إسرائيل بديل إقليمي.. لهذا تصر أميركا على تطبيع السعودية وتغرقها بالسلاح

12

طباعة

مشاركة

في تراجع عن سياسة استمرت ثلاث سنوات للضغط على السعودية لإنهاء حرب اليمن، أكدت وزارة الخارجية الأميركية في 9 أغسطس/آب 2024 أن إدارة جو بايدن قررت رفع حظر مبيعات الأسلحة الهجومية للرياض.

أسباب كثيرة ذُكرت حول أسباب عودة تدفق الأسلحة الأميركية للسعودية، مثل المخاوف من لجوء المملكة لشراء السلاح من روسيا والصين.

أو رغبة واشنطن في تحصيل ديون سابقة على السعودية تقدر بـ15 مليون دولار مقابل المساعدات الأميركية خلال حرب اليمن، رغم أن ثروة العائلة المالكة السعودية أكثر من 1.4 تريليون دولار، وفق تقرير لموقع "إنترسيبت" في 12 أغسطس 2024.

لكن السبب الأبرز الذي يرجحه خبراء بشأن عودة تدفق الأسلحة الأميركية للسعودية، هو أنها جزء من المعاهدة الأمنية بين البلدين، والتي سلطت مجلة "فورين أفيرز" الضوء عليها في 2 أغسطس، مشيرة إلى أن "مسألة التطبيع مع إسرائيل، جزء منها".

وترغب واشنطن منذ تولي بايدن الرئاسة عام 2020، في الانسحاب من المنطقة العربية والتركيز على الصين وأوروبا (أوكرانيا).

وفي سبيل ذلك، تفكر في ترك قيادة المنطقة لإسرائيل كبديل لإقليمي، وهو ما لا يمكن إتمامه إلا بإستراتيجية تطبيع واسعة، عمادها التطبيع السعودي الإسرائيلي.

البديل الإقليمي

ورغم أن فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب كانت ذهبية للسعودية والأنظمة القمعية في مصر وغيرها، إلا أن تخلي ترامب عن المملكة ومعاهدة الدفاع التاريخية التقليدية عنها في 18 سبتمبر/ أيلول 2019، خلال حرب اليمن شكل معضلة لأميركا لاحقا.

إدارة بايدن حاولت تلافي آثار ترك ترامب المملكة وحيدة في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، وسحب صواريخ باتريوت من المملكة، لكن تداعيات أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي عرقلت ذلك.

ومع تصاعد نفوذ إيران وحلفائها، والقلق على أمن إسرائيل، عادت إدارة بايدن لتطرح خطط تشكيل تحالف عربي إسرائيلي أو "ناتو" عربي، وهو تحالف لا يمكن أن ينجح دون انخراط المملكة في التطبيع.

وكانت الخطة شبه جاهزة وإعلان إقامة علاقات سعودية إسرائيلية يجرى طبخها على قدم وساق، وقدمت السعودية المبررات له بمزاعم أنها ستحصل بالمقابل على "تعهد" إسرائيلي بالنظر في مسألة الدولة الفلسطينية، لكن  في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 جاء "طوفان الأقصى" ليمحو كل شيء.

ومع أن صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أكدت في 14 أغسطس 2024 أن ولي العهد محمد بن سلمان متمسك بالتطبيع، حتى إنه يخشى أن يتم اغتياله بعدما ينتهي من صفقة التطبيع، تماما كما حدث مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

وتأكيد "بوليتيكو" أن خطة التطبيع السرية مع إسرائيل تتضمن معاهدة بـ"التزامات أميركية متعددة تجاه السعوديين، وضمانات أمنية، والمساعدة في برنامج نووي مدني، والاستثمار الاقتصادي في مجالات مثل التكنولوجيا".

إلا أن هناك رغبة أميركية متزايدة لإنجاز هذا التحالف التطبيعي بين إسرائيل والسعودية، الذي ترى واشنطن أنه أهم من كل صفقات التطبيع السابقة مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

المحلل السياسي الإسرائيلي، ألون بن دافيد، لخص عبر صحيفة "معاريف" في 16 أغسطس 2024 هذه الأهمية بقوله إن "القرار الأميركي بإزالة حظر السلاح عن السعودية هو إشارة مهمة لنا بأن الطريق إلى التطبيع مع الدولة العربية الأكثر أهمية لا يزال مفتوحا".

ولفت إلى أن "التطبيع مع السعودية ربما يعيد تموضعنا كرواد ائتلاف إقليمي، بدعم أميركي، ضد العدو الإيراني".

مظلة حماية

وحرص واشنطن على هذا التطبيع السعودي الإسرائيلي يرجع إلى تصور ترى فيه إسرائيل هي "البديل الإقليمي" والذي تتوقع أن تملأ فراغها حين يتحول اهتمامها إلى مناطق أخرى.

