موريتانيا تلزم مدارس أجنبية بتدريس الدين واللغة العربية.. ما فائدة القرار؟
تحاول السلطات الموريتانية لجم تفلت المؤسسات التعليمية الأجنبية بالبلاد، عبر إلزامها بتدريس تلاميذها الدين الإسلامي واللغة العربية، في وقت يرى مراقبون أن الجهود الرسمية لتحقيق هذه الغاية ما تزال ضعيفة ودون مستوى التحديات.
آخر هذه الجهود، إعلان المختار ولد داهي، وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، إلزام المدارس الخصوصية التي تدرس حاليا مناهج أجنبية بتدريس مواد التربية الإسلامية والعربية.
وكذلك مواد التربية المدنية، والتاريخ والجغرافيا، طبقا لمناهج وبرامج الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
إشكالية التنفيذ
وذكر موقع "وكالة الوئام الوطني للأنباء" المحلي، 28 ديسمبر/كانون أول 2023، أن الوزارة أصدرت مرسوما ذكرت فيه أن قرارها يأتي "بعد تشاور مثمر واتفاق تام مع الفاعلين والمستثمرين بالمدارس الخصوصية التي تدرس حاليا مناهج أجنبية".
وشددت الوزارة أن "تدريس هذه المواد الأربع وفق البرنامج والكتب المدرسية المعتمدة من المعهد التربوي الوطني، وطبقا لحكم التوقيت الدراسي والضوارب المعتمدة حسب كل سلك وكل تخصص".
كما ألزم المرسوم الوزاري "المفتشية العامة للتعليم ومديرية التعليم الخاص بالسهر على التطبيق الصارم وفي الآجال المحددة لمضامينه".
ونبه وزير التهذيب خلال ندوة صحفية عقدها في 3 يناير/كانون الثاني 2024، إلى أن هذا الإجراء الذي اتخذه بخصوص تدريس المواد الأربع هو إجراء انتقالي في انتظار إصدار قوانين مؤطرة وناظمة للتعليم الخاص والمؤسسات الأجنبية.
وأكد أن إصدار هذه القوانين سيجرى بمقاربة تشاركية وبتوافق مع باقي المتدخلين والمعنيين.
في تفاعله مع القرار، قال الباحث الأكاديمي عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، إن المرسوم الوزاري في غاية الأهمية والضرورة، ونحن بحاجة إليه.
وأضاف الشنقيطي لـ"الاستقلال"، أن الإشكال ليس في إصدار القرارات والمراسيم والقوانين، بل في متابعتها وتنفيذها على أرض الواقع.
وذكر أن المدارس الأجنبية وخاصة الفرنسية منها، تعارض مضامينها المقدمة للتلاميذ الأبعاد الدينية والأخلاقية والثقافية الموريتانية، ولا علاقة لهويتنا بما يجرى تدريسه.
واسترسل الشنقيطي: "لذلك تجد المتخرج فيها لا يعرف كيف يصلي ولا لماذا يصلي، بل من هذه المؤسسات من يوغل في الإساءة للثوابت، ومن ذلك واقعة قبل فترة لأستاذة أساءت للمصحف الشريف، وما تزال تمارس مهامها التدريسية إلى الآن".
وأبرز الباحث الأكاديمي، أن القرار يهدف لتكوين التلاميذ الموريتانيين في المؤسسات الأجنبية وفق مقومات البلد، اللغوية والدينية والتاريخية والجغرافية، ليعرف المتعلم الموريتاني هذه الأسس.
بدوره، قال الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل خيري، إن القرار الوزاري لا يعدو أن يكون ضجة إعلامية للاستهلاك المحلي.
وأضاف خيري لـ "الاستقلال"، القرار في حد ذاته صائب ومهم جدا، ونؤكد عليه ونرحب به، لكن مع الأسف لا نثق في مثل هذه القرارات، التي تعد دعائية أكثر منها واقعية.
ويعتقد أن قضية تغيير الأبعاد السلبية التي تأتي بها المؤسسات الأجنبية يحتاج إلى تدرج وبشكل ملموس، ويرى أن القرار جاء بطموح كبير جدا وحلق عاليا.
ورأى أن هذه المدارس لها أجندة خاصة، ومنها محاربة القيم المجتمعية وسلخ الطلبة عن ثقافتهم المحلية، وترسيخ ثقافة المستعمر السابق (فرنسا)، بأشكال جديدة، مما يستوجب دراسة متأنية لكيفية مواجهة كل هذا، وبتدرج، وبأسلوب عملي لا دعائي.
تفاعلات مجتمعية
عدد من الفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي بموريتانيا رحبوا بالقرار، ويرون أنه بداية لمعالجة أشكال الاختلالات التي يعرفها قطاع المؤسسات الأجنبية في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال الإعلامي والمدون البشير ببانه، إن قرار الوزير يأتي "بعد أن أمضت المدارس الأجنبية فترة طويلة دون الخضوع لمعايير ومناهج التدريس المعتمدة في القانون الموريتاني".
وذكر ببانه في تدوينة نشرها عبر حسابه على فيسبوك، 29 ديسمبر 2023، أن "هذه الخطوة في غاية الأهمية، فمن غير المنطقي أن تكون في موريتانيا مدارس لا تعتمد العربية لغة وطنية جامعة لكل الموريتانيين، ولا تدرس التربية الإسلامية بصفتها مادة مهمة في تربية النشء والأجيال على الأخلاق والقيم السمحة".
وتابع قائلا إن "الوزير بعد مفاوضات مضنية مع ممثلي هذه المدارس، استطاع أن يصل معهم إلى الاتفاقية التي تأخرت كثيرا، كما منحهم تراخيص مؤقتة لمعرفة مدى التزامهم بالاتفاق".
