انعدام الغذاء.. كيف يهدد فصل الشتاء الشمال السوري بـ"كارثة إنسانية"؟
"بات الدعم الأممي لا يغطي سوى ثلث المحتاجين في الشمال السوري"
مع اقتراب دخول فصل الشتاء، وفي ظل نقص التمويل الدولي للاحتياجات الأساسية والضرورية، يمر النازحون في شمال غربي سوريا بوضع إنساني جد صعب.
وحذر "الدفاع المدني السوري" (معارض) عبر بيان في 14 سبتمبر 2024 من ازدياد الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية في سوريا والتمويل الذي يتقلص بشكل كبير، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.
فجوة التمويل
ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري)، 5 ملايين نازح، تدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن الدولي.
ويعيش أغلب هؤلاء في مخيمات تنتشر بريف إدلب وحلب، تتألف من خيم قماشية أو في بيوت بدائية مبنية من الألواح الخشبية أو الكرفانات (البيوت المؤقتة).
وظهرت الآثار السلبية على سكان تلك المخيمات من ناحية نقص المواد الغذائية التي يتلقونها أو تراجع الخدمات بشكل جلي منذ انخفاض نسبة الدعم الدولي للمنظمات العاملة شمالي غرب سوريا إلى أكثر من 90 بالمئة وفق التقديرات منذ يناير/كانون الثاني 2024.
وهو ما أثر بالسلب على القطاعات الخدمية والصحية والإغاثية كافة في الشمال السوري الذي يرزح سكانه تحت أزمات مركبة من نقص في الغذاء وانتشار الأمراض الجلدية والتنفسية وتراجع الاستجابة الإغاثية نتيجة نقص التمويل.
وفي الوقت الراهن، تجتهد المنظمات العاملة في الشمال السوري الخارج عن نفوذ نظام بشار الأسد لاستقبال فصل الشتاء ببنية تحتية أكثر مقاومة وصمودا أمام العوامل الجوية.
ومع استمرار مأساة التهجير لهؤلاء النازحين منذ أكثر من 13 عاما تبرز قلة الدعم الدولي كواحدة من أكثر ما يثير قلق الأهالي.
وتزداد الاحتياجات الإنسانية للسكان في مخيمات الشمال السوري، وتكبر الفجوة بين الاحتياجات والتمويل الذي يتقلص بشكل كبير.
لا سيما أن تلك المأساة عمقها زلزال فبراير/ شباط 2023، حيث يعيش ملايين المهجرين في مخيمات تفتقد أدنى مقومات الحياة الكريمة، في وقت باتت فيه سوريا في المرتبة السادسة من حيث انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي.
والأزمة الإنسانية المستمرة والمتزايدة في سوريا ما هي إلا نتيجة لحرب نظام الأسد بدعم من حليفتيه إيران وروسيا على السوريين منذ عام 2011 عقب اندلاع الثورة.
ويؤكد "الدفاع المدني السوري" المعارض أن "إنهاء الأزمة الإنسانية يكون بإيجاد حل سياسي، وهو ما يتطلب تحقيق العدالة للسوريين من خلال المحاسبة ومنع الإفلات من العقاب وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 والذي يرسم خارطة طريق تلبي مطلب السوريين بالتغيير، والحياة الكريمة".
من جانبه، أكد فريق "منسقو استجابة سوريا" المعارض أن التحديات مازالت كبيرة أمام القطاع التعليمي شمال غربي سوريا، إذ لا تقتصر الصعوبات على تدمير البنية التحتية التعليمية، بل تشمل أيضا ارتفاع معدلات التسرب المدرسي.
وأفاد الفريق في تقرير بمناسبة "اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات" في 9 سبتمبر 2024 بأن أكثر من 2.3 مليون طفل في سوريا يعانون من التسرب التعليمي، بزيادة 100 ألف طفل عن عام 2023.
وفيما يتعلق بالمخيمات التي يعيش فيها أكثر من مليوني نازح، أكد الفريق أن 66 بالمئة من المخيمات لا تحتوي على مدارس أو نقاط تعليمية، مما يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أماكن التعليم.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 12.1 مليون سوري -أكثر من نصف السكان- في قبضة الجوع، في حين أن 2.9 مليون شخص آخر معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي، مشيرا إلى تدهور التغذية مع ارتفاع معدلات التقزم وسوء التغذية في بعض أجزاء البلاد.
