بعد الحرب وسقوط الأسد.. حزب الله بلا أموال ولا مستشارين إيرانيين

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ نشأته في ثمانينيات القرن العشرين وحتى حربه المدمرة مع الاحتلال الإسرائيلي في 2024، يعود الفضل في وجود حزب الله اللبناني وتقويته حتى سيطر على لبنان وقرارها السياسي والأمني، إلى إيران ونظام حزب البعث في سوريا في عهد حافظ وبشار الأسد.

وبعد تدمير قدرات حزب الله اللبناني، ومقتل زعيمه السابق، حسن نصر الله، ومعظم قياداته السياسية والعسكرية، ثم سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، تسرّبت معلومات عن انسحاب قادة ومستشارين عسكريين وماليين إيرانيين من لبنان.

كل هذه الأوراق التي فقدها حزب الله خلال مدة قصيرة، وضعته أمام تساؤلات مُلحة تتعلق بمدى تأثر قوته على الساحة اللبنانية التي سيطر عليها بقوة السلاح طيلة عقود من الزمن، بدعم سياسي ومالي وعسكري من إيران والنظام السوري المخلوع.

البقاء وحيدا

في 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، كشفت صحيفة لبنانية أن عددا كبيرا من مستشارين وقيادات أمنية وعسكرية تتبع إيران وحلفاءها، غادروا عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بعد سقوط نظام الأسد في سوريا.

وأوضحت صحيفة "نداء الوطن" أن المغادرين، دخلوا إلى لبنان عبر منطقة القصير، بهويات مزورة أو عبر معابر غير شرعية كان حزب الله يمسك بها قبل سقوط نظام الأسد.

ونقلت عن معلومات أمنية أن "المغادرة لم تقتصر على العسكريين الإيرانيين الموجودين في سوريا، بل وصل الأمر إلى الموجودين في لبنان كذلك".

وبحسب الصحيفة، فإن “الوجود الإيراني في المنطقة راسخ منذ تأسيس حزب الله (1982)، ولم يغادر لبنان”.

ولكن بعد سقوط نظام الأسد، غادر العدد الأكبر من المستشارين والضباط الإيرانيين المشرفين على إعادة ترميم الحزب في بيروت، و"هؤلاء صلاحيتهم محصورة بالأخير وليس ملف سوريا".

وتحدثت عن مغادرة أغلبية المسؤولين الماليين الإيرانيين والذين كانوا مسؤولين عن الإشراف على الإمداد المالي لحزب الله والعمل على توفير بيئة مالية آمنة ومراقبة مدفوعات إيران.

وتأتي هذه الأخبار وسط حديث عن مغادرة بعض عائلات قادة "حزب الله" لبنان، واستمرار المسؤولين الكبار فيه باتّخاذ الإجراءات الاحترازية نفسها، وفقا للصحيفة.

وفسرت مغادرة الإيرانيين بوجود "تخوف إيراني من استكمال الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على لبنان، بعد تدمير بنية جيش الأسد، للقضاء على ما تبقى من قوة لإيران هناك".

وأشارت إلى أن "الإيرانيين يعرفون أن لبنان لم يعد ساحة آمنة لنشاطهم، خصوصا بعد سقوط نظام الأسد وضبط المطار والمرفأ والمعابر الشرعية، وهذا الأمر يعيق تحركهم في الداخل اللبناني".

ورأت الصحيفة أن مغادرة المسؤولين الماليين الإيرانيين للبنان تُعد رسالة إلى "حزب الله" وبيئته بانتهاء عصر تدفق الأموال الإيرانية إليه.

وكذلك عدم وجود أموال في المستقبل سواء لإعادة ترميم بنيته أو لدعم مجتمعه أو إعادة إعمار ما دمر خلال الحرب مع إسرائيل.

وفي 14 ديسمبر، أقر الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، خلال خطاب تلفزيوني بأن حزبه فقد طريق إمداداته عبر سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد.

ولم يذكر قاسم، الأسد صراحة في خطابه، لكنه قال إن "حزب الله لا يستطيع الحكم على الحكام الجدد في سوريا قبل أن تستقر الأوضاع في البلاد".

تحدٍّ وجودي 

وبخصوص مستقبله في ظل فقدان أوراق قوته، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط، ميثم محمد صاحب، إن حزب الله بغياب زعيمه السابق نصر الله، ونظام الأسد، وإيران، أصبح ضعيفا بشكل كبير على الساحة اللبنانية، لكن ذلك لا يعني أنه انتهى.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "صلة الوصل بين إيران ولبنان كان النظام السوري، والآن أصبحت سوريا دولة تحكمها إدارة سنية جديدة مناوئة تماما للمحور الإيراني بل تعده عدوا لها".

وأشار الباحث إلى أنه "على الرغم من ضعف حزب الله كثيرا في المرحلة الحالية، فإن الحكومة اللبنانية أيضا ضعيفة وغير مؤهلة حتى الآن للإمساك بزمام الأمور في لبنان بشكل كامل، إلا في حال دُعمت بقوة من الخارج".

