"فراغ أمني يجب ملؤه".. لماذا يصر الناتو على إقحام قواته في البحر الأسود؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

في الآونة الأخيرة، وعلى نحو متزايد، احتل البحر الأسود محور التركيز الإستراتيجي على أجندة الأحداث بالنسبة لروسيا وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، مع غياب أفق لتسوية الحرب في أوكرانيا.

حيث باتت المنطقة تمثل ساحة مركزية في تصاعد التوترات بين روسيا والحلف، كما أنها أصبحت هدفا متكررا بشكل متزايد لتحركات قوات الجانبين.

وفي هذا التقرير، يستعرض موقع "تيليبوليس" الألماني تقاطعات المصالح بين الدول في البحر الأسود، وإمكانية أن يتحول التوتر فيها إلى نزاع مسلح بين الغرب وروسيا في المستقبل القريب.

فجوة أمنية

في مقال بعنوان "بحر عدم الثقة" في أبريل/ نيسان عام 2021، وصف خبير العلوم السياسية والدراسات السلافية الألماني فرانك نينهويسن البحر الأسود بأنه "بحر من المصالح"، لافتا إلى أنه أصبح منطقة لتدفقات التجارة وخطوط أنابيب الطاقة، حيث يتكثف صراع روسيا والغرب على النفوذ.

وذكر الموقع أنه "منذ بداية الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، كان هناك عدد متزايد من التصريحات والأوراق الإستراتيجية التي تدعو إلى إستراتيجية أمنية جديدة لمنطقة البحر الأسود، متنبئة بأن منطقة البحر الأسود ستكون أكثر نزاعا وعسكرة في العالم مستقبليا".

وفي هذا السياق، صرح جيمس جاي كارافانو، مدير مركز دوغلاس وسارة أليسون لدراسات السياسة الخارجية، في أغسطس/ آب 2022، بأن "الهجوم الروسي على أوكرانيا أظهر بوضوح أهمية البحر الأسود"، مؤكدا أن "اهتمام الناتو بإنهاء الهيمنة الروسية في البحر الأسود قد تزايد في الآونة الأخيرة".

وبشأن وجود الناتو في البحر الأسود، يقول الموقع إن "نداء تعزيز وجوده في المنطقة -الذي يتماشى مع مضمون بعض الأوراق الحديثة الصادرة من مؤسسات مثل مؤسسة العلوم والسياسة أو فريق مجلس الأطلسي لأمن البحر الأسود- يعود إلى فترة قبل الحرب الروسية في أوكرانيا".

ويضيف أن "الدعوة إلى وجود الناتو قد أُثيرت بشكل كبير من قبل بن هودجز، القائد السابق للقوات البرية الأميركية في أوروبا".

ففي وقت مبكر من يناير/ كانون الثاني 2021، طرح هودجز في ورقة بحثية بعنوان: "البحر الأسود، أم ثقب أسود؟" أن "إستراتيجية الناتو العسكرية طويلة المدى في منطقة البحر الأسود كانت ضرورية لأمن الغرب واستقراره".

وأكد على أن "هذه المنطقة حاليا هي المكان الذي يجب على الناتو والغرب أن يثبتوا فيه تفوقهم ويأخذوا زمام المبادرة للدفاع عن أنفسهم ضد القوى المعادية للديمقراطية، سعيا لتحقيق تأثيرهم ومصالحهم الإستراتيجية".

وفي الورقة البحثية، أشار هودجز إلى منطقة البحر الأسود ليس فقط كـ "مفتاح إستراتيجي بحري لروسيا"، ولكن أيضا بوصفها "الحدود الحرفية والفلسفية بين الديمقراطية الليبرالية والاستبداد".

مقدرا أنها تمثل "فجوة أمنية لم تلق الاهتمام الكافي من قبل مخططي الأمن الغربيين خلال العقدين الماضيين".

اتفاقية مونترو

وبلفته النظر إلى اتفاقية مونترو، رأى هودجز في 2021 أنه "ليس من المستغرب أن يُعد تحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون مع تركيا كأهم هدف دبلوماسي طويل الأمد في منطقة البحر الأسود".

