"خبرة تنظيمية".. هكذا استقبل الشمال السوري الفارين من حرب لبنان

a month ago

12

طباعة

مشاركة

راكمت المنظمات الإنسانية السورية التي نشأت عقب الثورة عام 2011 خبرة "تنظيمية عالية" في التعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية وإعادة تنظيم حياة النازحين الفارين من جحيم الموت.

وفي أحدث اختبار لهذه المنظمات عقب الزلزال المدمر عام 2023، استجابت المنظمات الإغاثية العاملة في شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد لنداءات اللاجئين السوريين الفارين من القصف الإسرائيلي على لبنان.

وجاءت هذه الاستجابة عبر تأمين مراكز إيواء وسكن وتقديم الاحتياجات اللازمة لهم، في وقت يشن الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على لبنان بسبب مساندة حزب الله لغزة.

"رحلة شاقة"

فقد قطعت مجموعات كبيرة من هؤلاء اللاجئين السوريين في لبنان رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر قبل بلوغ مناطق المعارضة لبدء حياة جديدة.

وفور بدء دخول اللاجئين من الحدود اللبنانية إلى الأراضي السورية، فعّلت المنظمات الإغاثية خطط الاستجابة السريعة لإيواء هؤلاء وتقديم الدعم الإنساني لهم.

وفر اللاجئون السوريون مع عشرات الآلاف من اللبنانيين من منازلهم بالقرى اللبنانية في 23 سبتمبر/أيلول 2024 بعد أن قتلت الغارات الإسرائيلية 558 شخصا في لبنان خلال يوم واحد.

إذ بدأت أعداد الفارين تتزايد يوما بعد يوم مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وإعلان الجيش الإسرائيلي إنذارات إخلاء لقرى وبلدات بشكل كامل لا سيما في الجنوب اللبناني.

وبحسب تقديرات وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، فإن أكثر من 311 ألف سوري غادروا لبنان إلى سوريا من 23 سبتمبر 2024 حتى 10 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ توقف لبنان عن استقبالهم رسميا عام 2015 بعدما بدأ السوريون يفرون من بطش الأجهزة الأمنية لنظام بشار الأسد عام 2011 إبان اندلاع الثورة.

ودخل هؤلاء بشكل رسمي عبر المعابر الحدودية بين البلدين، وقد توجه القسم الأكبر منهم نحو مناطق المعارضة السورية، فيما قصد البعض مناطق الأسد والآخر مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بأعداد أقل.

كما توجهت قرابة 2220 عائلة إلى محافظة درعا جنوب سوريا، أي ما يعادل 10650 شخصا توزعوا على 64 منطقة وقرية ومدينة، معظمهم من أهالي المحافظة.

واستغرق وصول اللاجئين من لبنان إلى الشمال السوري نحو ثلاثة أيام، بسبب الحدود الداخلية وتقسيمات مناطق النفوذ في البلاد، فضلا عن قلة المواصلات والإجراءات الأمنية قبل وصولهم إلى المناطق المحررة.

وقد وصل هؤلاء اللاجئون الراغبون في الوصول إلى مناطق المعارضة إلى معبر "عون الدادات" الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بريف جرابلس شرقي حلب.

وفي معبر "عون الدادات"، كانت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إلى جانب عدد من المنظمات الإغاثية والفرق التطوعية، في انتظار هؤلاء اللاجئين لمساعدتهم.

وجرى تقديم المساعدات العاجلة والرعاية الصحية لهم ونقل بعضهم إلى مراكز الإيواء.

ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري)، 5 ملايين نازح، تدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن الدولي.

ويعيش أغلب هؤلاء في مخيمات تنتشر بريف إدلب وحلب، تتألف من خيم قماشية أو في منازل بدائية مبنية من الألواح الخشبية أو الكرفانات (البيوت المؤقتة).

وقد ظهرت الآثار السلبية على سكان تلك المخيمات من ناحية نقص المواد الغذائية التي يتلقونها أو تراجع الخدمات بشكل جلي منذ انخفاض نسبة الدعم الدولي للمنظمات العاملة شمالي غرب سوريا إلى أكثر من 90 بالمئة وفق التقديرات منذ يناير/كانون الثاني 2024.

وأكد "رائد الصالح" رئيس منظمة الدفاع المدني السوري المعارضة الملقبة بـ"الخوذ البيضاء"، استقبال فرقهم خلال يوم 3 أكتوبر 2024 عبر معبر "عون الدادات"، نحو 1700 مدني من عوائل سورية قادمة من لبنان.

