أحد صناع القرار.. ما الدور الذي تلعبه دولة الاحتلال في حرب السودان؟

“رهانات أبو ظبي مع إسرائيل في السودان أعلى بكثير من أي دولة أخرى”
تلعب دولة الاحتلال الإسرائيلي دورا في الحرب التي تعيشها السودان منذ أبريل/ نيسان 2023، حيث توصف بأنها “أحد صناع القرار خلف الكواليس”.
وأكد ذلك مقال نشرته مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية، لـ"أليكس دي وال"، الباحث في السياسات الإفريقية، والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في “جامعة تافتس” الأميركية.
وقال "دي وال": "من الواضح منذ فترة طويلة أن الطريق إلى السلام في السودان يمر عبر مصر والسعودية والإمارات، أقرب ثلاثة حلفاء عرب لأميركا".
لكن في سبتمبر/أيلول 2024، ذكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السودانيين بأنه “لديه مصلحة” في بلدهم أيضا.
ففي حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثار نتنياهو ضجة بين السودانيين عندما رفع خريطتين، "اللعنة" و"البركة".
الأولى تحمل أعداء إسرائيل اللدودين -إيران والعراق ولبنان وسوريا والحوثيين في اليمن- باللون الأسود، بينما تحمل الثانية أصدقاءها باللون الأخضر، من بينهم مصر والسعودية والإمارات والسودان.

الانضمام للتطبيع
وبعد ذلك بفترة وجيزة، كتب الصحفي الإسرائيلي، جوناثان ليز، أن دولة الاحتلال “كانت تطرح صفقة محتملة لإنهاء العدوان في غزة، يذهب بموجبها كبار قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى المنفى في السودان”.
حينها نفت حماس ذلك، موضحة أن قائدها في ذلك الوقت، يحيى السنوار، يفضّل الشهادة في غزة على الفرار إلى بر الأمان، كما نفت القوات المسلحة السودانية ذلك أيضا.
واستدرك المقال: "لكن حقيقة أن السودان على رادار إسرائيل أمر يسلط الضوء على كيفية تشابك حرب السودان مع الصراعات الأخرى البارزة في الشرق الأوسط".
وفي عام 2020، كجزء من صفقة أزالت فيها إدارة الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، وافقت الخرطوم على الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع.
والتقى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع نتنياهو في كمبالا، عاصمة أوغندا.
واستضاف الاجتماع الاستثنائي الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، لكنه عُقد بواسطة الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، وتبع ذلك تجميد السودان أصول حماس على أراضيه.
وفي الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، وقّع البرهان على الفصل التوضيحي من اتفاق التطبيع، بحضور وزير الخزانة الأميركي آنذاك، ستيفن منوشين.
وأفاد المقال بأن خطط التوقيع الرسمي مع إسرائيل “تحركت ببطء؛ حيث اتُّفق على جدول زمني فقط في فبراير/شباط 2023، عندما زار وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، الخرطوم”.
في ذلك الوقت، كان نائب البرهان، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، تربطه أيضا علاقات وثيقة بإسرائيل.
وأفاد "دي وال" بأن حميدتي "طور علاقات وثيقة مع الإمارات، التي استأجرت الدعم السريع للقتال كمرتزقة في اليمن، كما أقام أيضا روابط قوية مع الموساد الإسرائيلي".
"وعندما اندلعت الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023، كانت إسرائيل على اتصال بالرجلين؛ حيث مالت وزارة الخارجية إلى البرهان والقوات المسلحة السودانية، بينما مال الموساد إلى الدعم السريع".
تضارب الحلفاء
وأشار المقال إلى أن "أصدقاء إسرائيل العرب دعموا أطرافا مختلفة في الحرب، حيث تدعم مصر القوات المسلحة السودانية، بما يتماشى مع تقاليدها في دعم المؤسسة العسكرية في الخرطوم".
وفي المقابل، تقدم الإمارات دعما واسع النطاق لمليشيا الدعم السريع، رغم أن بنك الخرطوم الخاص، الذي يمتلك أغلبيته ممولون إماراتيون، هو القناة المالية الرئيسة للقوات المسلحة السودانية.
وبحسب المقال، فإن السعودية تميل إلى القوات المسلحة السودانية؛ إذ إنها قلقة من الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه الإمارات في البحر الأحمر، والذي تعده الرياض حديقتها الخلفية.
وخلال 18 شهرا من القتال، لم تسفر سلسلة من مبادرات الوساطة، من قِبل الولايات المتحدة والسعودية ومصر والقادة الأفارقة، عن أي شيء.
ويرى الباحث أن "مصر والسعودية، رغم نفورهما القديم من الإخوان المسلمين، فإنها توصلتا إلى اعتقاد بأن الإسلاميين السودانيين يمكن احتواؤهم، وأنهم لم يعودوا يشكلون تهديدا خارج حدودهما".
كما شمل الاتفاق الثلاثي الأخير بين مصر وإريتريا والصومال "مجموعة الدماء الجديدة"، وهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين في الصومال.
وعلى هذا، فإن القاهرة والرياض كان -ومازال- لديهما استعداد لرؤية الأموال والأسلحة تتدفق إلى القوات المسلحة السودانية من قطر وتركيا وحتى إيران، وفق المقال.
واستدرك: "لكن أبو ظبي تظل معادية للإسلاميين؛ إذ لم تقتنع بعد بحجة مصر القائلة بأنه ما دام في وسع القاهرة أن تتعايش مع الإخوان المسلمين في جوارها، فإن أبو ظبي لابد وأن تكون قادرة على ذلك أيضا".

