حرب على الهوية.. هكذا تشوه الصين مساجد المسلمين وتلحقها بمعابد البوذيين

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في ضوء سعيها لمحو كل ما يمت بصلة للتاريخ والمعمار والتراث الإسلامي، وبحجة التطوير والقضاء على "الغزو الفكري" لحضارة الصين، تهدم سلطات الحزب الشيوعي مآذن وقباب المساجد التاريخية وتستبدلها بطراز بوذي.

فلم يقتصر الأمر على منع المسلمين من ممارسة دينهم بحرية، ومنع الحجاب والأسماء الإسلامية، ومعسكرات اعتقال لغسيل عقول المسلمين خاصة "الإيغور"، لكنه امتد لتغيير جذري في شكل المساجد، وحتى منع أكلات يتناولها مسلمون في مناطقهم.

الحزب الشيوعي الصيني سعى لتشويه العديد من جوانب حياة الإيغور ووصفها بأنها "متخلفة"، حتى بعض الأطعمة وعادات الطعام المنتشرة في مناطق المسلمين، حاول تغييرها، وفق مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 26 مايو/ أيار 2024.

آخر هذه المساجد التي نالتها يد التخريب الصينية، هي "شاديان الكبير" و"ناجياينغ التاريخي" اللذان تحولا إلى ما يشبه المعابد البوذية بعد هدم مآذنهما وقبابهما وبناء أسطح لهما على الطراز البوذي.

وترجع بداية هذا التخريب إلى عام 2018 حين نشرت الحكومة الصينية خطة أسمتها "إضفاء الطابع الصيني على الإسلام"، وجزء منها مقاومة "الأساليب المعمارية الأجنبية" وصبغ "العمارة الإسلامية بالخصائص الصينية" وفق زعم الحكومة الشيوعية.

ما القصة؟

يوم 25 مايو، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، صورتين مختلفتين لأكبر مسجد في الصين، قبل وبعد قيام الحزب الشيوعي بتغيير ملامحه بالكامل.

الصور أظهرت المسجد وهو في شكله الطبيعي، ثم بعدما تمت إزالة قبابه ومآذنه الثمانية، وبناء بدائل أشبه بأعمدة صينية من الطراز الذي يشبه المعابد البوذية.

المسجد هو "شاديان الكبير" وهو آخر مسجد كبير في الصين يفقد ملامحه ذات الطراز العربي الإسلامي ويتم هدم قبابه وتعديل مآذنه بشكل جذري ضمن ما يسمى "حملة تطهير" لإضفاء الطابع الصيني على أماكن العبادة الإسلامية في البلاد.

"الغارديان" أوضحت أن مسجد شاديان الكبير، هو أحد أكبر وأروع المساجد في الصين، ويقع فوق البلدة الصغيرة "شاديان"، التي أخذ منها اسمه في مقاطعة يونان الجنوبية الغربية.

وحتى عام 2023، كان مجمع المسجد الذي تبلغ مساحته 21 ألف متر مربع يضم مبنى كبيرا تعلوه قبة خضراء مزينة بهلال، وتحيط بها أربع قباب إسلامية أصغر حجماً وأربع مآذن شاهقة، وفق صور الأقمار الصناعية.

حيث ظهر مدخل المسجد مزيناً بهلال كبير ونجمة مصنوعة من البلاط الأسود الزاهي، لكن صورة المسجد عام 2024 تبين كيف تم محو كل ذلك.

فالقبة أزيلت واستبدلت بسطح معبد على طراز الهان الصيني، وتم تقصير المآذن وتحويلها إلى ما يشبه "أبراج باغودا" الصينية، ولا يمكن رؤية سوى أثر باهت للهلال وبلاط النجوم الذي كان يميز الشرفة الأمامية للمسجد.

وحين بدأ استهداف هذه المساجد، احتج مسلمو طائفة الهوى (حوالي 11 مليون نسمة)، والذين يعيشون في المقاطعات الغربية والوسطي في الصين، على هدم مساجدهم ومحو هويتهم، واشتبكت معهم الشرطة في مايو 2023.

