هكذا حولت قبرص الجنوبية المنطقة العازلة إلى سجن مرعب للمهاجرين

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تحولت المنطقة العازلة بين شطري جزيرة قبرص المقسمة، إلى سجن مفتوح للمهاجرين العالقين فيها؛ بعد إظهار نيقوسيا صلابتها في مكافحة تدفقهم من تركيا حتى ولو على حساب "انتهاك القانون الدولي".

وتقسم المنطقة العازلة المعروفة أيضا باسم "الخط الأخضر" الذي يبلغ طوله 180 كيلومترا، الجزيرة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي مرورا بنيقوسيا، وفيها يقع مخيم يقيم فيه مهاجرون غير شرعيون يعيشون أوضاعا توصف بالكارثية.

وجزيرة قبرص الجنوبية أو اليونانية عضو في الاتحاد الأوروبي منذ 2004 وفي منطقة اليورو منذ عام 2008، ولها موقع إستراتيجي عند ملتقى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. 

المنطقة العازلة 

أما الشطر الشمالي، فقد أقامته تركيا عبر "جمهورية شمال قبرص التركية" عام 1983، ولا تعترف به سوى أنقرة ويعيش به 410 آلاف نسمة.

كما فشلت الجولة الأخيرة من المفاوضات لإعادة توحيد الجزيرة في العام 2017.

راهنا تنظر قبرص لنفسها كسور طويل لصد تدفق المهاجرين الراغبين بالذهاب إلى الاتحاد الأوروبي هربا من الحروب وتغول الأنظمة الاستبدادية في بلدانهم.

فالكثير من المهاجرين غير النظاميين يصلون إلى الجنوب من قبرص انطلاقا من الشمال عبر المنطقة العازلة منزوعة السلاح، كما يصل آخرون من سواحل لبنان وسوريا ودول أخرى.

وتؤكد السلطات أن طالبي اللجوء يشكلون 5  بالمئة من عدد سكان الشطر الجنوبي من الجزيرة البالغ 915 ألفا.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 9 أغسطس/آب 2024 إن السلطات الحكومية في قبرص، جمعت عشرات المهاجرين ودفعتهم إلى داخل منطقة عازلة تسيطر عليها الأمم المتحدة عبروها لطلب اللجوء.

وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إميليا ستروفوليدو أن ما يصل إلى 99 طالب لجوء جرى "إعادتهم" إلى المنطقة العازلة بين منتصف مايو/أيار و8 أغسطس 2024. 

وأضافت ستروفوليدو أن الوكالة تعمل على إنهاء محنة طالبي اللجوء، وحثت السلطات القبرصية على معالجة طلباتهم ووضع إجراءات من شأنها منع تقطع السبل بمزيد من المهاجرين في المنطقة العازلة.

وعلى مدى خمسين عاما بالضبط، منذ بدء ما أطلقت عليها تركيا “عملية السلام في قبرص” في 20 يوليو/تموز 1974، ظلت المنطقة المحايدة التابعة للأمم المتحدة في الجزيرة دون مساس إلى حد كبير.

إذ تحتوي المنطقة العازلة على منازل مهجورة وشركات مغلقة ومطار نيقوسيا الدولي المهجور.

بينما أقيمت في المنطقة العازلة خيم عشوائية في بقعتين فيها، زودت بها الأمم المتحدة هؤلاء المهاجرين العالقين.

ومن المعروف أن جميع هؤلاء المهاجرين تقريبا سافروا من تركيا إلى شمال قبرص عبر تأشيرات مختلفة، ثم حاولوا العبور إلى جنوب قبرص المعترف به دوليا قبل أن تمنعهم السلطات.

وضع متدهور

واليوم بات هؤلاء العالقون ضحية معركة إرادات بين حكومة تصر على عدم استقبالهم، والأمم المتحدة التي تقول إن قبرص ملزمة بذلك بموجب الاتفاقيات الدولية.

وترك هذا الجمود الرجال والنساء والأطفال عالقين في موقعين مختلفين على طول الخط بالخيام في ظل حرارة شديدة، بدون مياه جارية أو كهرباء. 

كما يستخدمون مراحيض بلاستيكية، والحمام عبارة عن صندوق مغطى بقماش مشمع ودلو من الماء.