"الصبغة السياسية"
وحذرت لجنة التحقيق الأممية بشأن سوريا في سبتمبر 2024 من أن "أزمة إنسانية في البلاد تهدد بأن تصبح خارج السيطرة، على وقع النقص الحاد في التمويل، وارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، الذي بلغ 13 مليون سوري، في حين يُظهر أكثر من 650 ألف طفل علامات تدل على توقف النمو الناجم عن سوء التغذية الحاد".
من جانبه، حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي "أوتشا" من أن “قدرته على تلبية الاحتياجات في سوريا تظل مقيدة بسبب نقص التمويل”.
ولفت إلى أن نداءات هذا العام تلقت 26 بالمئة فقط من إجمالي 4.1 مليارات دولار المطلوبة لمساعدة ما يقرب من 11 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة في جميع أنحاء البلاد.
وأكد نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير المصطفى، أن "وجود حملات أو خطط أو مشاريع خاصة في مخيمات الشمال السوري مرتبط بالإمكانيات الموجودة لدى الدفاع المدني وباقي المنظمات العاملة في المجال الإنساني والدعم الأممي والإنساني".
وأضاف المصطفى لـ"الاستقلال"، أن "المأساة تتكرر صيفا شتاء، والحل الوحيد هو بالحل السلمي الذي يضمن عودة المدنيين إلى منازلهم وبلداتهم ومحاسبة نظام الأسد وروسيا على جرائمهم بحق المدنيين".
ولفت إلى أنه “مهما كانت الإمكانيات والحملات لا يمكنها أن تحل الأزمة الإنسانية في سوريا وجميعها حلول إسعافية طارئة تحاول أن تحل جزءا من الأزمة ولكنها غير كافية”.
واستطرد: "حتى مسألة إعادة التوطين وبناء المخيمات الإسمنتية ليست حلا، لأنها ظلم يلحق بالمهجرين قسرا الذين تركوا ديارهم بشكل قسري نتيجة القصف والحملات العسكرية من قبل النظام وروسيا".
وأشار المصطفى إلى أنه "لا يمكن فصل المسألة الإنسانية عن المسألة السياسة في شمال غربي سوريا، لأن أساس المعاناة الإنسانية هو سياسي وإنهاء المأساة يرتبط بحل سياسي لا بحل إنساني".
ونوه إلى أن “الدفاع المدني السوري أعد دراسة حول احتياجات المهجرين الأساسية في 192 مخيما في شمال غرب سوريا”.
وأوضح أن “81 بالمئة من المخيمات المقيّمة تعرضت لفيضانات وغرق الخيم، كما عانت 78 بالمئة منها من عدم وجود وسائل تدفئة مناسبة، وعانت 69 بالمئة من المخيمات من تشكل مستنقعات المياه والوحل نتيجة سوء حالة الطرق والأرصفة”.
كما شهدت "66 بالمئة من المخيمات للتمزق والاقتلاع نتيجة الرياح العاتية والأمطار، فيما تعرضت 40 بالمئة من المخيمات لصعوبات نتيجة عدم قدرة المنظمات الإنسانية على نتيجة عدم قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول نتيجة سوء حالة الطرق المؤدية للمخيم".
انتكاسة كبرى
كما أظهرت الدراسة نفسها “أنه رغم تدخل الجهات الإنسانية الفاعلة ضمن قطاع المخيمات، فإن مجموع هذه التدخلات لم يوجد الحل لأكثر من 42 بالمئة من مشاكل المخيمات".
في حين أن 58 بالمئة من هذه الصعوبات مازالت مستمرة ضمن المخيمات ذاتها التي تم التدخل فيها، "ممّا يدل على غياب الحلول الدائمة، ويضطر الجهات الإنسانية الفاعلة ومتطوعي الخوذ البيضاء للتدخلات الإسعافية سنويا لمنع وقوع كوارث إنسانية”، وفق المصطفى.
وتابع: "المجتمع الدولي مطالب بالضغط على النظام وروسيا، ويجب التركيز على احتياجات السوريين ونزع الصبغة السياسية عن العمل الإنساني في سبيل توفير مزيد من الموارد و وصول المساعدات الإنسانية الأكيد والمستدام إلى الجميع، وضمان إبقاء المعابر الحدودية كافة في جميع المناطق مفتوحة للمساعدات الإنسانية ما دام الاحتياج موجودا".
وقد بات الدعم الأممي لا يغطي سوى ثلث المحتاجين في الشمال السوري، في وقت يقدم فيه برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية منقذة للحياة إلى 5.6 ملايين شخص في سوريا كل شهر.
وتدعم هذه المساعدة العائلات بحصص غذائية أو قسائم لشراء الطعام، وتوفر لأطفال المدارس في جميع أنحاء البلاد وجبات خفيفة صحية، وتمنع سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال وتعالجهم، وفق البرنامج.