تغيير المعادلة
وقال دي وال: "لقد بات من الواضح منذ فترة طويلة أن التوصل إلى اتفاق في العواصم العربية شرط أساسي لإنهاء القتال في السودان، والسؤال حاليا هو كيف نصل إلى هذا الاتفاق؟"
وأوضح أن "وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لا يُظهر أي اهتمام بالتدخل على المستوى القيادي المطلوب، ففي البداية، كلف مسؤولين من مكتب الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية بإدارة الملف، لكن هؤلاء لا يحظون بأي تقدير من القوى العربية المؤثرة".
وبينما يُفترض أن المبعوث الخاص الحالي، توم بيريلو، يقدم تقاريره مباشرة لبلينكن، إلا أنه في الواقع لا يمتلك الدعم اللازم من أعلى المستويات.
وعندما التقى ابن زايد بالرئيس جو بايدن، في سبتمبر/أيلول 2024، وأكد على "شراكة إستراتيجية ديناميكية" بين الدولتين، تضمن البيان المشترك كلمات نمطية حول حرب السودان والأزمة الإنسانية.
ويعتقد الباحث أن "إسرائيل قادرة على تغيير المعادلة، فحتى الاستكشاف الأوّلي لخطة نقل قيادات حماس إلى السودان يتطلب من إسرائيل رسم مسار للتوصل إلى اتفاق بين البرهان وحميدتي".
وأضاف "في المقابل، سيتطلب ذلك تغيير المعادلة العسكرية والمالية، من خلال إظهار قوة حقيقي من القوات المسلحة السودانية وحلفائها المصريين، بالإضافة إلى استخدام النفوذ الإماراتي على الدعم السريع".
وقال دي وال: "أيا كانت المصالح التي قد تكون لأبو ظبي في السودان، فإن رهاناتها مع إسرائيل أعلى بكثير، ولديها العصا والجزرة للضغط على حميدتي".
وأضاف أن "قصة انتقال قادة حماس للسودان قد تكون مجرد مؤشر على شيء أكبر، لكن حتى إذا أصبحت هذه الفكرة واقعا ملموسا، فإن نتنياهو أو قادة حماس الجدد يمكنهم الانسحاب في أي لحظة".
وأكد دي وال أن "جنرالات السودان ليسوا مجرد أدوات في لعبة القوى، بل هم خبراء في استغلال النفوذ الخارجي لمصلحتهم".
وتابع: “ومع ذلك، فإن الأحاديث المتداولة تؤكد أن مصير السودان مرتبط بالسياسات الواقعية في الشرق الأوسط؛ حيث تُعامِل دولٌ عديدة السودان وشعبه كقطع شطرنج في صراعات النفوذ”.