ميناء بايدن على ساحل غزة.. لنقل المساعدات أم لسلب سيادتها وعزلها عن مصر؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

جاء قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، في خطاب "حالة الاتحاد" في 7 مارس/ آذار 2024، بتكليف الجيش الأميركي بإنشاء ميناء بحري مؤقت على ساحل غزة لاستقبال سفن المساعدات الإنسانية، تساؤلات حول الهدف الحقيقي منه.

لماذا بناء ميناء بحري مؤقت وليس تأهيل ميناء غزة الموجود بالفعل لكن الاحتلال دمره؟ ولماذا ميناء بحري لنقل المساعدات يستغرق أسابيع لتشييده ويتكلف الكثير بينما هناك معبر بري جاهز تتكدس أمامه شاحنات المساعدات بالفعل؟

وهل الهدف من هذا الرصيف البحري المؤقت زيادة كمية المساعدات الإنسانية التي تصل غزة مع أنه يمكن ذلك بسهولة من معبر رفح البري؟، أم عزل غزة عن مصر والعالم، وقصر الأمر على منفذ بحري مع قبرص الرومية تسيطر عليه إسرائيل وحدها دون مصر؟

وما علاقة هذا الميناء المؤقت بخطط كشفتها إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2023، لربط غزة بقبرص الرومية وتشجيع أهل غزة علي ترك القطاع والهجرة للخارج عبر قبرص الرومية ضمن خطط سابقة اقترحها الاحتلال ودول غربية لتهجير أهالي غزة؟

وعرضت قبرص الرومية الحليف الإستراتيجي لتل أبيب، وأقرب دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط، في نوفمبر/تشرين ثان 2023 استضافة وتشغيل مرافق لتقديم المساعدات مباشرة إلى غزة بحيث تحل محل معبر رفح عن انتهاء الحرب.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي حينئذ، إن الهدف العام هو إنشاء "مسار سريع" لتسليم المساعدات الإنسانية عبر ممر بحري.

وزار الوزيران الإسرائيلي والقبرصي الرومي ميناء "لارنكا"، الذي يقع على بعد نحو 370 كيلومترا شمال غربي غزة، والذي سيكون نقطة التفتيش الأمنية على الطرف القبرصي الرومي من الممر البحري.

تفاصيل الفكرة

تقوم فكرة ميناء بايدن على إقامة منصة عائمة في البحر أمام غزة، على غرار ميناء مولبيري، الذي شيد في الحرب العالمية الثانية، من قبل قوات الحلفاء لدعم الإنزال الكبير على شاطئ نورماندي بفرنسا.

وهي واحدة من الحلول، قصيرة المدى، في حالات الطوارئ سواء الحروب أو الكوارث، للوصول إلى مناطق صعبة لنقل المساعدات بواسطة السفن، في حال تعذر النقل البري، رغم أن هذا غير مستحيل في حالة غزة.

وهناك شكلان للأرصفة المؤقتة بحسب الحاجة من استخدامها، الأول، هو الرصيف المكون من قطع مجمعة، مثل الطوافات العائمة التي تستخدمها الجيوش في الحالات السريعة، للنقل والحركة من الماء إلى اليابسة.

والثاني، هي الأرصفة المؤقتة المصنوعة من الخرسانة، ويتم تجهيزها في نقطة بعيدة، وقطرها عبر البحر، ونصبها في المكان المناسب، ومن خلالها تربط بالشاطئ عبر جسر عائم يتحمل أوزان الآليات التي ستسير عليه.

وتتكون هذه الموانئ الصناعية من قطع خرسانية ضخمة مسبقة الصنع، وحواجز للأمواج وجسور لنقل الآليات والمعدات العسكرية إلى الشاطئ، ويسهل تفكيكها لاحقا.

من أشهر نماذج الأرصفة البحرية المؤقتة، المعدة من قطع خرسانية هو ميناء مولبيري، الذي شيد في الحرب العالمية الثانية، من قبل قوات الحلفاء لدعم الإنزال الكبير على شاطئ نورماندي بفرنسا عام 1944. 

