لعبة منسقة يصعب كشفها.. كيف تبيع إيران النفط رغم العقوبات؟
إيران والصين ابتكرتا نظاما متطورا لتجارة النفط والتهرب من العقوبات
رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها، ازدهرت صادرات النفط الإيرانية إلى أعلى مستوى لها خلال السنوات الأخيرة، بدعم كبير من الصين.
وتعد الصين صاحبة نصيب الأسد من استيراد النفط الإيراني، رغم الخطر الذي يلاحقها جراء تعاملها الاقتصادي المتنامي مع دولة يفرض عليها أنواع شتى من العقوبات الدولية.
وهنا يتساءل موقع بي بي سي البريطاني - النسخة البرتغالية عن السر الذي يجعل بكين تتمسك بالروابط التجارية العميقة مع طهران، بالرغم من التحديات المتزايدة المحيطة بعملية التجارة بينهما؟
جزء من لعبة
ويشير في البداية، إلى عدد من البيانات المهمة التي تدل على تنامي تجارة النفط الإيراني في بداية عام 2024.
فبحسب بيانات الجمارك الإيرانية، وصلت المبيعات الخارجية من النفط الإيراني إلى 35.8 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024، وهو أعلى حد له في ست سنوات.
في المقابل، تنامت أخيرا دعوات دولية جديدة لفرض عقوبات أكثر صرامة على بيع نفط الدولة الآسيوية، حيث إنه المنتج الذي يشكل شريان الحياة للاقتصاد الإيراني.
ووفق الهيئة الإذاعية، "انطلقت تلك التحريضات عقب إطلاق طهران، منتصف أبريل/ نيسان 2024، أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل، ردا على استهداف تل أبيب للقنصلية الإيرانية بدمشق، وقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني فيها".
ويتساءل الموقع "كيف تتمكن طهران من الإفلات من العقوبات الحالية المفروضة على نفطها؟". ولخص الإجابة في كلمة واحدة؛ هي "الصين".
ووفقا لتقرير صادر عن لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي، تمثل بكين وجهة لـ 80 بالمئة من الصادرات الإيرانية البالغة نحو 1.5 مليون برميل يوميا.
ولذا، يطرح الموقع تساؤلا جوهريا؛ وهو "لماذا تشتري الصين النفط الإيراني رغم العقوبات الدولية المفروضة عليه؟".
وللإجابة عن السؤال، أفاد بأن "النفط الإيراني رخيص وذو نوعية جيدة، فقد ترتفع أسعار النفط العالمية بسبب الصراعات الدولية، لكن إيران، الحريصة على بيع نفطها، تعرض سعرا منخفضا".
وتابع: "نجحت الصين في توفير نحو 10 مليارات دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 من خلال مشتريات النفط القياسية من إيران وروسيا وفنزويلا، وكلها بسعر مخفض، وذلك بحسب بيانات التجار ومتتبعي السفن التي جمعتها وكالة رويترز (البريطانية) في أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
وأردف موقع بي بي سي: "تخفّض طهران نفطها الخام بخصم يصل 5 دولارات للبرميل عن السعر العادل المتداول عالميا، وذلك وفق تقدير همايون فلكشاهي، محلل النفط في شركة البيانات والتحليلات (كبلر)". ووصل خفض أسعار النفط، في عام 2023، إلى 13 دولارا أميركيا للبرميل.
ولا يتوقف الأمر على السعر المنخفض، إذ يؤكد فلكشاهي أن المصالح الجيوسياسية تؤثر كذلك على قرار بكين، إذ يقول: "إيران جزء من لعبة كبيرة بين الولايات المتحدة والصين".
وأكمل: "فمن خلال دعم الاقتصاد الإيراني، تزيد الصين من التحديات الجيوسياسية والعسكرية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل التوترات المتصاعدة حاليا مع إسرائيل".
أباريق الشاي
وتطرق الموقع إلى وسائل الصين المتعددة للهروب من الحظر الأميركي المفروض على شراء النفط الإيراني.
وبين أن إيران والصين طورتا نظاما متطورا على مر السنين لتجارة النفط والتهرب من العقوبات.
وينقل عن مايا نيكولادزي، نائبة المدير وزميلة السياسة الاقتصادية في جامعة هارفارد، قولها: "العناصر الرئيسة لهذا النظام التجاري هي (أباريق الشاي) الصينية، وناقلات (الأسطول الخفي)، والبنوك الصينية الصغيرة ذات التعاملات الدولية المحدودة".
ويوضح الخبراء ماهية عمل نظام "أباريق الشاي"، حيث ذكروا أن هذا المصطلح يشير إلى "مصافٍ صغيرة شبه مستقلة يتم فيها تكرير النفط الإيراني، وهي بديل للشركات الكبيرة المملوكة للدولة".
وعن سر التسمية، يشرح فلكشاهي: "إنها لغة صناعية، لأن المصافي كانت تبدو في البداية وكأنها أباريق شاي، مع مرافق أساسية للغاية، وتقع بشكل رئيس في منطقة شاندونغ، جنوب شرق بكين".
