"خارطة تعقب".. إلى أين فر كبار ضباط بشار الأسد المتورطين بالدم السوري؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ما تزال عملية تعقب كبار ضباط نظام بشار الأسد الذين أجرموا بحق الشعب السوري، قائمة وسط اختفاء هؤلاء جميعا منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

ولم تعلن إدارة العمليات العسكرية التي قادت عبر اتحاد لفصائل المعارضة السورية عملية إسقاط الأسد، عن القبض عن أي من الضباط الكبار المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا لقمع الثورة التي اندلعت في مارس/ آذار 2011.

مطاردة بالأسماء

ويؤكد خبراء عسكريون أن بعض ضباط نظام الأسد البائد تمكنوا من الفرار إلى دول مجاورة أو الاختباء في جبال الساحل السوري أو في مدنهم الأصلية.

وقد عمد كثير من الضباط إلى الفرار بجلدهم وترك عوائلهم خلفهم دون التمكن من تأمينهم حتى.

ويرجع ذلك، لهروب بشار الأسد فجر 8 ديسمبر من القصر الجمهوري بطائرة مروحية إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية ونقله بطائرة شحن عسكرية إلى العاصمة موسكو.

وهروب الأسد مع تقدم فصائل المعارضة نحو دمشق، ترك ضباطه مشتتين وسط اتباع كل منهم طريقا مختلفة للهروب إما إلى خارج البلاد أو الاختباء في أماكن مجهولة.

وكان مطار دمشق الدولي من أقل الوجهات التي اختارها الضباط الكبار للهرب، باستثناء طائرة واحدة تمكن من خلالها قادة كبار من الهروب، وهم وزير دفاع النظام السابق علي عباس وقائد القوات الجوية اللواء توفيق خضور ومدير المخابرات الجوية قحطان خليل والعميد بسام دكنجي.

 وقد فر هؤلاء قبل وصول فصائل المعارضة إلى مطار دمشق في الساعات الأولى من يوم 8 ديسمبر بطائرة "ياك" إلى مطار بنغازي بليبيا، بحسب ما قال "عمر قناة" نائب قائد اللواء الـ29 جوي المسؤول عن مطار دمشق لقناة الجزيرة القطرية.

وأضاف "قناة" أن طائرة من نوع يوشن 76 أقلعت من مطار دمشق في الساعة الرابعة فجرا إلى مطار اللاذقية وفيها عدد من الضباط وعوائلهم.

وبحسب مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، فإنه في حوالي الساعة الرابعة صباحا من يوم 8 ديسمبر، هبطت طائرة تابعة لشركة أجنحة الشام السورية في بنغازي وعلى متنها مجموعة من الضباط السوريين، وذلك بعدما انتظروا لمدة ساعة في الأجواء قبل الحصول على إذن بالهبوط.

وقد فوجئ اللواء المتمرد في شرق ليبيا خليفة حفتر، بالنهاية السريعة للنظام البعثي في ​​سوريا، الذي أقام مع الأسد علاقات وثيقة لسنوات واعتمدا معا على حليفهما المشترك روسيا.

فقد أقام الجانبان في السنوات الأخيرة علاقات تجارية وثيقة بلغت ذروتها حين زار شقيق بشار الأصغر ماهر الأسد صدام حفتر سرا في سبتمبر/ أيلول 2022.

وتُوج التعاون بين عائلتي الأسد وحفتر باتفاق في عام 2020 لتدريب طياري الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر في سوريا، حينها كان الأخير يقود هجومه ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس. 

لكن البرنامج أعاقته وفاة طيار من الجيش الوطني الليبي عن طريق الخطأ في ديسمبر 2022، عندما تحطمت طائرته في مطار كويرس العسكري بريف حلب.

واتخذ ضباط كبار في نظام بشار الأسد قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية، كنقطة "تجمع آمنة" لنقلهم إلى الخارج على دفعات عبر طائرات روسية.

وقد تأكد ذلك، حينما كشف مسؤول أمني سوري لوكالة رويترز، في 13 ديسمبر أن طائرة شحن روسية غادرت قاعدة حميميم الجوية الروسية في مدينة اللاذقية السورية الساحلية، متجهة إلى ليبيا.

ويتصدر قائمة المطلوبين في سوريا الآن بعد رأس النظام بشار الأسد المقيم في موسكو، شقيقه ماهر (57 عاما)، وهو قائد "الفرقة الرابعة – مدرعات" أحد مكونات جيش النظام، حيث كان ضباطها في طليعة المنفذين لعمليات قتل المتظاهرين وتنفيذ مجازر بشعة خلال اقتحام المدن السورية لوأد الثورة.

طرق الهروب

بحسب المعطيات الصحفية، فإن ماهر الأسد تمكن من الفرار وحده إلى العراق عبر مهربين.

 أما المستشار الأمني للأسد، رئيس "مكتب الأمن الوطني" سابقا، اللواء علي مملوك، وهو على قائمة المطلوبين للعدالة، فقد قيل في البداية إنه دخل إلى لبنان وبات يتمتع بحماية حزب الله.

