إنشاء برلمان مشترك لــ”تحالف دول الساحل”.. تكامل إقليمي أم خطوة شعبوية؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

استمرارا في تنفيذ الشراكة الإقليمية الموقعة بين زعماء دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بدأ برلمانيون وخبراء، في العاصمة واغادوغو، في إعداد النصوص المتعلقة بإنشاء “برلمان مشترك” لتحالف دول الساحل الإفريقي.

وتحدث موقع "قراءات إفريقية" في 13 أغسطس/ آب 2025، عن عقد اجتماع رفيع المستوى بهدف إنشاء برلمان مشترك "لتحالف دول الساحل"، في خطوة مهمة على درب التكامل الإقليمي والتعاون السياسي.

كيان سياسي

وبحسب الموقع، فقد ضم الاجتماع المنعقد خلال الفترة ما بين 11 و15 أغسطس وفودا مكونة من نواب وموظفين وخبراء في مجالات التشريع، والإجراءات البرلمانية، والدبلوماسية، والتكامل الإقليمي من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وأوضح أن الاجتماع ركَّز على إعداد مشاريع النصوص التي تؤطر، على نحو منسق، الدورات الاتحادية لبرلمانات تحالف دول الساحل، بما يتوافق مع أحكام معاهدة الاتحاد.

ومن المتوقع، بشكل خاص، وفق الموقع، أن يتوج الاجتماع بتحديد إجراءات التمثيل خلال عقد الدورات الاتحادية، وولاية وتنظيم الدورات، وهيكل ووظائف الهيئة البرلمانية الاتحادية المستقبلية، ومشاريع البروتوكول الإضافي والنظام الداخلي.

وأخذت الدول الثلاث زمام المبادرة لتقرير مصيرها بإنشاء تحالف دول الساحل، قبل أن تعزز ذلك بتوقيع المعاهدة المؤسسة لاتحاد دول الساحل، في 6 يوليو/تموز 2024 .

وأُسس تحالف دول الساحل بموجب ميثاق "ليبتاكو–غورما" كتحالف دفاعي عقب انسحاب الدول الثلاث من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، ثم تحوّل رسميا إلى اتحاد كونفدرالي خلال القمة الأولى لقادته في 6 يوليو 2024.

ويشمل التحالف تكاملا إقليميا؛ إذ توجد مبادرات لإطلاق عملة مشتركة وسوق داخلية متكاملة وقوة عسكرية موحدة مكونة من 5000 جندي، وتعاون قضائي ومشروعات ثقافية ورياضية مشتركة ترسّخ الهوية الوطنية للتحالف.

كما استحدث التحالف في فبراير/ شباط 2025 علما رسميا، ثم بنكا تنمويا إقليميا في مايو/أيار، لدعم المشاريع المشتركة دون الاعتماد الخارجي.

ويعكس التوجه نحو إنشاء برلمان مشترك انتقال التحالف من التنسيق الأمني إلى بناء كيان سياسي مؤسسي، يمنحه شرعية داخلية وخارجية، ويعزز من قدرته على بلورة سياسات موحدة في مجالات متعددة.

تعزيز السيادة

في كلمته الافتتاحية للاجتماع الثلاثي، استذكر النائب الرابع لرئيس الجمعية التشريعية الانتقالية في بوركينا فاسو، داودا ديالو، نشأة هذه المبادرة.

وقال : "ينبثق اجتماعنا من الرغبة المشتركة لرؤساء دول بوركينا فاسو ومالي والنيجر، الذين أعربوا، عقب القمة التي عُقدت في نيامي في 6 يوليو 2024، عن رغبتهم في إنشاء دورات برلمانات دول جنوب الصحراء الإفريقية، وأن تستضيف بوركينا فاسو أول دورة".

وأكد ديالو وفق موقع "بوركينا 24"، أن “أهمية هذا العمل لمستقبل التحالف”.

وشدد على أن "وضع مشاريع نصوص تنظم الدورات الكونفدرالية أمر بالغ الأهمية، ومن خلال هيكلة عمل هيئاتنا البرلمانية المشتركة، ستسهم هذه النصوص في توفير إطار مؤسسي متين وشرعي وفعال لاتحادنا".

من الجانب المالي، أكّدت راكي تالا ديارا، النائب الخامس لرئيس المجلس الوطني الانتقالي، على أهمية هذا النهج، مشيرة إلى "رغبة الدول الأعضاء في الاستقلال الذاتي".

وقالت: "لقد قررنا أن نأخذ مصيرنا بأيدينا، وأن نوحد جهودنا، وأن نتحدث بصوت واحد، وأن نبني هيكلا مؤسسيا متكاملا حول قيم مشتركة: الأمن والكرامة والعدالة والتنمية المستدامة".

