بـ"مرسوم رئاسي". لماذا أنشأ هاكان فيدان مديرية أمنية بالخارجية التركية؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة عشر عاما قضاها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في قيادة جهاز الاستخبارات المعروف اختصارا بـ"MİT".

بعدها انتقل في 3 يونيو/ حزيران 2023، إلى قيادة الدبلوماسية الخارجية للبلاد، بعد تعيينه وزيرا للخارجية بحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، في مستهل ولايته الجديدة بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية. 

بزغ اسم فيدان في الأوساط السياسية التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016، حيث نظر له على أنه صاحب الدور الأقوى في إنقاذ تركيا من الغرق في دوامة الانقلاب العسكري الخامس.

كما وصفه أردوغان من قبل بأنه "كاتم أسراره"، ويلقبه الأتراك بـ"ثعلب المخابرات".

حاليا يعد فيدان مهندس العلاقات الخارجية التركية، وهو الذي يقود عملية ترتيب الخارطة الدبلوماسية لأنقرة بالوقت الراهن.

سواء في الشرق الأوسط مع تتابع الأحداث بداية من العدوان الإسرائيلي على غزة، والهجوم على لبنان، إضافة إلى التوترات مع إيران، ما يهدد باندلاع حرب إقليمية مدمرة.

أو الحرب الدائرة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تركت أثرها على العالم تحديدا أوروبا والشرق الأوسط.

كذلك ينسب إلى فيدان عمليات التقارب التي قامت بها تركيا مع دول عربية خلال الفترة الأخيرة، منها مصر والإمارات والسعودية. 

فكيف يواجه "كاتم سر" أردوغان تلك التحديات؟ وكيف يستفيد من خبرته الوثيقة في مجال التجسس لتعزيز السلك الدبلوماسي؟

مديرية أمنية 

وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2024، نشرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” أنه جرى إنشاء مديرية جديدة للأمن الدبلوماسي داخل وزارة الخارجية التركية بموجب مرسوم صادر في 14 سبتمبر.

وأوضحت المجلة الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أن فيدان زاد عدد المديريات المسؤول عنها جهاز الاستخبارات بالوزارة إلى 8 من إجمالي 30 مديرية داخل الوزارة.

وأضافت أن هذه المديرية أنشئت لتحل محل وحدات الشرطة المسؤولة منذ فترة طويلة عن الأمن الدبلوماسي وأمن المرافق الدبلوماسية.

وأفادت بأن فيدان يولي هذه المديرية الجديدة أولوية خاصة، حيث سيضم فريقها العديد من المدربين من جهاز الاستخبارات التركي.

كما أوردت أنه في وقت سابق من هذا العام، حول فيدان مديرية البحث والأمن التابعة للوزارة إلى مديرية الاستخبارات والأمن.

وفي إطار سياسته الرامية إلى تطوير أداء الخارجية التركية عبر تلك المديريات، عمد إلى تعيين عدد متزايد من موظفي المخابرات التركية في وظائف إدارية. 

وأفادت "إنتيليجنس أونلاين" بأن الوضع الجديد يأتي في إطار انخراط الاستخبارات التركية في وزارة الخارجية تزامنا مع تلقي الدبلوماسيين منذ يونيو 2023 تعليمات من فيدان ليكونوا أكثر نشاطًا في مسائل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والأمن السيبراني. 

واختتمت المجلة تقريرها بأن الوزارة تتطور بشكل متزايد وتتحول إلى نسخة جديدة من جهاز الاستخبارات الذي ترأسه فيدان سابقا لأكثر من عقد من الزمن، ولعب أدوارا شديدة الأهمية في بنية الدولة التركية تحت مظلة حزب العدالة والتنمية الحاكم. 

مهمة المديرية

أما ما يتعلق بطبيعة المهام الموكلة للإدارة العامة للأمن الدبلوماسي المستجدة، فبحسب المرسوم الرئاسي الصادر في الجريدة الرسمية للجمهورية التركية.

أضيف بند "الإدارة العامة للأمن الدبلوماسي" إلى الفقرة الثانية من المادة 129 ويتضمن تحديد وحدات ومهام الخدمات التنظيمية المركزية بوزارة الخارجية.

وعليه، فإن واجبات وصلاحيات "المديرية العامة للأمن الدبلوماسي" تشمل ضمان أمن مقر الوزارة والمرافق الداخلية والبعثات التركية في الخارج والقيام بالأعمال والمعاملات ذات الصلة.

وضمان الأمن السيبراني والاتصالات والوثائق والمعلومات المتعلقة بمبنى الوزارة في أنقرة، إضافة إلى حماية أمن معلومات المقرات والمنظمات الأجنبية المرتبطة بأعمال وزارة الخارجية التركية.

ومن أهم صلاحيات الوحدة الجديدة متابعة القضايا المتعلقة بالأعمال الإرهابية والتهديدات الأخرى في سياق أمن الممثلين الدبلوماسيين والموظفين.

مع اتخاذ التدابير اللازمة بشأن هذه القضايا، لضمان التنسيق مع المؤسسات والمنظمات ذات الصلة. وضمان مدى موثوقية الموظفين العاملين في الأجهزة المركزية والخارجية بالوزارة.

وذلك بتنسيق إجراءات التحقيق الأمني وتقديم التقارير ورفعها إلى الوزارة لاتخاذ الترتيبات والإجراءات اللازمة.

