إيطاليا شريكة.. كيف تستجيب لمزاعم إسرائيل وتتجاهل مجازرها في غزة؟
الحكومة الإيطالية علَّقت تمويل الأونروا استجابة لمزاعم إسرائيل
في اتباع لخطى الولايات المتحدة، أعلنت كل من إيطاليا وكندا وأستراليا في نهاية يناير/كانون الثاني 2024، تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
جاء ذلك استجابة لمزاعم إسرائيلية واتهامات لبعض موظفي الوكالة بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقف التمويل
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قد كتب على منصة "إكس" أن الحكومة الإيطالية علَّقت تمويل الأونروا بعد ما وصفه "بالهجوم الوحشي" على إسرائيل.
وتعليقا على هذا القرار، اتهم أستاذ قانون النزاعات المسلحة والقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي في جامعة نوتنغهام ترنت، الإيطالي لويجي دانييلي حكومة بلاده بقيادة جورجيا ميلوني بأنها لم " تفعل أي شيء ملموس على الإطلاق ضد المجازر (الإسرائيلية) المستمرة والمذبحة الوشيكة".
وأوضح في مقابلة مع صحيفة "فان باج" أن وقف التمويل عن "الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة والتي تمتلك الإمكانات اللوجستية اللازمة لإنقاذ حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، يعادل الحكم عليهم بالموت".
واستنكر عدم توقف ارتكاب المجازر بعد مرور شهرين على مطالبة محكمة العدل الدولية باتخاذ التدابير كافة في حدود سلطة دولة الاحتلال لمنع الإبادة الجماعية، منتقدا استخدام التجويع "سلاحا للحرب" وهو ما لم يحدث منذ قرن ونصف، وفق قوله.
وعما إذا كان الاحتلال امتثل لجزء من مطالب المحكمة الدولية الصادرة في 26 يناير، قال إنه يتحدى أي شخص يثبت أنه قد تم احترام التدابير المشار إليها.
وكانت المحكمة أوعزت لإسرائيل باتخاذ إجراءات عاجلة طالبت جنوب إفريقيا بها لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، لكن تل أبيب تجاهلت ذلك وواصلت عمليات القتل والإجرام اليومية.
وقال لويجي دانييلي إن "عدد الضحايا الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي كان حوالي 26 ألف شخص وأكثر من 64 ألف جريحا".
و"لكن منذ ذلك التاريخ، أي صدور مطالب المحكمة، قُتل ما لا يقل عن ستة آلاف شخص وأصيب حوالي عشرة آلاف آخرون، منهم 70 بالمئة من الأطفال والنساء".
وأضاف: "فيما يقتل ما لا يقل عن 80 قاصرا وطفلا يوميا جراء القصف المتواصل وتشوه أجساد كثيرين آخرين مدى الحياة".
غياب المساءلة
وفي سؤال الصحيفة عن أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل خلال الشهرين الماضيين، ذكر الحقوقي الإيطالي أن المجازر المرتكبة أثناء تجمع المواطنين عند توزيع المساعدات الإنسانية لم تكن الأكثر مأساوية.
وأشار إلى استهداف العشرات من سيارات الإسعاف والتسبب في توقف الحاضنات وأجهزة التنفس الاصطناعي للعناية المركزة عن العمل وحصار المستشفيات وكذلك تعفن أطنان المساعدات وانتهاء صلاحية الأدوية.
وتطرق إلى حصار واقتحام مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة خلال مارس/آذار 2024، ما أدى إلى استشهاد وجرح المئات، فيما ادعى الجيش الإسرائيلي أنه قضى على حوالي "90 إرهابياً".
وتساءل إن كان هناك أحد في إيطاليا وأوروبا عمل على مساءلة حكومة بنيامين نتنياهو على أي أساس تصنف أشخاصا غير مسلحين على أنهم "إرهابيون" يمكن قتلهم؟
وتطرق إلى اتهام الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل إسرائيل باستخدام الجوع "كسلاح حرب" وحثها على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، قائلا إنه "على حق فيما يقول".