وأدى احتجاج مسلمي "الهوى" في منطقة "يونان" على هدم قباب المساجد التاريخية وإخفاء معالمها الإسلامية ووضع أسقف بوذية محلها، مع رفع أعلام الصين وشعارات الحزب الشيوعي فوقها، لاعتقال المئات منهم.

حملة متصاعدة

وتصاعدت حملة إزالة الآلاف من قباب المساجد التاريخية، في جنوب وغرب الصين حيث الأغلبية المسلمة، والتي بدأتها السلطات الصينية منذ عام 2021 بدعوى جعل مظاهر المساجد "أكثر صينية" حسب زعمها.

وحولت الصين مساجد أخرى من طرازها الإسلامي إلى الصيني، مثل مسجد ناجياينغ التاريخي، الذي يقع على بعد أقل من 100 ميل من شاديان، والذي أزيلت معالمه الإسلامية أخيرا في عملية وصفها الحزب الشيوعي بأنها "تجديد وتطوير".

ويعود تاريخ مسجد ناجياينغ الذي سعت الصين لهدمه ضمن حملتها الأخيرة إلى القرن الثالث عشر، وقد خضع لأعمال توسعة أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية لإضافة مبان، إلى جانب 4 مآذن وسقف مقبب. 

وفي 2019، صُنف المسجد وجزء من أبنيته ضمن الآثار الثقافية المحمية ولكن في السنوات الأخيرة، تصاعدت قيود الحزب الشيوعي التي يفرضها على مظاهر التدين تصاعداً حاداً، وتم تكثيف مراقبة القادة الدينيين.

وضمن هذه السياسة فرضوا على مسجد ناجياينغ عقد لقاءات لقراءة الأفكار الماوية وتم رسم شعارات الحزب الشيوعي على الجدران لإجبار المصلين على قراءتها والولاء للحزب الشيوعي.

أيضا قامت سلطات الحزب الشيوعي بمصادرة أصول المساجد وسجن الأئمة وإغلاق المؤسسات الدينية وفرض قيود على استخدام اللغات غير الصينية مثل التبتية أو الأويغورية واستهداف العلماء والكتاب المسلمين بقيود قاسية على نحو متزايد.

ويقول سكان شينينغ إن إمام مسجد دونغقوان ومديره احتُجزا لفترة وجيزة وأُجبروا على التوقيع لصالح هدم القباب الاسلامية، وأنه يتم أيضا تجهيز مسجد نانجان الرخامي في شينينغ لإزالة القبة وأن سقالات الخيزران تحيط بالقبة البيضاء لإزالتها.

وتصف المؤرخة في تاريخ الصين بجامعة بليموث، هانا ثيكر، حملة إضفاء الطابع الصيني على المساجد بأنها كالوباء تنتقل من "مقاطعة لأخرى"، للقضاء على التقليد المعماري الإسلامي حتى في مساجد يونان الشهيرة الرئيسة غير المألوفة في الصين".

فيما يقول "ما جو"، وهو ناشط صيني من طائفة الهوى المسلمين مقيم في نيويورك، إن ما تعده الصين "تجديدات" ما هو إلا "رسالة واضحة.. سندمر دينكم وعرقكم".

وبعد استيلاء الحزب الشيوعي على الحكم عام 1949، بدأت السلطات في استهداف كل أشكال التدين، التي بلغت ذروتها في عام 1975، عندما احتج مسلمو الهوى في مقاطعة يونان على إغلاق مسجد، فقام الجيش باجتياح المنطقة وقتل 1600 مسلم.

وينص الدستور الصيني على حرية العبادة، لكنه يرسم حدودا صارمة لهذا المبدأ، إذ لا يعترف سوى بخمس ديانات يفرض قيودا صارمة على ممارسة شعائرها.

"إسلام صيني"

ويشير تحقيق لشبكة "سي إن إن" الأميركية في 30 مايو 2023 إلى أن حملة هدم قباب المساجد في الصين جاءت ضمن "حملة كاسحة" أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ تُسمي "تصيين المسلمين"، أو "تصيين الدين".

أي السعي لما يسمونه "إسلام صيني"، على غرار محاولات الغرب تشكيل ما يسمى "إسلام غربي معتدل"، يسير وفق أهواء غير المسلمين ويريدون ألا يلتزم فيه المسلمون فيه بالشريعة الإسلامية.