جدير بالإشارة إلى أن "اتفاقية 1936 تمنح تركيا السيطرة على الممر المائي بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وتقيد مرور السفن العسكرية وغير العسكرية عبر مضيق البوسفور وبحر مرمرة والدردنيل".

وتنص الاتفاقية -وفق الموقع- على أنه "في أوقات السلم، يجب إبلاغ الحكومة التركية بشكل دبلوماسي في العادة قبل 8 أيام من مرور سفينة حربية".

وتتضمن الاتفاقية أيضا أن "يكون لدى السفن التي تنتمي لدول غير محيطة بالبحر الأسود إقامة لا تزيد عن 21 يوما في البحر الأسود".

وأما في أوقات الحرب، وفقا لبنود الاتفاقية، لدى تركيا الحق في أن "تقرر، وفقا لتقديرها الخاص، السفن المسموح لها بالمرور عبر الممر المائي".

وفي مقال في أبريل/ نيسان 2021، أكد الخبيران الإستراتيجيان فرانك نينهاوسن وتوماس أفيناريوس على "أهمية الطرق المائية في منطقة البحر الأسود، مثل مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل، من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، وذلك بافتراضها تحمل أبعادا تاريخية".

وأشارا إلى أن "روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي -على وجه الخصوص- احتاجتا إلى الممرات المائية الضيقة وحرية المرور عبر بحر مرمرة الواقع في وسطها، لإرسال أساطيلها من البحر الأسود إلى البحر المتوسط". 

ولفتا إلى أنه "في روسيا الحالية بقيادة فلاديمير بوتين لا يختلف الوضع، حيث يستخدم الكرملين هذه الطرق لتزويد قواته في سوريا".

وفي هذا الإطار، يسلط الموقع الضوء على "الامتيازات التي حصلت عليها تركيا من خلال اتفاقية مونترو حول الممرات المائية، والتي تجعلها حليفا قويا في المنافسة على الهيمنة في منطقة البحر الأسود".

المصالح الروسية بالبحر الأسود

في المنتدى البحري عام 2018، نشرت الخبيرة الاقتصادية ماريون كيبياني تحليلا مفصلا للمصالح الروسية في منطقة البحر الأسود تحت عنوان: "إستراتيجية روسيا البحرية في البحر الأسود.. التنفيذ والعواقب بالنسبة لحلف شمال الأطلسي". 

وفي هذا التحليل، ذكرت كيبياني أن "أسطول البحر الأسود الروسي يمثل العمود الفقري الإستراتيجي لقوة روسيا خارج مضيق البوسفور إلى شرق البحر المتوسط ​​والشرق الأوسط".

كما أشارت إلى أن "روسيا قادرة بشكل متزايد على تعزيز مصالحها في المياه التي حُددت على أنها ذات أهمية إستراتيجية".

وفي هذا الصدد، يوضح الموقع الألماني أن "منطقة البحر الأسود أصبحت بشكل متزايد محور السياسة الخارجية والدفاعية الروسية منذ عام 2000، وذلك بسبب تعزيز مطالبة روسيا بالقيادة في المنطقة".

وكما تقول كيبياني، فإن "روسيا تنظر إليه في المقام الأول من خلال منظور التهديد المتصور من الناتو، ومن الأمثلة على ذلك إستراتيجية الأمن القومي التي وقعها فلاديمير بوتين عام 2015".

"ومن منطلق هذه الإستراتيجية، فإن تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب تكون فيه روسيا إحدى القوى الرائدة يعد مصلحة وطنية أساسية؛ وقد كانت هذه المصلحة مهددة بتوسع حلف الناتو شرقا وإعادة تسليح الجناح الجنوبي الشرقي له"، وفق الموقع.

ولذلك، بحسب ما نقله الموقع، فإن "تقليص تأثير الناتو والولايات المتحدة واتخاذ تدابير لحماية الأراضي الروسية كان هو الاتجاه السائد في الوثائق الإستراتيجية التالية".

وفي هذا السياق، في نهاية أبريل/ نيسان 2021، كتب غوران سفيستيك، ضابط بحري سابق وباحث حالي في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين: "بالنسبة لروسيا، يعد البحر الأسود فناء خلفيا ومنطقة توازن. ولذلك فإنها لا ترغب في أن ترى دول الساحل مثل بلغاريا ورومانيا تنضم إلى حلف الناتو".