيز للحرب لطردهم منها".
وأكد أن "هذا المطلوب من الزعماء.. بشر تحتل أرض وتقتل شعبها وتهدم بيوتهم ماذا تريدون منها.. ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، وغير هذا الكلام يعني أنكم موجودون للكلام فقط".
وقال الإعلامي علي الجفلاوي: "مذ أن سمعت بخطة ترامب لتهجير سكان غزة ، شعرت أن هذه الخطة ما هي إلا مسرحية سمجة هدفها محاولة تبييض صفحة الحكام العرب الخونة الذين باعوا القضية الفلسطينية وارتموا في أحضان الصهاينة وساندوهم بحربهم ضد شعب غزة الأبي، وإظهارهم على أنهم الأبطال والمدافعون عن الغزاويين ورافضون لتهجير والباذلين من أجل إعمار غزة".
وأرجع المعارض السعودي عمر عبدالعزيز الزهراني، اجتماع الرياض الودي لأن ابن سلمان لا يريد الخروج بقرار مباشر من القمة ويسجل عليه وحده، يريد أخذ الموافقات والاتفاقات من العرب ثم يكون الموقف "عربيا"، تجنبا لأن يقال إن السعودية اتخذت القرار وحدها.
وقال الصحفي الجزائري قادة بن عمار: حتى الآن لا أجد مبررا مقنعا لتقسيم القمة العربية "المطعون أصلا في جدواها" إلى قمتين!...الأولى، جرت اليوم في الرياض تحت مسمى "اجتماع أخوي" والثانية تم تأجيلها إلى 4 مارس بالقاهرة وهي القمة العربية (الطارئة)! خصوصا أن الموضوع واحد وهو الرد على خطة ترامب! عموما ننتظر النتائج ونعلق.
مؤامرة عربية
وإعرابا عن الامتعاض من عقد قمة الرياض الودية واستهزأ بها وفضحا لحقيقة أهدافها، قال علي الجندي: "عجز العرب عن عقد قمة رسمية عاجلة ردا على دعوة ترامب لتهجير أهل غزة، فاجتمع بعضهم اجتماعا غير رسمي فى الرياض لم يسفر عن أي بيان والمستخبي بكرة يبان، وعجبى!!!".
وعد محمد بن روضان، اجتماع الرياض مؤامرة فحواها تنفيذ خطة ترامب بإزاحة المقاومة من غزة، مؤكدا أن المقاومة باقية، والكيان وترامب وصهاينة العرب زائلون.
واتهم أحد المغردين، العرب بأنهم "يعملون جاهدين على أن يحصل الصهاينة الملاعون على ما لم يستطيعوا انتزاعه عن طريق القوة الغاشمة".
وقال محمد عمر: إن "القادة العرب مجتمعون في الرياض قبل قمة القاهرة عشان ينفذوا الخطة التي وضعتها إسرائيل وهى نزع سلاح حماس وطرد القيادات مقابل وقف التهجير!".
وقال الكاتب والناشط السياسي إياد خاشقجي، إن "(القادة) العرب الجبناء تهافتوا إلى الرياض لعقد قمة الانبطاح والرخص والاستسلام!".
وأضاف: "هؤلاء يتآمرون على غزة للخروج بصيغة قذرة ترضي مولاهم ترامب، معتقدين أنه لا ينطق عن الهوى، وأنه على كل شيء قدير"، مؤكدا أن "الأقزام يعرفون جيدا أنهم صنيعة سي آ إيه وبالتالي هم لا يخجلون من الإهانة والذل أمام العالم".
تقزيم مصر
وهجوما على السيسي واتهامه بتقزيم دور مصر، قال الإعلامي محمد ناصر علي، إن مصر تتراجع إقليميا ودوليا منذ 2013، وبعدما كانت تقود المشهد أصبحت مجرد تابع.
وأضاف: "السيسي اللي وعدنا بأن مصر هتبقى "قد الدنيا"، خلى مصر درجة ثانية، وخلاها فقدت مكانتها وريادتها، وتركت مقعد القيادة لدول كانت زمان تقف وراء مصر!!". واستنكر علي، عقد قمة غزة في الرياض بدل القاهرة، والسعودية تقود الجهد العربي، معربا عن استيائه من أن حتى رفع العقوبات عن سوريا بجهود سعودية وليست مصرية.
وانتقد أن الإعلام العالمي بات يقول "كل الطرق تؤدي إلى الرياض"، ومصر لم تعد موجودة في المشهد.
ونشر الإعلامي شريف منصور، صورة القمة الودية، معربا عن أسفه الشديد على أن هذه هي قيمة مصر في هذه المرحلة الصعبة.
ودعا إلى النظر في الصورة وترتيب الوقوف "حتى تعلموا إلى أين وصلت مصر".
وأشار الصحفي محمد أبو طاقية، إلى أن "السيسي كان على آخر مكان وقوف رؤساء الدول على الشمال، ولا يوجد على شماله أي رئيس دولة بل الأمير حسين ابن ملك الأردن والشيخ طحنون مسؤول المخابرات الإماراتية، وأمين مجلس المتحف المصري الكبير!".
ولفت في تغريدة كتبها تحت عنوان "صورة واحدة.. تعبر عن مكانة مصر في العالم العربي" إلى أن الصورة الأخوية المعلنة من اللقاء تعكس بدون بروتوكول، الأوزان الفعلية للقوى السياسية لدولنا في عالمنا العربي، قائلا: "سواء تحسبها بالبروتوكول أو الأهمية أو حتى الأخوية، إحنا آخر الصف، ولا عزاء للمستدينين!".
عمان واليمن
وسلط ناشطون الضوء على غياب سلطان عمان هيثم بن طارق، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي عن القمة الأخوية التي دعا لها ابن سلمان.