محمد زيان نموذجا.. هكذا يمعن المغرب في إذلال حقوقييه حتى لو بلغوا الـ80
"هذه الصورة نقطة سوداء كبيرة في جبيننا جميعا"
بعد أن كان صوته يدوي في ردهات المحاكم بقوة وشدة، كما في الندوات الصحفية واللقاءات السياسية، ظهر نقيب المحامين السابق والحقوقي محمد زيان، بجسد ضعيف ووجه شاحب بعد عام ونصف العام من السجن.
المحامي زيان، وهو وزير سابق لحقوق الإنسان بالمغرب، خلال حكم الملك الراحل الحسن الثاني، والمحكوم بثلاث سنوات سجنا في دعوى رفعتها عليه وزارة الداخلية، انتشرت صورته وهو محاط برجال الدرك الملكي، خلال نقله إلى محكمة بالرباط، في 20 مايو/أيار 2024، ما أثار موجة استياء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان الوكيل العام للملك/المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في الرباط قد أعلن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن تأييد الحكم الصادر في حق المحامي محمد زيان، القاضي بإدانته بثلاث سنوات حبسا نافذا، وغرامة قدرها 5000 درهم (حوالي 500 دولار).
ويأتي قرار المحكمة بعد توجيه إليه تهم "إهانة رجال القضاء وموظفين عموميين، وإهانة هيئات منظمة، ونشر أقوال بقصد التأثير على قرارات القضاء قبل صدور حكم غير قابل للطعن وتحقير مقررات قضائية".
كما اتهم زيان بـ "بث ادعاءات ووقائع كاذبة ضد امرأة بسبب جنسها، وبث ادعاءات ووقائع كاذبة بقصد التشهير بأشخاص عن طريق الأنظمة المعلوماتية، والتحريض على خرق التدابير الصحية عن طريق أقوال منشورة على دعامة إلكترونية، والمشاركة في الخيانة الزوجية، والتحرش الجنسي".
دلالات سلبية
في تفاعلها مع الصورة، قالت حليمة الشويكة، القيادية النقابية والناشطة السياسية، إن ظهور النقيب زيان بتلك الملامح، سواء أكانت الصورة عفوية أم مقصودة من جهات ما، لها دلالات سلبية جدا.
وشددت الشويكة لـ "الاستقلال" أن كل النفوس التي تتوق إلى مزيد من الحرية والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان في البلاد آلمتهم تلك الصورة كثيرا.
وأضاف، خاصة ونحن نتحدث عن إنسان ثمانيني، ومن الطبيعي في هذا السن أن يكرم، لا أن يهان كما ظهر في الصورة، مؤكدة أن هذا خلف إحباطا لدى الرأي العام.
ونبهت الشويكة إلى أن "الصورة التي ظهر فيها النقيب زيان لا تليق بالمغرب الذي يرأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولا تخدم البلاد والانفراج الذي كان في مرحلة من تاريخه، وكأنها صورة تريد تأكيد إغلاق قوس الانفتاح والحرية والكرامة وحقوق الإنسان".
وذكرت المتحدثة ذاتها، أن "رسالة الصورة سلبية، لأنها تقول لكل مواطن، إن من سولت له نفسه أن يتجرأ ويتحدث أو يفضح الفساد أو يطالب بالحقوق، فسيكون هذا مصيره".
وأوضحت القيادية النقابية والناشطة السياسية، أنه، وبغض النظر عن الملف الذي توبع به النقيب زيان، يجب إطلاق سراحه أو على الأقل متابعته في حالة سراح، وذلك بما يليق بسنه وتاريخه ونضاله الحقوقي.
وقالت الشويكة، إن كل الأحرار الذين تابعوا ملف النقيب زيان، رفضوا هذه الصورة، وأجمعوا أنه يجب إنهاء هذا الملف، وكذلك ملفات كل الذين اعتقلوا على خلفية مقالاتهم الصحفية أو آرائهم السياسية.
وخلصت إلى أن "هذا النزيف الحقوقي لا يخدم بلدنا، ولا يعطيه الإشعاع المتلائم مع مكانته على رأس مجلس حقوق الإنسان".
بدوره، قال المحامي والناشط السياسي عبد السلام الخالدي، إن موضوع النقيب زيان يمكن تقسيمه إلى مستويين، أولهما حقوقي وثانيهما سياسي.