صلاحيات المديرية

 كما يعتمد الوزير هاكان فيدان على تقارير وإفادات تلك الإدارة لتحديد الأشخاص المناسبين للمهام التي يوكلهم بها على الصعيد الخارجي أو الداخلي.

كما تقوم المديرية الجديدة بتوفير التدريب الأمني ​​لموظفي الوزارة وغيرهم من الموظفين العموميين المعينين في الخارج.

كذلك تقوم بإجراء تحليلات أمنية في الموقع لمكاتب التمثيل الأجنبية المنتشرة في عموم البلاد. 

من جانبها، ذكرت وكالة "الأناضول" التركية في 14 سبتمبر 2024، أنه سيتم تلبية احتياجات المديرية من أفراد الأمن والمعدات اللازمة للوفاء بواجباتها من قبل وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع أو المؤسسات العامة ذات الصلة. 

أما تحديد احتياجات الموظفين واختيارهم وتدريبهم وتعيينهم وإنهاء خدمتهم سيتم من قبل وزارة الخارجية، باعتماد فيدان. 

يذكر أن فيدان سلط الضوء في بداية عهده على "الإصلاح المؤسسي الشامل" كأولوية إستراتيجية في الوزارة.

ويعد إنشاء "المديرية العامة للأمن الدبلوماسي" خطوة مهمة في هذا السياق. خاصة وأنه يأتي في ظل تخوفات أنقرة من اختراقات سيبرانية وتجسسية تطال بنيتها المعلوماتية. 

تعليق فيدان 

وعلق هاكان فيدان في 19 سبتمبر 2024، في حديث خاص لوكالة "الأناضول" على تأسيس "المديرية العامة للأمن الدبلوماسي"، فذكر أن أمن البعثات الخارجية التركية كان حاجة رآها خلال السنوات التي درس فيها في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" بالولايات المتحدة الأميركية.

وأضاف أن تركيا كانت بحاجة إلى إدارة أمن الدبلوماسيين الأتراك والبعثات الأجنبية بشكل أكثر احترافا.

وقال إن "هذا ينقسم إلى قسمين، الأمن المادي وأمن المعلومات، بحيث لا ينبغي سرقة الأسرار. وبعبارة أخرى، إذا لم يكن هناك أمن معلومات أو أمن تشفير، فسيتم سرقة أسرارك".

وأشار الوزير التركي إلى أهمية متابعة العمليات من البداية إلى النهاية واتخاذ الإجراءات الأمنية عند بناء سفارة في مكان ما.

وأوضح أن الهيكلة الأمنية هي عملية يجب أن تتم بدقة، من تحديد المناطق التي يمكن للموظفين المحليين والأجانب الوصول إليها. 

وعن المديرية الجديدة قال: "إنها ستكفل الأمن المادي والاقتصادي والمعلوماتي لبعثاتنا في الخارج، وتمنع تسرب المعلومات وهو ما نسميه مكافحة الاستخبارات".

وشدد فيدان على أن الدبلوماسية التركية "تنهض" وأن تركيا تدير قضايا بالغة الأهمية، مذكرا بأنهم على اتصال مستمر مع البعثات الخارجية التركية.

وأشار إلى "أن وجود هذه المديرية في إطار ضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد مخاطر تسرب المعلومات والقرصنة والتجسس".

وأردف بالقول إن "السياسة الخارجية التركية تستجيب للتحديات بشكل أكثر مرونة وتستفيد بشكل أفضل من الفرص والإرادة السياسية التي أظهرها الرئيس أردوغان".

تحديات صعبة 

وتأتي المتغيرات التي أحدثها فيدان في ظل تحديات صعبة تواجهها تركيا من الناحية الجيوسياسية، سواء في خلافاتها الظاهرة مع إسرائيل بسبب حرب الإبادة في غزة، أو في ظل تقلبات الأوضاع في سوريا ما بين التقارب والتحفظ مع نظام بشار الأسد.

وكذلك في علاقتها المعقدة مع دول مثل إيران وروسيا والولايات المتحدة، فضلا عن وجود أنقرة وسط مجموعة من الأزمات الصعبة بالمنطقة، تحديدا في شرق المتوسط وليبيا، وصولا إلى أزمات القرن الإفريقي ما بين إثيوبيا والصومال. 

لكن ما يحفز الخارجية التركية بقوة تصاعد وتيرة الخلاف مع إسرائيل، ففي 28 سبتمبر 2024، قال فيدان، خلال بث مباشر على قناة “تي آر تي خبر”، إن هناك رغبة لدى إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في نشر الحرب بالمنطقة كلها. 

علاوة على ذلك، فإن لفيدان مهمة أخرى صعبة متعلقة بالصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني "PKK" (المصنف إرهابيا) وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية "YPG". 

لذلك فإنه يعمل في ضوء الخبرة الاستخباراتية التي اكتسبها في إدارة القضايا الحساسة مع هؤلاء الفاعلين الخارجيين المؤثرين في سياسة تركيا الخارجية.

إلى جانب درايته العميقة في الدبلوماسية التركية، التي عززها مرافقته الدائمة مع أردوغان في الزيارات الخارجية والمحادثات التي أجراها مع مختلف قادة دول العالم.

لذلك فإنه حاول توظيفها من أجل تشكيل سياسة خارجية جديدة توائم بين متطلبات الأمن والاستخبارات من جهة وتعزيز الدبلوماسية التركية كقوة إقليمية نافذة من جهة أخرى.