اتهامات بالتجسس والتهريب.. لماذا فرضت الجزائر التأشيرة على المغاربة؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

في وقت ينتظر فيه الشارع المغاربي تقريب المسافة وهدم فجوة الخلاف بين دوله، أعلنت الجزائر عن قرار جديد يعاكس هذه التطلعات.

وقررت الحكومة الجزائرية إعادة العمل الفوري بالإجراء الخاص بضرورة الحصول على تأشيرة الدخول لجميع المواطنين الأجانب الحاملين لجوازات سفر مغربية.

مراقبة صارمة

وأوضحت وزارة الخارجية الجزائرية، عبر بيان في 26 سبتمبر/أيلول 2024، أن "الجزائر التي لطالما التزمت بقيم التضامن والحفاظ على الروابط الإنسانية والعائلية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، تفادت، منذ إعلانها قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة عام 2021، المساس بحرية وسيولة تنقل الأشخاص".

وأضافت أن “النظام المغربي الذي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين، انخرط، وللأسف الشديد، في أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني، فقام بتنظيم، وعلى نطاق واسع، شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر”، بحسب قولها.

واسترسلت: "ناهيك عن التهريب والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس، فضلا على نشر عناصر استخباراتية صهيونية من حملة الجوازات المغربية للدخول بكل حرية للتراب الوطني".

ورأت الوزارة أن "هذه التصرفات تشكل تهديدا مباشرا لأمن البلاد وتفرض مراقبة صارمة للدخول والإقامة على التراب الوطني على مستوى جميع النقاط الحدودية".

يشار إلى أن القرار تم إعلانه عقب اجتماع المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، الذي يضم الرئيس عبد المجيد تبون وكبار القادة العسكريين ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية.

وكانت الجزائر قد أعلنت في 24 أغسطس/ آب 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما وصفته بـ"سياسات جارتها العدائية منذ الاستقلال".

وقبل قطع العلاقات، بقيت الحدود بين البلدين مغلقة منذ سنة 1994 بقرار من السلطات الجزائرية، وذلك ردا على قرار المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين، غير أن الرباط قامت بإلغاء هذا القرار سنة 2004.

ومطلع سبتمبر 2024، أعلنت النيابة العامة في تلمسان غرب الجزائر، توقيف عدة أشخاص، بينهم أربعة مغاربة، بتهمة الانتماء إلى "شبكة تجسس".

يأتي كل ذلك وسط نفي رسمي مغربي لهذه الاتهامات أو عدم الرد عليها.

قطع للأرحام

في قراءته للقرار، رأى رئيس الجمعية المغاربية للسلام والتعاون، الناشط الإعلامي والسياسي الجزائري المعارض، وليد كبير، أن "القرار غير موفّق من قبل النظام الجزائري الذي يجد نفسه في حالة انهزامية واضحة المعالم".

ورأى كبير لـ"الاستقلال" أن هذا القرار "يمسّ العائلات المغربية بدرجة كبيرة التي لها أقارب في الجزائر"، مبينا أن "هذا البلد ليس وجهة سياحية لدى المغاربة حتى يكون هناك ضرر شامل".

وشدد على أن "هذا خرق واضح لاتفاق مراكش، المتعلق بتشكيل اتحاد المغرب العربي (عام 1989)، والذي يهدف في إعلانه التأسيس إلى تمتين أواصر الإخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض، تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها..".

ولفت كبير إلى أن "من قام بصياغة البلاغ لا شك أنه يعلم مسؤولية الجزائر في قطع الأرحام بين العائلات المغربية والجزائرية".

ولفت إلى أن "الجميع يتمنى ألا يقدم المغرب على الخطوة نفسها ويفرض التأشيرة على الأجانب حاملي الجواز الجزائري، لأن نظام تبون يسعى إلى جر الرباط إلى المواجهة بعدما فشل سياسيا واقتصاديا"، وفق تعبيره.

من جانبه، يرى الناشط الجزائري، هشام عبود، أن "هذا القرار غير مبرر، ولا دليل على وجود شبكات تجسس إسرائيلية ذات جواز سفر مغربي في الجزائر"، مبينا أن "هذا دليل على انحلال القاعدة الأمنية للنظام الجزائري".

وأضاف عبود لموقع "هسبريس" المغربي في 26 سبتمبر 2024، أن هذا الأمر يدخل في إطار "عملية شاملة ضد المغرب، وهذا جزء صغير فقط منها، والأكبر هو تسخير العمل الاستخباراتي للدعاية ضد الرباط، خاصة على مستوى ملفي الريف والبوليساريو".

وتدعم الجزائر وتحتضن قيادة جبهة "البوليساريو" المطالبة بتقرير المصير لمنطقة إقليم الصحراء الغربية الواقعة جنوب المغرب، فيما يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا لحل النزاع القائم في المنطقة.

