"كبتاجون" بشار الأسد.. كيف يؤثر على الوضع الأمني في إسرائيل؟
"النظام السوري استعاد مكانته في العالم العربي"
رغم اتفاقيات التطبيع وعودة العلاقات العربية معه، يواصل نظام بشار الأسد في سوريا تجارة ونشر مخدرات الكبتاجون بالشرق الأوسط.
وهنا، يتساءل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عن تأثير عمليات التجارة تلك، على أمن واستقرار الإقليم وإسرائيل.
ويستعرض في مقال له تحديات الأمن الإقليمي، لا سيما في الأردن والسعودية، حيث يتم تهريب المخدرات بكميات كبيرة.
كما تناول سبل مواجهة الدولتين لعمليات التهريب عبر كل الوسائل الممكنة، وسلط الضوء على الجهود الدولية المبذولة لمكافحة تجارة الكبتاجون.
ويعرج المعهد أيضا على بيان الجوانب السلبية، وكذلك الإيجابية لتجارة الكبتاجون بالنسبة لتل أبيب.
فبينما تؤدي تلك العمليات لأضرار على الوضع الأمني داخل إسرائيل، إلا أنها، في الوقت ذاته، قد تشكل ورقة رابحة لتل أبيب.
خيبة أمل
ويزعم المعهد العبري أن "النظام السوري استعاد مكانته في العالم العربي، وأفلت من العزلة السياسية المفروضة عليه منذ اندلاع الحرب الأهلية".
ويرى أنه “منذ عام 2023، استفاد نظام الأسد من الإنجازات الدبلوماسية، التي تركزت على إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، وتجديد العلاقات مع السعودية”.
وهي التطورات التي شكلت نهاية العزلة والمقاطعة التي فرضها العالم العربي على سوريا منذ اندلاع الثورة ضده عام 2011.
في الوقت ذاته، يشير المعهد إلى أن "نظام بشار الأسد يواصل الاستفادة من عائدات تجارة مادة الكبتاجون المخدرة، التي يجرى إنتاجها في سوريا وتغمر بلاد الشرق الأوسط".
إذ يرصد “استمرار صناعة إنتاج وتجارة مخدر الكبتاجون برعاية النظام وحلفائه، بل وتتوسع لتشمل تجارة أنواع أخرى من المخدرات والأسلحة”.
وباتت سوريا اليوم أكبر مصدر للكبتاجون في العالم، فيما تعد الضحيتان الرئيستان لها، هما المملكتان الأردنية والسعودية، وفق المعهد.
ويوضح أن"الأردن كان يأمل، كونه في طليعة عملية التطبيع الإقليمي مع الأسد والاعتراف به، بجانب أمور أخرى، أن يسهم ذلك في منع تدفق الكبتاجون إليه، لكن خيبة أمل أصابت عمّان، بسبب تزايد كميات هذا المخدر التي يتم تهريبها إلى أراضيها".
وهو الأمر الذي دفع الأردن، بحسب المعهد، إلى "تبني سياسة أكثر عدوانية تجاه سوريا".
ففي مايو/ أيار 2023، قرر الجيش الأردني مهاجمة أهداف في الأراضي السورية، مرتبطة بآليات الإنتاج والتهريب.
وأضاف: الغارة الأولى، التي وقعت بعد يوم واحد من إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، أسفرت عن مقتل مرعي الرمثان، المعروف باسم "إسكوبار السوري"، نسبة إلى بابلو إسكوبار أحد أشهر وأكبر تجار المخدرات في التاريخ.
وأكمل المقال: "في بداية عام 2024، كثف الأردن من وتيرة الضربات الجوية في جنوب سوريا بشكل كبير، وحتى الآن جرى الإبلاغ عن أنه هاجم البلاد أربع مرات على الأقل، وهو عدد يفوق مجموع الضربات الأردنية المبلغ عنها عام 2023.