وكان مستغربا ألا تقرر أميركا نقل المساعدات بحرا عبر ميناء غزة البحري، الموجود بالفعل ولكنه مُدمر بفعل القصف الصهيوني، واختراع فكرة من الحرب العالمية الثانية هي "الموانئ العائمة".

سبب اللجوء الأميركي لبناء منصة عائمة مؤقتة أمام شاطئ غزة لنقل البضائع والسلع لها، لا ميناء غزة البحري الرسمي، هو الهاجس الأمني، وقرب الميناء الفلسطيني من إسرائيل، وفق آراء محللين.

أما الهدف الأهم فهو ضمان سيطرة إسرائيل على أي بضائع ونوعها التي تذهب لغزة بحيث يتم تفتيشها في قبرص الرومية أولا ثم نقلها بحرا بمراقبة جيش الاحتلال لها حتى تصل غزة.

وذلك لضمان عدم دخول أو تهريب أي بضائع أو سلع لغزة لا تريد إسرائيل إدخالها، وكان يجري إدخالها عبر معبر رفح، وتزعم تل أبيب أن بعضها يستخدم في صناعة سلاح حماس.

يرون أن بايدن يكمل ما عجز الاحتلال عن تنفيذه، وأن الميناء الأميركي في غزة لإحكام الحصار على القطاع وعزل مصر عن غزة.

لأن المساعدات ستسلم للجيش الإسرائيلي في قبرص الرومية، أي ستكون هناك سيطرة إسرائيلية من المنبع على المساعدات، والتي ستتحول إلى سلاح لتركيع غزة.

وكانت معظم المساعدات لغزة تأتي عن طريق البر عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، عبر معبر كرم أبو سالم مع إسرائيل، إلا أن وتيرة دخولها شديدة البطء، بسبب عرقلة مستوطنين إدخالها غزة، وادعاء مصر أنها تخشى قصف إسرائيل لها.

وسيشارك في بناء الرصيف العائم قبالة غزة، مهندسون في الجيش الأميركي، حيث سيتم تفريغ حمولة السفن المحملة بالمواد الإنسانية من ميناء لارنكا القبرصي الرومي، وبناء جسر لنقلها إلى شاطئ غزة.

وتقوم هذه الخطة الأميركية على شحن المساعدات إلى الرصيف البحري من قبرص الرومية حيث سيقوم مسؤولون إسرائيليون بتفتيشها أولا، كما يحدث حاليا على الحدود البرية مع مصر، لمنع دخول أي مواد يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.

ثم نقلها عبر سفن بحراسة أميركية إسرائيلية إلى الميناء أو الرصيف العائم المؤقت، والذي نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول قوله إن "الرصيف سيتصل باليابسة عبر جسر مؤقت".

تكتيك جديد

ووصف عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمد نزال في لقاء مع "الجزيرة مباشر" مقترح الميناء الأميركي بأن"لا يزال غامضا ويثير الكثير من التساؤلات".

"تساؤلات كثيرة".. القيادي في حـ.ـماس محمد نزال تعليقا على إنشاء ميناء بحري في قطاع #غزة الذي تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية#الجزيرة_مباشر #غزة_لحظة_بلحظة pic.twitter.com/Ku4TSumLlb

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) March 7, 2024

من جانبه، قال الباحث الفلسطيني سعيد زياد، إنه بعد أن استماتت إسرائيل في قتلنا 5 أشهر كاملة بكل صخب، أيقنت ومن ورائها أميركا أنها فشلت، وأن العالم بات أكثر تعاطفاً مع الضحية وأقل خشية للجلاد، وأنه لم تظهر أي ملامح انكسار لشعب سُحق حرفياً حتى العظام.

وأضاف عبر إكس: وبالتالي، آن أوان تغيير تكتيكات القتل! سنقتلهم ببطء، مائة في اليوم بدلاً من الألف، وبدون ضجيج، وقبل ذلك، سنطعمهم ونسقيهم، ونوصل لهم المساعدات بأكثر الطرق استعراضية.

