مخاوف أمنية.. هل يخدم تحالف أميركا "طويل الأمد" مع إسرائيل مصالح واشنطن؟
“الإدارة الأميركية أغلقت الباب أمام أي أصوات منتقدة لدعم الاحتلال الإسرائيلي”
يتزايد الغضب لدى مسؤولين أميركيين جراء الدعم المستمر من واشنطن لإسرائيل في إبادتها لقطاع غزة، ورغم صور الاحتجاجات المختلفة التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، لم تعر إدارة جو بايدن أي اهتمام لتلك الأصوات، مما دفع العديد منهم للاستقالة.
وأبرزت تلك الاعتراضات تناقض الإدارة الأميركية والانفراد باتخاذ القرار وتجاهل رأي الخبراء، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأعرب هؤلاء المسؤولون، عن مخاوف متعلقة بالأمن القومي الأميركي نتيجة "التحالف طويل الأمد مع إسرائيل، وتداعياته السلبية على مستقبل المصالح الأميركية".
اعتراضات داخلية
وأشار موقع "تيليوبوليس" الألماني إلى تلويح الرئيس الأميركي بايدن، قبيل اقتحام إسرائيل لرفح، بأنه عازم على إيقاف توريد الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل "إذا ذهبت إلى رفح".
ورأى أن "هذا هو أبرز علامة على التغيير في دعم الإدارة الأميركية للحرب الإسرائيلية حتى الآن"، وتساءل: "كيف ومتى سيترجم الرئيس الأميركي كلماته إلى أفعال؟".
ويرى الموقع أن "ادعاء الرئيس بأنهم (لم يصلوا إلى رفح بعد)، حتى مع استمرار إسرائيل في مهاجمة بلدات جنوب غزة، ونشر الدبابات على مشارفها، والسيطرة على معبر رفح الحدودي (في 7 مايو/ أيار 2024)، يشير إلى أن الدعم الأميركي يمكن أن يستمر، طالما بقي الهجوم محدودا نسبيا".
وفي هذا السياق، يبدو أن هناك بعض الاضطرابات خلف الكواليس في الحكومة الأميركية، تتعلق بسياسة واشنطن تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأشار الموقع إلى استقالة ما لا يقل عن أربعة مسؤولين فيدراليين، بينهم ثلاثة من وزارة الخارجية، علنا احتجاجا على رد فعل الحكومة.
وتأتي تلك الاستقالات في خضم أزمة تعصف بإدارة بايدن، إذ رصدت عدة تقارير سلسلة من التوترات الداخلية في الإدارة الأميركية بشأن الدعم السياسي والمادي الثابت، الموجه إلى حكومة بنيامين نتنياهو لإبادة غزة، والتي كلفت حياة ما يزيد عن 35 ألف فلسطيني.
واتخذت تلك الأصوات الرافضة لاستمرار العدوان، إجراءات عملية، إذ وقع مئات المسؤولين من مختلف الوكالات الحكومية على سلسلة من الرسائل المفتوحة التي تدعو بايدن إلى دعم وقف إطلاق النار في غزة ووقف التصعيد في جميع أنحاء المنطقة، وفق الموقع الألماني.
وتابع: "ورغم ذلك، فإن رد الفعل جاء مخيبا للآمال ومحبطا للغاية"، فوفقا لمسؤول فيدرالي، فإن "الاتصالات الداخلية مع الموظفين لا تؤدي إلا إلى تكرار التصريحات العامة".
واستنتج من تلك الوقائع "أن الطريقة غير الرسمية لصياغة الخلاف مع الشرق الأوسط لم يعد لها أي تأثير بعد مرور سبعة أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي".
ووفقا للموقع، "لا يرفض المسؤولون إجراءات بايدن من دافع أخلاقي فحسب، فوفقا لمصدر آخر هناك شعور متزايد بين الموظفين بأن التحالف طويل الأمد مع إسرائيل لا يخدم المصالح الأميركية".
وتابع: "إذ يعدون أن ذلك الدعم غير المحدود يعرض واشنطن للخطر، حيث يخشون أن تنجر الولايات المتحدة نفسها إلى حرب إقليمية، وأن هذه التصرفات تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة".
