رفض واسع.. كيف تحولت "حزمة الديمقراطية" إلى وسيلة خنق للحريات بألمانيا؟
"الجهات التي تدعو إلى زيادة هذه التدابير لم تفهم جوهر الديمقراطية"
انتقادات كثيرة، تنال ألمانيا منذ تقديم وزيرة الداخلية نانسي فيزر، بالتعاون مع رئيس مكتب الأمن الداخلي الاتحادي توماس هالدينفانغ، ورئيس الشرطة الجنائية هولغر مونش، حزمة جديدة مما وصفوها ببعض "التدابير لحماية الديمقراطية".
واستعرض موقع "تيليبوليس" الألماني الانتقادات التي نالت هذه التدابير ووصفت بأنها "تخنق الديمقراطية ببطء".
استبداد دولة
في ضوء التدابير التي قدمتها وزيرة الداخلية فيزر في 15 فبراير/ شباط 224، انتقد الخبير القانوني في مجال الدستور والقانون، فولكر بوهم-نيسلر، الحزمة التي أعلنت عنها الوزيرة.
وبحسب الموقع، فقد قال الخبير إن "الجهات الفاعلة التي تدعو إلى زيادة التدابير باسم حماية الديمقراطية لم تفهم (جوهر الديمقراطية)، والتي تكمن في حرية الأفكار".
وأوضح أن "جوهر الديمقراطية هو وجود العديد من الآراء المختلفة، وكلها متساوية في الشرعية"، مؤكدا أن "الجميع يملك الحق في مناقشة هذه الآراء، وفي مرحلة ما سيكون هناك تصويت يُؤخذ قرار على أساسه".
وهذه هي النقطة الأكثر أهمية في رأي بوهم-نيسلر، حيث تُعد حرية الأفكار هذه ومناقشتها هو "جوهر الديمقراطية".
وانتقادا للسياسة التي تنتهجها وزيرة الداخلية، لفت الخبير القانوني إلى أن "ما ينبغي النظر إليه على أنه أمر مفروغ منه يُقوّض ببطء في الديمقراطية الجديدة"، مشيرا بذلك إلى "الطرح الذي قدمته نانسي فايسر"، الذي وصفه بأنه "يقوض الديمقراطية ببطء لدرجة أنه لا يكاد يُلاحظ".
وفي رأيه، "هنا تصبح حرية التعبير أكثر تقييدا، مما يؤدي إلى خنق الديمقراطية"، وهو ما وصفه بأنه "أمر خطير".
ولكن في المقابل، لفت بوهم-نيسلر إلى "الشيء الأكثر أهمية، وهو أن الديمقراطية لا تموت فجأة"، مؤكدا أنها "حتى في ألمانيا لن تموت الديمقراطية بانقلاب عسكري، وإنما تُنتزع سنتيمترا سنتيمترا".
ولذلك، حذر من "التحول القانوني التدريجي، والذي سيؤول في النهاية إلى تحول في الفكر أيضا".
وفي هذا الصدد، أوضح موقع "تيليبوليس" أن "ذلك يحدث من خلال تحول تدريجي في التفكير، والذي يأتي من منظور مختلف وغير متوقع".
وتابع: "فعلى سبيل المثال، يحدث ذلك من خلال إصدار أحكام ضد المؤسسات الديمقراطية وضد محطات البث العامة وضد الهجرة وضد التصالح مع ماضي ألمانيا الذي كان يقتل البشر في ظل الاشتراكية الوطنية".
وأكمل: "وبشكل أكثر أهمية، يعمل هذا التحول التدريجي من خلال تراكم المواقف ضد كل ما هو (يساري أخضر) في الديمقراطية الألمانية الحالية، والتي تتمثل في الجمل التي تسمعها من صفوف حزب البديل من أجل ألمانيا، من اليمينيين المتطرفين".
وليس فقط الخبير القانوني بوهم-نيسلر، بل حذر أيضا المتخصص القانوني يوزف فرانز ليندنر، الذي يعمل أستاذا في جامعة أوغسبورغ، من "تجاوز وزارة الداخلية الحدود على حساب المبادئ الديمقراطية".
وفي نقاش على منصة "إكس"، عزز فرانز ليندنر مرة أخرى "شكوكه في إجراءات وزارة الداخلية" من خلال الإشارة إلى ما قاله المحامي الجنائي جيرهارد شترات.
وصرح المحامي بأن "المطالب الأخيرة من فيزر وهالدينفانغ ومونش بتقييد حرية التعبير في ألمانيا تثير دهشة كل مؤيد لدولة القانون"، وفق ما ذكره الموقع.
تجاوز الحدود
وأكد "تيليبوليس" مرة أخرى على أن "التقييدات على حرية التعبير، كما يشير التقرير المذكور للمكتب الاتحادي لحماية الدستور، ما هي إلا تجاوز للحدود".
وفي هذا الصدد، في مقال رأي لصحيفة "سفيرلندر فولكستايتونغ"، أوضح بوهم-نيسلر أن "هذا يتعارض تماما مع روح الدستورية والديمقراطية، حيث تسمح حرية التعبير في الدستور بالسخرية من الدولة، وهي بذلك تحمي الآراء غير الدستورية أيضا، والدولة الديمقراطية تستطيع أن تتحمل ذلك".
وأكمل الخبير قائلا إن "كل شيء دون الحد الجنائي مسموح به ومحمي بموجب الدستور".
وفي هذا السياق، استشهد بوهم-نيسلر بالمحكمة الدستورية الفيدرالية التي خلصت إلى أن "حرية التعبير "أساسية تماما" لنظام سياسي حر وديمقراطي"، مشددا على أنه "لا ديمقراطية بدون حرية التعبير".
وعندما يتعلق الأمر بروح الديمقراطية المعاصرة، استحضرت "تيليبوليس" مقولة خبير الدولة والإدارة، إرنست-فولفغانغ بوكنفيرده، حيث قال إن "الدولة الديمقراطية الحرة والعلمانية تعتمد على شروط لا يمكنها ضمانها بنفسها، وهذه هي المخاطرة الكبيرة التي تدخلها من أجل الحرية".
وأكد الخبير على أن "الدولة الحرة يمكنها البقاء فقط إذا نُظمت الحرية التي تمنحها لمواطنيها من الداخل، من خلال المادة الأخلاقية للفرد وتماسك المجتمع".
ومن ناحية أخرى، يرى إرنست-فولفغانغ بوكنفيرده أن "الدولة الديمقراطية لا يمكنها أن تضمن هذه القوى التنظيمية الداخلية من تلقاء نفسها، أي بوسائل القانون والأمر السلطوي، دون التخلي عن حريتها والعودة إلى المطالبة بالتفوق الشامل".
وقال الموقع الألماني إن "التغيير في العقلية للتوجه نحو المزيد من الديمقراطية ربما يكون له الأولوية على المطالبة بمزيد من القدرة على الحرب".
ولتحقيق ذلك، لفت إلى أن "الكفاءة السياسية الراسخة والمتمرسة والتي تظل تنتقد القوالب والمعسكرات والتفكير الجماعي والسلطات وتجرؤ على إلقاء نظرة فاحصة ناقدة، ستكون بمثابة دفاع جيد ضد الأنظمة الاستبدادية، التي يغازلها الطيف السياسي اليميني".