اتفاقية مصر الدفاعية مع الصومال.. لمواجهة إثيوبيا أم مزاحمة تركيا؟
مصر تأخرت حتى بادرت تركيا بسد فراغها وأبرمت اتفاق دفاع مشترك مع الصومال
منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة النظام المصري عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، حلت تركيا محل مصر في عدة دول عربية حيوية منها ليبيا والصومال، وذلك بفعل تراجع دور القاهرة الإقليمي.
في كل مرة كانت تتهدد دول أخطار أمنية، تسارع تركيا لإبرام اتفاقيات دفاعية معها، في ظل تخلي مصر والجامعة العربية عنها. ولاحقا، تعود القاهرة لتنافس دور أنقرة في هذه البلدان التي أهملتها سابقا.
أحدث المطاردات المصرية لتركيا، جاءت في أعقاب تهديد إثيوبيا أمن مصر والصومال بالتعاقد مع حكومة إقليم "صوماليلاند" على قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر.
وصوماليلاند أو "أرض الصومال"، لا تتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانها الانفصال عن الصومال عام 1991، بصفتها كيانا مستقلا إداريا وسياسيا وأمنيا، مع عجز الحكومة المركزية عن بسط سيطرتها على الإقليم، أو تمكن قيادته من انتزاع الاستقلال.
موازنة النفوذ
وحين أعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن إثيوبيا وقعت مطلع يناير/كانون ثاني 2024 مذكرة تفاهم مع "صوماليلاند" الانفصالية، للحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، عبر ميناء "بربرة"، أبدت مصر وتركيا قلقهما.
حصول إثيوبيا على حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي أرض صوماليلاند لمدة 50 عاماً، عبر اتفاقية (إيجار)، رفضته مصر وتركيا والصومال.
جرى اجتماع عربي طارئ آنذاك أدان الاتفاق، وتضامن مع الموقف الصومالي، لكن دون تحرك عربي أو مصري فعلي.
وقتئذ، اتصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالسيسي، وجرى الحديث عن "موقف مصر الثابت بالوقوف بجانب الصومال ودعم أمنه واستقراره".
وكان رد فعل القاهرة عنيفا على هذا الاتفاق الإثيوبي مع صوماليلاند، حيث أكد السيسي أن: "مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال أو أمنه، والاتفاق الأخير مرفوض من قبل الجميع".
لكن لم تعلن مصر خطوات محددة لدعم للصومال، ما جعل تركيا تتحرك لسد الفراغ المصري والاستجابة لمخاوف الصومال.
خاصة أن لتركيا أكبر قاعدة عسكرية افتتحتها في مقديشو منذ عام 2017 لتدريب الجيش والشرطة الصوماليين.
فأبرمت تركيا في 21 فبراير/شباط 2024، اتفاقية دفاعية مع الصومال، ثم بادرت مصر بإبرام مثلها بعد أربعة أشهر من التحرك التركي.
ووافق مجلس الوزراء الصومالي 21 يوليو 2024 على اتفاقية الدفاع مع مصر، عقب زيارة وفد برئاسة وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى مقديشو.
مصادر دبلوماسية مصرية قالت لـ "الاستقلال" إن مصر تأخرت حتى بادرت تركيا بسد فراغها وأبرمت اتفاق دفاع مشترك مع الصومال، ردا على حصول إثيوبيا على ميناء وقاعدة عسكرية في إقليم صوماليلاند الانفصالي.
"إلا أن الاتفاقية الدفاعية المصرية الصومالية جاءت لموازنة النفوذ التركي، واحتواء الطموح الإثيوبي، معا" وفق المصادر.
وقالت إن مصر لا تتجاهل المخاطر الإثيوبية، وكانت تعد بالفعل ترتيبات مع الصومال ضد هذا التحرك الإثيوبي.
لكن القاهرة أجلت ذلك لعدم توتير العلاقات مع إثيوبيا، ثم جاء تصعيد أديس أبابا بإقناع جنوب السودان بتوقيع اتفاقية عنتيبي، والملء الخامس لسد النهضة، بما يضر مصر، ليعجل بهذا الاتفاق مع الصومال.
وصدقت حكومة جنوب السودان في منتصف يوليو 2024، على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي وهو ما أثار قلق مصر من دخول الاتفاقية (التي لا تعترف بحصة القاهرة من مياه النيل والمقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا) حيز التنفيذ.
