إسرائيل والجنوب السوري.. هل بدأ مخطط الشرخ الطائفي في السويداء؟

مصعب المجبل | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ما يزال ملف محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والواقعة جنوب سوريا يشهد جمودا في الحل مع الدولة السورية الجديدة، في ظل دعوات محلية للانفصال عن البلد الأم.

فمنذ وقوع اشتباكات بين فصائل درزية محلية بالسويداء، وقوات حكومية سورية مدعومة بمقاتلين من العشائر في يوليو/تموز 2025، تدخلت إسرائيل تحت ذريعة "حماية الدروز" وبقيت منذ ذلك الحين الفاعل الأساسي في المشهد هناك.

مشاريع جديدة

وفي خطوة جديدة، يدرس الكنيست الإسرائيلي "البرلمان" مشروع قانون يهدف إلى منح الإقامة الدائمة للدروز من منطقة السويداء جنوب سوريا، في خطوة وُصِفت بأنها تخدم المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية. حسبما نقلت شبكة "يافا الإخبارية" في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

ويسمح مشروع القانون لوزارة الداخلية الإسرائيلية بمنح الإقامة للدروز الذين يستوفون شروطا محددة، بما في ذلك وجود علاقات عائلية مع "إسرائيليين"، أو المشاركة في أجهزة الأمن، أو تقديم تبرعات مدنية، مع خضوع جميع الطلبات للتقييمات الأمنية والسياسية. وفق ما نقلت الشبكة.

وفي حين تروج التصريحات الرسمية لهذا التشريع بصفته يهدف إلى حماية الدروز من الضغوط السياسية والأزمات في سوريا، يشير المحللون إلى أن الهدف الأساسي هو استخدام الدروز كحاجز إستراتيجي لتعزيز السيطرة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، مستشهدين بسوابق تاريخية مماثلة.

وشكل استنجاد رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، الشيخ حكمت الهجري،  بإسرائيل لمنع محاولات الدولة السورية من نشر مؤسساتها في المحافظة، ذريعة كبيرة لإسرائيل لتمرير مشاريع إمبريالية جديدة في المنطقة.

وفي إطار مساعيه لفرض واقع جديد في سوريا يهدف إلى عزل السويداء وإبعادها عن سلطة دمشق المركزية، وجّه الهجري، في بيان رسمي صدر بتاريخ 16 يوليو/تموز 2025، طلبًا إلى رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بجهة تُعدّ عدوًا للسوريين ومحتلّة لأرضهم.

كما رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدّم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو/تموز 2025 لإعادة الاستقرار إليها، إثر اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

وكان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري؛ إذ شن الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو/تموز 2025، شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

ومع تطويق القوات الحكومية لمحافظة السويداء وفتح مسار تفاوضي غير مباشر مع الهجري للوصول إلى حل ودفع الهجري للعدول عن فكرة الانفصال، كشف الكيان الإسرائيلي عن عزمه فتح ممر إلى هذه المحافظة الواقعة جنوب سوريا.

وجدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مزاعم الاحتلال بحماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، داعيا إلى فتح ممر بين المناطق السورية التي تحتلها إسرائيل ومحافظة السويداء، رغم عدم وجود حدود برية مباشرة بين الكيان الإسرائيلي والسويداء؛ حيث تفصل بينهما محافظة درعا بالكامل.

وقال سموتريتش: إنه زار في 31 يوليو/تموز 2025 برفقة الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، ورئيس منتدى السلطات الدرزية، ياسر غضبان، غرفة العمليات التي أنشأتها الطائفة في قرية جولس (في منطقة الجليل الغربي شمالي فلسطين)، "لمتابعة أوضاع إخوانهم الدروز في السويداء والتواصل معهم".

وأضاف سموتريتش حينها "تبرز الشراكة المتينة بين إسرائيل والطائفة الدرزية، والتزام إسرائيل بحياة وأمن الدروز في سوريا.. هذا فعل إنساني وأخلاقي ضروري، كما أنه مصلحة أمنية إسرائيلية".

ومضى يقول: "يجب أن نطالب ونحصل فورا على ممر إنساني يتيح إدخال المساعدات الغذائية والطبية والمعدات الأساسية إلى الدروز المحاصرين، كما يجب أن نستعد عسكريا للدفاع عنهم، ولفرض ثمن باهظ على النظام السوري، وخلق ردع قوي يمنع تكرار الهجوم".

وأشار سموتريتش إلى أنه أبلغ وجهاء الطائفة الدرزية بأن وزارة المالية الإسرائيلية "ستخصص أي ميزانية مطلوبة لهذا الغرض".