وقد تصاعدت عمليات التهريب في الآونة الأخيرة، فوفقا للمقال، خلال يونيو/حزيران 2024، نشرت السلطات في الأردن عدة تقارير حول إحباط عمليات تهريب وقتل مهربين على الحدود.
وتابع: “أفادت تقارير بأن الأردن أحبط أكبر عملية تهريب مخدرات في السنوات الأخيرة من سوريا تشمل العملية 9.5 ملايين حبة كبتاجون كانت متجهة إلى السعودية".
كما اعترضت المملكة طائرات مسيرة تحمل المخدرات من سوريا إلى أجواء الأردن.
بالتزامن مع ذلك، يشير المعهد إلى أن "الأردن يعمل على تعزيز حدوده مع سوريا من خلال زيادة وجود قوات الجيش، وعبر وسائل تكنولوجية لاكتشاف المهربين واعتراض الطائرات بدون طيار".
إجراءات ظاهرية
وعلى المستوى السياسي، خلال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة، التي عُقدت في البحرين في مايو/ أيار 2024، يذكر المعهد أن ملك الأردن تحدث عن ظاهرة تهريب المخدرات والأسلحة إلى بلاده.
وشدد على تورط المليشيات الموالية لإيران في صناعة المخدرات، ودعا دول المنطقة إلى الانضمام للجهود المبذولة في هذا الكفاح.
وأردف المعهد: "لم يختلف الأمر مع السعودية كثيرا، حيث كانت تأمل أن يؤدي التطبيع مع نظام الأسد إلى تخفيف حجم تجارة الكبتاجون".
لكن الواقع يقول إنه "بعد ثمان وأربعين ساعة من تعيين السفير السعودي الدائم في دمشق في 26 مايو 2024، أحبطت السلطات السعودية شحنة كبتاجون بقيمة نحو 75 مليون دولار، وكذلك شحنة أخرى بقيمة نحو 40 مليون دولار قادمتين من العراق".
وأردف المعهد: "خلال عام 2023، ترددت أنباء عن ضبط السلطات السعودية ملايين من حبوب الكبتاجون، على الرغم من زيادة وتيرة اللقاءات الثنائية بين ممثلي الدولتين".
ويتخذ النظام السوري خطوات يحاول من خلالها زعمه التعاون في مكافحة تهريب الكبتاغون، حيث تحرص وسائل الإعلام السورية على تغطية المداهمات التي تنفذها وزارة الداخلية السورية ضد محاولات التهريب.
كما جرى عقد فرق عمل مع الأردن والعراق حول الموضوع، بعد الاتفاق على تشديد التعاون معهما لمنع تهريب المخدرات عبر المعابر الحدودية.
إلا أن هذه الإجراءات ظاهرية، ولا يوجد أي جهد حقيقي لمكافحة الظاهرة" وفق المعهد.
فقد كشف تحقيق شامل أجراه "تلفزيون سوريا" المعارض عن منظومة المخدرات المتفرعة للنظام وأعوانه، بما في ذلك أسماء التجار الرئيسين، وتوزيع قطاعات الإنتاج في البلاد.
تناول التحقيق الأساليب التي يستخدمها النظام لخداع دول المنطقة والمجتمع الدولي، بما في ذلك التقارير الكاذبة المقدمة إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، حول محاولات إحباط واعتقال المتورطين في هذه الصناعة.
وأفاد المعهد بأن وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، تكرر نفس التقرير عدة مرات شهريا.
إذ من المفترض أنها تنقل أخبارا عن ضبط شحنات مخدرات في طريقها إلى الحدود الأردنية، بينما تستخدم نفس الصور من أجل إنشاء عرض تقديمي، للإيهام بأن هناك محاربة فعالة لهذه الظاهرة من جانب النظام.
عقوبات دولية
ودخلت الدول الغربية أخيرا على خط الأزمة، فقد أعلنت الإدارة الأميركية في يونيو/ حزيران 2023 عن الخطة الإستراتيجية المقرر تنفيذها كجزء من قانون الكبتاجون، والذي أقره الكونغرس نهاية عام 2022.
