"كالفئران المذعورة".. هكذا يختبئ جنود الاحتلال خشية ملاحقتهم حول العالم

الجنود الإسرائيليون الذين قاموا بتوثيق جرائمهم ضد الفلسطينيين فعلوا هذا لأنهم يعرفون أنهم بعيدون عن العقاب ولن يحاسبهم أحد
على مدار أكثر من 15 شهرا من حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي على غزة، نشر جنود الاحتلال عددا كبيرا من مقاطع الفيديو والصور التي توثق جرائمهم هناك؛ من تعذيب ونهب ممتلكات، وتفجير منازل للتسلية، وانتهاك حرمة المساجد للسخرية.
سجل الجنود مقاطع مصورة لأنفسهم وهم ينهبون المنازل في غزة، ويدنسون المساجد، ويضربون المعتقلين ويذلونهم، ونشروها على حساباتهم على مواقع التواصل للتفاخر.
"الجنود الإسرائيليون الذين قاموا بتوثيق جرائمهم ضد الفلسطينيين، فعلوا هذا لأنهم يعرفون أنهم بعيدون عن العقاب ولن يحاسبهم أحد"، حسبما قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
مؤسسات مثل "هند رجب"، وحسابات مثل "مراقب الإبادة الجماعية الإسرائيلية"، الذي يقوم بمسح مواقع التواصل وجمع البيانات، وثقت هذه الجرائم، وحددوا هويات الجنود وتفاصيل الحوادث المصورة وطاردوهم.
ما أقدمت عليه "هند رجب"، و"مراقب الإبادة الجماعية الإسرائيلية"، سهل من ملاحقة الجنود الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم الحرب في غزة، حيث أصبح لكل جندي أو جندية ملف شبه موثق بالصوت والصورة على مواقع التواصل بشأن الانتهاكات التي ارتكبوها.
غالبية هؤلاء الجنود أصبحوا الآن مثل الفئران المذعورة، ودخلوا الجحور خشية ملاحقتهم في العالم، واضطر من تم كشف أمرهم في بعض دول العالم للفرار في جنح الليل؛ لتجنب القبض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

جرائمهم بأيديهم
“لا يوجد شيء اسمه دعاية سيئة”.. هذا ما كتبته ضابطة إسرائيلية تُدعى "نوجا فش" على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تجلس، متفاخرة بجرائمها، وسط أنقاض مسجد مُدمر بغزة، ساخرة من اتهامها بارتكاب جرائم حرب، ومتحدية من يحاسبها.
حوادث مثل هذه وغيرها، دفعت حسابات ومؤسسات تسعى إلى تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الإسرائيلية، لتوثيق ما يكتبه ويصوره جنود الاحتلال على مواقعهم لإثبات جرائمهم وملاحقتهم قانونيا.
أشهر هذه المؤسسات هي "هند رجب"، التي تلاحق جنود إسرائيل مرتكبي إبادة غزة، وتستعين بمقاطع فيديو وصور نشرها عسكريون إسرائيليون من غزة لتتبع تحركاتهم ومقاضتهم في أي دولة يزورونها.
و"هند رجب" هي طفلة فلسطينية (5 سنوات) قتلها جنود الاحتلال بقصف سيارة لجأت إليها مع 6 من أقاربها في غزة يوم 29 يناير/كانون الثاني 2024، فألهمت المؤسسة فكرة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وسُميت باسمها في بروكسل.
وتقول المؤسسة التي تأسست في فبراير/ شباط 2024، إنها "مكرسة لتحقيق العدالة عبر ملاحقة الجنود الإسرائيليين قضائيا في أنحاء العالم؛ ردا على جرائمهم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبوها".
وحسب وثيقة لدائرة الأبحاث في وزارة "الشتات ومكافحة معاداة السامية" الإسرائيلية، "تقف مؤسسة هند رجب وراء الملاحقة القضائية ضد 28 جنديا إسرائيليا في 8 دول، منها البرازيل وتايلاند وهولندا وسريلانكا وفرنسا.
وحين نشر الجندي الإسرائيلي "عمري نير، يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، صورة على إنستغرام" وهو داخل منزل في غزة قُتل أصحابه في الإبادة الجماعية الإسرائيلية"، طاردته “هند رجب”، ورفعت عليه قضية وهو في تايلاند أمام المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياه بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وطلبت رسميا اعتقاله.
50 شكوى في 10 دول
وأكدت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان)، في تقرير لها يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2025، تزايد محاولات ملاحقة جنود إسرائيليين قضائيا في الخارج منذ بدء حرب الإبادة في غزة.
وقالت "كان"، وصحيفة "هآرتس" إنه "تم تقديم حوالي 50 شكوى ضد جنود احتياط، فتحت 10 تحقيقات منها في جنوب إفريقيا وسريلانكا وبلجيكا وفرنسا والبرازيل، لكن لم يتم تسجيل أي اعتقالات حتى الآن"؛ حيث تدخّل جيش الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية لتحذير وتهريب هؤلاء الجنود والضباط المجرمين.
وتحت عنوان "هذه هي المؤسسة التي تلاحق جنود الجيش الإسرائيلي الذين يسافرون إلى الخارج"، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2025، أن "مؤسسة هند رجب تقدمت بطلبات اعتقال لـ 1000 جندي إسرائيلي مزدوج الجنسية في 8 دول، بينها إسبانيا وأيرلندا وجنوب إفريقيا".
وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن "هند رجب" غيرت تكتيكاتها، وبدأت تتجنب نشر أسماء الجنود المستهدفين لزيادة فرص اعتقالهم وعدم تنبيه سلطات الاحتلال لهم.