 "مقيم دائم" 

ورغم فشل المحاولات الإسرائيلية لفتح ذاك الممر، وإعلان الخارجية السورية في 16 سبتمبر/أيلول 2025 اعتماد "خريطة طريق لحل الأزمة في السويداء واستقرار جنوبي سوريا"، إلا أن الاستفزازات من داخل محافظة السويداء بقيت قائمة، وعلى رأسها استمرار المطالبة بالانفصال والاستقواء بإسرائيل ورفع العلم الإسرائيلي في السويداء من قبل فصائل محلية هناك.

وقالت الخارجية السورية حينها: إن هذه المبادرة تنطلق من مبدأ وحدة الأرض السورية، وتُقرّ أن جميع السوريين متساوون في الحقوق والواجبات ضمن دولتهم، من دون أي تمييز أو استثناء.

وسبق أن نقلت مصادر مطلعة على محادثات سورية إسرائيلية، لوكالة رويترز في 26 سبتمبر/أيلول 2025 قولها: إن جهود التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل واجهت عقبة في اللحظة الأخيرة بسبب مطلب إسرائيل بالسماح لها بفتح "ممر إنساني" إلى محافظة السويداء.

ومن الواضح أنه عقب أحداث السويداء، واجه زعماء الدروز في إسرائيل ضغوطا من طائفتهم من أجل جلب الدعم للدروز في السويداء، حيث عبر عضوا الكنيست الإسرائيلي الدرزيان عفاف عابد (الليكود) وحمد عمار (إسرائيل بيتنا) الحدود إلى سوريا في 16 يوليو 2025.

وآنذاك قال عفاف عابد إنه قدّم مشروع قانون لمنح الإقامة القانونية، وهي بطاقة هوية زرقاء، للدروز المقيمين في سوريا.

وبقيت تلك الطروحات قائمة، فقد قدم النائبان في الكنيست الإسرائيلي، عفيف عبد (من حزب الليكود) وأكرم حسون (من حزب أمل جديد)، وكلاهما درزي إسرائيلي، في 21 أكتوبر 2025 مقترحا تشريعيا لإدخال تعديلات على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، بهدف منح مكانة "مقيم دائم" للدروز السوريين "الراغبين في الإندماج بدولة إسرائيل".

واستند النائبان، عبد وحسون، في مبادرتهما على ما قالا: إنه "انقلاب حدث في سوريا، أدى إلى تغيير الحكومة المركزية في الدولة". ولفتا إلى أنه "منذ ذلك الحين، يعاني الدروز في سوريا من اضطهاد ممنهج من جانب النظام السوري الجديد، يشمل تمييزا مؤسسيا، انتهاكا للحقوق الأساسية، وإهمالا مستمرا".

وشددا على أن "الطائفة الدرزية في جنوب سوريا تُشكل خطا أماميا ومحيطا دفاعيا بين دولة إسرائيل وخلايا الإرهاب والتنظيمات المعادية العاملة في المنطقة السورية". معتبرين أن "الدروز في هذه المنطقة يعملون كحاجز طبيعي بين الحدود الشمالية لإسرائيل وتمدد عناصر متطرفة ومعادية، ومن هنا تنبع أهميتهم الإستراتيجية والأمنية". على حد وصفهما.

وفق خبراء، يُقدم مشروع القانون على أنه محدود وإنساني ظاهريًا، لكنه يهدف في الواقع لاستخدام الدروز كحاجز إستراتيجي وضمان مصالح إسرائيل في الأراضي المحتلة. وطرح المشروع على طاولة الكنيست يشكل سابقة قانونية في التعامل مع فئة من سكان دولة تعدها إسرائيل معادية؛ حيث يمنح تعديل القانون الدروز السوريين مكانة قانونية متقدمة كمقيمين دائمين، تُقارب حقوقهم حقوق المواطنين في الإقامة والعمل والخدمات.

 أهداف إستراتيجية

وضمن هذا السياق قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، لـ"الاستقلال": "تبدو المقاربة الإسرائيلية لملف السويداء مبنية على إستراتيجية مزدوجة تجمع بين التقديرات الدينية والسياسية".

وأضاف علوان "تلعب المرجعية الدينية للطائفة الدرزية في إسرائيل، والمتمثلة بالشيخ موفق طريف، دورا محوريا في توجيه المواقف والتواصل غير المباشر مع الداخل السوري، خصوصا في ظل الضغوط المتزايدة من أبناء الطائفة الدرزية داخل الجيش والمؤسسات الحكومية الإسرائيلية".