وشدد عبود على أن قرار سلطات بلاده "يدل على ضعف النظام، وأنه يحاول كبح الزيارات بين الشعبين بهدف تغطية الوضع الجزائري البئيس".

وخلص المعارض الجزائري إلى أن "رواية إدخال جواسيس إسرائيليين من قبل المغرب رواية جد مضحكة لا يمكن تصديقها، والكل يعرف طبيعة الوضع الاستخباراتي للجزائر، وما يحدث هو ضعف وإساءة كبيرة لهذه البلاد"، مبرزا أن "الهدف هو جر المغرب لفرض القرار نفسه".

تبرير جزائري

من جانبها، ترى صحيفة "الخبر" الجزائرية، أن لقرار وزارة الخارجية القاضي بفرض التأشيرة على حملة جوازات السفر المغربية “أسباب بعيدة، وتراكمات وجذور قادت البلاد إلى هذا القرار”.

وأضافت الصحيفة في 28 سبتمبر، أن "هذه التراكمات سرعت من وتيرة تدهور العلاقات بين البلدين، رغم أن الجزائر تحلت" بما وصفته بـ"سياسة ضبط النفس على مدار أشهر وسنوات ولم تتسرع في إشهار البطاقة الحمراء في وجه نظام المخزن (السلطة المغربية)"، وفق تعبيرها.

وأفادت بأن "للأزمة أيضا، كرونولوجيا تبدو عند ملاحظة مسارها، مرتبة ومدروسة وتصعيدية، حيث بدأت باستفزازات على مستوى محافل أممية، ثم تطورت مباشرة إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، والسماح لأحد رموزه بالتطاول على الجزائر من المغرب، وتتابعت الأحداث بإبرام المغرب مع الكيان الصهيوني، اتفاقيات أمنية وعسكرية واستخباراتية وتجارية".

وأشارت الصحيفة إلى أن "النخب الحاكمة في الجارة الغربية، دعمت جماعتين مدرجتين من قبل المجلس الأعلى للأمن في الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما حركتا رشاد وماك".

ولفتت الانتباه إلى أن "هذه التطورات، دفعت الجزائر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 24 أغسطس/آب 2021، وغلق الأجواء أمام الرحلات التي تضمنها الطائرات المغربية".

واسترسل: "بلغ الاستفزاز أوجه، لما استهدفت القوات المغربية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية، بقصف شاحناتهم أثناء قيامهم برحلات تجارية بين الجزائر وموريتانيا".

ونوهت الصحيفة إلى تصريحات مسؤولين من المغرب "تدعم الشعب القبائلي في تقرير مصيره"، كرد على دعوة الجزائر المتكررة إلى تسوية القضية الصحراوية".

ومن الأسباب أيضا لتوتر العلاقات بين الجزائر والرباط، تردف "الخبر"، "مشروع الرباط لتوسيع مباني وزارة الخارجية"، وشمل عقارات تابعة للجزائر، الأمر الذي عدته الجزائر فصلا جديدا من التصعيد و"انتهاكا صارخا لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول".

وقالت الصحيفة: "كل هذه التراكمات، أوصلت السلطات، إلى إعلان فرض التأشيرة على كل من يحمل جواز سفر مغربيا.

تجاهل رسمي

تجاهل المغرب الرسمي القرار الصادر عن الحكومة الجزائرية بفرض نظام التأشيرة، ولم يصدر تعليق من الرباط على ذلك.

وقال موقع "الزنقة 20" المغربي في 27 سبتمبر 2024، إنها "ليست هذه المرة الأولى التي تتجاهل فيها الرباط التعليق على قرارات صدرت عن الحكومة الجزائرية، ابتداء من قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، مرورا بقرار توقيف ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر الأراضي المغربية، ثم قرار إغلاق المجال الجوي أمام الطيران المغربي..".

واستبعد المصدر ذاته على لسان الخبير في مجال الدعاية السياسية والإعلام، أمين صوصي علوي، أن يتخذ المغرب قرارا يعامل الجزائر بالمثل ويفرض التأشيرة على الجزائريين، خاصة وأن المملكة مقبلة على استضافة أحداث قارية وعالمية من قبيل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

وبحسب علوي فإن "المغرب لن ينجر وراء هذا السعار الجزائري الذي يفضح النظام العسكري أمام العالم، ويبين بالملموس العدوانية التي يمارسها في حق بلد جار مسالم".

بدوره، تساءل الصحفي لحسن لعسيبي، عن الغاية من فرض السلطات الجزائرية التأشيرة على المواطنين المغاربة؟ ليجيب بالقول: "عقلي الصغير يقول لي أنهم يتمنون ردا مماثلا من السلطات المغربية، حتى تقلص من إمكانية توافد مواطنين جزائريين إلى كأس الأمم الإفريقية المقررة بالمغرب عام 2025".

