جرائم روبوتية.. كيف تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعي في عدوانها على غزة؟

12

طباعة

مشاركة

المفترض في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أنها توفر الدقة الكافية، ما يعني البعد عن الأخطاء، خصوصا في استعمالها في تحقيق أهداف أمنية وعسكرية.

لكن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم هذه التقنية في ارتكاب مزيد من الجرائم في غزة، فمثلا لو تعرف عن طريقها على مقاتل فلسطيني يريد استهدافه.

يستخدم الذكاء الاصطناعي في قتله حتى ولو كان وسط ألف مواطن بريء، ولا يتردد في إبادتهم جميعا معه، غير عابئ بأعداد الأرواح التي تزهق.

ومع أن هذه التقنية تُمكن الاحتلال أيضا من رصد بدقة أعداد من يتم قتلهم حال قصف مبنى سكني معين، أو مربع سكني بالكامل أو مستشفى، فلم يردعهم ذلك ويمنعهم من القصف، بل تعمدوا قتل كل هذه الأعداد.

ومنذ بداية العدوان على غزة، سعى الاحتلال لتجربة أنظمة الذكاء الاصطناعي حتى ولو لم تكن دقيقة، ما أثار مخاوف وتساؤلات بين نشطاء حقوق الإنسان بشأن احتمالية "استخدام إسرائيل العشوائي" لهذه التقنية في الحرب، خصوصا مع ازدياد عدد القتلى المدنيين.

وفي عام 2019، أنشأ الجيش الإسرائيلي مركزا جديدا يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي "لتسريع عملية توليد الأهداف".

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق “أفيف كوخافي” في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 23 يونيو/حزيران 2023 إن القسم الإداري الذي يحدد الأهداف هو وحدة تضم مئات الضباط والجنود، وتعتمد على قدرات الذكاء الاصطناعي.

ولخص "كوخافي" مهمة هذه الوحدة الحربية بأنها "آلة يمكنها، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، معالجة الكثير من البيانات بشكل أفضل وأسرع من أي إنسان، وترجمتها إلى أهداف للهجوم".

وكشف أنه حين جرى استخدام هذه الآلة لأول مرة في حرب 2021 مع غزة، كانت تولد 100 هدف جديد كل يوم، بينما قبلها "كنا نقوم فيها بإنشاء 50 هدفا سنويا".

اغتيالات جماعية

كان أحد جوانب "جرائم الحرب" التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة والذي كشفه تحقيق مشترك لمجلة "+972" وموقع "Local Call" 30 هو أن جيش الاحتلال يستخدم برامج الذكاء الاصطناعي لمعرفة من يقطن في بنايات معينة ومع هذا يقوم بقصفها عمدا وقتل مئات المدنيين داخلها.

التحقيق الذي جاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بعنوان "مصنع اغتيالات جماعية" أكد أن القتل الجماعي الإسرائيلي لأهالي غزة "ليس عشوائيا ولكنه مقصود وممنهج".

ويجرى التأكد من الأهداف المدنية غير العسكرية قبل قصفها باستخدام نظام الذكاء الاصطناعي ما مكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ حربه "الأكثر دموية على غزة"، وفق "+972"، وهي مجلة أسسها أربعة كتاب إسرائيليون في تل أبيب.

التحقيق الذي استند لشهادات سبعة أعضاء حاليين وسابقين في الاستخبارات الإسرائيلية والعسكرية والقوات الجوية أكد أنه في إحدى الحالات وافقت القيادة العسكرية الإسرائيلية "عن علم" على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين بدعوى محاولة اغتيال أحد كبار القادة العسكريين في حماس، وعدته “أضرارا جانبية”.

أكد أن الجيش الإسرائيلي تعمد التوسع في قصف أهداف ليست ذات طبيعة عسكرية في غزة، تشمل المباني العامة والبنية التحتية، بغرض إلحاق الضرر بالمجتمع المدني الفلسطيني و"خلق صدمة" كي يضغط المدنيون على حماس".

