بلا هوية ولا وطن.. هكذا تضغط الإمارات لتغيير المناهج التعليمية الفلسطينية

يسرائيل هيوم العبرية قالت إن أبوظبي تريد الإشراف على تغيير المنهاج الفلسطيني
على غرار ما فعلته في نظامها التعليمي بعد التطبيع مع إسرائيل، تدفع الإمارات نحو تغيير المنهج الدراسي الفلسطيني بزعم احتوائه على "تحريض" ضد تل أبيب، وذلك لكونه لا يعترف بالكيان على خريطة فلسطين.
وتتبنى الإمارات السردية الإسرائيلية التي لطالما رأت أن أحد أبرز ملامح "التحريض ضد إسرائيل" يكمن في المناهج الدراسية الفلسطينية، في خطوة تحاول من خلالها إعادة هندسة الوعي الفلسطيني.
وبعد توقيعها اتفاق التطبيع مع تل أبيب عام 2020، يبدو أن أبوظبي، باتت تتبنى هذه الرؤية الإسرائيلية بالكامل وتسعى لتصديرها عبر الضغط على الفلسطينيين لتفكيك منظومتهم التعليمية.

“إزالة التحريض”
وفي 14 مايو/أيار 2025، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبحث مبادرة خليجية بقيادة السعودية والإمارات بشأن وقف الحرب في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة الخاصة: إن ترامب بحث في الخليج خلال زيارته التي استمرت 4 أيام للمنطقة مبادرة إماراتية سعودية تشمل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين فورا ونزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس وانسحاب إسرائيل من غزة وإعادة إعمار القطاع بإشراف دولي.
وأوضحت أن المبادرة جاءت من أكبر صديق لإسرائيل في الخليج، الإمارات العربية المتحدة، برئاسة محمد بن زايد، ووزير خارجيته شقيقه عبد الله.
ومن جملة بنود المبادرة، كان لافتا إصرار الإماراتيين على أن يخضع النظام التعليمي الفلسطيني لتغيير حقيقي و"يتم تطهيره من التحريض ضد إسرائيل". وفق ما قالت الصحيفة.
وأوضحت أنه "حدثت عملية مماثلة في النظام التعليمي السعودي، على سبيل المثال"، مبينة أن "الرياض وأبوظبي ستشرفان على هذا التغيير".
وجاء هذا الشرط ضمن بند ينص على تنفيذ إصلاحات جوهرية داخل السلطة الفلسطينية تهدف إلى الحد من الفساد، وهو أمر تطالب به الإمارات والسعودية منذ سنوات مقابل الدعم السياسي والمالي.
وكان من اللافت أن ذكرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني دولة الإمارات خلال حديثها في مؤتمر لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في 7 مارس/آذار 2024.
وأوضحت ليفني أن “السلطة الفلسطينية تتعاون معنا على الصعيد الأمني وهذا جيد، لكن نريد إجراء تغييرات أخرى، مثل أن تعترف بالكامل بدولة إسرائيل وتحظر مشاركة حماس في الانتخابات، وتغيير منظومة التعليم”.
وأردفت: “دولة الإمارات يمكنها إحداث تغيير في مجال التعليم الفلسطيني؛ لأنهم حقا قادة رأي فيما يتعلق بمكافحة التطرف”. وفق تعبيرها.
ومنذ توقيع اتفاقيات أبراهام، تطورت الإمارات من شريك إقليمي في التطبيع إلى حليف إستراتيجي كامل لإسرائيل، موسعةً نطاق تعاونها في مجالات الاستخبارات والاقتصاد والإعلام وغيرها.
واليوم، يرى الفلسطينيون أن الدولة الخليجية تحاول اختراق قلب المجتمع الفلسطيني عبر نظام التعليم، الذي يعدّ حجر الزاوية في الوعي الوطني.
وبينما تأتي الحملة الإماراتية ملفوفة بعبارات من قبيل "التسامح" و"التعايش" كما يرد في منهجها التعليمي المُحدّث، فإنها تُحقق هدفا أخطر يتمثل بالمحو البطيء للهوية الوطنية الفلسطينية.
وفي تعليقه على التسريبات الإسرائيلية، قال موقع الإمارات ليكس منتصف مايو: إن ما تطلبه أبوظبي ليس مجرد “إصلاح تربوي” بحت، بل إعادة صياغة للوعي الفلسطيني وفقا لرؤية تتماشى مع الرواية الصهيونية.