وأوضحت ديارا أيضا أن إنشاء الركيزة البرلمانية ليس مجرد إجراء قانوني شكلي، بل يُنظر إلى هذا البرلمان على أنه الضامن "للرقابة الديمقراطية، والتنسيق التشريعي، وتمثيل شعوب منطقة الساحل في إطار حوكمتنا الجديد".

بدوره، أكد رئيس وفد النيجر، العقيد إينوسا نوماو، النائب الثاني لرئيس المجلس الاستشاري لإعادة التأسيس في النيجر، أن هذا الاجتماع يمثل خطوة حاسمة في ترسيخ المؤسسات الكونفدرالية.

ووفق موقع "لو فاسو" في 11 أغسطس 2025، قال نوماو: "تشترك دولنا الثلاث في تاريخ مشترك، وروابط راسخة، وأخوة تبلورت عبر المحن والانتصارات".

واسترسل: "اليوم، وفي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يقع على عاتقنا واجب ترسيخ هذه الأخوة في إطار مؤسسي متين يضمن سيادتنا وازدهارنا المشترك".

وأضاف المسؤول النيجيري، أنه إلى جانب صياغة النصوص، من المتوقع أن يعزز هذا الاجتماع التشاور الثلاثي، ويجمع الخبرات، ويسعى بشكل مشترك إلى مبادرات لتعزيز السيادة والتكامل الإقليمي.

وحث العقيد نوماو على "توحيد الجهود، لبناء اتحاد كونفدرالي أقوى في خدمة السلام والاستقرار والازدهار المشترك".

يشار إلى أن كل وفد يضم ستة ممثلين برلمانيين وستة مسؤولين (خبراء في الشؤون التشريعية، والإجراءات البرلمانية، والدبلوماسية، والتكامل الإقليمي).

تفاعل إعلامي

ووصف موقع "ساحل أنتلجنس" الاجتماع الثلاثي بـ"الإستراتيجي"، وذلك لكونه يعمل، ولأول مرة، على تحديد كيفية عمل الإطار البرلماني المشترك بين دول الساحل.

ورأى الموقع في تقرير منشور في 13 أغسطس 2025، أن هذا الاجتماع “يمثّل خطوة أساسية في الهيكلة السياسية لهيئة تحالف دول الساحل”.

وأردف: “خاصة أنه يهدف إلى وضع القواعد المنظمة للجلسات البرلمانية الكونفدرالية، والتي من شأنها أن تسمح بالتشاور بين الولايات، وتوحيد القوانين، ومراقبة العمل الكونفدرالي بروح السيادة المشتركة”.

وأشار إلى أن المناقشات ركزت على "آليات تعيين الممثلين، ومدة الجلسات وتواترها، بالإضافة إلى الصلاحيات الممنوحة لهذه الهيئة البرلمانية المشتركة".

وأشار إلى أن "المشاركين في الاجتماع سيعمدون إلى وضع بروتوكول إضافي ولوائح داخلية تُشكل الأساس القانوني لهذا الإطار التشريعي الإقليمي الجديد".

وخلص إلى أن "هذا النهج يأتي في إطار رغبة الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة في بناء تعاون مؤسسي أقوى، يقوم على التضامن والسيادة والتنسيق السياسي في مواجهة التحديات المشتركة".

وتحت عنوان "برلمان تحالف الساحل سيفتتح قريبا"، أكد موقع "باما دا" المالي في تعليقه على الخطوة، أنها تعكس زخم تأسيس التحالف، ويرى أن تشكيل برلمان مشترك سينقل التحالف إلى مرحلة مهمة جديدة.

ورأى الموقع في تحليل نشره بتاريخ 14 أغسطس، أن اجتماع التأسيس والإعداد لتشكيل البرلمان المشترك يعزز الإطار القانوني والسياسي اللازم لتفعيل الفكرة.

واسترسل: "كما يستجيب الاجتماع لرغبة قادة وشعوب دول الساحل في بناء مستقبل قائم على استقلال حقيقي وسيادة مكتسبة وتنمية متناغمة".

بدوره، تفاعل موقع "أبروند ريزر" البوكينابي مع الحدث بتأكيده أن تشكيل هذا البرلمان يعد "خطوة حاسمة نحو التكامل الإقليمي".

وأوضح الموقع أن البرلمان المشترك سيعمل على "وضع تشريع مناسب بشأن السياسات السياسية والاقتصادية المشتركة بين الدول الثلاث"، و"تنسيق سياسات التنمية"، و"تعزيز مكانة التحالف على الساحة الدولية".