وأضاف الخالدي لـ "الاستقلال"، المستوى الأول يتمثل في أن النقيب كان واحدا من المدافعين في ملفات تعد ذات بعد حقوقي، ومنها ملف الصحفي توفيق بوعشرين وملف إحدى الموظفات سابقا بسلك الأمن، كما ساند مجموعة من المطالب الحقوقية في ملف الريف وجرادة وغيرها.
وعلى المستوى السياسي، يقول الخالدي، كانت للنقيب زيان مواقف من الوضع الذي تعرفه البلاد، لا سيما خلال مدة غياب الملك محمد السادس بسبب المرض، وتصريحاته حول وجود تغول للأجهزة الأمنية، وتوليها تسيير البلاد فعليا إلى جانب مستشاري الملك، وخاصة بعد ظهور تقارير في الصحف الأجنبية تناولت الموضوع.
وذكر المحامي أن "الملاحظ أن هناك إصرارا من جهة على الإمعان في إذلال الرجل في إطار واضح، وهو من جهة يحمل طابعا انتقاميا دون شك".
واسترسل، "كما أن في الصورة بعدٌ تحذيري، بغرض توجيه رسائل لمن يهمه الأمر، من أن الدولة لن تتسامح مع من يزعج رؤيتها أو اختياراتها السياسية".
وقال الخالدي إن هذا "يفسر عدم قبول أية مبادرة للإفراج عن المعتقلين السياسيين والصحفيين، والاستمرار في اعتقال أصحاب الرأي ومناهضي التطبيع، وفبركة ملفات تنسف كل حديث عن المصالحة والإنصاف".
وذكر المتحدث ذاته، أن ما يقع يعيد نقاش مطلب الحقيقة أولا، والاعتذار من أجل تحصين المسار الحقوقي والديمقراطي، وهو ما لم يتحقق للأسف، بل رجعنا إلى نقطة البداية، في ظل ارتفاع منسوب السلطوية في تدبير الملفات الاجتماعية والسياسية والحقوقية بالبلاد".
واشتهر النقيب زيان بدعوته إلى الحفاظ على الثروات الباطنة في مناطق مختلفة من النهب، ومن ذلك معدن الذهب بمنطقة طاطا جنوبي البلاد، متهما جهات في الدولة بتهريبه إلى الخارج.
كما شن النقيب زيان حملة كبيرة على رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قائلا إنه يستغل منصبه لمراكمة أرباح غير مشروعة في قطاع المحروقات، وأنه استفاد من ملايين الدراهم كدعم حين كان على رأس وزارة الفلاحة، بصفته من أبرز الفاعلين في القطاع.
رسائل سياسية
بعض المنابر الإعلامية المقربة من السلطة بالمغرب، علقت على الصورة باتهام النقيب زيان بالتلاعب بالمتابعين، ومحاولة شغل الرأي العام.
وفي هذا الصدد، نشر موقع Le360 الخبر تحت عنوان: " زيان يتمارض للتهرب من الإجابة عن أسئلة هيئة المحكمة"، فيما نشر موقع "برلمان كوم"، المدار من طرف مسؤول سابق في الداخلية، الخبر بعنوان: " صور محمد زيان.. وصناعة الكذب".
وفي الموقعين معا، تم ختم مقاليهما بنفس الخلاصة، وهي أن النقيب يتابع في جرائم حق العام وليس لمواقفه وآرائه السياسية.
في المقابل، قال الكاتب الصحفي يونس مسكين، "كذّب أشرّ ومنافق كبير.. ومخادع في حق نفسه قبل غيرها، من يزعم أن تلك النظرات التي بعثها زيان نحو عدسة الكاميرا، لم تخترق جدار فؤاده وتزعزع يقينه وطمأنينته".
وأضاف مسكين في افتتاحية موقع "صوت المغرب"، 21 مايو 2024، "الخوف هو عنوان ما خلفته تلك المشاهد، القصيرة في مدتها، الثقيلة في وزنها، لدى طيف واسع من المغاربة".
واسترسل: "أنا وجل من أعرف ممن تفاعلوا مع هذه الصور في السرّ والعلن شعرنا بالخوف، مهما كابرنا وحاولنا محاصرة المشهد في سياقه المسطري القضائي لسجين يِعرض على جلسة محاكمته".