وهرب هؤلاء من ظروف الحرب وبحثا عن الحياة في مناطق شمال غربي سوريا التي لا تزال ترزح تحت وطأة حرب النظام وروسيا والمليشيات الداعمة لهم وهجماتهم المستمرة على المدنيين.

وشدد الصالح في منشور له على حسابه في منصة "إكس" على أن "فرق الإسعاف والطوارئ كانت على جاهزية تامة، وقدّمت المساعدة للعوائل، وخدمات الإسعافات الأولية للمرضى والمصابين بحالات إرهاق وحالات صحية طارئة منهم، ونقلت  للمشافي بعض الحالات لمتابعة العلاج".

وأشار الصالح إلى أن "مأساة السوريين في الظلم والقتل والتهجير والاعتقال سببها النظام وروسيا والمليشيات الداعمة لهم، ولا حل لهذه المأساة إلا بالعدالة ومحاسبة المجرمين، وإيقاف هجماتهم الإجرامية على الأبرياء".

بدوره دعا فريق "منسقو استجابة سوريا" العامل في الشمال السوري، المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى "التحرك بشكل فوري للاستجابة لاحتياجات القادمين إلى المنطقة، والعمل على الاستعداد لاحتمالية تزايد أعداد اللاجئين أو النازحين في المنطقة".

وطالب "منسقو الاستجابة" في 8 أكتوبر 2024، الجهات الإنسانية الدولية بـ"العمل على زيادة الدعم الإنساني في المنطقة، خاصة في ظل التراجع الكبير للمشاريع الإنسانية نتيجة انخفاض التمويل الدولي"، لا سيما أن المنطقة مقبلة على فصل الشتاء، وبالتالي ارتفاع الاحتياجات الإنسانية بشكل ملحوظ في المنطقة.

"قدرات تنظيمية"

أمام ذلك، رحب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة بالعائلات السورية التي وصلت إلى المناطق المحررة من لبنان، مطالبا منظمات المجتمع المدني بتوجيه المساعدات الإنسانية المتاحة لتخفيف معاناتهم.

وطالب في 4 أكتوبر 2024، الدول المانحة بتقديم مساعدات إنسانية وإغاثية طارئة للمناطق المحررة، في ضوء تدفق آلاف العائلات السورية الهاربة من لبنان إلى الشمال السوري.

وفي تصريحاته، أشار البحرة إلى أن المناطق المحررة استقبلت آلاف العائلات العائدة من لبنان، في ظل تصاعد الهجمات العسكرية العدائية على المدنيين، فضلا عن السياسات التمييزية التي تتبعها الحكومة اللبنانية.

كما نوه إلى أن البلديات في لبنان منعت تأمين المأوى والمعونات الإنسانية للاجئين السوريين، مما دفع العديد من العائلات إلى مغادرة عدة مناطق لبنانية.

وأثبتت المنظمات العاملة في شمال غربي سوريا أن “لديها قدرات تنظيمية عالية في ترتيب شؤون اللاجئين العائدين إلى وطنهم  من لبنان”، كما يقول الناشط السوري أحمد هارون.

وأضاف هارون لـ “الاستقلال” أن "الإجراءات التنظيمية كانت حاضرة عبر منح العائدين قيدا مدنيا من أجل تنسيق أعداد الوافدين لمتابعة حياتهم ومنحهم المساعدات بشكل أكثر سلاسة".

وأرجع سهولة ذلك إلى الخبرات التراكمية لدى الإدارات المحلية في الشمال السوري على مدار عقد من الزمن.

وأردف: “كان لافتا نشر المنظمات الإغاثية فرقها لتقديم المساعدات للوافدين إلى المناطق المحررة ما يؤكد على آلية سرعة الاستجابة التي تتمتع بها”.

وذكر أن العاملين في المنظمات المذكورة يتلقون دورات تأهيلية وتدريبية مستمرة في الدعم الاجتماعي والنفسي وكيفية التعامل مع الأزمات.

وأشار هارون إلى أن “الإجراء الأول مع هؤلاء الوافدين جرى التعامل معها من ناحية استقبالهم، وتاليا سيكون هناك مرحلة تحفيز للمنظمات الدولية لزيادة الدعم إلى مناطق الشمال السوري”. 

وخاصة أن "هناك نحو مليوني مهجر داخلي في الخيام بحاجة دائمة للمساعدات الدولية كون هذه الأعداد ستضاعف الضغوطات المعيشية وسط ضعف الإمكانات الخدمية مما سيزيد من الأعباء في ظل نقص الدعم الدولي الذي تراجع في الفترة الأخيرة".