وأردف: “تسعى الإمارات إلى استثمار هذا الواقع لفرض أجندتها، بدعوى “تطوير” التعليم الفلسطيني وفقا لمعايير دولية”.
لكن المعايير المقصودة هنا لا علاقة لها بجودة التعليم بقدر ما ترتبط بإفراغه من مضمونه الوطني، وفق الموقع المعارض.
ورأى أن “التدخل الإماراتي في ملف التعليم يأتي ضمن مسار أشمل لتفكيك القضية الفلسطينية إلى ملفات خدماتية منفصلة عن جوهرها السياسي”.

شروط وضغوط
والإمارات لا تكتفي بتبني هذا النهج، بل تضغط في أروقة المانحين الدوليين لربط أي مساعدات مستقبلية بإزالة ما تصفه بـ”المواد التحريضية” من المناهج الفلسطينية، وفق ما نقل عن “مصادر مطلعة”.
وذلك في إشارة إلى المضامين التي تتناول نكبة عام 1948، والاحتلال، وحقوق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم المحتلة، وحتى تلك التي تكرّس حق الفلسطينيين في المقاومة.
وأوضح أن هذه “ليست المحاولة الأولى التي تُستخدم فيها المساعدات كأداة ابتزاز سياسي وأن الجديد هو أن أبوظبي باتت تلعب هذا الدور بالنيابة عن إسرائيل، مستخدمة نفوذها المالي في الضغط على السلطة الفلسطينية، التي تعاني من أزمة مالية خانقة”.
ويدعم فرضية الضغط الإماراتي على المانحين، رفض أبوظبي المعلن دعم السلطة دون إجراء إصلاحات تبدأ بالسياسة ولا تتوقف عند التعليم.
وشكل العدوان الإسرائيلي الحالي حلقة جديدة من اتهام الإمارات للسلطة بقيادة محمود عباس بالفساد وسوء الإدارة وعدم القدرة على حكم غزة.
وقبل عام فقط، خرجت الأوضاع عن السيطرة بين المسؤولين الإماراتيين والفلسطينيين، في اجتماع رفيع المستوى في العاصمة السعودية الرياض، مما يعكس تعمّق الخلافات حول كيفية إدارة القضية الفلسطينية ومستقبلها.
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن 5 مصادر مختلفة، أن جدالا حادا نشب خلال اجتماع كبار السياسيين العرب، في 29 أبريل/ نيسان 2024 بالرياض.
وقد حضر الاجتماع وزراء خارجية كل من السعودية ومصر والأردن وقطر والكويت والإمارات، بالإضافة إلى حسين الشيخ الدبلوماسي البارز في السلطة الفلسطينية ونائب الرئيس حاليا، ووزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن.
وحسب الموقع، كان الهدف من الاجتماع مناقشة إستراتيجية مشتركة لمرحلة “ما بعد الحرب على غزة”، لكن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وصف قيادة السلطة الفلسطينية بـ"اللصوص"، وفق المصادر.
وتابعت: "اشتكى حسين الشيخ من عدم الحصول على الدعم السياسي والمالي الكافي رغم تنفيذ رام الله بعض الإصلاحات التي طالبت بها واشنطن والدول العربية وتشكيل حكومة جديدة".
وأردفت المصادر: "كان رد وزير الخارجية الإماراتي على هذه الادعاءات قائلا: إن السلطة الفلسطينية لم تنفذ بعد أي إصلاحات ذات مغزى".
كما وصف المسؤول الإماراتي قيادة السلطة بأنهم كـ"علي بابا والأربعين حرامي"، وقال: إن موظفي رام الله "عديمو الفائدة" لدرجة أنه "يمكن استبدالهم جميعا دون أن يلاحظ أحد ذلك".
وأكثر من ذلك، جرى خلال القمة العربية بالبحرين في مايو/أيار 2024، تعديل القرارات المتعلقة بالدعم المالي لموازنة السلطة الفلسطينية، بناء على تحفظ شديد اللهجة أبدته دولة الإمارات.
ونقلت صحيفة المدن اللبنانية عن مسؤول فلسطيني في 17 مايو 2024، أن التوتر حدث بعد مساعٍ إماراتية لتغيير نص قرار القمة العربية الخاص بتقديم "شبكة أمان مالية للسلطة"؛ حيث قدمت أبوظبي تحفظا عنوانه أن دعم الأخيرة "يجب أن يكون مشروطا بحكومة نزيهة وشفافة".