وبتصديق جوبا على اتفاقية عنتيبي من المفترض أن يكتمل النصاب القانوني لتأسيس مفوضية حوض نهر النيل، حيث سيتم البدء بإجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يوما من إيداع الجمهورية وثائق التصديق لدى الاتحاد الإفريقي.
وأكد الخبير الإستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، أن الاتفاقية المصرية مع مقديشو “تمثل رسالة غير مباشرة لإثيوبيا بعد اتفاقيتها مع أرض الصومال ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية هناك”.
تحدث لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 21 يوليو عن سعي القاهرة إلى "الاحتواء الإستراتيجي" لدول جوار إثيوبيا، لكنه قال أيضا إن مصر "تسعى لموازنة الوجود التركي بالمنطقة"، عبر هذه الاتفاقية.
ولم يعلن عن تفاصيل الاتفاق المصري الدفاعي الصومالي، لكن المصادر ترجح أن تحصل مصر على وجود عسكري بالصومال، أو حق إنزال قوات برية، ضمن محاولتها لردع إثيوبيا كي تتخلى عن صفقة ميناء صوماليلاند.
فيما رجح مصدر سوداني مطلع لـ "الاستقلال"، أن جانبا من التحرك المصري في الصومال "جاء بغرض أن تعوض القاهرة ضياع قاعدتها العسكرية المتقدمة في السودان".
وذلك بعدما احتجزت قوات الدعم السريع جنودا وضباطا مصريين في قاعدة مروي شمال السودان مارس/آذار 2023، وتدمير طائرات كانت تستخدمها مصر للتدريب وربما كمركز متقدم ضد سد النهضة الاثيوبي.
ما الهدف؟
مسارعة مصر لإبرام اتفاق مع الصومال للدفاع المشترك بعد أن تأخرت عن القيام بتحرك عاجل لدعمها وسبقتها تركيا بأربعة أشهر، طرح تساؤلات عدة.
هل سبب التحرك المصري السريع هذه المرة، هو التعنت الإثيوبي في سد النهضة، وبدء تفعيل "اتفاق عنتيبي"، الذي سمح بمشاريع سدود لإثيوبيا وكل دول منابع النيل على المجرى المائي؟
أم السبب هو التنافس المصري التركي، دون وجود علاقة بمواجهة الخطر الحقيقي وهو إثيوبيا واتفاقها على قاعدة عسكرية في صوماليلاند؟
الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور بدر حسن شافعي، أكد لـ "الاستقلال" أن هناك تنافسا بين مصر وإثيوبيا حول فكرة الهيمنة في منطقة حوض النيل، وهناك مجالات للتنافس بينهم منها الصومال.
خاصة بعد اتفاقية أديس أبابا مع "صوماليلاند" لإقامة قاعدة عسكرية، والذي أغضب الصومال وجعله يقترب من مصر.
وأوضح أن مصر ربما وجدتها فرصة لتقوية علاقات مع الصومال، لأن الهدف المصري هو إثيوبيا ومواجهة نفوذها في القرن الإفريقي.
"لكن الصومال أصبح المركز الإقليمي لتركيا في المنطقة، لذا ربما تكون القاهرة تستهدف حصار النفوذ التركي أيضا من وراء توقيع الاتفاقية الدفاعية مع مقديشو" وفق قوله.
في المقابل، يرى شافعي أن مصر يمكن أن تستغل الوجود التركي في الصومال للتنسيق بينهما في مواجهة إثيوبيا، أي يتناسى البلدان خلافاتهما السابقة ويبحثان عن المصالح المشتركة.
وأشار إلى أنه يعتقد أن هذا الاتفاق الذي وقعته مصر مع الصومال "يأتي في هذا الإطار"، أي سعي القاهرة من ورائه لمواجهة أديس أبابا، ولكن بالتنسيق مع أنقرة كي لا يبدو التحرك المصري موجها لمنافسة تركيا.
وأوضح أنه "من مصلحة مصر ألا تعادي تركيا أو تنافس نفوذها القوي في الصومال، خصوصا بعدما وقعت جنوب السودان اتفاق عنتيبي، وأصبحت القاهرة وحدها في حوض النيل".
يعتقد أن مصر "تحاول الآن أن تشكل جبهة مع الدول التي على خلاف مع أديس أبابا لمواجهة النفوذ الإثيوبي في القرن الإفريقي".