ومضى زياد يقول:  في الوقت ذاته، سنستمر في تزويد إسرائيل بالسلاح، وسنستخدم الفيتو لصالحها، حتى لو ألف مرة، وسنحمي حربها المقدسة من التوقف، لأنها آخر فرصة لها في البقاء.

وختم بالقول: "هذا هو التصور الأميركي لشكل المعركة في الأشهر القادمة، بمعنى، أن هذا الرصيف هو بمثابة شريان حياة لإسرائيل، وليس لغزة، حتى تستمر آلة القتل في مسعاها.

عن الرصيف الأمريكي المؤقت

بعد أن استماتت إسرائيل في قتلنا 5 أشهر كاملة بكل صخب، أيقنت ومن ورائها أمريكا أنها فشلت، وأن العالم بات أكثر تعاطفاً مع الضحية وأقل خشية للجلاد، وأنه لم تظهر أي ملامح انكسار لشعب سُحق حرفياً حتى العظام، وبالتالي، آن أوان تغيير تكتيكات القتل !

سنقتلهم…

— Saeed Ziad | سعيد زياد (@saeedziad) March 8, 2024 

وقد أشارت لهذا الهدف الدعائي صحيفة "نيويورك تايمز"، بالقول إن مشروع الميناء يعطي بايدن حجة في وقت يتعرض لانتقادات حادة لعدم كبح جماح الهجمات الإسرائيلية ولأنه يتحرك ببطء شديد لمعالجة الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة.

بدورها، قالت صحيفة "نيويورك بوست" إن خطوة بايدن تهدف إلى تهدئة المتظاهرين المناهضين لإسرائيل الذين أطلقوا عليه لقب "جو الإبادة الجماعية" واعترضوا باستمرار على تصريحاته العلنية. 

ولفتت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأنظار إلى أن خطة الميناء العائم بها ثغرات وتطرح تساؤلات حول جدواها.

نقلت عن رئيس مجموعة الدفاع عن المساعدات الدولية للاجئين، جيريمي كونينديك، تساؤله عن كيفية نقل المساعدات من البحر لغزة وهي تحتاج سيارات وشاحنات ونظام توزيع، وهي أمور غير موجودة، ما يثير الجدل حول الهدف منها.

"كونينديك"، وهو مسؤول مساعدات كبير سابق في إدارة بايدن، والآن رئيس مجموعة الدفاع عن مساعدات اللاجئين تساءل: "من سيقوم بتوزيعها؟".

أوضح أن "وجود منظمات الإغاثة في شمال غزة يقترب من الصفر لأن الإسرائيليين يريدون خروج الجميع ومن ثم يقيدون الوصول إلى الشمال منذ ذلك الحين".

ووصف "كونينديك" ممر المساعدات البحرية المقترح بأنه "لا يتجنب مشكلة العرقلة من جانب إسرائيل، فبدلاً من أن تعرقل إسرائيل المساعدات حين تدخل كما تفعل في رفح، سيصبح الآن هناك مشكلة في مرحلة التوزيع".

وهو نفس ما أكده تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" قال إنه "يمكن أن يوفر المرفق الجديد طريقة أخرى لإيصال شاحنات المساعدات إلى المنطقة، ولكنه لن يحل مشكلة مركزية تتمثل في توزيع المساعدات داخل غزة بسبب القصف وتعطيل عمل منظمات إغاثة".

ومن عيوب هذه الخطة أيضا تأكيد مسؤولين أميركيين أن تنفيذ هذا المشروع الكبير "سيتطلب عدة أسابيع للتخطيط والتنفيذ"، بحسب وكالة "رويترز".

"الأمر قد يستغرق أكثر من 30 إلى 60 يومًا للتنفيذ، وسيشمل مئات أو آلاف القوات الأميركية على متن السفن قبالة الشاطئ مباشرة"، حسبما قال مسؤولو البيت الأبيض في إحاطة للصحفيين.

وهو ما يعني استمرار تجويع غزة لمدة شهرين، أو الضغط بهذا السلاح (الميناء) لحين قبول حماس الخطط الإسرائيلية والأميركية بشأن "هدنة" لا وقف دائم للقتال.