وبحسب صاحب، فإنه "منذ أكثر من أربعة عقود يتغلغل حزب الله في كل مفاصل لبنان، وصار هناك مافيا اقتصادية عملاقة لن تختفي بسهولة، حتى مع غياب داعمي الحزب الخارجيين".

وفي نقطة الانعكاس الداخلي على لبنان تحديدا، قال الكاتب اللبناني، طوني بولس، إن "سقوط نظام الأسد يشكل تحديا وجوديا لحزب الله، الذي فقد حليفا إستراتيجيا وممرا حيويا للإمدادات، فهذا حدث مفصلي يحمل تداعيات عميقة".

وأوضح خلال مقال في صحيفة "إندبندنت" عربية في 10 ديسمبر، أن “حزب الله اعتمد طويلا على التحالف مع النظام السوري كجسر إستراتيجي يربطه بإيران وبقية فصائل محور الممانعة، مما يصعب اليوم على طهران تزويده بالأسلحة عبر الأراضي السورية”.

 وبالتالي يجد الحزب نفسه معزولا في الساحة اللبنانية، مما قد يضعف موقفه داخليا وإقليميا.

وفي حسابات الربح والخسارة، يضيف الكاتب، أن "حزب الله" هو أبرز الخاسرين؛ إذ أضيف سقوط النظام السوري إلى الضربات التي تلقاها في حربه مع إسرائيل واضطراره إلى توقيع اتفاق يبعده عن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة نحو 30 كيلومترا.

وبذلك، يؤكد الكاتب أن حزب الله "خسر امتداده الحيوي في العمق السوري وكذلك إمساكه بأكثرية الشريط الحدودي الفاصل بين لبنان وسوريا، ما سيؤدي إلى إضعافه سياسيا وعسكريا، ومما يمكن أن يفضي إلى كسر القبضة الأمنية المفروضة على بيروت".

وخلص إلى أن نتائج الحرب مع إسرائيل والتغيرات في سوريا، يجب أن تدفع حزب الله باتجاه تقييم جديد للواقع والتموضع داخليا بما يتناسب مع المرحلة المقبلة.

وبالتالي عليه تسليم سلاحه للشرعية وتفكيك منظومته العسكرية، والانتقال إلى العمل السياسي، والتخلي عن مشاريعه الإقليمية وفكرة السيطرة على لبنان، وفق تقديره.

"تغيير جذري"

وفي السياق، ترى صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن “إسرائيل وجهت ضربات قاسية لحزب الله خلال حربها الأخيرة معه”.

فيما أدى رحيل الأسد من سوريا الحليف لإيران، إلى شلّ قدرة الحزب على التعافي من خلال قطع طريق تهريب الأسلحة الحيوية عبر سوريا. 

وأوضحت الصحيفة في 14 ديسمبر، أن “إضعاف حزب الله سيكون له عواقب وخيمة في لبنان خصوصا أنه كان لاعبا سياسيا رئيسا”.

كذلك، فإن ضعف الحزب سيؤثر على إيران التي اعتمدت عليه لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. 

ولفتت إلى أن "عائلة الأسد، التي حكمت سوريا لمدة نصف قرن بقبضة من حديد، لعبت دورا حاسما في تمكين حزب الله، الذي تأسس في أوائل الثمانينيات على يد مستشارين إيرانيين جاءوا عبر دمشق".

"إلى جانب كونها قناة لنقل الأسلحة الإيرانية، كانت سوريا أيضا مكانا درب فيه حزب الله مقاتليه وصنع أسلحته"، وفقا للصحيفة.

ونقلت عن الباحث في معهد "الشرق الأوسط" فراس مقصد، قوله: “مع سقوط النظام السوري، يواجه حزب الله في لبنان واقعا جديدا تماما”.

فالعديد من القادة اللبنانيين لم يستوعبوا بعد حجم التغيير الذي حدث حتى إن بعض حلفاء الحزب السابقين في البرلمان بدأوا ينأون بأنفسهم عن المنظمة، وفق قوله.

وبحسب التقرير، فإنه "مع سقوط الأسد، فقدت إيران السيطرة على ممر بري يمتد عبر العراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، مما منحها طريقا مفتوحا لإمداد حزب الله".

وتوصلت الصحيفة إلى أن "سقوط نظام الأسد في سوريا شكّل نقطة تحول تاريخية في الشرق الأوسط، وأن هذا الحدث الدراماتيكي، إلى جانب الضربة القاسية التي تعرض لها حزب الله في الحرب ضد إسرائيل، يخلق واقعا جديدا في المنطقة".

وأردفت: "إيران تخسر ممر نفوذها القاري، ويجد حزب الله نفسه عند نقطة ضعف غير مسبوقة، في وقت يواجه فيه لبنان إمكانية تغيير جذري في توازن القوى الداخلي".