ويوم 5 يناير/كانون الثاني 2025، أصدرت محكمة برازيلية أمرا عاجلا للشرطة بتوقيف أحد جنود الجيش الإسرائيلي، والتحقيق معه بتهم تتعلق بارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك بناء على شكوى جنائية تقدمت بها منظمة هند رجب.
واتهمت الشكوى الجندي بـ"المشاركة في هدم أحياء مدنية كاملة في غزة خلال حملة ممنهجة، ضمن جزء من جهد أوسع لفرض ظروف معيشية غير محتملة للمدنيين الفلسطينيين، ما يشكل إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي".
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الجندي المطلوب في البرازيل هرب ليلا إلى دولة مجاورة ثم إلى تل أبيب وألغى إجازته السياحية.
وكانت الأدلة المقدمة ضده هي مقاطع فيديو وصور تُظهر الجندي وهو يزرع متفجرات ويشارك في تدمير أحياء كاملة، و"هذه المواد تثبت دون شك تورط المشتبه فيه مباشرة في هذه الأفعال الشنيعة"، وهو ما تكرر مع جنود آخرين.
وذكرت المنظمة أنها أرفقت بالشكوى أكثر من 500 مستند، عندما طلبت من المحكمة القبض على الجندي خشية مغادرته البرازيل.
أيضا فر ضابط احتياط إسرائيلي من قبرص في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بعد أن نشرت المنظمة الفلسطينية صورته واسمه، وأعلنت أنها تقدمت بشكوى ضده بشبهة "ارتكاب جرائم حرب"، على ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان-ريشت بيت".
أيضا قدمت منظمة صندوق هند رجب دعوى قضائية إلى محكمة تايلاندية يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2025، ضد جندي إسرائيلي كان في إجازة في تايلاند، واتهمته بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.

مراقب الإبادة
بجانب "هند رجب"، هناك دور آخر مهم يلعبه حساب "مراقب الإبادة الجماعية الإسرائيلية" على منصة "إكس"، يُرعب جنود الاحتلال بكشف معلوماتهم الشخصية بعد اعترافاتهم بجرائمهم ضد الفلسطينيين عبر حساباتهم.
حيث يقوم الحساب المُسمى “Israel Genocide Tracker” بعمل مسح لوسائل التواصل الاجتماعي، وجمع بيانات جنود الجيش الإسرائيلي ونشر جرائم الإبادة التي وثقها الجنود ونشروها على حساباتهم.
وتتمثل خطورة ما يقوم به الحساب على ضباط وجنود الاحتلال في أنه يقوم بإنشاء "ملف تعريف" لكل جندي، يتضمن معلومات شخصية مثل الاسم والعمر وأصل العائلة ووحدة الجيش، ومكان السكن، ويرصد تحركاته عبر مواقع الرصد لكي يتم اعتقاله لو سافر خارج إسرائيل.
وقد تسبب حساب Israel Genocide Tracker في حالة من الذعر بين الجنود الإسرائيليين، وبدأت منظمات يهودية تنقل عن بعضهم قوله: "أخشى أن يتمكنوا من البحث عن اسمي والعثور علي هناك".
وحسب القناة 12 الإسرائيلية، فإن العديد من الجنود خائفون ومرعوبون من الحساب ولا يعرفون كيف توصل الحساب لصورهم ومعلوماتهم الشخصية، ما يعني أنهم لن يظلوا بمنأى عن العقاب.
وقالت صحيفة "إسرائيل هيوم" في 5 يناير/كانون الثاني 2025 إن مجموعة عربية نشرت معلومات عن هوية الجندي الإسرائيلي يتسحاق كوهين، وقالت إنه هو الذي قتل يحيى السنوار ما تسبب في تهديد لهذا الجندي وعائلته، رغم نفيه أي صلة له بمقتل زعيم حماس.
فضح 35 ألف جندي
ويشير تقرير لموقع "ميديا بارت" الاستقصائي في 7 يناير/كانون الثاني 2025، إلى أنه "تم تسريب تفاصيل عن 35 ألف جندي وموظف استخبارات إسرائيلي على تطبيق تليغرام ضمن جهود محاكمة الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب".
وأوضح أن قناة Middle East Spectator Telegram نشرت يوم 5 يناير 2025، ملفا قالت إنه يحتوي على أسماء وتفاصيل الاتصال الخاصة بـ35 ألف جندي إسرائيلي وأعضاء وكالة التجسس الإسرائيلية (الموساد)، لتقديمهم للعدالة خارج إسرائيل بعد تحديد مكان وجودهم.
وتقول "هيللي مودريك-إيفن كين"، الخبيرة في القانون الدولي ورئيسة مركز جامعة أرييل لأبحاث ودراسة الإبادة الجماعية، لموقع ميديا لاين: إن "ظاهرة رصد مجرمي الحرب ليست جديدة، وبدأت منذ حوالي 20 عاما مع انتشار الولاية القضائية العالمية".
و"الولاية القضائية العالمية"، مبدأ قانوني يسمح للدولة بمقاضاة الأفراد عن جرائم معينة حتى لو ارتُكبت خارج تلك الدولة ولم يشارك فيها أي من مواطني الدولة.
ويستند هذا المبدأ إلى فكرة أن بعض جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مروعة، ولو أقرت أي دولة قوانين تسمح بتطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية يمكنها أن تسعى بنفسها إلى تحقيق العدالة.