ويضيف المعهد: "بموجب الخطة، ستساعد الولايات المتحدة وكالات إنفاذ القانون في التحرك ضد انتشار الكبتاجون، وسوف تستمر في فرض عقوبات إضافية ورافعات اقتصادية على الأسد ورفاقه المشاركين في التجارة".
وأردف: "كما ستساعد واشنطن شركاءها في الشرق الأوسط، على مكافحة تهريب المخدرات في مجالات أمن الحدود والاستخبارات والأمن الداخلي وإنفاذ القانون".
ويشير إلى أن "العقوبات كانت حاضرة على المتورطين في إنتاج وتهريب المخدرات في سوريا ولبنان، قبل الموافقة حتى على الخطة".
فعلى سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أبناء عمومة بشار، وسيم بادي وسامر كمال الأسد، بالإضافة إلى رجال الأعمال وقادة المليشيات المقربين من النظام وحليفه حزب الله اللبناني.
وتعد هذه إحدى أهم الخطوات التي اتخذتها الدول الغربية ضد تهريب الكبتاجون حتى الآن.
ويبين المعهد أنه "في أبريل/ نيسان 2024، جرى توسيع قانون الكبتاجون، ولأول مرة تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس جو بايدن عليه".
إذ حدّث التشريع قائمة العقوبات المفروضة على الأفراد والشركات العاملة في صناعة الأدوية.
كما أن هناك دول أوروبية أخرى شريكة في المعركة، بما في ذلك ألمانيا التي أعلنت أخيرا في يونيو/ حزيران 2024، عن نيتها المساعدة في مكافحة التدابير المضادة والمعلومات لزيادة الوعي بمخاطر تعاطي المخدرات، تابع المعهد.
الانتشار حول إسرائيل
وعن تأثير تجارة الكبتاجون على تل أبيب، رأى المعهد أن المخدر ليس منتشرا على نطاق واسع في إسرائيل.
لكنه ادعى أن "محاولات التهريب السابقة، وتحديدا في عام 2015، ارتبطت بأدلة على اكتساب الكبتاجون شعبية بشكل خاص بين الفلسطينيين وعرب 48 من القدس الشرقية".
إذ لوحظ بعد ذلك أن هذا "العقار يستخدم بشكل رئيس من قبل العمال والعاملين، الذين يتعين عليهم البقاء في حالة عمل لفترات طويلة من الزمن".
وأردف: “مع مرور السنين، توسع توزيع العقار بشكل رئيس في الضفة الغربية وقطاع غزة”.
على سبيل المثال، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، جرى إحباط محاولة تهريب الكبتاجون من الأردن إلى الضفة الغربية.
ورأى المعهد أن "الخطورة الحقيقية على إسرائيل، تكمن في عمليات تهريب الأسلحة المرافقة للكبتاجون.
فقد صادرت قوات الأمن الأردنية أيضا شحنة من قاذفات الصواريخ المضادة للدبابات، وقاذفات القنابل اليدوية، وصواريخ فجر إيرانية الصنع، وبنادق قناصة، وعبوات تحمل نقوشا إيرانية وألغاما، وبنادق وسيارة مليئة بالمتفجرات.
وهو ما يؤكد، بحسب المعهد، أن "البنية التحتية وطرق تهريب المخدرات، تستخدم أيضا لتهريب الأسلحة، وبذلك تأخذ المشكلة الإجرامية طابعا أمنيا".
واختلف مع المزاعم الإسرائيلية التي تنسب قوة وقدرات جنود كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) إلى تعاطي الكبتاجون.
إذ ادعى البعض أنه جرى العثور على أدلة على تعاطي المخدرات لدى بعض أعضاء حماس، الذين نفذوا هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال: “لم يتم تأكيد هذه الأخبار من قبل مسؤول في إسرائيل، وحتى لو تم استخدام العقار بالفعل، فمن المرجح أنه كان استخداما متقطعا وتوجها فرديا من قبل بعض جنود القسام، وليس جزءا من خطة عمل حماس”.