ومع ورود تقارير عن وفاة أطفال في مستشفيات بشمال غزة بسبب سوء التغذية، فإن خطة الميناء المؤقت ليست حلا فوريا فيما يبدو لأشخاص يقتلهم الجوع.

علما أنه بموجب اتفاقات أوسلو للسلام عام 1993، وعدت الدول الأوروبية ببناء ميناء بحري بالقرب من مدينة غزة في شمال القطاع. 

لكن الفكرة انهارت بعد انتفاضة الفلسطينيين ضد إسرائيل عام 2000، ولا يوجد الآن سوى ميناء صيد صغير هناك غير ملائم للسفن الكبيرة، ودمرته اسرائيل عدة مرات.

هل التهجير هدف؟

سياسيون ونشطاء مصريون بدأوا التحذير من خطر هذا الميناء ودوره الخفي في التهجير إلى خارج فلسطين وليس لإدخال المساعدات.

وقال الدكتور طارق فهمي، نائب رئيس "المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط"، وخبير الشؤون الإسرائيلية إن تل أبيب لها أهداف من إنشاء ممر بحري في غزة مع قبرص الرومية، ربما أحدها نقل الفلسطينيين في إطار هجرة طوعية.

ورجح أن يكون غرض إسرائيل هو استخدام "قبرص الرومية"، التي تربطها مع إسرائيل علاقات اقتصادية وأمنية، بموجب اشتراك مصالحهما في شرق المتوسط وروابط أخرى لتمرير "الهجرة الطوعية".

لكنه أوضح أن ذلك المخطط يواجه تحديات نظرا لتحفظات أوروبية لأن قبرص الرومية نافذة لأوروبا التي تخشى تسلل المهاجرين الفلسطينيين إليها.

وحذر الناشط المصري "ممدوح حمزة" من الميناء الأميركي ووصفه بأنه "ميناء للتهجير إلى خارج فلسطين، وليس للمساعدات".

احذروا نية امريكا لإنشاء ميناء علي ساحل غزه:
هذا ميناء للتهجير الي خارج فلسطين
وليس للمساعدات
امريكا هي بجدارة الشيطآن الرچيم

— Mamdouh Hamza (@Mamdouh_Hamza) March 8, 2024

وفور إعلان أميركا إنشاء الميناء العائم المؤقت أمام شواطئ غزة، أثيرت تساؤلات عن علاقة الميناء البحري بما سبق أن كشفته وثيقة سرية مُسربة من أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون أول 2023.

الوثيقة كانت تدور حول ملامح مخطط جديد تعده تل أبيب لقطاع غزة غداة انتهاء الحرب، في إطار بحثها عن بدائل لمخطط التهجير والتوطين من جانب، وتجفيف منابع مد فصائل المقاومة بالأسلحة والعتاد من جانب آخر.

وهل ترحيب تل أبيب بالميناء الأميركي، وحثها الدول الأخرى على الانضمام إلى الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والإمارات في تسهيل هذه المبادرة، جزء من خطة "فك الارتباط مع غزة"؟

وفي 22 ديسمبر/كانون أول 2023، التقى وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين، وفودا أمنية ودبلوماسية رفيعة المستوى في قبرص الرومية، أعلنت تل أبيب أنها وقبرص الرومية، اتفقتا على متابعة سبل إقامة "ممر مساعدات بحري" لغزة.

ووصفت تل أبيب الخطة بوضوح بأنها "خطوة مهمة نحو فك الارتباط اقتصاديًا عن القطاع".

وتضمنت الوثيقة المسربة من الخارجية الإسرائيلية، وفق صحف إسرائيلية: حرية تحرك جيش الاحتلال في أرض غزة، ومنع التوسع العسكري بالقطاع لضمان نزع كامل لسلاح الفصائل.

وإنشاء مناطق عازلة على ساحل غزة، ووضع آلية لمنع التهريب والرقابة على "محور فيلادلفيا" ومعبر رفح، وضمان عنصر دولي له صلاحيات تنفيذية في هذا السياق، و"آلية دولية لتقديم الخدمات الإنسانية عبر الممر البحري"، وهو ميناء بايدن!