مرفوض من الجميع.. لماذا أصدرت قسد عقدا اجتماعيا في مناطق سيطرتها بسوريا؟
تواصل ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرقي سوريا طرح المزيد من "المشاريع المبطنة" التي ترى باقي الأطراف السورية أنها تهدف لتحقيق "الانفصال".
وفي خطوة مستهجنة، أصدر المجلس العام في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" المظلة السياسية لقوت سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، "العقد الاجتماعي" الخاص بها بصورته النهائية.
"عقد اجتماعي"
وتعرف "الإدارة الذاتية" "العقد الاجتماعي" بأنه "مجموعة الأسس النظرية والعملية والقوانين والقواعد التنظيمية التي توضع لتحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتبين حقوق وواجبات الأفراد والمسؤولين داخل المجتمع".
وتدير "الإدارة الذاتية" أجزاء من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب، وتحظى بدعم مباشر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
و"الإدارة الذاتية" على خلاف أساسي مع تركيا على الحدود الشمالية، التي تعد قواتها امتدادا لـ "حزب العمال الكردستاني" المحظور والمصنف إرهابيا لدى أنقرة وفي الاتحاد الأوروبي وأميركا.
والإدارة الذاتية أصبحت بموجب "العقد الجديد" تتكون من إقليم واحد وهو شمال وشرقي سوريا، ويتضمن سبع مقاطعات.
ويأتي ذلك في خطوة مشابهة للصيغة المعتمدة بتوصيف كردستان العراق بـ"إقليم كردستان".
ونص "العقد" على أن العربية، والكردية، والسريانية، هي اللغات الرسمية في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية".
ونوه في "المادة 120" إلى أن "شكل العلاقة في جمهورية سوريا الديمقراطية يحدد فيما بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرقي سوريا مع المركز، (دمشق)، والمناطق الأخرى على جميع المستويات وفق دستور ديمقراطي توافقي".
وزعم "العقد" أن هذا الأمر قابل للتعديل في حال جرى التوافق على "دستور ديمقراطي" في سوريا.
واحتوى "العقد الجديد المعدل" على أربعة أبواب بـ 134 مادة، الأول يتحدث عن المبادئ الأساسية بـ 36 مادة.
والباب الثاني من العقد يتحدث عن الحقوق والحريات الأساسية والثالث عن النظام المجتمعي، أما الباب الرابع فاحتوى أحكاما عامة.
وبذلك تكون "الإدارة الذاتية" وحدت الأقاليم السبعة التي تستولي عليها في 4 محافظات سورية هي حلب ودير الزور والحسكة والرقة ضمن منطقة شرقي الفرات والجزيرة، إضافة إلى مدينتي منبج شرقي حلب، والطبقة غربي الرقة.
ويعني ذلك تطبيق قوانين "الإدارة الذاتية" بموجب مواد "العقد الاجتماعي" في المناطق كافة على نفس المستوى.
ومن هنا فقد فتحت مليشيا "قسد" الباب واسعا لفرض التجنيد الإجباري في صفوفها وهو أحد أبرز النقاط التي يرفضها غالبية أبناء المناطق التي تسيطر عليها رغم الإغراءات المالية.
كما أن منهاج التعليم على سبيل المثال في جميع مناطق سيطرة "قسد" ستصبح واحدة، في وقت يرفض الأهالي المنهاج الهادف "لتغيير العقيدة الإسلامية وطرح أفكار دخيلة على المجتمع".
ولم يجد حلم الاعتراف الدولي الذي تسعى إليه ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية آذانا صاغية على الرغم من دعوة مسؤوليها لحضور اجتماعات في الولايات المتحدة ودول أوروبية.
كما أنشأت الإدارة مجموعات ضغط خاصة لغرض الاعتراف الدولي بها، وافتتحت مكاتب لها في عدد من دول أوروبا.
وفي 18 يوليو/تموز 2021، أطلقت "الإدارة الذاتية" على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لحث المجتمع الدولي على "اعتراف دولي بمناطقها وإضفاء الشرعية على المؤسسات والقوات العسكرية المنتشرة هناك".
