حادث تحطم طائرة رحلة باريس 2016.. لماذا تتكتم مصر على نتائج التقرير النهائي؟

داود علي | 17 days ago

12

طباعة

مشاركة

بعد 8 سنوات على الفاجعة، أصدرت شركة مصر للطيران (حكومية) بيانا رسميا، بشأن حادثة تحطم طائرة ركاب خلال رحلتها من مطار شارل ديغول في فرنسا إلى مطار القاهرة الدولي، في 19 مايو/أيار 2016.

وقد جرى تسلم التقرير النهائي الصادر عن إدارة حوادث الطيران التابعة لوزارة الطيران المدني المصري بشأن الرحلة رقم MS804، كما تمت مشاركته مع الأسر المتضررة جراء هذا الحادث الأليم.

تقرير غامض 

ولم يشر البيان إلى تفاصيل أكثر بشأن ما جاء بالتقرير، أو إذا ما كان قد تضمن أسباب الحادث، لكنه ذكر أن قلوبنا ستظل "مع الأسر والأحباء الذين مازالوا يتحملون مرارة الحزن العميق لهذه الخسارة".

وفي 19 مايو 2016، تعرضت مصر لواحدة من أسوأ حوادث تحطم الطائرات في تاريخها، والتي عرفت إعلاميا بحادثة "طائرة باريس".  

وفقدت طائرة شركة مصر للطيران من نوع “إيرباص A320” من الرادار بعد دخولها مجال السيطرة الجوية المصرية بـ10 أميال وعلى ارتفاع 37 ألف قدم.

وفي اليوم التالي وبعد ساعات طويلة، أعلنت السلطات اليونانية العثور على الطائرة متحطمة في البحر المتوسط بين جزيرة كريت وساحل شمال مصر، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها وعددهم 66، بمن فيهم طاقمها.

وظل السؤال الأول والأكثر أهمية منذ تلك اللحظة عن أسباب وكيفية تحطم الطائرة، وانتظر الجميع التقرير النهائي الرسمي الصادر عن الحكومة المصرية.

وقد احتاج النظام المصري إلى 8 سنوات كاملة ليصدر البيان الرسمي الذي لم يجب عن كثير من الأسئلة العالقة في أذهان عائلات الضحايا.

ورفض مسؤولون بالشركة خلال اتصالات مع وسائل إعلامية مثل صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، وموقع "الحرة" الأميركي، الإفادة بتفاصيل وأشاروا إلى أنهم "لا يملكون الإفصاح عن أي معلومات". 

وكانت جهات التحقيق القضائي المصرية، طلبت عام 2019، من وزارة الطيران المدني، التقرير النهائي عن أسباب وقوع الحادث، لاستكمال إجراءاتها القضائية. 

حادث إرهابي؟

وفي يوم الحادث عقد وزير الطيران المدني المصري آنذاك شريف فتحي، مؤتمرا صحفيا في القاهرة، ووجه إليه سؤال حول ما إذا كان يرجح فرضية العمل الإرهابي.

فقال الوزير المصري متحدثا باللغة الإنجليزية: "لا أريد أن أستبق النتائج، لكن إذا أردنا تحليل الموقف فإن فرضية العمل الإرهابي، قد تبدو الاحتمال الأرجح". 

وأشار في الوقت نفسه إلى أن الموقف الرسمي للدولة المصرية يظل عدم استبعاد وعدم تأكيد أي فرضية.

وربما رجح الوزير المصري تلك الفرضية نظرا لتحطم طائرة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، كانت تقل مصطافين روسا إلى منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر.

ووقتها، أسقطت متفجرات طائرة من طراز “متروجيت” ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصا.

وكذلك في 29 مارس/ آذار 2016 (قبل حادثة رحلة باريس بنحو شهرين)، تعرضت رحلة مصر للطيران (MS181) للاختطاف.

فعندما كانت الطائرة متجهة من مطار برج العرب الدولي في الإسكندرية إلى ميناء القاهرة الجوي، هدد الخاطف كابتنَ الطائرة عمر الجمل بحزام ناسف.

وهو ما اضطر الطائرة التي كانت تحمل على متنها 81 راكبا، إلى تغيير مسارها للهبوط لاحقا في مطار لارنكا في قبرص.

وقد انتهت الأزمة بتسليم الخاطف نفسه، وكان اسمه سيف الدين مصطفى (مصري الجنسية)، الذي اتضح أنه يحمل حزاما ناسفا زائفا.

سيجارة مشتعلة 

وبالعودة إلى فاجعة عام 2016، فجرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، مفاجأة عندما نشرت تقريرا أرسله خبراء فرنسيون إلى محكمة الاستئناف في باريس، مكونا من 134 صفحة توصل إلى أن الكارثة، نجمت عن حريق اندلع في قمرة القيادة بسبب سيجارة وتسرب للأكسجين.

وذكرت الصحيفة في 26 أبريل/ نيسان 2022،  أن التسجيلات الصوتية للصندوق الأسود تدعم هذه الفرضية، حيث رصد الخبراء الفرنسيون صوتا خفيفا التقطه الميكروفون المدمج في قناع مساعد الطيار قبل دقائق قليلة من وقوع الحادث.