وأردف: "ويخشى كذلك المنتقدون لنهج بايدن، من تأثير الدعم المستمر لسلوك إسرائيل في غزة إلى تقويض أي ادعاء أميركي بأنها بطلة حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم".
ويبدو أن المعارضة الداخلية امتدت لتشمل إدارات أخرى مختلفة عن الإدارات المسؤولة عادة عن الملف الفلسطيني مثل وزارة الخارجية أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
ورصد الموقع "وجود مسؤولين في وكالات أخرى يرتبط عملهم بشكل عرضي فقط بالحرب، وآخرين غاضبين ببساطة من تواطؤ الولايات المتحدة في ارتفاع عدد القتلى والأزمة الإنسانية".
تناقض شديد
وفضح الموقع "التناقض الشديد في تعامل الإدارة الأميركية مع ملف المساعدات الإنسانية لغزة، مقارنة بالوضع في أفغانستان وأوكرانيا".
ونقل عن أحد مسؤولي الأمن الداخلي الذي قال: "عندما خدمت في الإدارة أثناء الانسحاب من أفغانستان والغزو الروسي لأوكرانيا، بُذلت الكثير من الجهود وتم تجاوز الإجراءات العادية نظرا لخطورة الوضع الإنساني".
وأضاف: "ولكن الآن لدينا وضع مختلف تماما، هناك مشاكل نظامية في التعامل مع القضية الفلسطينية، كل مبادرة لتسريع تقديم المساعدات للفلسطينيين حُظرت أو عُرقلت بشكل كبير بطريقة لم أرها من قبل".
وللتدليل على ما سبق، قال مسؤول يتمتع بخبرة 25 عاما في مجال الأمن القومي: "لقد اتُّخذ القرار في وقت مبكر جدا من أعلى المستويات، لقد استُبعد الخبراء من عملية صنع القرار، مما يجعل من الصعب للغاية تغيير هذه السياسة".
وقالت المسؤولة السابقة في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية، أنيل شيلين، والتي استقالت، في مارس/ آذار 2023، احتجاجا على سياسة الحكومة في غزة، إنها "مرت بتجارب مماثلة".
وأوضحت شيلين لوسائل إعلام شريكة للموقع الألماني: "هناك الكثير من الأشخاص في وزارة الخارجية الذين لديهم معرفة كبيرة بالمنطقة، وقد أثاروا العديد من المخاوف من جميع الزوايا المختلفة، من منظور المصلحة الوطنية الأميركية، ومن منظور قانوني، ومن منظور حقوق الإنسان".
وتابعت: "هناك أشخاص أمضوا حياتهم المهنية بأكملها في العمل على هذه الأمور، ولكن لم يستمع أحد إليهم، حتى كبار الموظفين نسبيا في وزارة الخارجية تم تجاهل آرائهم".
وفي هذا السياق، يحاول المسؤولون الفيدراليون، الذين يشعرون بخيبة أمل إزاء الإجراءات في غزة، البحث في خيارات مختلفة للإعلان عن موقفهم.
وأغلقت الإدارة الأميركية الباب أمام أي أصوات منتقدة لدعم الاحتلال الإسرائيلي، فبحسب تصريح مسؤول فيدرالي، ذكر "أنهم عندما أعربوا عن قلقهم بشأن الدعم غير المشروط لإسرائيل في وقت مبكر من الحرب، وجدوا أن ذلك غير ممكن من خلال القنوات الرسمية".
وقالت عدة تقارير إن "موقف بادين المؤيد بشدة لإسرائيل، تعزز على مدى خمسة عقود في واشنطن، ولا يتزعزع التزامه تجاهها بسهولة".
ووفقا لموقع "تيليوبوليس" فإن "المعترضين لم يستسلموا، وشرعوا في اتخاذ أشكال احتجاج أكثر هدوءا وغير رسمية خلال الفترة الماضية، مثل محادثات غير مصرح بها مع الصحفيين، أو تغيير صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، أو ارتداء الكوفية أثناء اجتماعات العمل للتعبير عن استيائهم أو غضبهم من الحكومة".