"سجناء رومية".. لهذا يماطل لبنان في تسليم المعتقلين السوريين للنظام الجديد

“استمرار السلطات اللبنانية في اعتقال السجناء السوريين غير مبرر خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد”
يواصل العشرات من المعتقلين السوريين في سجن رومية المركزي سيئ الصيت شرق بيروت، معركة الإضراب عن الطعام حتى تحقيق مطلبهم في تسليمهم إلى الحكومة السورية الجديدة.
ودخل 120 سجينا سوريا منذ 11 فبراير/ شباط 2025 في إضراب عن الطعام بعد فقدانهم الأمل بأي تحرك رسمي لإنهاء معاناتهم عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

سجناء رومية
ويقدر عدد السجناء السوريين في سجن رومية بنحو 2200 سجين؛ حيث تختلف أنواع التهم الموجهة إليهم من المشاركة في الثورة السورية أو حتى لأسباب تتعلق باللجوء إلى لبنان.
وهؤلاء السجناء جرى اعتقالهم في لبنان على خلفية مشاركتهم في الثورة السورية، وقد سمحت سطوة نظام الأسد البائد على لبنان آنذاك في الزج بهم في سجن رومية.
وما يزال يواجه هؤلاء المعتقلون السوريون انتهاكات جسيمة من النظام الأمني اللبناني، علاوة على الإهمال والتقصير في كل المجالات الطبية والمعيشية وحتى النفسية إضافة إلى انتشار الأمراض المزمنة.
وقد مضى على اعتقال الكثير من هؤلاء أكثر من عشر سنوات، على الرغم من كل المناشدات الحقوقية للإفراج عنهم عقب سقوط نظام بشار الأسد البائد.
ويهدف الإضراب إلى تسريع صدور قرار رسمي يقضي بخروج هؤلاء السجناء وتسليمهم إلى سوريا.
وقد جرى تحويل خمسة سجناء إلى المشافي اللبنانية عقب الدخول في الإضراب.
وهناك من المعتقلين السوريين من صدر بحقهم أحكام إعدام (لم تنفذ)، حيث تتهم عوائلهم السلطات اللبنانية بتلفيق ملفات ضدهم لإصدار مثل تلك الأحكام القاسية.
وخلال السنوات الماضية عمل عدد من المحامين لمتابعة ملفات هؤلاء السجناء، وتخفيف الأحكام عليهم.
وسجن رومية هو أكبر السجون اللبنانية، بني في ستينيات القرن العشرين، وافتتح عام 1970؛ إذ تبلغ طاقة استيعابه 5500 نزيل، وتؤكد وسائل إعلام لبنانية أنه يشهد حاليا اكتظاظا غير مسبوق.
ويتوزع السجناء على خمسة مبانٍ هي، مبنى المحكومين ومبنى الأحداث (يضم الجناح "و" التأديبي)، والمبنى "د" و المبنى "ب" والمبنى "ج" الذي جرى إنشاؤه أخيرا.

“الوضع مأساوي”
وقال متحدث باسم السجناء السوريين في سجن رومية في اتصال هاتفي مع "قناة العربية الحدث" السعودية في 19 فبراير 2025: إنه بعد "اتفاق الحكومة اللبنانية مع القيادة السورية عقب سقوط الأسد على استرداد دمشق السجناء السوريين كافة استبشرنا خيرا في العودة".
وأردف: "لم يتم تشكيل لجنة لمتابعة ملف السجناء، على الرغم من إرسال رسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع".
واستدرك المتحدث: "الجانب اللبناني ينتظر من الجانب السوري إنشاء مكتب التنسيق والاتصال الذي تم حله إبان سقوط نظام بشار الأسد".
وأشار إلى أن "الوضع مأساوي في السجن وكل يوم يعادل عاما، خاصة أن السجناء هم مقاتلون سابقون في صفوف الثورة السورية".
وكثير من هؤلاء السجناء كانوا من الذين حملوا السلاح لمواجهة نظام الأسد البائد قبل أن يتم اعتقالهم بعد فرارهم إلى لبنان عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ويعاني السجناء من قلة المحاكمات حيث إن هناك موقوفين منذ 11 عاما ولم يعرضوا على القضاء.
كما أن هناك من صدر بحقه حكم بالسجن لأربع سنوات ولم يتم الإفراج عنه من سجن رومية بل واصلت السلطات اللبنانية سجنه دون أي مسوغ قانوني.
والجسم القضائي في لبنان يعاني من فراغ، فضلا على تأثير الشغور الرئاسي السابق في لبنان والذي امتد من أكتوبر 2022 حتى يناير 2025 على القيام بمحاكمات عادلة بحق سجناء رومية.
وشبه حقوقيون زاروا سجن رومية، بأنه نسخة مصغرة من سجن صيدنايا قرب دمشق الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ “المسلخ البشري” والذي قتل فيه الآلاف من المعتقلين السوريين تحت التعذيب على يد نظام بشار الأسد المخلوع.
وكانت "الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين" نشرت تقريرا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن أوضاع السجناء السوريين في سجن رومية، وذلك من خلال لقاءات مباشرة مع 59 سجينا و37 من الشهود والضحايا.
وتوصلت الهيئة بحسب التقرير، إلى أن غالبية السوريين تعرضوا لاعتقالات تعسفية بالجملة، بالإضافة إلى إخضاعهم للتعذيب وسوء المعاملة وتصفية بعضهم.
وأضاف التقرير أن السجناء خضعوا لمحاكمات غير عادلة، كما جرى تسليم عدد منهم لنظام الأسد.
وبيّن أن السلطات اللبنانية تحيل الموقوفين السوريين إلى المحاكم العسكرية بتهمة الإرهاب، بالرغم من عدم ارتكابهم أعمالا من هذا النوع وعدم انتسابهم لمنظمات إرهابية مصنفة.
وفي بروباغندا مصطنعة يُطلق على المساجين السوريين اسم "الموقوفين الإسلاميين"، فقط لأنهم من الطائفة السنية، حسبما تنظر إليهم جهات الاحتجاز، وفق التقرير.