ونقلت المجلة عن عسكري إسرائيلي: "عندما تُقتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل في غزة، فهذه ليست صواريخ عشوائية، كل شيء متعمد (موجه بالذكاء الاصطناعي) فنحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة في كل منزل.

ووفقا للتحقيق، فإن تعمد قتل هذه الأعداد الكبيرة والتسبب في أضرار جسيمة بالحياة المدنية في غزة، سببه استخدام إسرائيل لنظام يسمى "الحبسورة" (الإنجيل)، المبني إلى حد كبير على الذكاء الاصطناعي.

وفقا لهذا النظام (الحبسورة) والذي يُسمي أيضا "غوسبل" The Gospel يمكن أن "تولد" أهدافا بشكل تلقائي تقريبا بمعدل يتجاوز بكثير ما كان ممكنا في السابق. 

لهذا وصف ضابط مخابرات إسرائيلي سابق، نظام الذكاء الاصطناعي هذا، بأنه يسهل بشكل أساسي إنشاء "مصنع اغتيالات جماعية"، لأن الهدف هو "قتل أكبر عدد ممكن من نشطاء حماس"، وإيذاء المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير.

وكانت نتيجة هذه السياسات الصهيونية باستخدام هذا البرنامج للذكاء الاصطناعي خسارة فادحة في الأرواح البشرية في غزة، حيث فقدت أكثر من 300 أسرة 10 أو أكثر من أفرادها في القصف الإسرائيلي خلال أكتوبر ونوفمبر فقط 2023.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد أسقط خلال الأيام الخمسة الأولى من العدوان 6000 قنبلة على غزة، يبلغ وزنها الإجمالي حوالي 4000 طن، ودمر أحياء بأكملها.

كمثال، في 25 أكتوبر 2023، قصف الاحتلال متعمدا مبنى "التاج" السكني المكون من 12 طابقا في غزة، مما أدى إلى مقتل العائلات التي تعيش بداخله دون سابق إنذار، ودُفن نحو 120 شخصا تحت أنقاض شققهم.

وبحسب مصادر استخباراتية، فإن نظام الذكاء الاصطناعي "حبسورة" أو "غوسبل" يولد، من بين أمور أخرى، توصيات تلقائية لمهاجمة المساكن الخاصة التي يعيش فيها أشخاص يشتبه في أنهم نشطاء في حماس أو الجهاد الإسلامي، وتنفيذ اغتيالات جماعية.

وخطورة هذا النظام "أنه مثل المصنع يعمل بسرعة (على القتل) وليس هناك وقت للتعمق في الهدف"، حسبما يقول مصدر إسرائيلي للمجلة.

وفي 11 أكتوبر 2023، قال مسؤول عسكري كبير، لصحيفة "جيروزاليم بوست" عن "بنك الأهداف" الإسرائيلي، إنه بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي التابعة للجيش، كان تم إنشاء أهداف جديدة بمعدل أسرع من هجمات طيران الاحتلال!

وأن هذه الأنظمة الآلية الاصطناعية سهلت إلى حد كبير عمل ضباط المخابرات الإسرائيلية في اتخاذ القرارات أثناء العمليات العسكرية، بما في ذلك حساب الخسائر المحتملة التي لا يهتمون بها ويعدونها من فئة “الأضرار الجانبية”.

"غباء" اصطناعي

ولأن هذه التقنية التي تعدها إسرائيل "ذكاء اصطناعيا" في العدوان على غزة، تقوم بتوليد عشوائي للأهداف بالجملة وتتسبب في قتل آلاف المدنيين، فقد أثار ذلك تساؤلات ومخاوف بين نشطاء وجماعات حقوق الإنسان، بافتراض أنها "غباء" لا ذكاء صناعي وفق استخدام الاحتلال لها.

اتهموا إسرائيل بـ "الاستخدام العشوائي" لهذه التكنولوجيا في الحرب، حسبما يشير تقرير لموقع "بولتيكو" في 3 مارس/آذار 2024.