وألمح هارون، إلى "أن بعض العائدين من توجه إلى أقارب له والبعض جرى فرزهم إلى مراكز إيواء مؤقتة تحت إشراف المنظمات الإغاثية المحلية".

وختم بالقول: "إحدى صور الاستجابة السريعة تتمثل بتجهيز إحدى المنظمات العاملة في ريف حلب الشرقي على الفور مركز إيواء لاستقبال هؤلاء السوريين".

"التهجير الثاني"

وضمن محاولات المنظمات العاملة في الشمال السوري لدعم العائدين من لبنان، أشار سارية بيطار من "مجموعة هذه حياتي التطوعية" إلى أن “الوضع الإنساني دون الكارثي بقليل هناك”.

وخاصة مع شح الدعم الدولي خلال العام الأخير وتقليص عمليات التمويل بسبب توسع رقعة الصراعات في المنطقة.

وأضاف بيطار خلال تصريح تلفزيوني في 10 أكتوبر 2024 أن "هناك اعتمادا على منصات التمويل الإنساني التي تتبع لكل مؤسسة على حدة، وتطلق المناشدات وتعمل على جمع المساعدات للمهجرين السوريين من لبنان".

ونوه أن “هناك توجها لتنظيم شؤون هؤلاء العائدين من لبنان الذين يواجهون التهجير الثاني، عبر توفير مساكن كريمة لهم وليس فقط خياما مؤقتة”.

وخاصة أن بعض المواقع التي استقر فيها هؤلاء غير مخدومة من دورات مياه وغيره ولا تتوافر فيها المياه الصالحة للشرب بشكل دائم، وفق قوله.

ورغم ذلك، هناك تخوف لدى كثير من الشباب السوري من العودة إلى البلاد لكون جميع المعابر مع لبنان خاضعة لرقابة المخابرات السورية.

إذ يفضل كبار السن اصطحاب عائلاتهم من النساء والأطفال إلى سوريا دون الشباب خشية تعرضهم لمضايقات أمنية أو الاعتقال أو السحب إلى الخدمة الإلزامية.

ومع ذلك، فقد أكدت مصادر أهلية ومحلية، أن الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت لاجئين سوريين، عادوا أخيرا من لبنان، ضمن موجة النزوح الحالية إلى سوريا.

ونقلت شبكة "السويداء 24" المحلية عن مصادر، قولها في 10 أكتوبر 2024 أن الأجهزة الأمنية اعتقلت أربعة أشخاص منحدرين من محافظة السويداء جنوبي البلاد، بعد عودتهم من لبنان، بحادثتين منفصلتين مطلع الشهر المذكور.

وأشارت المصادر إلى أن ثلاثة من المعتقلين متخلفون عن الخدمة العسكرية، وأوقفهم حاجز للمخابرات العسكرية في منطقة الجديدة بريف دمشق، بينما من المرجح اعتقال الرابع لمشاركته سابقا بالمظاهرات المناهضة لحكومة دمشق في السويداء.

وفي السياق، أكد قريب شاب ينحدر من درعا عاد حديثا من لبنان إلى سوريا، اعتقاله من قبل القوات الحكومية عند معبر "جديدة يابوس"، مشيرا إلى أنه سلم نفسه معتقداً شموله بالعفو الأخير عن المنشقين.

وقد طالب رئيس "الائتلاف السوري" المعارض هادي البحرة، في 4 أكتوبر 2024، مفوضية اللاجئين بتوفير الحماية الدولية بشكل عاجل للاجئين السوريين الذين فروا من لبنان إلى مناطق سيطرة النظام.

وقال البحرة في إفادة صحفية إن الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت عددا من العائدين اضطراريا خلال سبتمبر 2024، مشددا على أن هذه الانتهاكات تؤكد أن سوريا "غير آمنة" وأنه يتوجب عدم ترك السوريين بين خيارين يهددان حياتهم.

وكان وزير الشؤون الاجتماعية بحكومة تصريف الأعمال اللبنانية، هكتور حجار، قال في 10 أكتوبر 2024، إن الحرب في بيروت، ربما تكون "فرصة" للتغيير في آلية عودة السوريين إلى بلادهم، وفي نمط المبادرات الدولية لحل مسألة اللاجئين في لبنان.

وكشف حجار عن أنه قدم مقترحا لبناء مخيم كبير على الحدود السورية- اللبنانية، لإيواء النازحين السوريين من مناطق الجنوب اللبناني، الذين يقدر عددهم بنحو 200 ألف شخص، لكن الرد كان بأن تشييد المخيم يحتاج إلى ثلاثة أشهر.