بينما ذكرت قناة "العربية" السعودية أن علي مملوك الذي يوصف بـ"الصندوق الأسود للأسد" موجود إلى جانب ماهر الأسد في منطقة جبل قنديل على الحدود العراقية الإيرانية.

وكانت نقلت الوكالة الوطنية اللبنانية للأنباء عن وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي قوله إن "علي مملوك غير موجود في لبنان، ولم يدخله، وفي حال دخوله، فسيتم توقيفه".

وأضاف مولوي: "لقد عُمِمت صوره (مملوك) في مطار رفيق الحريري الدولي في حال حاول المرور بأوراق مزورة".

ويرجح خبراء عسكريون سوريون أن كثيرا من ضباط نظام الأسد لديهم جوازات سفر سورية دبلوماسية بأسماء مستعارة، وأنهم استخدموها في الساعات الأولى لسقوط الأسد في الهرب إلى الدول المجاورة ومنها إلى دول أخرى.

ونقلت وكالة أنباء أسوشيتد برس عن مسؤولين أمنيين لبنانيين ومسؤول قضائي، دخول نحو 8 آلاف مواطن سوري إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي في الأيام الأخيرة.

 مؤكدين كذلك أن نحو 5 آلاف سوري غادروا لبنان عبر مطار بيروت الدولي. 

 إلا أن عملية دخول الضباط إلى لبنان كان إما عبر معابر غير شرعية أو باستخدام وثائق سفر بأسماء مزورة.

وبحسب مصدر عسكري في المعارضة السورية، فإن العميد ياسين ضاحي رئيس "فرع فلسطين" بدمشق التابع للمخابرات العسكرية، موجود في الإمارات.

إلى جانب نواف راغب البشير قائد مليشيا محلية تحت اسم "أسود العشائر" التي تشكلت بدعم إيران، إضافة إلى حسام قاطرجي أبرز "أمراء الحرب" الداعمين لعائلة الأسد ويمتلك مليشيا محلية تحت اسم القاطرجي.

ومنذ سنوات، يذكر فرع فلسطين الذي تم تأسيسه عام 1969 كأبرز معتقلات نظام الأسدين الأب والابن التي شهدت على حصول انتهاكات بالجملة ضد المعتقلين، فضلا عن عمليات التعذيب اليومية التي تحصل بحقهم، وتنتهي في غالبيتها بالموت.

أيضا، يرجح أن عددا من ضباط نظام الأسد خرجوا مع عملية إجلاء عناصر مليشيات إيرانية من قاعدة حميميم بمساعدة روسية في 10 ديسمبر 2024 بعد طلب طهران ذلك.

وقد اعترف الرئيس الروسي فلادمير بوتين في 19 ديسمبر أن الجيش الروسي "أخرج أربعة آلاف مقاتل إيراني" من سوريا، بناء على طلب طهران في 10 ديسمبر 2024.

ملاحقة ومحاسبة

ولا شك أن ملاحقة الضباط في نظام الأسد البائد المتورطين بدم الشعب السوري تعد من أولويات القيادة الجديدة في سوريا.

وقد أعلن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد “إدارة العمليات العسكرية"، أن الحكومة الانتقالية ستنشر قريبا "قائمة أولى بأسماء كبار المتورطين بتعذيب الشعب السوري" لملاحقتهم ومحاسبتهم.

وقال الشرع: "لقد أكدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية"، مؤكّدا أن "دماء وحقوق" القتلى والمعتقلين الأبرياء "لن تُهدر أو تنسى".

وتعهد بتقديم مرتكبي مثل هذه الانتهاكات إلى العدالة، مضيفا بالقول: "سنلاحقهم في بلادنا"، كما أشار إلى أنه سيتم الطلب أيضا من الدول الأجنبية بتسليم أي مشتبه بهم.

وتمتلك منظمات حقوقية سورية أسماء الضباط في نظام الأسد البائد الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لقمع الثورة، مع توثيق حالات القتل وأماكن ارتكابها وتاريخها.

كما وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية تضم 4 آلاف من مرتكبي جرائم الحرب والجرائم الخطيرة في سوريا، معربين عن أملهم في ضمان المحاسبة على أعلى المستويات، مع سقوط نظام المخلوع، بشار الأسد.

وقالت منسقة أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، لينيا أرفيدسون في 13 ديسمبر 2024 إنه "من المهم جدا إحالة مرتكبي الجرائم على أعلى المستويات إلى القضاء"، وفق ما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية.

وبعد سقوط الأسد، فتحت الحكومة الانتقالية التي تولت إدارة السلطة في سوريا مراكز في المدن السورية بغية "تسوية" أوضاع عناصر الجيش والشرطة والمخابرات كل في مدينته، والتحقق لاحقا من تورط هؤلاء في قتل وتعذيب الشعب السوري عقب اندلاع الثورة.