"تقسيم سوريا"
منذ عام 2012 ينظر إلى "الإدارة الذاتية" على أنها تحكم بقوة السلاح الأميركي وما هي إلا سلطة أمر واقع غير شرعية.
ولهذا فإن توقيت إقرار "العقد الاجتماعي" يأتي أولا في ظل دخول العشائر العربية شرقي سوريا "حربا مفتوحة" ضد "قسد" منذ 27 أغسطس/آب 2023، حينما اشتعلت انتفاضة حقيقية هي الأولى من نوعها هناك ضد هيمنتها وانتهاكاتها ورفضا لإدارتها تلك المناطق.
وطالبت العشائر العربية آنذاك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنشاء "إدارة مدنية مستقلة تتخذ سياساتها بشكل مستقل لإدارة المنطقة دون تأثير من قسد وغيرها.
وذلك حتى تمثل المنطقة بعيدا عن تحكم قيادات حزب العمل الكردستاني (بي كا كا) في الملف الأمني بالمنطقة وضمان عدم فرض أيديولوجيتهم على السكان.
وأعلنت العشائر العربية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تشكيل "قيادة موحدة" تضم كتائب وألوية من مقاتلي العشائر في منطقة شرقي سوريا، بهدف "قتال مرتزقة قسد ضمن معارك كر وفر".
ثانيا، جاء إقرار "العقد الاجتماعي" بعد فشل المفاوضات بين "الإدارة الذاتية" ونظام بشار الأسد في التوصل إلى حل يفضي لدخول قواته لمناطقها ودمج قسد ضمن "الجيش السوري".
وهذا فضلا عن تقاسم عائدات النفط والغاز الذي تستولي قسد على 90 بالمئة من إنتاجه الكلي على الأراضي السورية.
ورفضت جميع هيئات ومكونات المعارضة السورية هذا "العقد الاجتماعي" الذي يعدّ أقرب إلى "دستور" للمنطقة، لأمور كثيرة.
أولها أنه صادر عن سلطة تستولي على بلدات ومدن بقوة السلاح الغربي، فضلا عن محاولات لترسيخ فكرة "الانفصال والتقسيم" بشكل تمهيدي.
وضمن هذا السياق، قال مضر حماد الأسعد المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية المعارض، إنه "في كل بند من بنود العقد الاجتماعي هناك عملية تقسيم ونصب أفخاخ من أجل تفكيك المجتمع السوري".
ولذلك فإنه لمجرد إقرار مثل هذا العقد لمنطقةٍ ما في سوريا ولوحدها دون المناطق الأخرى فإن ذلك يعني بداية التقسيم والتجزئة.
وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال": "لا يجوز لأي تنظيم أو حزب أن يكتب عقدا اجتماعيا على منطقة ما وفرضه على الأهالي وما يجرى قنبلة موقوتة بين أبناء الشعب السوري".
وتابع: "يجب أن يكون العقد لكل أبناء الشعب السوري من خلال لجنة منتخبة ومعترف بها من الشعب السوري وبعد ذلك يتم أخذ موافقتهم عبر استفتاء وليس محافظة على حساب أخرى".
ولفت الأسعد إلى أن "ما فعلته قسد مخالف لكل القوانين والدساتير المعمول بها في العالم لذلك المراد من هذا العقد الاجتماعي هو زرع الشقاق لدى القوميات في المجتمع السوري وإحداث انشقاق بين العرب والأكراد والتركمان والسريان والدروز والعلويين".
واستدرك قائلا: "لأن كل قومية من تلك القوميات ستفكر في إنشاء قومية خاصة بها في المنطقة التي توجد فيها على الأراضي السورية ما يشكل خطورة بالغة على وحدة الشعب السوري وترابط أراضيه".
وختم الأسعد بالقول: "سوريا فيها عدد كبير من العشائر والقوميات ولكن هي شعب واحد ولا يمكن تفريقه عبر طرح مثل هذا العقد الاجتماعي الذي ولد ميتا ومرفوضا من كل الأطراف السورية حتى من داخل المناطق التي أقر فيها في منطقة الجزيرة والفرات".