"ولهذا نجد مصر وتركيا تقويان العلاقات مع جيبوتي وكينيا (التي لم تصدق على اتفاقية عنتيبي ولديها خلافات مع إثيوبيا)، بحيث تكون هذه جبهة لمحاصرة الإثيوبيين في منطقة القرن الإفريقي"، وفق بدر شافعي.
وكان توقيع الصومال على اتفاقية أمنية واقتصادية مع تركيا، بما يعنيه ذلك من تعزيز الحضور التركي في القرن الإفريقي، مثار قلق لمصر، وهو ما ظهر في تقارير وتعليقات صحفية مصرية.
قيل إنه رغم تحسن العلاقات المصرية التركية، إلا أن نظام السيسي لا يزال يتوجس من التحركات التركية في دول عربية وإفريقية، وتوقيع اتفاقيات تخشى مصر أن تؤثر على مصالحها في المنطقة.
فالاتفاق العسكري التركي الصومال يتضمن 10 بنود أهمها أن للبحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وطلب قواعد عسكرية بحرية جديدة.
وبموجب الاتفاق الدفاعي ومدته 10 سنوات ستساعد تركيا، وهي عضو في حلف الناتو (شمال الأطلسي) وحليف وثيق للصومال، على الدفاع عن الساحل الصومالي.
كما ستسهم في إعادة تنظيم القوات البحرية لها، وفق ما ذكره الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود آنذاك.
ومن بين بنود الاتفاق: إنشاء قواعد ميكانيكية تركية وأخرى للتعاون في الصومال (جوية وبحرية وبرية)، وإجراء مناورات وتدريبات بحرية وجوية، وبيع سفن عسكرية للصومال
فضلا عن استفادة تركيا من الحصول على الموارد الطبيعية والبترولية من مياه الصومال.
وقد ذكرت وكالة الأناضول 21 يوليو/تموز 2024 أن تركيا تستعد لإرسال قوات بحرية إلى المياه الصومالية بعدما أرسلت سفينة استكشاف قبالة سواحل الصومال للتنقيب عن النفط والغاز.
وذكرت الوكالة أن الرئيس رجب طيب أردوغان قدم اقتراحا إلى البرلمان في 19 يوليو 2024 يطلب فيه الحصول على إذن لنشر قوات من الجيش التركي في الصومال، بما يشمل المياه الإقليمية الصومالية.
وقال رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، إن الاتفاقية الدفاعية مع تركيا ستسهم في حماية الحدود البحرية من الإرهاب والقرصنة وعمليات الصيد غير المشروعة، ووصف أنقرة بأنها "حليف حقيقي وصديق وأخ على الساحة الدولية".
مع هذا يرى محللون أن هناك تفاهمات بين البلدين منذ تحسن العلاقات، ويعتقدون أن هناك تنسيقا حول تحركهما، أو على الأقل حرص على عدم التعارض أو إضرار أحدهما بمصالح الآخر.
يعدون اتفاق الموقف المصري والتركي على رفض الاتفاق الإثيوبي مع "أرض الصومال" دليلا على توافق مصالح البلدين في القرن الإفريقي، والتعاون بينهما، بما يحقق مصالح كل طرف في منطقة القرن الإفريقي.
المحلل المصري المتخصص في شؤون القرن الإفريقي "حامد فتحي"، ضرب مثالا على ذلك بتأثير تحسن علاقات البلدين على نجاحهما في إدارة ملف خلافي مثل ليبيا، ومن ثم قدرتهما على العمل معا في الصومال.
وأوضح لصحيفة "النهار العربي" اللبنانية 28 فبراير 2024 أن العلاقات التركية مع إثيوبيا لم تكن محل رضا من القاهرة.
ولكن في ظل تراجع العلاقات بين أنقرة وأديس أبابا من جانب، والأزمة الصومالية الإثيوبية، واستعادة العلاقات مع القاهرة، فلن تغامر تركيا بالإضرار بمصالح مصر في المنطقة.
وأكد أن "الاتفاقية الدفاعية التركية الصومالية، التي وضعت تركيا في مواجهة إثيوبيا، ستقربها أكثر من مصر".