رسائل الملاحقة
أقلقت هذه الملاحقة القضائية التي يتعرض لها الجنود الإسرائيليون في بلدان عدة المجتمع الصهيوني ودفعت كُتاب إسرائيليين معارضين لحكومة نتنياهو باتهامه بأن رفضه محاسبة جنود قاموا بفظائع في غزة بموجب قوانين الجيش الداخلية، شجعت منظمات دولية على محاكمة جنود الاحتلال.
إذ إن الملاحقة القضائية تعني بدء موسم حصاد "جراد الحرب" لمجرمي الاحتلال العسكريين والسياسيين معا، ما سيؤدي إلى انعزال الاحتلال دوليا وتقليص التطبيع.
ويشير محللون إسرائيليون إلى أن هذه المحاكمات تبعث "رسالة سلبية" للمجتمع الإسرائيلي تبين مدى انعزاله ورفض الرأي العام العالمي لممارسات الاحتلال.
ويؤكدون أنها تشكل حصارا للإسرائيليين داخل بلادهم، وأن حالة الذعر ستتصاعد مع تزايد هذه الملاحقات القضائية للجنود الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب بغزة، ما سيفرض عليهم أن يعيشوا منعزلين مطاردين.

وقد أصدر الجيش الإسرائيلي عدة تحذيرات لضابطه وجنوده من احتمال اعتقالهم خارج إسرائيل، بل إن الجيش نجح بالفعل مع خارجية الاحتلال في تهريب جنود من البرازيل والأرجنتين بعد محاولة اعتقالهم بشبهة ارتكاب جرائم حرب.
وكتب رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، في افتتاحية مطلع يناير 2025، يطالب جنود الاحتلال بالتوقف عن نشر منشورات على مواقع التواصل خاصة جرائمهم في غزة بحجة أنها “تتحول إلى كراهية لإسرائيل”، قائلا: "توقفوا عن المشاركة الآن على مواقع التواصل، توخوا الحذر، يتعين على الجنود أن يفكروا مَلِيا قبل أن ينشروا".
ويشير تقرير لـ"وحدة أمن المعلومات" بجيش الاحتلال، أن الجنود ينشرون نحو "مليون مادة يوميا" على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يوفر مادة خصبة عن جرائمهم بأيديهم، ويسهل نجاح استهداف الجنود بالخارج.
وقالت صحيفة "هآرتس" يوم 5 يناير/كانون الثاني 2025 إن الحكومة الإسرائيلية وجهاز الأمن استعدوا لمساعدة الجنود حال اعتقالهم في دول أجنبية لارتكابهم جرائم حرب في غزة، عبر استئجار خدمات مكاتب محامين محليين في تلك الدول.
وجرى تشكيل هيئة مشتركة للنيابة العسكرية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والشاباك (المخابرات)، بهدف تحليل مستوى المخاطر على الجنود في دول عديدة، بعد أن تم رصد قيام منظمات بإنشاء مخزون أدلة وصور ومقاطع فيديو نشرها جنود إسرائيليون عبر مختلف الشبكات الاجتماعية خلال الحرب على غزة.
كذلك جرى تحذير الوزراء الإسرائيليين بالتوقف عن تصريحاتهم في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، التي تدعو لتجويع سكان قطاع غزة، خشية تقديمهم لمحاكم جنائية دولية.
المصادر
- Stalked on Social Media: Israelis Accused of War Crimes Increasingly in Danger
- 'No Such Thing as Bad Publicity' | Israeli Officer Jokes on Social Media About Accusations of War Crimes
- "هند رجب" تلاحق جنود إسرائيل مرتكبي إبادة غزة
- Amid outcry over Gaza tactics, videos of soldiers acting maliciously create new headache for Israel
- 'Stop sharing now': IDF reservists' posts are being twisted into Israeli hate – editorial
- Israel Genocide Tracker