شرخ في الصفوف.. كيف يشكل "كابينت الحرب" كابوسا لنتنياهو؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

لم يمنع الاتفاق الإسرائيلي على شن عدوان عنيف ضد غزة، اندلاع خلافات تدور رحاها داخل "كابينت الحرب" أو ما يعرف بالمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية. 

وظهرت خلافات واضحة بين أقطاب القيادة الصهيونية، تحديدا رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو من جهة، ومن الجهة الأخرى وزير الجيش يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس.

كلا الشخصين الأخيرين يعدان أكثر تفاهما واتفاقا وأبعد عن نتنياهو الذي يرقب تحديا هائلا وحالة مبهمة لمستقبله السياسي في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

فـ"الملك بيبي" كما يطلق عليه الإسرائيليون، يعد رئيس الوزراء الأطول بقاء في الحكم بتاريخ دولة الاحتلال.

ولطالما تفاخر بأنه حقق الرخاء والأمن لإسرائيل، لكنه اليوم يجد نفسه أمام موقف صعب للغاية مع توجيه انتقادات لاذعة لحكومته بسبب الإخفاقات الأمنية والاستخبارية في مواجهة هجمات حماس.

ولم يكن غانتس وغالانت في الأساس على وفاق مع نتنياهو، لكن وحدهما العدوان على غزة بشكل مؤقت وتحت مظلة مهمة محددة هي القضاء على حماس.

غانتس يتصدر

في 12 أكتوبر 2023، نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن شلومو بن عامي، السياسي والمؤرخ الإسرائيلي ووزير الأمن الداخلي الأسبق في حكومة إيهود باراك، أن نتنياهو سيظل في منصبه لبعض الوقت، على الأقل إلى الانتهاء من الحرب التي أعلنتها إسرائيل على حماس، والتي شبهها البعض بحرب عام 1973، التي كانت أيضا مباغتة لإسرائيل". 

وقارن بن عامي بين ما حدث عام 1973 وما يحدث في 2023، وقال إنه في أعقاب الحرب الأولى ألقي باللوم على القيادة، لا سيما رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير ووزير جيشها موشيه دايان، لرفضهما في الأعوام السابقة أي مساعٍ دبلوماسية كانت تهدف إلى تحقيق السلام مع مصر.

ورأى أن نتنياهو سقط في نفس الفخ بتجاهله جهود الوساطة المصرية لإبرام هدنة طويلة الأجل بين إسرائيل وحركتي حماس والجهاد.

وأضاف أنه كما كان الحال في حرب 1973، فعند انتهاء الجولة الحالية، لن تبقى شخصية واحدة سياسية أو عسكرية في موقعها الذي كانت فيه في السادس من أكتوبر (أي قبل عملية حماس).

واختتم بالقول: "علمنا التاريخ أن الحروب الفاشلة تؤدي إلى تغيير الحكومة".

وفي ظل ذلك المناخ المحتقن يظهر السؤال عن بديل نتنياهو؟ ومن الذي سيخلف الحكومة المتعثرة في وحل الحرب الدائرة في غزة؟ 

أجاب عن شيء من هذه التساؤلات استطلاع رأي أجرته صحيفة "معاريف" العبرية في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023. 

أفاد الاستطلاع أن 51 بالمئة من الإسرائيليين يرون أن بيني غانتس هو الأنسب لرئاسة الوزراء، بينما يقول 31 بالمئة، إن بنيامين نتنياهو هو الأنسب.

وأورد أن أحزاب الائتلاف الحاكم ستحصل مجتمعة على 44 مقعدا فقط فيما لو جرت الانتخابات اليوم.

كما أظهر أن حزب المعسكر الرسمي بقيادة بيني غانتس سيعزز قوته الانتخابية من 12 إلى 38 مقعدا.

وعلق الكاتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ويليام أيه غلاستون، على الاستطلاع قائلا: "بلا شك هجمات حماس تمثل بداية النهاية بالنسبة لبنيامين نتنياهو، بينما يحظى غانتس بشعبية كبيرة ومتصاعدة".
 