وهو ما يعني أن مسألة بحث السعودية عن مظلة حماية أميركية مرتبطة بمشروع التطبيع مع إسرائيل.

وتنظر واشنطن للأمر على أن "إسرائيل هي التي ستحمي نظام الحكم في المملكة بصفتها وكيلة لها، في حين تنظر الرياض بقلق لذلك بعدما مرغت حركة حماس أنف الدولة الصهيونية في التراب وكشفت عوراتها الأمنية في طوفان الأقصى".

مع هذا تشير دراسات أميركية إلى أن "خطط انسحاب واشنطن من الشرق الأوسط، عرقلها طوفان الأقصى على دولة الاحتلال، حيث أظهر هشاشتها وعرى ضعفها أمام الدول العربية التي يفترض أن تقودها إسرائيل كبديل إقليمي لأميركا".

كما أن هناك مخاوف أميركية بدأت تظهر بسبب سعي الصين وروسيا وإيران لملء الفراغ الناشئ عن الانسحاب الأميركي من المنطقة، وهو ما يظهر في دول عربية ودول الساحل الإفريقي حاليا.

ورغم ترتيب واشنطن أن تكون إسرائيل هي خليفتها والبديل الإقليمي الذي تتوقع أن يملأ فراغها في المنطقة العربية، يرى المحلل الإسرائيلي ألون بينكاس أن الكيان “يعتقد أنه قوي ليقوم بهذا الدور”.

وأضاف بينكاس في مقاله المنشور في صحيفة "هآرتس" في 16 أغسطس 2024 “لكن الحقيقة أن تل أبيب لم تكن قط معتمدة على الولايات المتحدة إلى هذا الحد، كما هو الحال حاليا”.

وهو ما يثير شكوكا في قيامها بهذا الدور فضلا عن قبول أطراف عربية بقيادة إسرائيل للمنطقة ضمن ناتو عربي أو أي صيغة.

ولفت بينكاس إلى أن “واشنطن أرسلت ثلاث مرات قوات كبيرة إلى الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل ضد إيران ووكلائها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية الضخمة”.

وعد هذا "مفارقة" لأنه “في ظل حكم بنيامين نتنياهو، كلما شعرت إسرائيل بالقوة، زاد اعتمادها على أميركا!”.

ويعتقد 57 بالمئة من الإسرائيليين أن بلادهم بإمكانها مواجهة هجوم متعدد الجبهات إذا شاركت الولايات المتحدة في الدفاع عنها، بينما رأى 29 بالمئة أن بإمكان إسرائيل مواجهة هجوم بقواها الذاتية، وفقا لاستطلاع نشرته صحيفة "معاريف" في 16 أغسطس 2024.

ناتو عربي

بدأ الحديث عن "ناتو عربي إسرائيلي" عام 2022، وتحديدا في 24 يونيو أشار له ملك الأردن، عبدالله الثاني، بقوله لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، إنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري بالشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقبل اهتمام إدارة بايدن بالتحالف العسكري الإقليمي العربي الإسرائيلي أعلن ترامب أنه سيتم إنشاء "تحالف إستراتيجي للشرق الأوسط"، سرعان ما أطلق عليه المراقبون اسم "الناتو العربي"، وفق وكالة "رويترز" في 18 يونيو 2018.

وكان الهدف المعلن من هذا التحالف المعلن، وقتئذ، هو "حماية المنطقة من التهديد المزدوج للتوسع الإيراني الشيعي والجهادية السنية، بقيادة واشنطن".

لكن هذا الاقتراح لم يتقدم قيد أنملة، شأنه شأن الاقتراحات الأخرى قبله.

وبعد هجوم طهران على إسرائيل ومساهمة عدة دول بالتصدي للطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت من الأراضي الإيرانية، تجدد النقاش بشأن فكرة إنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار “الناتو”.

ورغم تمسك السعودية بالتحالف القديم مع الولايات المتحدة، بصفتها القوة العالمية الأكثر قدرة على حماية نظام الحكم فيها، وتعده أحد شروط قبولها التطبيع، إلا أن الخطط الأميركية تختلف عن ذلك تماما، حسبما تشير تقارير غربية.

تقارير أميركية تحدثت عن أن واشنطن تستعد منذ فترة للانسحاب من الشرق الأوسط لانشغالها بمناطق أكثر أهمية سياسيا وعسكريا وإستراتيجيا، مثل منطقة بحر الصين، وشرق أوروبا حيث الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

"إستراتيجية الأمن القومي" التي أصدرتها إدارة الرئيس جو بايدن في 12 أكتوبر 2022 كانت واضحة في ذلك، أي الانسحاب من الشرق الأوسط لمجابهة مخاطر أكبر في أوروبا والصين.

