معهد عبري: أحداث سوريا أثبتت خطر "الإخوان المسلمين" وعلى الغرب التحرك

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في ظل التطورات التي تشهدها الساحة السورية، حذر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، العقيد المتقاعد، عيران ليرمان، مما وصفه بـ"التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين".

ونشر "ليرمان" مقالا في "معهد القدس للإستراتيجية والأمن" (JISS)، الذي يشغل فيه حاليا منصب نائب الرئيس، حمل عنوان: "الإخوان المسلمون وفروعهم يشكلون تهديدا للغرب".

وقال "ليرمان": "لقد أسهمت الأحداث في سوريا، خصوصا الدور الذي تلعبه المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا، في إعادة تقوية المعسكر الإقليمي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن فقدت زخمها عام 2013، إثر الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في مصر".

وأفاد العقيد الإسرائيلي -الذي شغل مناصب عليا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لأكثر من 20 عاما- بأن "هذا التطور يثير قلق مصر والأردن، وكذلك شركاء إسرائيل في اتفاقيات التطبيع".

وأضاف: "رغم أن هيئة تحرير الشام ليست امتدادا مباشرا لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الدور الذي تلعبه تركيا وقطر -اللتان تدعمان الإخوان باستمرار وتسعيان للهيمنة الإقليمية- يسلط الضوء على الموقف الغربي تجاه الإخوان بشكل عام، وفرص صعودهم في المنطقة".

ويرى أن "اتخاذ موقف حازم يصنف جماعة الإخوان المسلمين كتهديد محتمل مرتبط بالإرهاب، وعنصر تخريبي داخل الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وسن تشريعات ضدها، من شأنه أن يحد من نفوذها".

ويرى أن "مثل هذه التدابير سترسل رسالة واضحة إلى قطر وتركيا، محذرة إياهما من الإفراط في التصرف أو المبالغة في تقدير قوتهما".

ويعتقد أن "الأمور تستدعي أن يُكبح التدخل التركي في شمال سوريا والتدخل القطري في شؤون المنطقة وخارجها، بل وردع الدولتين مادامت مواقفهما الأيديولوجية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين ورؤيتها للعالم".

تعاليم البنا والقرضاوي

وقال "ليرمان": "لقد وقع بعض الغربيين فريسة لتصور خاطئ، روجته منظمات مثل "مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية" (CAIR)، الداعم لجماعة الإخوان المسلمين".

وأضاف أنه "بسبب استعداد جماعة الإخوان وفروعها للمشاركة في الانتخابات التنافسية -مثل حماس عام 2006 والحركة الأم في مصر عام 2012- بات المحللون والصحفيون يرون الجماعة والأحزاب المنبثقة عنها، قوى سياسية مشروعة تشارك في عملية ديمقراطية".

واستدرك بأنهم "ليسوا ديمقراطيين، فبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، كانت المشاركة السياسية ولا تزال وسيلة وليست غاية".

وقال إن "تعاليم جماعة الإخوان تضرب بجذورها في بعض جوانب التقاليد الإسلامية، لكنها في الوقت ذاته مصممة عمدا على غرار الأنظمة والأحزاب الشمولية الأوروبية في القرن العشرين".

وأضاف أن "لقب "المرشد العام"، الذي يُستخدم للدلالة على قائد جماعة الإخوان المسلمين، يحمل في معناه الحرفي دلالة مشابهة للقب "الفوهرر".

و"الفوهرر" (Führer) كلمة ألمانية تعني "القائد"، وأصبحت مرتبطة بشكل خاص بآدولف هتلر، زعيم الحزب النازي في ألمانيا.

وأوضح "ليرمان" أن هذه الورقة ليست تاريخا موجزا لجماعة الإخوان المسلمين أو عرضا لأيديولوجيتها، قائلا: "يكفي أن نقول إن جماعة الإخوان كانت تاريخيا نتاجا هجينا لأزمة الإسلاميين قبل قرن من الزمان، في أعقاب إلغاء مصطفى كمال أتاتورك الخلافة في عام 1924".

"وتزامن ذلك مع صعود النماذج السياسية الشمولية-البلشفية في الاتحاد السوفيتي، والفاشية في إيطاليا وإسبانيا، والنازية في ألمانيا".

وقال المسؤول الإسرائيلي السابق إن "مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، تبنى مفهوم وحدة المجتمع تحت قيادة واحدة وتنظيمه من أجل التغيير السياسي، ولكن باسم الأمة الإسلامية وجماعة المؤمنين، وليس باسم طبقة أو قومية أو عرق".