تفاقم الخلافات

وبدأت خلافات "كابينت الحرب" تظهر إلى العلن في 12 نوفمبر 2023، عندما عقد مؤتمر صحفي في تل أبيب، ووقتها تصافح غالانت وغانتس، لكنهما تجاهلا بنيامين نتنياهو.

وقد أظهرت المقاطع نتنياهو وهو يلملم أوراقه ويهم بمغادرة المنصة دون تعليق، في حين علقت وسائل إعلام عبرية على هذه اللقطة بالقول: "اثنان ضد واحد، هذا هو محور الحرب".

ومع ذلك فإنه في اليوم التالي (13 نوفمبر) صرح غانتس بأنه يعارض أي تحرك سياسي محتمل للإطاحة بنتنياهو خلال الحرب. وقال: "لا يمكن استبدال رئيس الوزراء في زمن الحرب". 

لكن الموقف لم يمنع أن الخلافات قائمة وحادة، وهو ما حدث في 2 ديسمبر 2023، حين رفض الطرف الآخر في محور الصراع غالانت عقد مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في تل أبيب.

إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه اقترح على غالانت إقامة مؤتمر صحفي مشترك، ولكنه "اختار ما اختار"، في إشارة إلى أنه عقد مؤتمرا صحفيا منفصلا في تل أبيب.

وأضاف نتنياهو أن "لديه تفويضا من الإسرائيليين بقيادتهم، وأنه لا يعمل وفقا لاستطلاعات الرأي".

وكان يشير بذلك إلى استطلاعات الرأي المتواترة التي أظهرت تراجعا كبيرا في شعبيته وشعبية أحزاب اليمين الحاكمة، على رأسها الليكود الذي يرأسه، في مقابل صعود أحزاب المعارضة.

وبحسب صحيفة "معاريف" فإن رئيس الوزراء فضل عدم مشاركة أعضاء مجلس الحرب، غالانت والوزير بيني غانتس، في الإنجاز الكبير الذي تحدث عنه، وهو إعادة الأسرى من غزة.

وتابعت أنه جرى بالفعل استدعاء غالانت للاجتماع، لكن حدث في الوقت ذاته الذي قرر فيه مكتب وزير الجيش عقد مؤتمر صحفي خاص به، وكان قد أرسل دعوة إلى وسائل الإعلام، حسب روايتها.

ورأت أن الانطباع العام الدائم كان أن المسؤولين الكبيرين موجودان هنا لإعطاء الدعم والثقل والشرعية للمتحدث الرئيس نتنياهو.

استدركت الصحيفة، لكن هذه المرة كان المحتوى مختلفا، لم يأت رئيس الوزراء فقط لتوصيل الرسائل والإجابة عن الأسئلة الصعبة، بل كانت لديه الأخبار الطيبة، وهو أول إنجاز كبير منذ  ما وصفته بـ"الفشل الذريع" في 7 أكتوبر.

وأوضحت الصحيفة أن "هذا الإنجاز هو إطلاق سراح 110 رهائن من غزة ضمن جزء من الصفقة مع حركة حماس". ورأت أن نتنياهو فضّل عدم مشاركة هذا الإنجاز الكبير مع أعضاء مجلس الوزراء الحربي، لذلك لم تتم دعوة الاثنين غالانت وغانتس.

وبحسب الصحيفة، زعم مكتب نتنياهو أنه جرى بالفعل دعوة غالانت، وتسليم الدعوة إلى مكتبه.

 


التغريدة العاصفة

ويبدو أن غانتس وغالانت يرقبان نتنياهو المعروف بدهائه السياسي، وهو يحاول أن يناور ليعبر صدمة 7 أكتوبر بأقل الخسائر الممكنة، ويسعى إلى تحميل غيره مسؤولية الفشل. 

هذا ما حدث تحديدا يوم 29 أكتوبر 2023، عندما فند نتنياهو تقارير إسرائيلية ذكرت أن المؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية قدمت تقارير لديوانه مطلع العام حذرت فيها من مغبة اندلاع حرب على عدة جبهات، ولم تستبعد سيناريو هجوم مباغت قد تشنه "حماس" على "غلاف غزة".

