مستقبل الحوار بين أردوغان والأسد.. صحيفة تركية ترسم ملامحه
"مسألة معقدة ومتعددة الأطراف ولها أبعاد نفسية واجتماعية عميقة"
عقب صمت رسمي دام أسابيع من قبل النظام السوري إزاء دعوات أنقرة لبدء مرحلة جديدة من التقارب، ظهر بشار الأسد، في لقاء مع صحفيين، ليؤكد ما جاء في بيان خارجية دمشق والذي تضمن "شروطا" لتطبيع العلاقات، ما أشاع أجواء من التشاؤم بشأن مصير هذا المسار.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالاً للكاتب "يحيى بوستان" ذكر فيه أنّ عملية الحوار بين تركيا وسوريا تواجه في الأيام الأخيرة مصاعب عديدة ويوجد تشاؤم متزايد بشأن هذا المسار.
تصريحات مربكة
واستدل الكاتب التركي على ذلك بالتصريح الأخير المشروط الذي أدلى به الأسد، مشيرا إلى أن هناك العديد من العقبات التي تعترض نجاح العملية.
وتساءل: هل سينتهي الحوار بين أنقرة ودمشق قبل أن يبدأ؟ إن انطباعي والمعلومات التي حصلت عليها تشير إلى عكس ذلك.
وأوضح أن موقف أنقرة من الموضوع معروف. حيث بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان العملية برسالة دافئة مشدداً على وحدة الأراضي والسيادة السورية ومتوقعًا مخاوف دمشق.
وكان هذا التصريح الذي أدلى به في يونيو نتيجة لحوار غير مباشر استمر لمدة شهرين.
وتابع: بدأت العملية الحالية بزيارة الرئيس أردوغان إلى بغداد في أبريل. ولم يتم رفض اقتراح العراق بأن تكون المحادثات في بغداد.
ويبدو أن العراق كان يتنقل بين العاصمتين خلال الفترة الماضية. في النهاية، وصلت الأمور إلى البحث عن تحديد جدول الأعمال.
واستدرك بوستان: كان أول رد فعل للأسد على هذه الرسالة الدافئة من أنقرة إيجابية، وكان ذلك تحت إشراف المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا لافرنتييف.
وقد خفف النظام من شرط "انسحاب القوات"، وقال "ضعوا جدولاً زمنياً للانسحاب". وكانت هذه أول خطوة نحو التهدئة.
وبناءً على ذلك، قال أردوغان إنه يمكنه دعوة الأسد. وجاء تصريح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأن "العراق سيستضيف لقاءً بين المسؤولين الأتراك والسوريين" بعد بضعة أيام.
وفي نفس اليوم الذي صدر فيه تصريح من العراق، ظهرت في وسائل الإعلام تصريحات الرئيس أردوغان بأنه كلف فيدان بوضع خارطة طريق.
ثم جاء التصريح المربك، حيث أعادت وزارة الخارجية السورية الشروط التي خففتها سابقاً إلى الطاولة. وهنا بالضبط يُطرَحُ سؤال "هل سينتهي الحوار قبل أن يبدأ؟".
الإجابة على هذا السؤال هي: "لا". فالمحادثات - بقدر ما أستطيع تحليله - ستبدأ قريباً.
وأعتقد أن التصريح المشروط من النظام السوري يتعلق بـ "لقاء أردوغان-الأسد".
ولا أعتقد أنهم أغلقوا الباب تماماً أمام محادثات الحوار، فإذا فعلوا ذلك سيجدون أنفسهم محاصرين في مثلث إسرائيل-الولايات المتحدة- حزب العمال الكردستاني. ويمكن القول أنّ هذه هي التوقعات الموجودة.
وإذا أخذنا تصريح وزير الخارجية العراقي كأساس - وليس هناك سبب لعدم القيام بذلك - يبدو أن النظام السوري قد قبل بإجراء محادثات ومفاوضات على مستوىً أقل في بغداد لتشكيل خارطة الطريق لعملية الحوار، حيث لم تكن المفاوضات على مستوى القادة أو الوزراء.
علاوة على ذلك، من الواضح أن أنقرة لم تقدم جدولا زمنيا لسحب القوات من سوريا، ولن تقدم في هذه الظروف ولن تفاوض على ذلك أيضا.