وأشار إلى أن "فقدان النظام البرلماني المصري لجاذبيته عزز زخم الإخوان المسلمين، وبحلول عام 1949، عندما اغتيل البنا، ربما كانت الجماعة أقوى كيان سياسي في مصر".

وأضاف أن "قوة الإخوان المسلمين في مصر لم تُكسر إلا من خلال الانقلابات العسكرية – في عام 1952، الذي تبعه قمع الجماعة في 1954، ثم في يوليو/تموز 2013، الذي تبعه الهجوم الوحشي على اعتصام الجماعة في ميدان رابعة العدوية في أغسطس/آب من العام ذاته".

واستدرك: "ومع ذلك، فقد انتشر نفوذ الإخوان إقليميا وعالميا على مدى العقود منذ نشأتها، واليوم يسيطر فرع مباشر من الجماعة على السلطة في الجزء الغربي من ليبيا، كمكون رئيس في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس".

"بينما تحتفظ حماس -التي تُعرّف نفسها كفرع من الجماعة- بموطئ قدم في إدارة غزة، حتى لو قُلصت قدراتها العسكرية إلى حد كبير في المعارك التي اندلعت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023".

ويرى "ليرمان" أن "المشهد في سوريا أكثر تعقيدا، فالعناصر الإخوانية التي كانت لها اليد الطولى في بداية الثورة أزيحت منذ زمن طويل، لصالح العناصر الأكثر تطرفا المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش".

"إلا أنها لا تزال جزءا من التحالف المنتصر، ولا تزال تتلقى الدعم من حكومة حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، والأسرة الحاكمة في قطر، التي دأبت على رعاية الإخوان وحركاتهم في المنطقة".

وقال إن "اللافت والمهم أن الجهات التابعة للإخوان تحتل مكانة بارزة أيضا بين المنظمات التي تمثل الجاليات المسلمة في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، كما أشرنا آنفا".

وأضاف أن "تعاليم الشيخ يوسف القرضاوي -الذي ارتبط بالجماعة في مصر، ولجأ إلى قطر، وتوفي هناك في 2022 عن عمر يناهز 96 عاما- تشتمل على مجموعة من الأحكام الدينية المخصصة للجاليات المسلمة في الغرب، تُعرف بـ "فقه الأقليات".

وأكد "ليرمان" أن هذه التعاليم تركت -ومازالت- بصمة مؤثرة بين المسلمين في أوروبا وأميركا".

موقف غربي حازم

وأضاف المسؤول الإسرائيلي السابق أن "في السنوات الأولى لما سمي بـ "الربيع العربي" -الذي كان في الحقيقة فوضى سياسية هائلة أطاحت بالاستقرار الإقليمي وأدت إلى عنف شديد في عدة دول- كان العديد في الغرب يميلون إلى رؤية إيجابية تجاه جماعة الإخوان".

واستثنى العقيد المتقاعد ما وصفهم بـ "جيران إسرائيل الهيلينيين، اليونان وقبرص، الذين كانوا يشككون في أي قوة تدعمها تركيا".

وأفاد بأنه "على ما يبدو، رأت إدارة باراك أوباما في جماعة الإخوان المسلمين ترياقا فعالا ضد العناصر الأكثر تطرفا مثل داعش، ولذلك سعت إلى بناء جسور مع حكومة الرئيس مرسي، وكذلك مع أردوغان".

وأضاف أن "بعض اللاعبين الأوروبيين الرئيسين كانوا يحملون وجهات نظر مشابهة، وأبدوا استياءهم عندما أطيح بمرسي في يوليو/تموز 2013".

"كذلك، فإن الدور الذي لعبته جماعة الإخوان، أو النشطاء المرتبطون بها أو بأفكارها في منظمات الجاليات المسلمة في أميركا وأوروبا، لم يمنع اعتراف الحكومات بها كأطراف شرعية يمكن أن يُتحاور معها".

وشدد المسؤول الإسرائيلي السابق على أن "كل هذا لا بد أن يتغير إذا أردنا أن نطمئن البلدان المؤيدة للغرب في المنطقة -وفي مقدمتها مصر والأردن- بشأن مستقبلها طويل الأمد، في بيئة إستراتيجية متقلبة".

وأشار إلى أن "تداخل الأحداث في المنطقة -من المخاوف بشأن التوجه الأيديولوجي للحكام الجدد في دمشق، إلى التحركات العنيفة للإسلاميين في الجامعات والشوارع، بالإضافة إلى التغيرات السياسية في الغرب- كل ذلك يفتح المجال للتحول في المواقف بعيدا عن التسامح الحالي مع جماعة الإخوان وما تمثله".