"انفصال مبطن"
ومحاولات "الإدارة الذاتية" نيل الاعتراف السياسي الدولي لها، لم تتحقق وذلك بفضل تعاون فصائل الجيش الوطني السوري المعارض مع أنقرة لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدود تركيا الجنوبية.
وتجلى ذلك من خلال إطلاق تركيا منذ عام 2018 عمليتين عسكريتين بمساندة من الجيش الوطني السوري، قطعتا الطريق أمام قوات "ي ب ج" (وحدات حماية الشعب - فرع بي كا كا في سوريا) و"قسد" لوصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات (الحسكة– الرقة– حلب).
ومنذ ذلك الحين تواصل "الإدارة الذاتية" حراكا مكثفا لتثبيت شرعيتها في المناطق التي بات يحكمها الآن "العقد الاجتماعي" المزعوم.
ولهذا فقد أصدر المجلس الإسلامي السوري المعارض بيانا في 19 ديسمبر 2023 استنكر فيه "العقد الاجتماعي" واصفا إياه بـ "مشروع انفصال مبطن".
وأكد المجلس الإسلامي على "الهوية السورية ومبادئ الثورة الواردة في وثائق المجلس وأهمية التمسك بها".
وقال إن "لسوريا كلها مستقبلا مشتركا يحدده شعبها كله بعد نيل حريته وتخلصه من النظام ومن الاحتلالات التي أتى بها".
ورأى أنه "لا يمكن لإدارة أن تكون وصية على خيارات السوريين"، رافضا في الوقت نفسه تحويل اسم الدولة من "الجمهورية العربية السورية" إلى "جمهورية سوريا الديمقراطية".
وشدد المجلس الإسلامي السوري على رفض أي خطوة "يمكن أن تؤدي إلى تمزيق سوريا بناء على نزعات عرقية أو دينية أو قومية".
من جانبه قال رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة إنه "لا يحق لأي جهة أن تستفرد بكتابة دستور لسوريا وتفرضه على باقي أفراد الشعب السوري، وعمل اللجنة الدستورية في جنيف كان صياغة مشروع دستور يكون الشعب السوري بكافة مكوناته صاحب الكلمة الأخيرة في قبوله أو رفضه".
وأضاف البحرة خلال لقاء مع صحفيين في 21 ديسمبر 2023: "أي جهة تفرض دستورا مبنيا على خلفية عقائدية أو مناطقية، ففعلها مرفوض، وغير مقبول من الناحية السياسية والقانونية".
كما أصدرت "جماعة الإخوان المسلمين في سوريا" بيانا في 20 ديسمبر 2023، رأت فيه أن "العقد اجتماعي الجديد يعبر عن تغييرات سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة، تهدد وحدة سوريا وتستأثر بتقرير مستقبلها وتغير اسمها وتبدل هويتها".
وأكد البيان "أن مستقبل سوريا شأن عام يقرره السوريون جميعا" رافضا "أي خطوات أو نزعات انفصالية مهما كانت المبررات".
كما رأت الجماعة أن العقد الاجتماعي" هو محاولة لـ التفاف على القرارات الدولية حول سوريا وخاصة القرار 2254 الممهد للحل السياسي بسوريا طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي لعام 2015 والذي يتضمن صياغة دستور جديدة للبلاد.
وعطل نظام الأسد على مدى السنوات الماضية، تحقيق أي تقدم في سلال العملية السياسية السورية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
وقد جرى تشكيل اللجنة الدستورية السورية وانطلقت في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، داخل قصر الأمم بمدينة جنيف السويسرية بين وفود من المعارضة والنظام السوري والمجتمع المدني.
إلا أن كل الجلسات التي توقفت منذ أكتوبر 2021 لم تقر مادة واحدة من الدستور المنتظر بسبب مماطلة نظام الأسد وتعنته وتضييع الوقت في أمور ثانوية وفق ما أكد وفد المعارضة والمبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون في بيانات صحفية.