وقبله أكد هذا الرئيس السابق ترامب قبل أن يغادر السلطة بحديثه في 9 أكتوبر 2019 عن ضرورة انسحاب بلاده من الشرق الأوسط، وتأكيده أن توغل بلاده فيها “كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة”، ولو فاز قد يعيد التأكيد عليه.

وخلال زيارته للسعودية يونيو/حزيران 2022، أشارت تقارير أميركية وإسرائيلية إلى أن هدف الزيارة نقل بايدن مهمة حماية إسرائيل لأنظمة التطبيع العربية، حسبما أوضح تقرير سابق لـ"الاستقلال".

وكان لهذه الجولة هدف أكبر هو وضع أسس قيادة إسرائيل للمنطقة العربية عبر ترتيبات أمنية واقتصادية وسياسية ظهرت معالمها في اتفاقات التطبيع وتسويق مصر للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر معامل تسييلها، وتعاون "عسكري" أخطر. 

وخلال مرحلة التحضيرات الأميركية لمواجهة رد إيران العسكري على إسرائيل بعد تعديها على أراضيها واغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 16 أغسطس 2024 إلى تحالف مضاد للتحالف الإيراني.

ونقل المحلل السياسي للصحيفة، ناحوم برنياع، عن مصادر العسكرية أن واشنطن دشنت تحالفا ثانيا يشمل "جميع قادة الأذرع العسكرية الإسرائيلية، والبيت الأبيض ووكلاءه والدول العربية السنية"، بما فيها السعودية.

وفي أغسطس 2023، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قائلا إن اتفاق التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية "قد يفتح الطريق أمام الانسجام الإقليمي الحقيقي".

ورأى أن "الاتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية، والذي سيكون مكونا رئيسا في أي اتفاق تطبيع بين الرياض والقدس، سيشمل ضمانا أميركيا للمساعدة في الحفاظ على أمن السعودية ودول الخليج من إيران".

لعبة أوسع 

وقالت صحيفة "ناشيونال إنترست" إن "الدفع الأميركي نحو تعزيز العلاقات بين السعودية وإسرائيل لا يتعلق فقط بالاستقرار الإقليمي، إنها لعبة أوسع على رقعة الشطرنج الكبرى للسياسة الدولية".

وأكدت الصحيفة في 10 فبراير/شباط 2024 أن "واشنطن تهدف، من خلال دمج السعودية في اتفاقيات إبراهام التطبيعية، إلى بناء إطار من المصالح المشتركة والشراكات التجارية والدفاعية للحد من نفوذ الصين المزدهر في المنطقة".

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من نوايا الصين، وحريصة على إقامة توازن في القوى معها، ورحلة حاملات الطائرات والسفن والطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لا تهدف فقط إلى مساعدة إسرائيل، بل لمنع الصين من استغلال الفراغ الإقليمي ومحاولتها الاستفادة من صراع إسرائيل مع حماس وحزب الله"، وفق “ناشيونال إنترست”.

وأكد تقرير “بولتيكو” أن “السعودية قدمت تعهدات لأميركا ألا تلجأ للصين وروسيا وأن تخفف علاقاتها العسكرية والإستراتيجية معهما”.

لكن في تقريرها حول المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، قالت مجلة "فورين أفيرز" في 2 أغسطس 2024 “على واشنطن ألا تطلب من الرياض الانفصال عن الصين وروسيا إذا تم تعزيز التعاون الأمني بين البلدين بموجب الاتفاق الجديد”.

وكتب غريغوري غوز، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بوش للحكومة والخدمة العامة في جامعة تكساس في مقال نشرته المجلة: "لا تتوقعوا أن تقف الرياض إلى جانب واشنطن ضد الصين وروسيا".

وقال إن "هدف واشنطن من تحسين علاقتها بالرياض، والالتزام الأميركي الأمني تجاه المملكة ليس هدفه فقط التحرك نحو شرق أوسط أكثر استقرارا، ولكن أيضا إغلاق أي احتمال أن تجتذب الصين السعوديين إلى دائرة نفوذها".

لكن السعوديين "يريدون الحفاظ على بعض المرونة على الجبهتين الاقتصادية والسياسية نظرا للأهمية الكبيرة للصين كمشتر للطاقة وروسيا كمنتج للطاقة"، وفق كاتب "فورين أفيرز".

ومع هذا يقول إن الرياض لن "تجد أي مشكلة في التوقيع على زواج أحادي مع واشنطن بشأن القضايا العسكرية والأمنية، فهذا هو ما تريده".

ولكنها تريد أيضا المرونة في التعامل مع الصين وروسيا وحتى إيران بشأن القضايا السياسية والاقتصادية ذات الأهمية بالنسبة للسعودية.