بعدها اتهم نتنياهو من خلال تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس" الجيش وأجهزة الاستخبارات بالتقصير والمسؤولية الكاملة عن الإخفاق في التحذير ومنع أحداث "السبت الأسود". 

تغريدة نتنياهو قابلتها عاصفة غضب وانتقادات شديدة اللهجة من الشركاء في ائتلاف حكومة الطوارئ وأعضاء "كابينت الحرب"، لا سيما من قبل غانتس الحليف والخصم في آن واحد.

وخاطب غانتس نتنياهو قائلا بلهجة حادة "عندما تكون إسرائيل في حرب، على القيادة أن تتحلى بالمسؤولية والقيام بخطوات صحيحة ودعم قوات الجيش والأمن لتحقيق ما يطلب منها".

ثم جدد غانتس دعمه الكامل لقادة الجيش والأجهزة الاستخباراتية ورؤساء الأذرع الأمنية.

وقتها وجد نتنياهو نفسه في موقف حرج، زاد من حدته تقريع غانتس له في هذا التوقيت، فاضطر لحذف تغريدته بل والاعتذار.

وغرد نتنياهو بعدها قائلا: "أخطأت. ما قلته لم يكن ينبغي أن يقال وأعتذر عن ذلك. وأعطي الدعم الكامل لجميع رؤساء الأذرع الأمنية".

وتابع: "أدعم رئيس الأركان وقادة وجنود الجيش الموجودين على الجبهة ويقاتلون من أجل البيت (إسرائيل). معا سوف ننتصر".

اللعب بالنار

وعن عمق الخلافات وجذورها والتي تمنع رأب الصدع، كتب موقع موقع "بوليتيكو" الأميركي، في 30 نوفمبر 2023، أن الأنظار تتوجه نحو الموعد الذي سيتخذ فيه الجنرال غانتس خطوته ضد نتنياهو.

ويرجع "بوليتيكو" أن الأيام المقبلة ستتحول إلى نهاية سياسية متوقعة لبنيامين نتنياهو، حيث يلومه العديد من الإسرائيليين على الخطأ الأمني "​​الكارثي" الذي وقع في السابع من أكتوبر.

وذكر أن بيني غانتس، هو المنافس الأكثر ترجيحا لإنهاء مسيرة نتنياهو السياسية، إذ ارتفعت أرقام استطلاعات الرأي له بشكل كبير، في حين انخفضت أرقام رئيس الوزراء إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وشرح الموقع الأميركي أن هناك إشارات واضحة بأن الأمور بدأت بالفعل في التحول، بعد اعتراض غانتس بشدة على ضخ مئات ملايين الدولارات للأحزاب الحريدية واليمينية المتطرفة المؤيدة للمستوطنين. 

وهو ما أعلنه غانتس بوضوح أن وزراء حزبه الخمسة سيصوتون ضد التغييرات في الميزانية، كما انتقد في رسالة إلى نتنياهو ما أسماه "صرف أموال الائتلاف أو أي ميزانية إضافية غير مرتبطة بالمجهود الحربي أو تعزيز النمو الاقتصادي".

وتعد تلك الجزئية مكمن الخلاف بين نتنياهو وغانتس حتى قبل أن تتهاوى أسهم نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى. 

ففي 12 يوليو/ تموز 2023 شن غانتس هجوما قويا على نتنياهو، عندما اتهمه بأنه يلحق ضررا إستراتيجيا في العلاقات مع الولايات المتحدة.

وذكرت حينها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن غانتس وصف سياسة نتنياهو وتحالفه مع اليمين المتطرف، ووجود أشخاص أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سيموتريتش في الحكومة بأنه "لعب بالنار على حساب الإسرائيليين".

وذكر غانتس أن نتنياهو بذلك التحالف مع خطوة التعديلات على السلطة القضائية التي تخوله التحكم بها، قد قرر "تمزيق إسرائيل".