ولفت علوان إلى أن "إسرائيل تركّز في هذا السياق على البعد الإنساني والسياسي لملف السويداء، من خلال طرح قضايا مثل تقديم الدعم المدني والإقامات الإنسانية وإمكانية التنقل، إلا أن هذه المقاربة لا تخلو من أهداف إستراتيجية أعمق  ومن محاولة إحداث شرخ مجتمعي داخل المكون الدرزي بالسويداء".

وأردف "إسرائيل تستثمر كل تلك التحركات من أجل الضغط على الحكومة السورية الجديدة، من خلال ربط المساعدات للدروز والمواقف الإنسانية بمسار التفاوض الأمني والحصول على مكتسبات أكبر ربما يضمن لإسرائيل الاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها بعد ديسمبر/كانون الأول 2024، من دون الالتزام بعمليات انسحاب من تلك المناطق التي هي خلف خط الاشتباك لعام 1974 كما تطالب دمشق".

وذهب علوان للقول "في المحصلة، يظهر أن تل أبيب تتعامل مع ملف السويداء كملف أمني بغطاء إنساني، هدفه الحفاظ على مكتسبات ميدانية وتوسيع نطاق نفوذها غير المباشر داخل الجغرافيا السورية".

وكشفت أحداث السويداء محاولات الاحتلال الإسرائيلي لإشعال فتيل نزاع طائفي في سوريا، من خلال استغلال المكوّن الدرزي في المحافظة. ويُعد طرح فكرة منح إقامة إسرائيلية لدروز السويداء بمثابة "فتنة جديدة" تهدد النسيج المجتمعي المحلي، خاصة في ظل الانقسام القائم بين تيار يدعو للاندماج ضمن الدولة السورية الجديدة، وآخر يروج لمشاريع انفصال ويستقوي بإسرائيل.

إذ سبق أن أكد القيادي الدرزي الشيخ ليث البلعوس، الممثل لمضافة "شيخ الكرامة" بالسويداء، أن "هناك محاولات ممنهجة لإخضاع المرجعيات بالسويداء بالترهيب والابتزاز، والغاية هي استخدام طائفة المسلمين الموحدين الدروز في مشاريع إقليمية لا تخدم إلا الغرباء".

وأضاف البلعوس المناهض لطروحات حكمت الهجري في مقابلة مع "الإخبارية السورية" في 28 أغسطس/آب 2025 "خطتنا واضحة: حماية الرموز الوطنية والدينية من الضغوط، ونشر صوت العقل والحوار لمواجهة التحريض الطائفي وفضح أي مشروع خارجي يريد أن يعبث بأمن الجبل".

وعن محاولات الزج بالدروز في مشاريع خارجية قال البلعوس: "إن حماية وحدة البلاد تمثل أولوية لا مساومة عليها، وأن أبناء السويداء جزء لا يتجزأ من الدولة السورية".

 وأمام ذلك، فإن إسرائيل تعمل على التغلغل داخل النسيج الاجتماعي في الجنوب السوري، مستغلة الظروف الميدانية والسياسية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، في خطوة تحمل أبعادا ديموغرافية وأمنية خطيرة.

 فعقب احتلال إسرائيل للجولان السورية منذ عام 1967، فإن معظم السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى جانب شركس وتركمان وبدو، الذين كانوا يسكنون بلدات الجولان قبل احتلاله من بقي منهم هناك أتاحت إسرائيل لهم خيار الحصول على الجنسية، غير أن غالبيتهم آثروا الإبقاء على الجنسية السورية، والحصول في المقابل على صفة مقيم دائم تمكنهم من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للمواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

وهناك إستراتيجية إسرائيلية طرحت باسم عوديد ينون وهو موظف في الخارجية الإسرائيلية، ونشرت في مجلة "كيفونيم" (اتجاهات) الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية في فبراير/شباط 1982. 

ودعت تلك الخطة إلى "تفكيك سوريا... إلى مناطق أقليات عرقية ودينية... بصفتها هدف إسرائيل الرئيس على الجبهة الشرقية على المدى البعيد".

وتسعى تلك الإستراتيجية الإسرائيلية إلى "تفكيك سوريا إلى عدة دول على أساس بنيتها العرقية والدينية".

وزعمت خطة ينون أن أمن إسرائيل وهيمنتها يعتمدان على تفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية وإثنية أصغر، بما في ذلك الدروز والعلويون والأكراد والموارنة والأقباط وغيرهم.

وكان الهدف هو استبدال الدول العربية القوية المركزية بدويلات ضعيفة ومقسمة إلى أجزاء لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، ويمكن أن تصبح حليفة أو وكيلة تحت الحماية الإسرائيلية.