وأكد "ليرمان" أن هذا التحول المأمول في الموقف الغربي "يجب أن يتجلى في دعم أولئك الذين يتبنون تفسيرا ليبراليا حقيقيا، أو على الأقل تفسيرا غير شمولي للإسلام، سواء كانوا في المنطقة أو بين الجاليات المسلمة".

وشدد على أن "مواقف وأنشطة الجماعات والمنظمات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين يجب أن تخضع لتحقيق دقيق، كما يجب فرض قيود تشريعية لمنع إضفاء الشرعية على مثل هذه الكيانات أو الاعتراف بها كممثلين للجاليات المسلمة".

واستطرد: "حيثما يكن ذلك مناسبا، كما شاهدنا في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى، يجب اتخاذ إجراءات قانونية ضد أولئك الذين يثيرون الكراهية، بما في ذلك الترحيل إذا لزم الأمر".

وأضاف المسؤول الإسرائيلي السابق أنه "يجب دعم رؤى بديلة للإسلام، بالتنسيق الوثيق مع الأنظمة الإقليمية المتسامحة مثل الإمارات".

رسالة لتركيا وقطر

"وإلى جانب الفوائد المباشرة لتلك السياسات، فإنها أيضا يمكن أن تكون بمثابة تحذير لتركيا أردوغان وقطر"، بحسب تعبير "ليرمان".

وأضاف أن "إسرائيل تواجه تحديا معقدا، وكذلك الحال بالنسبة للآخرين في المنطقة الذين يشعرون بالقلق من صعود القوى المدعومة من تركيا وقطر".

ويرى أن "تركيا لن تختفي كلاعب إقليمي رئيس، ولا يمكن كسر نفوذها بطريقة مماثلة لما حدث مع إيران، إذ تمتلك ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأكبر اقتصاد في المنطقة، وتحتل موقعا إستراتيجيا مهما، وستظل قوة لا يستهان بها في المستقبل المنظور".

أما قطر، التي موضعت نفسها كوسيط لا غنى عنه في التعامل مع قضية المحتجزين في غزة، فقد تمكنت "حرفيا" من شراء موقف إستراتيجي، بحسب وصف "ليرمان".

"كما تستضيف قطر أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة، وتمارس قوة ناعمة من خلال تأثيرها الثقافي والفكري في الجامعات الأميركية وأماكن أخرى".

ويعتقد العقيد الإسرائيلي السابق أن "قدرة إسرائيل على مواجهة أي من البلدين بشكل مباشر محدودة، لكن لا بد من إيجاد سبل غير مباشرة للتأثير على سياساتهما".

وأكد أنه "ينبغي الحد من قدرة تركيا وقطر على استغلال الأوضاع الراهنة لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحهما".

وأضاف أن "الإجراءات العسكرية التركية ضد القوات الكردية المدعومة أميركيا في سوريا ستبعث برسالة خطيرة، مثلها مثل استمرار التحريض القطري في المنطقة، والذي يتجلى في محتوى بث قناة الجزيرة العربية، على النقيض من محتواها باللغة الإنجليزية".

وأردف: "ينبغي إبلاغ كلا البلدين بأن التعاون المستقبلي مع الغرب -لا سيما مع الإدارة الأميركية التي يصعب التنبؤ بها بقيادة دونالد ترامب- سيكون مرهونا بإجراء تغييرات في سياساتهما وتخفيف حمولتهما الأيديولوجية".

وبيّن أنه "ضمن هذا الإطار، فإن موقفا حازما تجاه جماعة الإخوان المسلمين وفروعها من شأنه أن يهدئ مخاوف مصر والأردن ودول الخليج".

ويشمل هذا الموقف المنتظر -بحسب المقال- تعاونا بين إسرائيل ومجموعة دولية بقيادة الولايات المتحدة والجهات الإقليمية المعنية لاستبدال حكم حماس في غزة بإدارة انتقالية فعالة.

"هذه الخطوة ستبعث برسالة إلى تركيا وقطر بأن الحفاظ على دعم وتسامح الولايات المتحدة والغرب -الذي تعتمد عليه اقتصاداتهما وبالتالي استقرارهما السياسي- يتطلب تعديل سلوكهما، وإعادة تقييم ارتباطاتهما الأيديولوجية، وتقليص طموحاتهما الإقليمية"، يختم المقال.