وأغلب هؤلاء العالقين ينحدرون من بلدان مثل سوريا حيث يبلغ عددهم 13 شخصا، وكذلك من إيران وأفغانستان ونيجيريا والصومال وبنغلاديش والسودان والعراق وفلسطين، ومن بين هؤلاء 18 قاصرا، ستة منهم غير مصحوبين بذويهم.

وتعمل الأمم المتحدة على تزويد طالبي اللجوء بحصص غذائية عسكرية وخيام وبطانيات ومراحيض ومرافق غسيل، لكن مع ذلك فإنهم يظلون معرضين للحرارة الشديدة في الصيف والغبار والرطوبة والبرد القارس في الشتاء.

وضمن هذه الجزئية، تلفت ستروفوليدو في حديث لوكالة أسوشيتد برس الأميركية في 9  أغسطس 2024، إلى أن هؤلاء تتزايد احتياجاتهم الإنسانية، وتتدهور حالتهم الجسدية والنفسية مع استمرار بقاء بعضهم في هذه الظروف منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر.

ونوهت إلى أن بعضهم يعانون من أمراض خطيرة مثل السرطان والربو ومشاكل الصحة العقلية الخطيرة.

بدوره حث عليم صديق، المتحدث باسم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قبرص، على وقف عمليات الصد فورا وعلى أن تفي السلطات القبرصية بالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي.

وقال صديق لوكالة أسوشيتد برس: "في جميع الحالات تقريبا، وجد طالبو اللجوء طريقهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، حيث اعترضتهم شرطة قبرص وألقتهم بالقوة في المنطقة العازلة بعد مصادرة جوازات سفرهم وهواتفهم المحمولة".

وعام 2023، أظهرت بيانات الاتحاد الأوروبي أن قبرص سجلت العدد الأكبر لطالبي اللجوء الذين يتقدمون بأول طلب لهم مقارنة بعدد سكانها بين دول الكتلة السبع والعشرين.

وفي قبرص كان المعدل قدره 13 طلبا لكل ألف نسمة متقدمة على اليونان والنمسا (ستة طلبات) فيما المعدل في الاتحاد الأوروبي طلبان فقط.

إلا أن الرئيس القبرصي الجنوبي نيكوس خريستودوليديس عزز الإجراءات الأمنية قرب المنطقة العازلة بعد انتخابه عام 2023.

لكن حينما زار المفوض السامي البريطاني في قبرص عرفان صديق المنطقة العازلة في 29 يوليو 2024 أعرب عن أسفه على منصة إكس من "الظروف المعيشية الكارثية" التي يعيشها المهاجرون، ودعا إلى إيجاد "حل عاجل" لمحنتهم.

وسبق أن دعت الأمم المتحدة قبرص في منتصف يونيو/حزيران 2024 إلى السماح لهؤلاء المهاجرين بتقديم طلبات لجوء.

وأضافت القوة الأممية في قبرص أنهم "بحاجة لبدء إجراءات اللجوء المنصوص عليها في القوانين الوطنية والأوروبية والدولية".

لكن قبرص مصرة على موقفها الرافض وتقول: "قرارنا بعدم قبول هؤلاء الأشخاص تمليه الحاجة إلى ضمان ألا يصبح الخط الأخضر ممرا للمهاجرين" كما جاء في رد وزارة الهجرة والحماية الدولية القبرصية في بيان.

وأضاف البيان "بما أن هؤلاء الأشخاص أتوا من تركيا لدخول المناطق المحتلة (شمال قبرص) فمن مسؤولية أنقرة أن تتولى المضي قدما بإجراءات اللجوء الخاصة بهم".

وتمكنت وكالة الصحافة الفرنسية من إجراء مقابلات نهاية يوليو 2024 مع عدد من العالقين.

وقال حسين زاره وهو جالس على كرسي بلاستيكي في ظل الأشجار، |إنه فر من إيران مع زوجته وابنته على أمل دخول الاتحاد الأوروبي وبدء حياة جديدة في فرنسا.

وصلت العائلة في مايو 2024 إلى إسطنبول ثم إلى شمال قبرص التركية، لكنهم أوقفوا عندما حاولوا العبور إلى الجنوب من خلال المنطقة العازلة.