إلا أنه استنكر في نفس الوقت تأخره في "تسمية الأشياء بأسمائها" بالقول إن الأمر "تطلب أنهارًا من دماء الأبرياء".
وشبه استخدام الاحتلال للجوع والعطش والأمراض كسلاح للحرب ضد السكان المدنيين بأنه "شكل من أشكال الإساءة إلى الإنسانية والتاريخ، فضلا عن انتهاك القانون".
وذكر بأن آخر مرة عُد فيها تجويع المدنيين أثناء الحصار أمرا مشروعا كان في مدونة ليبر لعام 1863.
تجاهل الإبادة
وأشار إلى أن جميع النصوص والإعلانات الدولية، بدءاً من إعلان سانت بطرسبرغ الصادر بعد خمس سنوات في عام 1868، نصت منذ ذلك التاريخ على أن "الهدف المشروع الوحيد للحرب هو إضعاف القوات العسكرية للخصم".
وعن وجود التزامات قانونية لدول ثالثة تجاه إسرائيل، استنكر الحقوقي الإيطالي بأن "وقت النداءات والمناشدات مر عليه ثلاثة أشهر واليوم بعد أن بلغت حصيلة الضحايا 40 ألف قتيل، منهم 15 ألف طفل، باتت هذه النداءات وسيلة للنخب الغربية لمحاولة حفظ ماء الوجه".
واتهمها بتجاهل "واجباتها في فرض حظر وعقوبات على حكومة إسرائيل، التي ووفقًا للعديد من الإسرائيليين، تعد تحرير الرهائن أمرا ثانويا يمكن التضحية به في سبيل تحقيق الأهداف الأخرى للحرب".
وكانت إجابته "نعم" عن سؤال إن كانت الدول الثالثة معرضة أيضًا للاتهام بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، لأن "لديها التزامات مستقلة بمنع ارتكابها".
وتطرق إلى ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن تكون تلك الدول شريكة في ممارسات إسرائيل من خلال توفير الأسلحة والدعم للخطط التي تحرم الفلسطينيين من الحقوق والحماية.
ومن هذه الدول خص بالذكر بلاده إيطاليا التي علقت تمويل وكالة الأونروا ما "يخنقها اقتصاديا" ويحول دون أداء واجباتها في إنقاذ حياة الفلسطينيين المحاصرين في غزة.
واستنكر ما عبّر عنه بأن بلاده "تميزت من ناحية أنها لم تفعل شيئا ملموسا على الإطلاق ضد المجازر المستمرة والمذبحة الوشيكة".
وتطرق إلى نشر دراسة معمقة أجراها الحقوقي الإيطالي مع المؤرخ الإسرائيلي والباحث في الإبادة الجماعية والمحرقة راز سيغال.
وأوضح دانييلي أن مجلة "أبحاث الإبادة الجماعية" Journal of Genocide Research تنشر مداخلات شهرية في ندوة مناقشة مخصصة لغزة وأغلبها تنتهي بوصف المذبحة المستمرة بأنها "إبادة جماعية".
وقال إنه "ناقش مع راز سيغال في الدراسة المنشورة كيفية تفاعل المجال العلمي لدراسات المحرقة والإبادة الجماعية مع الوضع الحالي".
وذّكر بمدى إجماع الغرب في الآونة الأخيرة على إدانة الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالجرائم الروسية في أوكرانيا.
وأضاف: "أوضحنا بذكر التصريحات والأسماء والتواريخ، كيف أصبح التحريض العلني والمباشر على الإبادة الجماعية للفلسطينيين موضوعًا للسياسة والوزراء الإسرائيليين منذ فترة طويلة قبل 7 أكتوبر".
وأوضح أن البحث خاض في الكيفية التي أدى بها فهم وحشية المحرقة إلى "إعفاء فريد لإسرائيل من احترام القانون الدولي" أي أنها تتعلل بالمحرقة لاضطهاد الفلسطينيين وتقويض حقهم في تقرير المصير والمساواة أمام القانون باستخدام العنف والسلاح.