وشدّد المصدر ذاته على أن هذا التوجه "يعكس رغبة الدول الأعضاء في التحدث بصوت واحد، والدفاع عن سيادتها في مواجهة الضغوط الخارجية".

وأردف: "كما يُرسل هذا الاجتماع رسالة سياسية قوية، مفادها أن دول الساحل تعتزم الآن تولي مصيرها بنفسها، دون الاعتماد على قوى الوصاية السابقة".

ورأى أن الهدف من تشكيل برلمان مشترك واضح، وهو إنشاء مؤسسة فعّالة وعملية قادرة على تلبية الاحتياجات الملموسة للسكان، مع تعزيز الوحدة السياسية للمنطقة.

وخلص إلى أن “الخطوات إذا سارت كما هو مخطط لها، يُمكن إنشاء البرلمان الكونفدرالي بحلول عام 2026، وسيُصبح حينها أداة سياسية محورية لترجمة الرؤية الإفريقية السيادية التي تبنتها باماكو ونيامي وواغادوغو إلى أفعال”.

ورأى الموقع أن "هذا مشروع طموح من شأنه أن يُلهم التجمعات الإقليمية الأخرى في إفريقيا".

تخوفات مشروعة

في مقابل الأصوات الداعمة، لا يبدي الباحث الاقتصادي والناشط السياسي البوركينابي بنيامين أودراوغو موقفا إيجابيا تجاه هذا المسعى، والمتعلق بإنشاء برلمان ثلاثي مشترك.

وقال أودراوغو لـ"الاستقلال": إن “المطلوب الآن هو الالتزام بمنطق التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع مالي والنيجر وليس حصر الدولة في التحالف”.

ورأى أن “ما يجرى يستوجب من الشعب البوركينابي المبادرة إلى إجراء تحليل إستراتيجي شامل لقرارات السلطة، والتي وضعت البلاد تحت قيادة إستراتيجية تحالف دول الساحل”.

وشدد أودراوغو على وجود “خطر كبير من أن تفقد البلاد سيادتها، ومكانتها الدولية، وسلامة أراضيها على المدى الطويل حين تتدخل دول أخرى في شأنها الداخلي”. 

ولفت إلى أن "هذا قد يؤدي إلى مزيد من الصراعات للأجيال القادمة من البوركينابيين".

ودعا أودراوغو إلى “الحذر الشديد للغاية؛ لأن بلاده تخاطر بخنق نفسها في منطقة غرب إفريقيا، وهي منطقة فرعية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية”.

تحالف إقليمي

في خطوة متوقعة، خرجت قمة السادس من يوليو/تموز 2025 بالتوقيع على إعطاء تحالف دول الساحل صفة كونفدرالية التي تقتضي العمل على توحيد السياسة الخارجية والدفاعية.

وعلى وتر السيادة، والاستقلال السياسي والاقتصادي، صاغ قادة التحالف خطاباتهم التي تجاوزت تبرير الانقلابات التي قاموا بها، ويتعلق الأمر بالجنرال عبد الرحمن تشياني في النيجر، والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم منتصف 2023.

وكذا الضابط العسكري إبراهيم تراوري، والذي أطاح بالرئيس المؤقت لبوركينافاسو بول هنري سانداوغو داميبا، وأعلن نفسه رئيسا مؤقتا عام 2022.

وثالث الزعماء هو الضابط العسكري أسيمي غويتا، والذي استولى على السلطة من الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا في انقلاب مالي 2020.

ويروم اتفاق الزعماء الثلاثة، إلى محاولة تغيير الخارطة الجيوسياسية وموازين التأثير والنفوذ، في منطقة تشهد صراعا محموما من قبل اللاعبين الدوليين في ساحات الحروب والاقتصاد.

وقد خرجت القمة بمجموعة من القرارات أهمها، الارتقاء بتحالف دول الساحل إلى صفة كيان كونفدرالي، وتعيين العقيد غويتا رئيسا له مدة سنة واحدة.

كما تم الاتفاق على "إعادة تأسيس الدول الثلاث على قيم تحترم الخصوصية التاريخية والثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة، والتنسيق الدبلوماسي وتوحيد المواقف في الساحات الدولية. العمل على مكافحة الإرهاب الذي يضرب المنطقة بشدة".

وقررت القمة كذلك "المساهمة في تحقيق السلام والأمن على المستوى الدولي، وإنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات التي تهم مصالح الدول الثلاث".

وقد نصّ ميثاق ليبتاغو غورما على أن الاتحاد مفتوح أمام عضوية الدول التي تشترك مع المجموعة في أهداف التحرر الاقتصادي والاستقلال السياسي.