أكدوا أن نظام الاستهداف السريع الخاص الذي تتميز به هذه التقنية هو ما سمح لإسرائيل بقصف أجزاء كبيرة من غزة.

وقالت"بولتيكو": في غاراته على غزة، اعتمد الجيش الإسرائيلي على نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي يسمى «غوسبل»، للمساعدة في تحديد الأهداف فشملت المدارس ومكاتب منظمات الإغاثة وأماكن العبادة والمرافق الطبية.

وقالت مجموعة "حملة" الفلسطينية للحقوق الرقمية، في ورقة حديثة، إن استخدام الأسلحة المُشغلة آليا automated weapons» في الحرب "يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين".

وبسبب تقنية الذكاء الاصطناعي التي زادت ضحايا العدوان، قدمت أقدم وأكبر منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل، وهي "جمعية الحقوق المدنية" طلبا إلى القسم القانوني في جيش الاحتلال ديسمبر /كانون اول 2023، تطالب فيه بمزيد من الشفافية بشأن استخدام أنظمة الاستهداف الآلي في غزة.

وقالت هايدي خلاف، المديرة الهندسية للتعلم الآلي بشركة Trail of Bits للأمن السيبراني، ومقرها المملكة المتحدة لموقع "بولتيكو": "بالنظر إلى معدلات الأخطاء المرتفعة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الاعتماد على الاستهداف الآلي في الحرب سيؤدي إلى نتائج غير دقيقة ومتحيزة، ويصبح أقرب للاستهداف العشوائي".

قالت إن استخدام الأسلحة المُشغلة آليا في الحرب "يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين".

وقال تقرير "بوليتيكو" إن الضغوط من أجل الحصول على مزيد من الإجابات حول حرب الذكاء الاصطناعي التي تخوضها إسرائيل، سوف يتردد صداه في الولايات المتحدة التي تمد الاحتلال بهذه التكنولوجيا.

كما يضع مزيدا من العقبات أمام المُشرعين الأميركيين الذين يتطلعون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال المستقبلية.

وتنقل "بولتيكو" عن نشطاء يتابعون سياسة حرب الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة، أن إسرائيل تُشوه الغرض من هذه التكنولوجيا، حيث تستخدمها لتوسيع قوائم الأهداف، بدلا من حماية المدنيين. 

ويؤكد أولئك النشطاء أن الولايات المتحدة يجب أن تُدين الجيش الإسرائيلي بسبب هذا الانتهاك الأخلاقي، وقصف منظمات الإغاثة والمرافق الطبية في غزة، بموجب هذه التقنية، بحجة أن حماس تُخفي مقاتلين وأسلحة في مبانيها.

ولم تُوقع إسرائيل على معاهدة تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في الحرب، رغم توقيع أكثر من 50 دولة من بينها المملكة المتحدة، وألمانيا، وأوكرانيا.

وتسبب مد أميركا لإسرائيل بهذه التكنولوجيا ثم استخدامها في القتل الجماعي بحجة التعرف على شخص مستهدف وسط جموع أو داخل مبنى يجرى نسفه بالكامل، لضغوط على الولايات المتحدة من قبل منظمات حقوقية.

ويري موقع "بولتيكو" أن هذه المساءلة قد تجبر واشنطن على مواجهة بعض الأسئلة غير المريحة حول مدى السماح للولايات المتحدة لحليفتها بالإفلات من مأزق استخدامها للحرب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

وأيدت أكثر من 150 دولة في ديسمبر 2023 قرارا للأمم المتحدة يتحدث عن "تحديات ومخاوف جدية" في مجال التقنيات العسكرية الجديدة، بما يشمل الذكاء الاصطناعي وأنظمة السلاح الذاتية التشغيل.

قتل الجميع

الجديد في استخدام الاحتلال تقنية الذكاء الاصطناعي في الحرب، هو تأكيد ضباط مخابرات إسرائيليين ومسؤولين عسكريين ومصادر لصحيفة "نيويورك تايمز" 27 مارس/آذار 2024 أن "إسرائيل بدأت في استخدام برنامج "التعرف على الوجه".