ورجحوا وقتها أن يكون هذا الصوت ناجما عن تدفق قوي للهواء، إذ إن القناع كان موضوعا في وضعية الطوارئ. 

وأضاف أن الطيارين المصريين يدخنون بانتظام في قمرة القيادة، وأن هذه الممارسة الخطيرة لم تكن محظورة من قبل شركة مصر للطيران.

وأضافت أنه جرى تغيير قناع الأكسجين قبل ثلاثة أيام من الحادثة، وتم ضبطه على وضع "الطوارئ" المخصص للدخان أو الأبخرة في قمرة القيادة، مما يعني توفير ما نسبته 100 من الأكسجين تحت ضغط ثابت.

ومع اشتعال السيجارة، كان الوضع مهيئا تماما للاشتعال وهو ما حدث فعليا، وفق التقرير.

ومنذ عام 1996، فرضت منظمة الطيران المدني الدولي حظرا كاملا على التدخين على متن الطائرات.

وعقب على ذلك للصحيفة الإيطالية، دانييل فيرونيللي وهو طيار A320، وعضو الرابطة الوطنية الإيطالية لطياري الطيران التجاري “Anpac”، وقال إن قرارات المنظمة لا تؤخذ في الحسبان إلا من قبل الحكومات عند صياغة قوانينها الخاصة، بدلا من وضع قواعد صارمة.

خلافات خطيرة 

وقبل الحديث عن تسبب سيجارة بالحادثة، أصدرت وكالة التحقيق في الحوادث الجوية الفرنسية (بي إي إيه) تقريرا قالت فيه إن “الفرضية الأكثر ترجيحا هي أن حريقا اندلع في قمرة القيادة بينما كانت الطائرة تحلق على ارتفاعها الطبيعي”.

ورجحت في تقريرها الصادر عام 2018 أن يكون الحريق قد انتشر بسرعة مما أدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة.

وذكرت الوكالة في البيان الذي أعلنته عن نتائج تحقيقها، أن السلطات في مصر لم تستجب لدعوات إجراء تحقيقات إضافية، وألقت باللوم بدلا من ذلك على تفجير مزعوم.

وفي 8 يوليو/ تموز 2018، أوردت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أنه “من غير المعتاد أن يعلق المحققون علنا على قضية يقودها نظراؤهم في بلد آخر”.

وعادة ما يتم التعبير عن أي خلاف بشكل سري، حيث تشير الدلائل العامة إلى خلافات خطيرة بين جهات التحقيق المصرية والفرنسية. 

ونقلت الصحيفة عن مسؤول بوزارة الطيران المصرية، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن المدعي العام مازال يحقق وهو المسؤول عن القضية بسبب احتمال توجيه اتهامات جنائية.

وقال المصدر: “هناك خلافات سياسية بين فرنسا ومصر بشأن هذا التحقيق”، خاصة أن 12 مواطنا فرنسيا كانوا من ضحايا حادث تحطم الطائرة.

التقرير النهائي

وتنص اللوائح الدولية المتعلقة بحوادث الطيران، على ضرورة صدور التقرير النهائي من قبل السلطات المعنية في غضون عام على الأكثر.

وبحسب اللوائح الدولية، تمر عملية التحقيق بـ 5 مراحل، تشمل مراجعة تاريخ صيانة الطائرة ووضعها الفني، والملف الطبي والمهني لقائد الطائرة، وأقوال الشهود "إن وجدت".

وكذلك تقييم الوضع الجغرافي لمكان وقوع الحادث “إن كان منطقة جبلية أو موقع عواصف”، ثم مراجعة الصندوق الأسود للطائرة، وتقرير الطب الشرعي للضحايا.

وعن سبب تأخر مصر 8 سنوات كاملة، قال رئيس جمعية المحامين في القانون الدولي بباريس مجيد بودن، إن التقرير النهائي يحدد إذا كان سبب الحادث فنيا، وهنا تتحمل جهة تصنيع الطائرة المسؤولية، أو نتيجة لخطأ بشري، أو حادث طارئ، وفي هذه الحالة تتحمل شركات التأمين والحكومات التعويضات.

ورجح بودن لوكالة أنباء الشرق الأوسط في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن تكون التعويضات الكبيرة هي السبب الرئيس عن تأخر الإعلان، خاصة أن لها عدة معايير لتحديد قيمة التعويض.

ويشمل ذلك التعويض عن حياة الشخص، وعن الخسارة المالية التي تتحملها أسرة الضحية، بحسب مركزه المالي والاجتماعي. 

وعقب بأن عدم الإفصاح عن محتوى التقرير النهائي لحادث الطائرة سابقة مصرية في إجراءات التحقيق بحوادث الطائرات.

ورأى أنه يجب الإعلان عن محتوى التقرير، والتوصيات التي انتهى إليها، حتى يمكن الاستفادة منها في رفع معدلات الأمان برحلات الطيران المدني.

وأوضح أن التقرير النهائي لحادث الطائرة يجب إرساله لمنظمات الطيران العالمية، تحديدا منظمة الطيران الدولي (إيكاو)، للاستفادة من توصياته، مشيرا إلى أن 75 بالمئة من تعديلات السلامة والأمان بالطيران المدني تأتي من تقارير حوادث الطائرات.