محاصرة إثيوبيا
ويقول شافعي إنه حين وقعت إثيوبيا اتفاقها مع صوماليلاند، كان من الواضح أنها تسعى "لمزاحمة محاولة الهيمنة المصرية في البحر الأحمر، بعد مزاحمتها في الهيمنة المائية في حوض النيل من خلال سد النهضة".
لكنه أوضح، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قدم، من حيث لا يشعر، الفرصة لمصر بهذا الاتفاق "لإمكانية تطويقه والضغط عليه.
وذلك في محيطه الإقليمي عبر دول الجوار بالقرن الإفريقي، مثل الصومال وإريتريا وجيبوتي، وربما عبر السودان وكينيا أيضا.
وتحدثت صحف إثيوبية عن دور لأديس أبابا في إقناع جنوب السودان بالتوقيع على الاتفاقية.
وأشاد رئيس الوزراء الإثيوبي بتوقيع دولة الجنوب الاتفاق ليصبح نافذا بعد توقيع 6 دول من 11 من دول حوض النيل عليه.
وبتصديق جنوب السودان، اكتمل النصاب القانوني لتأسيس "مفوضية حوض نهر النيل"، وتدويل مياهه، وعدم الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها مصر مع دول منابع النيل أعوام 1929 و1959، لضمان حقوقها في 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا.
إذ تتضمن الاتفاقية بندا يمنح دول المنبع "حق إقامة السدود على نهر النيل، دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب، أو حتى دون الإخطار المسبق".
وهو ما سيخلق حقائق خطيرة على الأرض ويجعل ما تفعله إثيوبيا وأي دولة إفريقية من حجز لمياه النيل عبر بناء السدود، أمر اقانونيا، ويهدد أمن مصر والسودان المائي والوجودي بصورة قاتلة.
وتزامن هذا مع بدء إثيوبيا في يوليو 2024، التخزين الخامس لسد النهضة، وتجاهل إخطار مصر بأي أضرار لحجز مياه النيل عنها داخل السد.
وهو ما شكل ضربتين في رأس النظام المصري، في وقت تنهار فيه مصداقيته ونفوذه في عدة قضايا إقليمية حيوية مثل أمن السودان وليبيا وغزة، وتهديد مياه النيل الذي يعني عطش المصريين.
لذا يرجح دبلوماسيون عرب أن يكون تحرك القاهرة لتوقيع اتفاق دفاعي مع الصومال موجها بالدرجة الأولى لإثيوبيا، وإن كان يستهدف أيضا محاولة محاصرة نفوذ تركيا في منطقة البحر الأحمر.
ورأوا أن التحرك المصري بتوقيع اتفاق عسكري مع الصومال، بمثابة رد على استمرار إثيوبيا في خطط ملء سد النهضة بدون الترتيب مع مصر.
ورد على دفع أديس أبابا، لدولة جنوب السودان للتصديق على اتفاق عنتيبي، الذي تجاهل حقوق مصر المائية، وكذا الرد على محاولة إثيوبيا حجز مقعد لها على البحر الأحمر، بما قد يهدد أمن القاهرة من جهة الجنوب الشرقي.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" خطابا أمام البرلمان تحدث فيه عن الضرورة الوجودية لوصول دولته الحبيسة جغرافيا إلى المياه الدافئة مرة أخرى، بحسب صحيفة "أديس استندارد" 14 أكتوبر/تشرين أول 2023.
قال إن الميناء السيادي المستهدف لبلاده على ضفاف البحر الأحمر سيكون عن طريق إريتريا أو الصومال أو جيبوتي.
واستشهد بمقولة "علولا أنغيدا" (المعروف بـ "آبا نيغا")، القائد العسكري الإثيوبي في القرن التاسع عشر، الذي قال إن "البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا".
وكانت إثيوبيا تتمتع منذ منتصف القرن العشرين بمنفذ بحري دائم وسيادي على البحر الأحمر عبر ميناءي "عصب" و"مصوع" في إريتريا حتى استقلالها عام 1993.
ومنذ ذلك التاريخ تعتمد على ميناء جيبوتي كمنفذ وحيد يمر من خلاله نحو 95 بالمئة من تجارتها مع العالم الخارجي.
وللوصول إلى البحر الأحمر مرة أخرى وتحقيق هذه الخطوة الإستراتيجية بالغة الأهمية، جرى الإعلان عن مذكرة التفاهم مع صوماليلاند لاستخدام ميناء “بربرة”.