رغم تصنيفه منظمة إرهابية.. لماذا تتواصل الجامعة العربية مع حزب الله؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع التصعيد العسكري في جنوب لبنان، فتحت الجامعة العربية قناة اتصال جديدة مع حزب الله؛ في محاولة لدفع جهود التهدئة مع إسرائيل نحو الأمام وسط تحذيرات من حرب واسعة.

وزار الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي العاصمة اللبنانية بيروت نهاية يوليو/تموز 2024 والتقى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله النائب محمد رعد.

الاتصال الأول

وشكل هذا اللقاء الاتصال الأول بين الجامعة العربية و"حزب الله" منذ أكثر من 10 سنوات، لا سيما أن الجامعة كانت أخذت بالطلب السعودي– الإماراتي وأقرت عام 2016 بتصنيف الحزب منظمة إرهابية.

وقد نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله عن مصادر مطلعة قولها في 28 يونيو/حزيران 2024 أن "زكي أبلغ الحزب أن الجامعة قررت إزالة التصنيف الإرهابي عنه، وهي تعتقد أن له دوره الكبير في مستقبل لبنان".

ولفتت الصحيفة إلى أن زكي دعا لتعجيل إجراء الانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى "صعوبة انتخاب أي من المرشحين المعروفين".

بدوره، قال زكي خلال تصريح صحفي في 29 يونيو 2024 لقناة القاهرة الإخبارية المصرية، عقب زيارته بيروت، إن هناك توافقا بين أعضاء الجامعة على عدم استخدام صيغة "إرهابي" في وصف حزب الله حاليا، بعد أن كانت مستخدمة في قرارات الجامعة لثماني سنوات.

وفي مارس/آذار 2016، صنف وزراء الداخلية العرب ومجلس التعاون الخليجي حزب الله منظمة إرهابية، لكن القرار قوبل بتحفظات من لبنان والعراق.

وطلب من الحزب وقتها التوقف عن نشر التطرف والطائفية، والتدخل في شؤون الدول الداخلية، وعدم دعم الإرهاب في المنطقة.

وعلى الفور فسرت تصريحات حسام زكي، على أن الجامعة العربية رفعت حزب الله اللبناني من قائمة الإرهاب لديها، وهو الأمر الذي دفع السفير للخروج مرة ثانية وتقديم توضيحات جديدة حول المسألة التي أثارت الجدل في الداخل اللبناني وفي خارجه خاصة من ناحية التوقيت.

فقد قال حسام زكي إن تصريحاته حول عدول الجامعة عن وصف حزب الله بأنه منظمة إرهابية، "فُسرت في غير سياقها الصحيح".

وأوضح في تصريح صحفي نقله موقع صحيفة الأهرام المصرية، مطلع يوليو 2024 أن "هذا لا يعني بأي حال زوال التحفظات والاعتراضات العديدة علي سلوك وسياسات وأفعال ومواقف حزب الله، ليس فقط داخليا وإنما إقليميا أيضا".

وأشار في حديثه إلى قرار الجامعة العربية الخاص بصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب. 

وبذلك عدت توضيحات زكي تراجعا عن تصريحاته السابقة حول عدم النظر إلى حزب الله من قبل الجامعة العربية على أنه منظمة إرهابية.

وتنص الفقرة التي أشار إليها على "الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، بما في ذلك إلى أي مليشيات أو مجموعات مسلحة غير نظامية" واصفا ذلك بأنه "قرار معتمد بإجماع الدول الأعضاء".

وتزامن كلام زكي مع تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط،  في 1 يوليو 2024 أن "الأمانة العامة للجامعة تلتزم دوما بالتنفيذ الكامل لقرارات الدول في كافة الموضوعات".

وقال أبوالغيط، في بيان له، إن "التكليف الصادر للأمين العام المساعد السفير حسام زكي بزيارة لبنان موفدا شخصيا من جانبه للتواصل مع القوى السياسية اللبنانية هو تنفيذ لقرارات مجلس الجامعة بشأن التضامن مع لبنان وتكليفها للأمين العام في هذا الخصوص".