"وتمتاز هذه المصافي الصغيرة بكونها ذات مخاطر أقل على الصين، مقارنة بالشركات المملوكة للدولة التي تعمل على المستوى الدولي وتحتاج إلى الوصول إلى النظام المالي الأميركي".
لكن المصافي الخاصة الصغيرة التي ليس لديها عمليات في الخارج لا تتاجر بالدولار، ولا تحتاج إلى الحصول على تمويل أجنبي، يتابع فلكشاهي موضحا أساليب عمل "أباريق الشاي".
الأسطول الخفي
وفيما يتعلق بالوسيلة الثانية "ناقلات الأسطول الخفي"، يشير الموقع ابتداء إلى أن "سفن النفط يمكن تتبعها في المحيطات باستخدام برنامج يراقب موقعها وسرعتها وصعوبة طريقها".
لكن إيران والصين تهربتا من هذا التتبع عبر استخدام "شبكة من ناقلات النفط ذات ملكيات غامضة، ولا تحدد مواقعها"، وفق نيكولادزي.
وتضيف: "يمكنهم الهروب من الناقلات الغربية وخدمات الشحن والوساطة، وبالتالي لا يلتزمون باللوائح الغربية، بما في ذلك العقوبات".
واعتادت سفن "الأسطول المخفي" التي تنقل النفط بتعطيل نظام التعرف التلقائي (AIS)؛ وهو نظام إرسال واستقبال بحري (جهاز اتصال إلكتروني)، لتجنب اكتشافه، أو تضليله من خلال التظاهر بالوجود في مكان ما، بينما هم في مكان آخر.
وأردف الموقع: "يسري اعتقاد أن هذه الأساطيل تنفذ عمليات نقل بين السفن في المياه الدولية، خارج المناطق المسموح بها، بل وأحيانا في ظروف جوية سيئة لإخفاء أنشطتها، مما يجعل من الصعب تحديد مصدر النفط، ويكون ذلك تحديدا في مياه جنوب شرق آسيا".
وفي هذا الصدد، يتحدث فلكشاهي عن أن "منطقة شرق سنغافورة وماليزيا، كانت تاريخيا دائما مكانا تذهب إليه العديد من ناقلات النفط ويتم نقل البضائع فيما بينها. وبعد ذلك تأتي مرحلة تغيير العلامة التجارية، أي إعطاء المنتج هوية جديدة".
وتابع: "بهذه الآلية يتحايل الصينيون على برامج التعرف التلقائي (AIS)، وتبحر سفينة ثانية من المياه الماليزية إلى شمال شرق الصين وتعمل على تسليم النفط الخام، حيث يتمثل الهدف في جعل النفط يبدو وكأنه لا يأتي من إيران، بل من ماليزيا على سبيل المثال".
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تشير بيانات الجمارك إلى أن الصين استوردت المزيد من النفط الخام من ماليزيا بنسبة 54 بالمئة في 2023 مقارنة بعام 2022.
وتبرهن نيكولادزي، على نجاح الخطة الصينية، حيث يشير إلى أن "الكمية التي أعلنت ماليزيا عن تصديرها إلى الصين تتجاوز إجمالي طاقتها الإنتاجية من النفط الخام"، ويؤكد المحلل "أنه لهذا السبب يُعتقد أن ما تعلنه كوالالمبور هو في الواقع صادرات نفط إيرانية".
ويشير موقع "بي بي سي" إلى تقارير نُشرت سابقا عن احتجاز السلطات الماليزية والإندونيسية ناقلات نفط إيرانية لتنفيذها "عمليات نقل نفط غير مصرح بها" عام 2023، وتحديدا في شهري يوليو/ تموز وأكتوبر.
تهرب من الرقابة
واستطاعت بكين أن تقضي على معضلة أخرى تتعلق بالنظام المالي الدولي الذي يراقبه الغرب، حيث أفادت مايا نيكولادزي بأن المعاملات تجرى من خلال بنوك صينية أصغر.
وتضيف: "تدرك الصين جيدا المخاطر التي تصاحب شراء النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، ولهذا السبب لا تريد إشراك البنوك الكبرى في هذه الصفقة".
وبدلا من ذلك، أوضحت أن "ما تفعله هو استخدام البنوك الصغيرة التي ليس لديها بالفعل تعاملات دولية".
وتابعت: "يسود اعتقاد أيضا أن مدفوعات النفط الإيراني تتم بالعملة الصينية لتجاوز النظام المالي الذي يهيمن عليه الدولار".
ويوضح فلكشاهي أن "هذه الأموال ستوضع في حسابات في البنوك الصينية المرتبطة بالنظام الإيراني".
وأكمل: "لذلك تستخدم هذه الأموال لاستيراد البضائع الصينية، ومن الواضح أن هناك جزءا منها يُعاد إلى إيران، لكن من الصعب للغاية فهم كيفية فعل ذلك وما إذا كانت طهران قادرة على استعادة كل أموالها".
وكشفت بعض التقارير أن إيران تستخدم "مكاتب صرافة" داخل بلادها لمزيد من التعتيم على مسار الأموال.