"عقبات قانونية"
وسبق أن اتّهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، في تقرير في مارس 2021 قوى الأمن اللبنانية بارتكاب انتهاكات بحق لاجئين سوريين جرى اعتقالهم خلال السنوات الماضية بتهم "الإرهاب" بينها اللجوء إلى "أساليب التعذيب المروّعة".
وشدد التقرير على حرمان المحتجزين من "المحاكمة العادلة"، وفق المنظمة التي قالت: إنه "في حالات عديدة، اعتمد القضاة اعتمادا شديدا على الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب".
وضمن هذا السياق، رأى المحامي اللبناني محمد صبلوح، لـ "الاستقلال" أن “استمرار السلطات اللبنانية في اعتقال السجناء السوريين غير مبرر خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد”.
وأضاف صبلوح، أن "السلطات اللبنانية قبل سقوط الأسد كانت تتاجر بملف اللاجئين السوريين وكثيرا ما هددت الداخلية اللبنانية سابقا بتسليم هؤلاء السجناء في رومية إلى نظام الأسد على الرغم من عدم قدرة بيروت على تسليمهم بدون اتفاقيات وإجراءات قانونية".
وأردف: "حينها كانت السلطات اللبنانية تبتز المجتمع الدولي لتحصيل الأموال، لكن اليوم مع سقوط نظام الأسد لماذا لا تجد بيروت المخرج لإطلاق سراحهم؟ على الرغم من تذمر لبنان من رعاية هؤلاء".
وراح يقول: "لا يوجد أسلوب جدي من السلطات اللبنانية في التعاطي مع ملف المسجونين في سجن رومية حيث إن هناك 82 بالمئة من المسجونين لم يتعرضوا للمحاكمة بسبب تقصير القضاء اللبناني".
وأشار صبلوح إلى أنه "جرى تقديم قوانين لمعالجة ملفات السجناء السوريين في سجن رومية إلى الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام فضلا عن تعديل اتفاقية بين سوريا ولبنان للسماح بخروج هؤلاء".
وخلال زيارة رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، إلى دمشق في 11 يناير 2025 ولقائه بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، تم الإعلان حينها في بيان صدر عن وزارة الخارجية السورية، أنه تم الاتفاق على استرداد جميع السجناء السوريين من لبنان.
وأكدت وزارة الخارجية السورية في بيان رسمي حينها أن الاتفاق نص بين الشرع وميقاتي على نقل 1750 محكوما في لبنان إلى سوريا.
وألمح صبلوح إلى أن "نحو 29 مسجونا سوريا في سجن رومية لقوا حتفهم بسبب الإهمال الطبي بينهم سوري بقي يعاني من أمراض القلب لثلاثة أشهر قبل أن يموت داخل السجن".
وذهب صبلوح للقول: "اليوم لبنان أمام اختبار في حل ملف سجناء رومية عقب تشكيل حكومة نواف سلام وإطلاق سراحهم بدون مناورة طبقا للوعود التي جرى تقديمها للرئيس السوري أحمد الشرع بحل هذا الملف".
وختم صبلوح بالقول: "يجب تطبيق العدالة الانتقالية في لبنان بحق هؤلاء السجناء السوريين والاعتراف بالخطأ الذي مورس بحقهم في أقرب وقت وبشكل سريع".
وسبق أن قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، في مقابلة سابقة مع موقع النهار اللبناني عام 2023 إن الموقوفين السوريين يشكلون عبئا كبيرا على البنية التحتية، نظرا إلى حاجاتهم لتأمين الغذاء والمحروقات والطبابة وغيرها.
وأشار الوزير إلى وجود 2297 سجينا سوريا في السجون اللبنانية، 329 محكوما، و1968 منهم غير محكومين، مشيرا وقتها إلى عدم وجود طلب سوري رسمي يخصهم.
وأكثر ما يعاني منه لبنان هو توقيف أشخاص دون الرجوع للقضاء، إذ تصدر الأجهزة الأمنية من تلقاء نفسها بلاغات بحق أشخاص لا يطلع عليها القضاء، ويبقى الموقوف في السجن.
ويدلل حقوقيون على ذلك، لوجود "دولة أمنية عميقة" في لبنان تتحكم بالقرار الأمني والقضائي، وسط تعطيل لمؤسسة التفتيش القضائي.