وخلص ببانه إلى أن "هذه الخطوة ستكون بداية لتقييم المؤسسات الخاصة كما أنها ستوفر مئات من فرص العمل للمعلمين والأساتذة".
بدوره، رأى الناشط الإسلامي أحمد محمد المداح، أن القرار الذي اتخذته الحكومة الموريتانية بخصوص إلزام المدارس الأجنبية بتعليم مواد التربية الإسلامية والمدنية واللغة العربية وتاريخ وجغرافية موريتانيا، يستحق الدعم والإشادة والتنويه.
وأكد المداح في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، 29 ديسمبر 2023، أنه "لا بد للخيرين أن يشاركوا في طريقة تنفيذ القرار حتى يحقق الهدف المرجو منه، وذلك باختيار وتكليف أساتذة ومعلمين أكفاء وحملة رسالة.
حوادث متكررة
وشهدت موريتانيا حوادث متكررة دلت على معاكسة عدد من المدارس الأجنبية للثوابت الدينية الوطنية.
ومن ذلك حادث مدرسة "الأطر DES CADERS" ذات الإدارة والمناهج الفرنسية، إثر تنظيمها حفل جرى خلاله رفع أعلام "الشذوذ الجنسي" من قبل بعض التلاميذ.
الحادث الذي وقع في يونيو/حزيران 2023، دفع بفئات واسعة من المواطنين إلى المطالبة بمحاسبة هذه المؤسسة.
فيما نظم مجموعة من أئمة المساجد، وقفة احتجاجية أمام القصر الرئاسي بالعاصمة نواكشوط، استنكروا خلالها ما أسموها محاولة تربية جيل من الأطفال على التكيف مع شعارات الشواذ، داعين للوقوف "بحزم أمام الحادثة وعدم السماح بتكرارها".
ووصف مجموعة من المفتشين في بيان وقعه أكثر من 100 شخص منهم، الصورة المتداولة في الحفل الذي نظمته المدرسة بأنه "ترويج للشذوذ"، وأنه "مرحلة متقدمة من تحدي مشاعر الأمة".
وتفاعلا مع هذا الحدث، أوضح موقع "الفكر" المحلي، أن عموم المدارس الأجنبية تتميز باعتماد منهج خاص بها لا يتقيد بالمقررات الموريتانية إلا نادرا، كما أن بعضها وخصوصا الفرنسية منها يعتمد النظام الفرنسي بشكل كامل.
وذكر الموقع أن هناك معلومات متواترة بشأن وجود موظفين أو مدرسين يتعمدون فتح نقاشات تنصيرية مع الطلاب.
وفي حالات متعددة أثارت مواقف وتصريحات بعض المدرسين غضبا كثيرا من التلاميذ الموريتانيين، وخصوصا في المدارس الفرنسية، ونظموا احتجاجات وقدموا شكاوى إلى إدارتها.
وقال المصدر ذاته، إنه وفق ما تؤكده مصادر رفيعة في قطاع التهذيب الوطني في موريتانيا، فإن هذه المدارس هي جزر مغلقة أمام الرقابة التربوية، وتحظى برعاية ودعم وحماية من شخصيات وجماعات ضغط مؤثرة جدا.
وأضاف: "كما تمتاز هذه المدارس بحرصها الشديد على إبعاد المواطن الموريتاني عن التدريس في فصولها وعلى اختيار مدرسين أجانب من خارج البلاد".
وفي حالة التعامل مع المدرسين الموريتانيين فإنها تقدم لهم تعويضات زهيدة، وفق قوله. وشدد أن على الدولة أن تدرك خطورة المدارس الأجنبية، وأن تخاطبها بما تفهم.
وتابع: "للبلد تقاليده وأعرافه وقيمه الراسخة، التي لا تضيق ذرعا بثقافة المخالف أو بعلمه، لكنها لا تقبل استغفال صبية صغار يبحثون عن المستقبل المشرق فيزرع فيهم ما لا يقبله المجتمع في غفلة من الرقيب، كمسلمات".
وفي هذا الصدد، رأى الباحث الأكاديمي عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، أن تعميم تدريس المواد الأربع المذكورة في المرسوم الوزاري، يجب أن يطال الجامعات أيضا، خاصة طلاب الطب والصيدلة، والكليات الهندسية، والمعاهد المهنية العسكرية.
ونبه الشنقيطي لـ "الاستقلال" أن المتخرج في هذه المعاهد لا يعرف الكثير من الأسس التي يجب أن يكون على علم بها، في أمور دينه ولغته وثقافته وتاريخه، ومقوماته الحضارية بشكل عام.
وأبرز أن هذه المدارس الأجنبية، وإن كان لها دور إيجابي على مستوى إمداد البلد بمعارف علمية متطورة، إلا أنها بالمقابل، تأخذ من موريتانيا رجالا متميزين، حيث تجعل ولاءهم لتلك الدول التي درسوا وفق منهاجها.
وقال: "هؤلاء التلاميذ يقعون في إعجاب مرضي بالدول الغربية، وانبهار تام بها، ويصابون بالاستلاب الثقافي والهوياتي"، مشددا على أن المتخرج المستلب لن يكون نافعا لمجتمعه ودولته.
وخلص إلى أن موريتانيا تتوفر على الأطر البشرية الكافية لتفعيل المرسوم الوزاري، وتدريس المواد الأربع المذكورة بالمؤسسات الأجنبية، داعيا الحكومة إلى تطبيق القرار على الوجه الأكمل، لما فيه من عوائد كبيرة ولما يسد من ثغرات جليلة.