وأوضح: "شعرنا بالخوف، ليس لأن رجلا مشهورا ومرموقا اجتماعيا كان يساق أمامنا سجينا نحو قفص الاتهام.. بل الخوف كله من كون الأمر يتعلّق بمغربي سجين بسبب رأيه السياسي".
وتابع مسكين: "نعم، لا لشيء سوى أنه فتح فمه بكلام قد لا يتفّق معه بعضنا، وقد يمجّه بعضنا الآخر، لكنه في النهاية رأي سياسي، وأن نعمد، بسبب القانون والقضاء تعبير عن إرادتنا الجماعية، إلى سجن أحدنا فقط لأنه عبّر عن رأي سياسي لا يعجبنا أو، لا يعجب بعضنا، معناه أن علينا أن نخاف".
وشدد الكاتب الصحفي أن أخطر ما في الأمر هو أن "نصنع الخوف بأدوات الدولة، من أمن وعدالة ودرك وقضاء، معناه أننا نوشك أن ننحدر تحت عتبة الحضارة الإنسانية".
وأكد مسكين أن "هذه صناعة الدول الشمولية والمفلسة والعاجزة عن إنتاج البرامج والمشاريع والأفكار، وتدبير الاختلافات بالحوار والتداول والتحكيم… وأخطر ما تنتجه هذه الصناعة، هو الخوف السياسي".
بدوره، نشر موقع "كَود" الناطق بالعامية، مقالا بشأن صورة النقيب زيان، بتاريخ 22 مايو 2024، أكد فيه أن هذه الصورة سلبية جدا، واصفا إياها بـ "صورة العار" وأنها "تشويه للبلاد".
وذكر الموقع أن اعتقال النقيب زيان، الرجل الثمانيني، ثم الحكم عليه كان قد خلف انتقادات حقوقية، ومنها منظمة "منا لحقوق الإنسان" بجنيف، والتي رأت في ديسمبر/كانون الأول 2022 أن محاكمة زيان هي "أحدث مثال على الاستخدام المتزايد من قبل السلطات المغربية لتهم جنائية غير متعلقة بالتعبير لمحاكمة النقاد البارزين، مثل تهم ترتبط في غسل الأموال، والتجسس، والاغتصاب والاعتداء الجنسي، والاتجار بالبشر".
وأبرز المصدر ذاته، أن صورة النقيب زيان أعادت القضية من جديد إلى أذهان المغاربة وحركت الرأي العام، وذلك لما فيها من "عار" و"استفزاز".
وشدد الموقع على أن النقيب زيان لم يكن معارضا للنظام المغربي، لأنه جزء من هذا النظم، بل هو معارض لجزء من النظام، ويرى أن "الإساءة إلى النقيب بهذه الطريقة هي إساءة للنظام نفسه".
وذكر أن حصول المغرب على رئاسة مجلس حقوق الإنسان في 10 يناير/ كانون الثاني 2024 كان يستوجب من البلاد أن تقطع مع عدد من الممارسات، ومنها قضية النقيب زيان.
كما دعا المصدر ذاته المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى التركيز على هذه القضية، والقضايا الأخرى المرتبطة بالصحفيين المعتقلين، وعلى رأسهم توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي، إضافة إلى قضية معتقلي حراك الريف.
تفاعلات مجتمعية
عدد كبير من المغاربة، من سياسيين وإعلاميين وحقوقيين وأكاديميين، عبروا عن انتقادهم لحالة النقيب زيان، مطالبين بالإفراج عنه بسبب وضعه الصحي وتقدمه في العمر، مشددين على أن ما يقع لا يشرف البلاد.
وفي هذا الصدد، علق عادل الصغير، الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، على صورة زيان بقوله: "مشهد مثخن بالصور المسيئة للوطن.. لا حول ولا قوة إلا بالله".
وأضاف الصغير في تدوينة على فيسبوك، في 20 مايو، "بعد كل الحسابات السياسية والحقوقية والقانونية، يكفي أن هذا الرجل يبلغ من العمر 81 سنة.. عيب وحشومة".