"نموذج ردع"

ويبدو واضحا وفق المراقبين أن قبرص أرادت أن تجعل من المنطقة العازلة صورة كبيرة لعرض سياستها تجاه المهاجرين عبر تخويف الراغبين في الوصول إلى الجزيرة أنهم تنتظرهم حياة بائسة طويلة ومصير مجهول.

لا سيما أن المسؤولين القبارصة يكررون أمام عدسات الكاميرا أنهم "لن يسمحوا بإنشاء طريق جديد للهجرة غير الشرعية"، فضلا عن أن نيقوسيا “تتفاخر” بأنها ستواصل إشرافها الفعال على طول المنطقة العازلة.

وفي إجراء صارم، علقت قبرص في أبريل/نيسان 2024 معالجة طلبات اللجوء المقدمة من السوريين بعد ارتفاع حاد في أعداد الوافدين غير النظاميين عن طريق البحر.

وتعترض المحامية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان نيكوليتا شارالامبيدو على ادعاء الحكومة القبرصية بأنها تتصرف وفقا للقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي.

وقد بدأت المحامية في أغسطس 2024 إجراءات قانونية نيابة عن 46 مهاجرا عالقا لإجبار السلطات القبرصية على السماح لهم بتقديم طلبات اللجوء.

وقالت شارالامبيدو لوكالة أسوشيتد برس في 9  أغسطس 2024 "إن الحكومة ملزمة بالسماح لهؤلاء الأشخاص بتقديم طلبات اللجوء".

والنقطة اللافتة في وضع هؤلاء العالقين، أنهم إذا عادوا إلى الشمال، فإنهم يواجهون خطر الترحيل، لأن الإدارة هناك لا تملك البنية الأساسية القانونية اللازمة لتوفير اللجوء.

لكن بالمقابل، تقول المتحدثة باسم المفوضية للشؤون الداخلية، أنيتا هيبر، إن الدول الأعضاء ملزمة بالسماح بطلبات اللجوء، حتى في المنطقة العازلة.

وأوضحت في بيان نشر في 10 يونيو 2024 أن "إمكانية أي شخص التقدم بطلب الحماية الدولية على أراضي دولة عضو، بما في ذلك على حدودها أو في منطقة عبور، منصوص عليها في قانون الاتحاد الأوروبي"، ما يعني أن لهؤلاء الحق في الحصول على اللجوء في قبرص.

وفي جانب اللجوء في قبرص، وصل أكثر من 2000 مهاجر غير شرعي إلى البلاد عن طريق البحر في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، مقارنة بـ 78 مهاجرا في نفس الفترة من 2023، وفقا لأرقام الحكومة القبرصية.

وقد أدى تجميد عملية معالجة طلبات اللجوء إلى ترك أكثر من 14 ألف سوري في قبرص في حالة من عدم اليقين، حيث ينتظر العديد منهم الرد على طلبات اللجوء الخاصة بهم منذ أكثر من عام، وفقا للمفوضية الأممية.

ويحق لأغلب هؤلاء الحصول على الغذاء والمأوى في قبرص، رغم أنهم لا يتمتعون بالحق في العمل.

 وبموجب قرار صدر في أبريل 2024، فإن أي شخص عاد إلى سوريا خلال الأشهر الـ 12 (من تاريخ القرار) عبر شمال قبرص التركية لم يعد يتمتع بحقوق الحماية الدولية ويواجه خطر الترحيل.

لكن اليوم يطمح هؤلاء المهاجرون العالقون على الأقل من التمكن من عبور المنطقة العازلة، إلى الجنوب ليتم قبولهم في مرافق حكومية.

إلا أن أولئك الموجودين في المنطقة العازلة باتوا اليوم لا يعرفون ما سيحدث لهم أو إلى متى سيظلون عالقين هناك.

ويخشى هؤلاء من أن "حالة الغموض" حول مصيرهم ما تزال تستخدم كأداة ضغط من قبل قبرص على الأقل في موسم الهجرة الذي عادة ما يتوقف مع دخول الشتاء.

لا سيما أنه في إحدى الحالات عام 2021، ظل مواطنان كاميرونيان محاصرين في المنطقة العازلة لمدة سبعة أشهر حتى جرى نقلهما إلى إيطاليا بعد زيارة البابا فرانسيس لقبرص.