وأضاف لعسيبي في تدوينة نشرها عبر حسابه على “فيسبوك” في 27 سبتمبر 2024، "ما تخشاه الجزائر ليس فقط حجم من سينتقل إلى المغرب من الداخل الجزائري، بل إسقاطات ذلك من حجم ما سيتم نقله عبر وسائط التواصل الاجتماعية حول حقيقة الواقع المغربي على مستوى الخدمات العمومية مقارنة بمثيلتها في الجزائر".

وأردف: “ما تخشاه الجزائر هو تلك المقارنات بالضبط، لأن ذلك سيهز جدار الكذب الذي تبنيه منذ شهور عبر مختلف وسائل إعلامها”.

وذكر لعسيبي أن المأمول هو "ألا تنجر السلطات المغربية إلى منطق ردود الفعل التي تتمناها السلطات الجزائرية التي تعاقب الشعبين الجزائري والمغربي بإجراءات بليدة"، وفق تعبيره.

وهذا ما ذهب إليه أيضا موقع “Atalayar” الإسباني في 27 سبتمبر 2024، والذي أشار إلى أن “هذا القرار يأتي في إطار محاولة الجزائر لتقليل عدد الجزائريين الذين سيحضرون مباريات كأس أمم إفريقيا 2025، والتي من المقرر أن تستضيفها المملكة”.

وأوضح أن “الجزائر تأمل في أن يتبنى المغرب سياسة المعاملة بالمثل، ويفرض إجراءات مماثلة على المواطنين الجزائريين، مما قد يحد من حضورهم للفعاليات الرياضية في المغرب”.

وأردف الموقع أن “القرار يأتي في ظل مخاوف النظام الجزائري من أن يكشف حضور الجزائريين للمغرب عن الفوارق الكبيرة في التنمية والبنية التحتية بين البلدين، خاصة مع التقدم الملحوظ الذي أحرزه المغرب في السنوات الأخيرة، بما في ذلك استضافة كأس العالم 2030 بالتعاون مع إسبانيا والبرتغال”.

النظر للمستقبل

في مقابل الأصوات المحرضة على كل طرف من الجانبين، أكد أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط، طارق ليساوي، أن "الخلاف ينبغي إدارته بالحوار الجاد والمكاشفة بين البلدين والنظامين، وأن يتم ذلك في الغرف المغلقة وعلى أيدي عقلاء وحكماء الجانبين".

وشدد ليساوي في مقال رأي تفاعلي مع قرار الخارجية الجزائرية نشره عبر موقع “رأي اليوم” في 27 سبتمبر 2024، أن "تهييج الغوغاء وإطلاق الذباب الإلكتروني ليسب كل طرف الآخر يضر بمصلحة الجانبين، ويهدم أكثر مما يبني".

ورأى أن "مصلحة الشعبين تقتضي تجاوز هذه الخلافات الشكلية، والسعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل، وتغليب جانب التعاون والتكامل بدلا من الخصام والتصادم، وتجاوز الخلافات البينية ولو لحين، وتغليب المصالح الاقتصادية والتجارية على المصالح الجيو-إستراتيجية".

من جانب آخر، عبر ليساوي عن اتفاقه مع تخوف الجزائر من الكيان الصهيوني، مشددا على أن هذا الموقف "عبر عنه غالبية الشعب المغربي منذ لحظة التوقيع على اتفاق التطبيع مع الكيان السرطاني، ولذلك، ومهما طال الوقت، فالتطبيع إلى زوال".

وذكر أن "مصلحة البلدين الجارين والشعبين الشقيقين تقتضي حتما التعاون والتكامل، أما أي وصفة أخرى فمجرد تجديف عكس التيار، وأنا أوجه كلامي إلى العقول المتنورة في كلا البلدين، والتي ينبغي أن تدرك أن سفينة النجاة واحدة ولن تكون إلا بالتكتل الإقليمي وخلق دورة تنمية إقليمية، فلست متحيزا إلى بلدي المغرب ولست متحاملا على الجزائر".

وقال ليساوي إن كلامه هذا “لا ينطلق من أساس عاطفي، بل من مؤشرات كمية ونوعية، وتجارب الدولية، تؤكد فعالية التكتلات الإقليمية، ودورها في التنمية الاقتصادية، وإيجاد مناطق آمنة وجاذبة للاستثمارات وللكفاءات”.

وخلص إلى أن "طريق الوحدة ليس بالسهل والمتاح، غير أن تغليب المصالح الوطنية والإقليمية، على الأحقاد والخلافات الشخصية، كفيل بتحقيق حلم مغاربي يراود شعوب الإقليم، ولو تحقق، لتغير وجه المنطقة ولأصبحت من أكثر مناطق العالم جذبا للاستثمار وللكفاءات…".