أكدوا أن جيش الاحتلال يقوم بـ"جمع صور الوجوه للفلسطينيين وفهرستها" ويمكنه تحديد أسماء الأشخاص في ثوانٍ معدودة، بغرض قتل من يريد.

بحيث يتم جمع الصور وحفظها دون علم أو موافقة السكان الفلسطينيين، ومن ثم استهداف شخصيات بعينها، ومع هذا فهم ينسفون المكان بكل من فيه لقتل الجميع وقد يستخدمون هذا النظام لمحاولة اعتقال فلسطينيين.

العسكريون الصهاينة أكدوا للصحيفة الأميركية أن هذه التكنولوجيا تم استخدامها بغزة في البداية للبحث عن الإسرائيليين الذين احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر كأسرى، ولكن بعد ذلك بدأت في استخدامها على نطاق واسع لتحديد أي أشخاص لهم علاقات مع المقاومة الفلسطينية.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن تقنيات التعرف على الوجه حول العالم مدعوما بأنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت تنتشر بشكل أكبر حيث تستخدمها بعض الدول لتسهيل السفر والتنقل، فيما استخدمتها روسيا ضد الأقليات وقمع المعارضة، وبرز أخيرا استخدامها من قبل إسرائيل في الحرب.

وفي 19 نوفمبر/تشرين ثان 2023 فوجئ الشاعر الفلسطيني، مصعب أبو توهة، عندما كان يمشي وسط حشد من الناس عبر نقطة تفتيش عسكرية على الطريق السريع، بجنود الاحتلال ينادون عليه بالاسم ويعتقلونه لاستجوابه، ضمن عمليات التعرف على الوجوه.

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين في المخابرات الإسرائيلية أنه تم تحديد أبو توهة من خلال كاميرات تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالتعرف على الوجه، والتي تتيح تحديد أسماء الأشخاص وإذا ما كانوا على قائمة المطلوبين لإسرائيل أم لا.

ومع هذا اعترف أحد الضباط الإسرائيليين للصحيفة الأميركية "أنه في بعض الأحيان كانت هذه التقنية تصنف بشكل خاطئ المدنيين على أنهم من مقاتلي حماس المطلوبين"!

وتدير برنامج التعرف على الوجه "وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ووحدة الاستخبارات الإلكترونية 8200". 

ويستخدمون فيه تكنولوجيا طورتها شركة "كورسايت" الإسرائيلية، تعتمد على أرشيف هائل من الصور التي تلتقطها طائرات مسيرة وصور أخرى يتم إيجادها عبر غوغل بحسب ما أكدت المصادر الإسرائيلية لـ "نيويورك تايمز".

وسبق أن وثقت منظمة العفو الدولية "أمنستي" عام 2023 استخدام إسرائيل لتكنولوجيا التعرف على الوجه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأطلقت عليه اسم "الذئب الأحمر" وهو شبكة مراقبة متنامية باستمرار ترسخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين.

وتقول الصحيفة الأميركية إن تقنيات التعرف على الوجه حول العالم المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت تنتشر بشكل أكبر وتستخدمها بعض الدول للقمع، مؤكدة وجود مخاوف من إساءة استخدام الاحتلال لهذا البرنامج.

وهناك استخدامات أخرى للذكاء الاصطناعي في الحرب من قبل جيش الاحتلال، حيث استخدم الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى تقنية منظار تصويب معزز بالذكاء الاصطناعي طورته شركة "سمارت شوتر"، وزودت به أسلحة مثل البنادق والرشاشات.

كما تقوم تقنية أخرى على إطلاق مسيرات قادرة على رمي شباك على مسيرات أخرى بهدف تعطيل عملها.

أيضا لجأ الجيش الإسرائيلي إلى طائرات مسيرة تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعداد خريطة للأنفاق تحت غزة، والتي تشير تقديرات غربية الى أنها تمتد على مسافة أكثر من 500 كلم، وبعض هذه المسيرات قادرة على رصد البشر والعمل تحت الأرض.