وأكمل: "علاوة على ذلك، فإن الأطباء الذين يدرسون المنشطات المشابهة لتلك الموجودة في الكبتاجون، يزعمون أن محاولة نسب أعمال أفراد القسام إلى المخدرات هي أحاديث زائفة".
وبالتزامن مع استنكار المعهد تعاطي جنود القسام مخدرات الكبتاجون، أرجع "الاستهلاك الرئيس له في قطاع غزة، إلى العمال الذين يعملون في حفر الأنفاق تحت الأرض، ويضطرون إلى العمل لساعات طويلة".
مكاسب محتملة
ويحلل أسباب استمرار نظام الأسد في تجارة الكبتاجون، فهو يعد بمثابة "الأكسجين الاقتصادي" له، وسببا لاستقراره بفضل أرباحه.
وبينما كانت تتوقع الأنظمة العربية أن يفضل الأسد التخلي عن تورطه في توزيع الكبتاجون، أو على الأقل العمل على الحد منه مقابل التطبيع مع العالم العربي، إلا أنها رأت أنه ماض في تجارته، حسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
ورغم ذلك، يرى أن "الأنظمة العربية باتت مضطرة للتعامل مع هذا الواقع الذي فرضه النظام السوري.
إذ يدرك الأردن والعراق ودول الخليج أنه بالرغم من أن الأسد ليس شريكا حقيقيا في مكافحة انتشار المخدرات، لكنهم، في غياب بديل أفضل، مضطرون للاعتراف به وتعميق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معه، حتى لو تم ذلك بدرجة محدودة.
ويبدو أن النظام السوري يدرك ذلك، إذ رأى المعهد أن "الأسد يراهن أن العلاقات الدبلوماسية مع جيرانه العرب، ليست في خطر".
من الناحية الأمنية لإسرائيل، عد أن "صناعة الكبتاجون التي يديرها النظام السوري وعناصر حزب الله تحمل مخاطر عديدة، حيث تسهم الأرباح الاقتصادية الناتجة عن تصدير المخدرات في عمليات بناء القوة للجيش السوري وحزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى".
وأضاف: “كما أنه غالبا ما تستخدم طرق تهريب الكبتاجون لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة والضفة الغربية عبر الأردن”.
وأخيرا هناك تقارير متزايدة عن تورط إيراني في تشغيل المهربين، ضمن خطة واسعة لتحويل الأردن إلى ساحة أخرى تمر عبرها إيران، يمكن أن تتحرك ضد إسرائيل.
بالرغم من ذلك، يبرز جانب إيجابي من قضية الكبتاجون، إذ يرى المعهد أنه "على إسرائيل انتهاز الفرصة".
وأوضح: "فقد يعمل النضال المشترك ضد الكبتاجون، على تعزيز علاقة إسرائيل مع دول المنطقة المنزعجة من توزيع المخدر في أراضيها، من خلال تقديم المساعدة التكنولوجية والاستخباراتية والدبلوماسية للنضال، بما يساهم في تعزيز وضعنا في الإقليم".
وتابع: "قد تأتي المساعدة الإسرائيلية في هذا السياق في المقام الأول فيما يتعلق بالأردن، الذي تقوضت علاقات تل أبيب معه على خلفية الحرب في قطاع غزة".
لذلك ينصح المعهد الجهاز الأمني بـ "تخصيص موارد أكثر من تلك المستثمرة حاليا، في التعامل مع توزيع المخدرات، من ناحية الجوانب الاستخباراتية والتكنولوجية".
ورأى أن "هذا التعاون سيسهم في استعادة صورة إسرائيل كعامل إيجابي يسعى إلى الاستقرار الإقليمي، كما قد يرسي أسس صراع أوسع ضد إيران وعناصر محور المقاومة الأخرى المستفيدة من أرباح المخدرات"، وفق تقديره.