أوضحت الشبكة أن المسلمين فاض بهم من حملة هدم قباب مساجدهم وتغيير تراثهم الإسلامي ووضع لافتات تدنسها من قبل الحزب الشيوعي عليها، وأن الآلاف منهم باتوا "يتحدون السلطات الصينية في الدفاع عن المساجد".

وقال مسلمون في منطقة "هوي" إن أكثر من ألف مسجد في مناطقهم وحدها، تم هدم قبابها ومآذنها.

فيما أكد ناشطون وجماعات حقوقية أن السلطات هدمت قباب ومآذن أكثر من 200 مسجد في مقاطعة يونان وحدها، إضافة لأكثر من ألف مسجد في شمال غرب البلاد.

ويشدد الناشطون على أن هدف الحزب الشيوعي النهائي يتمثل في تنفيذ سياسة "الإبادة الثقافية والدينية"، تماما كما فعل في إقليم شينجيانغ مع الإيغور.

وحين زار رئيس الصين شي جينبنغ إقليم "شينجيانغ" ذي الأغلبية من المسلمين الإيغور عام 2023 أعلن عن خطط أشد عنفا تجاه المسلمين.

"شي"، الذي اتبع خططا شيطانية لمحو هوية "الإيغور" تعمد أن يقول في خطاب ألقاه بمدينة "أورومتشي" عاصمة إقليم شينجيانغ، إنه "سيواصل إضفاء الطابع الصيني على الإسلام"، أي ما يسمي “تصيين الإسلام”.

ودعا مسؤولي حكومته إلى "الترويج بشكل أعمق لإضفاء الطابع الصيني على الإسلام والسيطرة بقوة على الأنشطة الدينية غير القانونية"، حسبما ذكرت "وكالة الأنباء الفرنسية" في 26 أغسطس/آب 2023.

وفي عهد "شي" تغيرت الأمور بشكل جذري، وعادت السياسات إلى ترسيخ ما يعرف بقومية "الشعب الصيني" أو "الهان الصيني" الذي يعود إلى خمسة آلاف عام، ودمجها بشكل أكبر بالماركسية المعاصرة.

وأشارت لهذا مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في تقرير نشرته يوم 6 سبتمبر/أيلول 2023 حول محو هوية المسلمين، وهدم مساجدهم بعنوان "المآذن الأخيرة في يونان .. مسلمو الهوى في الصين في مرمى قومية "شي" الجديدة".

وحذرت من تعرض مسلمي قومية "الهوى" في الصين إلى حملات متتالية لطمس هويتهم الإسلامية والعرقية، على غرار ما جرى للمسلمين "الإيغور" الذين تم محو معالم مساجدهم وهويتهم في معسكرات اعتقال. 

وكشف تقرير ميداني لوكالة "رويترز" في 13 مايو 2021 أن كثيرا من المآذن الموجودة على أركان المساجد في إقليم "شينجيانغ" اختفت، وقال رجال أمن حولها للوكالة: "لا توجد مساجد هنا".

وزارت الوكالة أكثر من 24 مسجدا في سبع مقاطعات في جنوب غرب ووسط شينجيانغ (من بين 20 ألفا بالمدينة) ووجدت أن معظم المساجد التي زارتها "قد هُدمت جزئيا أو كليا".

ووضعت السلطات الشيوعية على بعض المساجد المفتوحة لافتات تقول إنه يجب على المصلين التسجيل قبل الدخول، فيما يحظر على القادمين من خارج المنطقة والأجانب وأي شخص دون سن 18 عاما الدخول!

كما تحتوي المساجد المفتوحة على كاميرات مراقبة وأعلام صينية ولافتات دعائية للولاء للحزب الشيوعي الحاكم.

وأشار تقرير أعدته قناة BON news الإنجليزية المتخصصة في شؤون الصين، أن تعداد المسلمين في الصين تجاوز 100 مليون نسمة، ليصل حوالي 130 مليونا. 

أي ما يعادل 10 بالمئة من جملة سكانها، وهو يفوق تعداد عدد المسلمين في السعودية والعراق وسوريا مجتمعة.