تساوق وتحريف
ويأتي النهج الإماراتي متساوقا مع خطى الاتحاد الأوروبي الذي يدعو منذ سنوات لتغيير المنهج التعليمي الفلسطيني بضغط من إسرائيل تحت مزاعم “معاداة السامية”، وهي تهمة معلبة تطلقها تل أبيب على كل من يرفض الاحتلال والاستيطان.
وفي 7 مايو 2025، صوت البرلمان الأوروبي للعام السادس على التوالي لصالح سلسلة قرارات تدين بشدة الكتب المدرسية الفلسطينية التي تستخدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” وسلطة عباس.
وجاء في قرار الإدانة أن المواد المستخدمة "تحتوي على معاداة السامية والتحريض على العنف وخطاب الكراهية وتمجيد الإرهاب"، وهي رواية عملت إسرائيل على تصديرها في البداية ثم تبنتها دولة الإمارات.
وأمام ذلك، صوت البرلمان الأوروبي لصالح تجميد المساعدات المالية المقدمة للسلطة، بحجة استمرار التحريض في المناهج الدراسية، في قرار غير ملزم لدول كتلة بروكسل.
وطالب القرار بحجب التمويل الأوروبي عن السلطة “طالما لم تلتزم المناهج الدراسية بالمعايير التي تضعها منظمة اليونسكو، ولم تُزل الإشارات المعادية للسامية أو الأمثلة التي تحث على الكراهية والعنف”.
ولأول مرة، حدّد البرلمان موعدا نهائيا لتعديل هذه المناهج، مشترطا إزالة ما وصفه بالمحتوى التحريضي قبل بداية العام الدراسي القادم في سبتمبر/أيلول 2025، وربط استمرار المساعدات الأوروبية بتنفيذ هذه "الإصلاحات" بشكل ملموس.
وفي يوليو/تموز 2024، أعلنت المفوضية الأوروبية لأول مرة عن فرض شرط رسمي لتقديم المساعدات إلى السلطة يتعلق بإصلاح الكتب المدرسية.
وبدأت محاولات تغيير إسرائيل للمناهج منذ احتلال القدس وغزة والضفة عام 1967 من خلال إعادة طباعة الكتب الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بعد حذف المضامين الوطنية منها، وإضافة أخرى مُحَرّفة.
وقالت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في بيانات سابقة: إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي “تعمل على تحريف كتبنا كما يحلو لها، وإعادة طباعة الكتب المحرفة والإبقاء على أسماء مؤلفيها في جناية سيجرى مقاضاتها عليها”.
وأضافت أن سلطات الاحتلال تشن هجمة شرسة وغير مسبوقة على التعليم الفلسطيني في القدس على وجه الخصوص، كجزء لا يتجزأ من خططها لضمّها ومحو كل ما هو فلسطيني من معالمها المادية والمعنوية والروحية وطمسها وتشويهها.
وهذه الخطوة التي تسهم فيها الإمارات اليوم، كانت قد اتخذتها بنفسها بعد التطبيع؛ حيث عملت على تقديم منهج تعليمي جديد يهدف إلى تغيير النظرة المألوفة لإسرائيل من قوة احتلال إلى “دولة صديقة”.
وعام 2020، أكد رئيس لجنة الدفاع والداخلية في المجلس الاتحادي الإماراتي، علي النعيمي أن بلاده ستغير الخطاب الديني والمناهج التعليمية “حتى يشعر الإسرائيلي بالطمأنينة والانتماء وبالأمن والأمان وبأن له قبولا، وأنه مكون طبيعي من مكونات المنطقة”، وفق تعبيره.
وفي الشهور اللاحقة بدأ ناشطون على وسائل التواصل في تداول صور من المنهج الذي قالت صحيفة "تايمز اوف إسرائيل" إنه جرى تعديله بالتعاون مع ما يسمى "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" والذي له مقران في تل أبيب ولندن.
وشملت التعديلات إدراج "الهولوكوست" في المناهج الإماراتية والاعتراف بـ"المكانة التاريخية لليهود في العالم العربي"، فضلا عن وصف إسرائيل بأنها دولة سلام صديقة.