وضمن هذا السياق، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي، قتيبة عيسى، إنه "في كل شتاء تحدث العواصف المطرية والفيضانات المفاجئة دمارا في المخيمات شمال غرب سوريا".
وأضاف عيسى المقيم في ريف حلب لـ"الاستقلال" أن "الطقس القاسي يعد من أشد العوامل التي تزيد معاناة أهالي الخيم المؤقتة حيث تؤدي هذه الكارثة الطبيعية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية".
وأردف: "اليوم معظم النازحين يواجهون صعوبات في تأمين سبل العيش خاصة مع غياب شبه تام للمساعدات للعوائل وعجز الأهالي عن شراء محتويات سلة الغذاء التي كان يوفرها برنامج الأغذية العالمي، إذ يحتاج اليوم أكثر من 4 ملايين شخص في الشمال الغربي إلى مساعدات إنسانية فورية".
ولفت عيسى إلى أن "هناك ضرورة لزيادة المساعدات في فصل الشتاء لعدم قدرة الأهالي على تأمين العمل مقارنة بفصل الصيف".
ونوه إلى أن "الشمال السوري الذي يوجد فيه أكثر من 1500 مخيم أصبحت معيشة سكانه مرتبطة بالتزامات المانحين الغربيين الذين بدأوا يركزون اهتماماتهم نحو صراعات عالمية أخرى".
وذهب عيسى للقول إن "المنظمات العاملة في الشمال السوري التي كانت تطمح إلى تعزيز التعافي الاقتصادي وخلق ظروف استثمارية ضمن خطة التعافي المبكر بدعم دولي تعرضت لانتكاسة كبرى مع تراجع التمويل وخاصة مع التقديرات التي تشير إلى أن معدل البطالة بلغ 85 بالمئة شمال غرب سوريا عام 2022 بسبب ندرة فرص العمل".
تأثر القطاع الصحي
وأثر نقص التمويل كذلك، على القطاع الصحي في الشمال السوري حيث تضطر العديد من المرافق الصحية إلى تقليص عملياتها أو إغلاق أقسامها أو تقليص ساعات العمل بسبب نقص التمويل.
وأوقفت أكثر من 110 مرافق صحية، بما في ذلك 34 مستشفى، عملياتها بالفعل في الشمال السوري بدءا من نهاية يوليو/ تموز 2024.
وأعلنت إدارة مستشفى "باب الهوى" في إدلب شمال غربي سوريا التي تأسست قبل ما يزيد عن 11 عاما، أنها تواجه تحدي توقف مؤكد لتمويله في نهاية سبتمبر 2024، ما يهدد استمرارية تقديم الخدمات الحيوية لأكثر من 1.7 مليون شخص، بينهم المهجرون داخليا والمقيمون في المخيمات المحيطة.
وأشار بيان صادر عن المستشفى في 4 سبتمبر 2024، إلى الأزمات المتتالية التي يمر بها شمال غربي سوريا، ما هدد استمرارية عمل المستشفى الجراحي التخصصي الواقعة في سرمدا بريف إدلب، الذي يعد من أهم المراكز الطبية في المنطقة.
وفي حال استمر مسار نقص التمويل، تزداد المخاوف من أن 50 بالمئة من جميع المرافق الصحية العاملة في شمال غربي سوريا ستتوقف عن العمل بشكل كامل أو جزئي بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2024، وفق تقرير للمكتب الأممي “أوتشا” صادر في أغسطس/ آب 2024.
واعترف "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة في 13 يونيو 2023، بأن "أزمة التمويل غير المسبوقة في سوريا أجبرت البرنامج على تخفيض مساعداته لنحو 2.5 مليون شخص من حوالي 5.5 ملايين يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الوكالة لاحتياجاتهم الأساسية من الغذاء".
ويؤكد البرنامج في سوريا أنه يحتاج إلى 459 مليون دولار حتى ديسمبر 2024 ، لضمان تقديم المساعدة للأشخاص الأكثر ضعفا.
وقد كان نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، ديفيد كاردين، حث المجتمع الدولي على تمويل برامج المساعدات الحيوية، وتقديم المزيد من الدعم لمناطق شمال غربي سوريا.
وعقب زيارته لقرية مورين الواقعة غربي محافظة إدلب، قال كاردين لوكالة “فرانس بريس” في مايو 2024، "إن خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا لعام 2024 تتطلب أكثر من 4 مليارات دولار، لكن تمويلها لا يتجاوز حاليا 6 بالمئة".