ودفعت مشاركة حزب الله في التصعيد على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى ارتفاع منسوب نذر اندلاع حرب شاملة في هذا البلد.

إذ أعلن الجيش الإسرائيلي في 19 يونيو 2024  "الموافقة" على خطط عملياتية لهجوم في لبنان.

وذكر الجيش أن كبار المسؤولين العسكريين أجروا تقييما مشتركا للوضع في القيادة الشمالية، وصادقوا على خطط هجوم في لبنان. وأكد البيان اتخاذ قرارات لتسريع استعدادات القوات على الأرض.

في المقابل، تتهم أطراف سياسية في لبنان لها تمثيل وازن في البرلمان حزب الله بـ “الانفراد بقرار السلم والحرب”، وتدعو لتجنيب البلاد خيار "الحرب الشاملة" مع إسرائيل.

يتزامن ذلك مع استمرار حالة الشغور الرئاسي في لبنان منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس جديد؛ بسبب إصرار حزب الله على تعيين رئيس "مطمئن للمقاومة" ويصر على اسم واحد وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

وترجع فكرة إنشاء حزب الله في لبنان إلى عام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته إيران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا.

وفي الوقت الراهن يعد حزب الله صورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني، ويبلغ عدد مقاتليه مئة ألف، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش.

وسبق للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو/ حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

وتصنف الولايات المتحدة ودول بارزة في الاتحاد الأوروبي وهي فرنسا وهولندا وألمانيا حزب الله "منظمة إرهابية"، وتحظره على أراضيها.

وأمام تطورات الجنوب اللبناني المتسارعة، لجأت الجامعة العربية إلى خطوة أولى لفتح الطريق أمام التواصل والاتصال مع حزب الله.

سيناريو غزة

فقد شهدت القمة العربية الأخيرة في البحرين خلال مايو/أيار 2024 تطورا لافتا يتعلق بلجنتين سبق تشكيلهما وهي "لجنة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية" و"لجنة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية".

وقد استُبْدِلت باللجنتين لجنة أخرى جديدة وهي "لجنة التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية"، وفق ما قال السفير حسام زكي، للصحفيين المسؤولين عن نشاط الجامعة العربية في 30 يونيو 2024.

وأوضح زكي أنه أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان كموفد شخصي لأحمد أبوالغيط أنه جرى "إبلاغ رئيس كتلة حزب الله في مجلس النواب اللبناني محمد رعد بهذا الإيضاح، وشرحنا له أنه فيما مضى كانت هذه التسمية تعيق الأمين العام للجامعة العربية والأمانة العامة من التواصل مع الحزبلله".

واستدرك قائلا: "ولكن أصبح هناك واقع جديد يمكن الأمانة العامة للجامعة فى إطار تكليفها بمتابعة تنفيذ التكليفات بتنفيذ القرار الخاص بلبنان أن تلتقى مع مسؤولي حزب الله على مستوى الكتلة البرلمانية وذلك في إطار مناقشة الوضع الراهن هناك".

وحاول موفد الجامعة العربية التركيز خلال زيارته إلى لبنان على ملف التصعيد في الجنوب اللبناني والخشية من توسع الحرب عند تلك الحدود، والتأكيد على ضرورة "كسر الجمود بالشغور الرئاسي الممتد لأكثر من 19 شهرا".

وقد دعا زكي الأطراف اللبنانية التي التقاها ومن بينها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون، إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701 كونه "أمرا ضروريا لاحتواء التصعيد الحالي"، وفق قوله.

والقرار 1701 تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس/آب 2006، وطالب بوقف العمليات القتالية، بعد حرب مدمرة استمرت 33 يوما بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.

كما طالب بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، ونهر الليطاني (جنوب)، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل".