عملية هشة
ولفت الكاتب التركي إلى أن العملية لا تزال هشة، وسيكون هناك دائماً من يحاول توجيهها أو تخريبها. حيث تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل واضح.
فقالت واشنطن بوضوح أنها لا تدعم جهود التطبيع. وحتى تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي غير راضٍ عن العملية أيضا.
بالإضافة الى أن هناك جهات فاعلة لا تتحدث بصراحة، وتقدم اقتراحات تضع نفسها في المركز، وتحاول "السيطرة" على العملية. ومن بين هذه الجهات إيران وروسيا.
ومن خلال تحليل المعلومات، يمكننا فهم بعض الأسباب والدوافع وراء تصرفات طهران وروسيا في هذا السياق.
أما عن أسباب تصرفات طهران فهي كالتالي:
- التأثير على الوجود الإيراني: فإنّ تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري قد يقلل من الحاجة إلى وجود إيران في سوريا، مما يجعل وجودها هناك بلا معنى.
- قطع الاتصال بالبحر الأبيض المتوسط: هذا يؤثر بشكل مباشر على قدرة حزب الله على الحصول إلى الإمدادات اللوجستية، مما يضعف موقفه في المنطقة.
- التحدي في إدارة الميليشيات: إنّ إيران تواجه مشكلة كبيرة في كيفية التعامل مع عشرات الآلاف من المليشيات الموجودة في سوريا، ولا تعرف أين تضعهم إذا اضطرت إلى إخراجهم من سوريا.
أمّا بالنسبة للموقف الروسي فيكمن في معارضة موقع بغداد؛ حيث إن روسيا تعارض موقف بغداد في هذه القضية، وهو ما يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها ومصالحها في المنطقة. لا أحد يريد أن يفقد زمام المبادرة في قضية مهمة ومعقدة كهذه.
أول الثمار
ولفت الكاتب التركي إلى أن "خطوة أنقرة نحو الحوار أعطت أول ثمارها الإقليمية. فبسبب بدء المحادثات استطاع الأسد الوقوف ضد حزب العمال الكردستاني".
حيث كانت الولايات المتحدة تعمل على خطة للمنطقة والتي تتضمن ربط فرع تنظيم حزب العمال الكردستاني في سوريا بـ "خيط رفيع" بدمشق، وجَعْل دمشق تتحدث مع السعودية لتشكيل تحالف ضد إيران في المنطقة.
في هذا الصدد، كانت هناك محادثات خلف الكواليس بين واشنطن ودمشق، وكان الأسد محاصراً. ثم جاء تصريح من الأسد بأنه على اتصال مع التنظيم الإرهابي.
وفي هذه الفترة بالذات، بدأ التنظيم الإرهابي في تمهيد الطريق للاستقلال من خلال الانتخابات المحلية المزعومة، ولم يكن لدى دمشق سوى متابعة التطورات.
وتابع الكاتب : إن خطوة أنقرة نحو الحوار قد عززت موقف النظام السوري أمام التنظيم الإرهابي وفتحت المجال لدمشق.
واستخدم الأسد هذا الوضع للضغط على التنظيم الإرهابي. في هذه الفترة بالذات، جاء تصريح من تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي بأن "دمشق لا تحترم توقعاتنا".
وقيل إن هناك توترات بين جنود النظام وأعضاء التنظيم الإرهابي في بعض النقاط.
وأضاف: تم الإبلاغ عن أن مقاتلي تنظيم الدولة هاجموا بعض نقاط النظام.
فخلال عمليات تركيا ضد تنظيم الدولة في سوريا، كان تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي ينقل مقاتلي تنظيم الدولة من منطقته إلى منطقة الاشتباكات.
بمعنى آخر، كانت دمشق ستتفق مع حزب العمال الكردستاني تحت ضغط الولايات المتحدة، لكن التوترات تصاعدت. وهذه هي أول ثمرة للمحادثات.
ولا شك أن هذا الأمر هو مسألة معقدة ومتعددة الأطراف، ولها أبعاد نفسية واجتماعية عميقة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت. لكن الدبلوماسية تتطلب الصبر، يختم الكاتب التركي.