بدورها، قالت الصحفية حنان بكور، "لم أقو على مشاهدة فيديو النقيب محمد زيان وهو في طريقه إلى المحكمة منهكا بالكاد يرمي خطواته… لا يليق بنا هذا المشهد… لا يليق مطلقا أن يستمر هذا الملف وملفات أخرى في سجل بلد يرأس مجلس حقوق الإنسان!!!".
وتابعت بكور في تدوينة على فيسبوك، في 20 مايو، "من يحب هذا البلد فعلا فعليه أن يدفع في اتجاه انفراج ينهي مأساة زيان ومعتقلي الريف وغيرهم من الصحفيين ومعتقلي الرأي… لا أن يطبع مع مشاهد مؤلمة كالتي عكسها فيديو النقيب…".
أما الإعلامية فاطمة الزهراء فالكو، فرأت أن "الصور الأكثر إيلاما هي تلك التي رأيناها اليوم... صورة لرجل ثمانينيّ يُهَان في هذا الوطن... يُعتقل طيلة هذه المدة... دون عفو أو مراعاة لحالته الصحية التي تزداد سوءا".
وأضافت فالكو: "رئيس حزب.. وزير سابق.. نقيب المحامين.. كل هذا لم يشفع له؟؟ كيف سمحوا لهذه الصور أن تروج ولماذا...؟".
من جانبه، كتب البرلماني وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب السابق، رضا بوكمازي، عبر صفحته على فيسبوك، 20 مايو 2024، "بلد مثل المغرب لا يليق به مثل هذه الصور. فك الله أسر النقيب زيان".
بدوره، أكد المحامي عبد المولى المروري، أن محمد زيان أصبح قضية إنسانية، مهما كان الاختلاف حول ظروف اعتقاله وأسباب محاكمته.
وأضاف المروري في منشور عبر فيسبوك، في 21 مايو: "قضيته الإنسانية تقتضي تحرك أصحاب الضمائر الحية من أجل المطالبة بإطلاق سراحه".
ودعا المروري "أطياف النخبة السياسية والثقافية، والزعماء والقيادات الحزبية، والمنظمات الحقوقية كافة، وكل هيئات المحامين بالمغرب، وجمعية المحامين، وعلى وجه الخصوص هيئة المحامين بالرباط، أن توقع على عريضة من أجل إطلاق سراح النقيب زيان".
وفي تفاعله مع الصورة، قال يحيى شوطى، مستشار رئيس الحكومة السابق، "نحب بلادنا ونغار إذا تطُووِل عليها، لكن هذه الصورة نقطة سوداء كبيرة في جبيننا جميعا".
وأضاف: "اختلفوا مع النقيب زيان ما شئتم لكن احتراما للرجل وسنه ووضعه الاعتباري كوزير ونقيب سابق لا يليق إهانته والإمعان في جرجرته".
وعبر شوطى عن أمله في "أن ينتصر صوت الحكمة والتبصر في بلادنا ويفرج على الرجل، كثير من المجرمين من يستحقون أن يكونوا في هذا الوضع والمكان لكنهم يعيثون في الأرض فسادا".
وفي بحثه عن مخرج قانوني متاح لحل فوري لمعضلة اعتقال النقيب زيان، قال حسن بناجح، عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان المعارضة، "الحل هو على طاولة وزير العدل وفق مكنة قانونية تتيح حقا مشروعا لزيان".
وأضاف بناجح في تدوينة: "الجميل أن الحل اقترحه النقيب زيان للمساعدة على حل قانوني لقضية اعتقاله، حيث تقدم بداية هذا الشهر بطلب إلى وزير العدل لتمتيعه بحق "تفعيل مقتضيات الفصل 59 من القانون الجنائي المتعلق بالإفراج المقيد"، على افتراض أن قرار محكمة النقض أصبح حكما نهائيا، وأنه قضى نصف العقوبة الحبسية المحكوم بها عليه.
وأضاف بناجح: "لا أدري لماذا لم يتم التجاوب التلقائي مع هذا الحق الذي هو آكد في حالة مواطن في سن متقدم، وهو الآن أوجب مع الحالة الصحية التي أصبح عليها النقيب زيان".
وشدد الناشط السياسي على أن هذا "مخرج قانوني متاح لحل فوري لمعضلة اعتقال النقيب زيان، لكن التباطؤ فيه أو تجاهله سيزيد من تأكيد الطابع السياسي للاعتقال".