ويواجه القرار 1701 تحديا في الوقت الراهن بشأن تطبيقه كأحد الحلول المطروحة لإنهاء مناوشات حزب الله مع إسرائيل.

وضمن هذا السياق، يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال" إلى “وجود محاولة عربية  لتفادي إيصال لبنان إلى سيناريو غزة”، الذي يتعرض لحرب مدمرة منذ 7 أكتوبر 2023، بعد تنفيذ المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى.

وأضاف: "في تلك المحاولة كان لا بد من التواصل المباشر من قبل الجامعة العربية مع حزب الله بالطريقة التي حصلت عبر زيارة السفير حسام زكي".

ونوه بشارة إلى أنه "رغم تواصل الجامعة العربية مع حزب الله إلا أنه ما يزال هناك قرار عربي بالتعاطي مع الحزب بصفته جزءا من معادلة هز الاستقرار في لبنان وأكثر من دولة عربية".

واستدرك قائلا: “هذا الموقف العربي سيبقى قائما على حزب الله حتى تغيير سلوكه، ولذلك الأولوية اليوم من الجامعة العربية هي لمنع تعرض لبنان لحرب إسرائيلية”.

ويعتقد أن "جهود الجامعة ستستمر ولكن ضمن توافق عربي عربي وتنسيق أكثر حول الموقف في لبنان".

شبح الحرب

ويرى كثير من المراقبين أن لدى حزب الله شوطا طويلا قبل إقدام الجامعة العربية على إزالته تصنيفه كمنظمة إرهابية.

وعلى رأس تلك المطالب سلاحه الإيراني الذي يحكم فيه لبنان ويهيمن من خلاله على المشهد السياسي والأمني في البلاد وخاصة في مسألة الحرب والتدخل في الشؤون الخارجية لبعض الدول العربية.

ثانيا، ترفض أطراف عربية استمرار وجود حزب الله العسكري في سوريا المجاورة منذ عام 2012 حينما تدخل لمساندة قوات نظام بشار الأسد بأمر من المرشد الإيراني علي خامنئي لقمع الثورة التي اندلعت في مارس 2011، حيث يحتل اليوم مناطق سورية بعد تهجير سكانها منها.

كما أن تحالف دعم الشرعية في اليمن كثيرا ما دعا حزب الله اللبناني لوقف دعم مليشيا الحوثي هناك.

ووجه التحالف الذي تقوده الرياض سابقا اتهامات لحزب الله بمهاجمة السعودية انطلاقا من اليمن.

فقد عرض التحالف فيديو في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021  يدرب فيه أحد خبراء “حزب الله”، الحوثيين على تفخيخ الطائرات المسيرة، داخل أحد المقار بمطار صنعاء الدولي.

وجاء ذلك ضمن معلومات استخباراتية حصل عليها التحالف عبر الدائرة القريبة من الهرم القيادي للحوثيين، وفقا لما قاله المتحدث باسم التحالف حينها العميد تركي المالكي.

إلا أن حزب الله اللبناني وصف في 27 ديسمبر 2021 اتهامه بمساعدة الحوثيين على إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة تجاه المملكة من مطار صنعاء بـ"التافه".

وكثيرا ما رأت الخارجية السعودية أن المشكلة في لبنان تكمن "في استمرار هيمنة حزب الله على النظام السياسي" فيه.

وفي هذا الإطار، رأى الكاتب والمحلل السياسي وائل نجم، أن تواصل الجامعة العربية مع حزب الله "ربما هو انعكاس للتقارب السعودي الإيراني، والمصري الإيراني".

وأضاف نجم لـ "الاستقلال" قائلا: "وربما استشعار لخطورة المرحلة المقبلة وحاجة الدول العربية للحديث مع حزب الله، بدليل زيارة السفير زكي إلى لبنان ولقاء ممثل الحزب".

ويعتقد أن "حديث الجامعة العربية عن رفع حزب الله من قوائم الإرهاب ربما يكون من قبيل الرشوة لوقف التصعيد في الجبهة الجنوبية للبنان".