محاكمة إمام أوغلو وحل "العمال الكردستاني".. كيف رفعا رصيد حزب أردوغان؟

تُعزى هذه التغيرات في تركيا إلى مجموعة أحداث سياسية ومجتمعية
تشهد تركيا في المرحلة الأخيرة "تحولات سياسية كبيرة" تتجلى في تغيّر موازين القوى بين الأحزاب، أبرزها تصاعد التنافس بين الكبيرة منها وتراجع نفوذ الصغيرة.
وتحدثت صحيفة حرييت التركية في مقال للكاتب "عبد القادر سيلفي" عن صعود حزبي الشعب الجمهوري المعارض بزعامة أوزغور أوزيل والعدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتُعزى هذه التغيرات إلى مجموعة أحداث سياسية ومجتمعية، أبرزها محاكمة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أحد قادة حزب الشعب الجمهوري بتهم فساد.
وأيضا قرار حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح وحل نفسه في منتصف مايو/أيار، وبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إضافة إلى المستجدات الاقتصادية المتلاحقة.

المشهد السياسي
وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها "الشعب الجمهوري" أن حزبي المستقبل (برئاسة أحمد داود أوغلو) والديمقراطية والتقدم (برئاسة علي باباجان) والحزب الديمقراطي (بزعامة غولتكين أويصال) لم تعد تحظى بأي وزن شعبي يُذكر، ما دفع الحزب الأول إلى توسيع نطاق أبحاثه.
وتابع الكاتب: في محاولةٍ لتعزيز فرص رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق كمال كيليتشدار أوغلو في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، جرى منح هذه الأحزاب مقاعد برلمانية على حساب كتلة الحزب المعارض الرئيس رغم أن بعضها لم يكن يحظى حتى بنسبة 1 بالمئة من الأصوات.
من جهة أخرى، يُلاحظ تراجع ملحوظ في أداء حزب الجيد، الذي كان يستقطب في السابق ناخبي حزب الحركة القومية وبعض القوميين المنتمين سابقا إلى "الشعب الجمهوري".
غير أنّه بعد اعتقال إمام أوغلو بدأ الناخبون المعارضون بالتجمع مجددا تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري، فيما فقد حزب الجيد مركزه السياسي ولم يعد يُنظر إليه كخيار معارض فعّال.
وهذا التحول جعل شركات الاستطلاع عاجزة عن تحديد نسبة دعمه بدقة، بينما تحولت الأحزاب الصغيرة الأخرى إلى "أحزاب لافتات" لا وزن لها.
في المقابل، أدى هذا التراجع في الأحزاب الصغيرة، وتحديدا حزب الجيد، إلى تعزيز موقع "الشعب الجمهوري"، الذي بات يجتذب شرائح واسعة من الناخبين القوميين والمعارضين.
ومع ذلك لم يكن هذا الصعود منفردا؛ إذ بدأ حزب العدالة والتنمية أيضا في استعادة زخمه في ظاهرة غير مألوفة؛ حيث عادةً ما يُتوقع تراجع أحد الحزبين على حساب الآخر.
إلا أن رفض بعض المواطنين لأداء المعارضة دفعهم مجددا نحو حزب السلطة.
وبالرغم من أن “الشعب الجمهوري” حقق زخما كبيرا في مارس/آذار 2025 بفضل تفاعل الشارع مع قضية إمام أوغلو، فإن هذا الزخم بدأ يخبو بحلول مايو مع بلوغ الحزب حالة من "التشبع الانتخابي".
وتوقع الكاتب التركي أن يبدأ الحزب بفقدان بعض الدعم ما لم يقدّم خطابا سياسيا جديدا قادرا على إقناع الجماهير في ظل التحولات المتسارعة.
وتبدو تركيا مقبلة على مرحلة جديدة من الاستقطاب الثنائي بين حزبين كبيرين، في وقت يتراجع فيه دور الأحزاب الصغيرة، ما يعكس الحاجة إلى تجديد الرؤى والخطابات السياسية، وتقديم حلول واقعية تتماشى مع تطلعات الناخب التركي في الداخل والخارج.

تحولات داخل المعارضة
وأردف الكاتب: تشهد الساحة السياسية في تركيا تغيرات متسارعة وعميقة، تنعكس بوضوح على ديناميكيات الأحزاب وتوجهات الناخبين.
ورغم هذه التحولات الكبرى التي تشمل قرارات مصيرية مثل تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح، والتغيرات الجذرية في سوريا، ومكانة تركيا في السياسة الدولية، فإن حزب الشعب الجمهوري يبدو وكأنه حصر نفسه في مربع ضيق عنوانه الوحيد: "أكرم إمام أوغلو".
وانعكست هذه الأولوية الضيقة على مكانة الحزب في الشارع التركي؛ حيث بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى حالة من الجمود في شعبيته.
بل واحتمال تراجعه مجددا إلى المرتبة الثانية أمام صعود حزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل عجز المعارضة عن صياغة خطاب شامل يتجاوز شخصنة القضايا.
ويأتي هذا في وقت بدأت فيه تطورات نوعية بالظهور مثل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد انهيار نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع بدعم تركي، وانعقاد "طاولة السلام" في إسطنبول لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
من ناحية أخرى، يبرز حزب العدالة والتنمية كمستفيد رئيس من هذا التشتت داخل المعارضة؛ حيث يشهد تصاعدا في نسب التأييد، لا سيما مع بقاء الملف الاقتصادي التحدّي الوحيد الجوهري أمامه.
في المقابل، يبدو أن الأحزاب الصغيرة مثل حزب الجيد والديمقراطية والتقدم والحزب الديمقراطي قد فقدت زخمها تماما.
أما حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب"، فقد شهد تطورا لافتا مع إعلان العمال الكردستاني وقف الكفاح المسلح، مما أعطى ثقة أكبر لناخبيه للتعبير عن توجهاتهم السياسية دون خوف، وهو ما يُعد خطوة في اتجاه تطبيع الحزب سياسيا وشعبيا.
وأشار الكاتب إلى أن كلفة الصراع الممتد مع حزب العمال قد بلغت نحو 1.8 تريليون دولار، في رقم يعكس حجم الاستنزاف الذي تعرضت له البلاد على مدار سنوات.
والرسالة هنا واضحة: قد حان الوقت لتجاوز ماضٍ كلّف البلاد كثيرا، والبدء في بناء "تركيا بلا إرهاب"، بحيث تكون دولة تتجه بثقة نحو السلام الداخلي والتنمية الشاملة.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: في مرحلة تتطلب من الأحزاب التركية تقديم رؤى واقعية وشاملة لمستقبل البلاد، يبدو أن الرهان على الشخصيات بدل السياسات لن يؤدي إلا إلى التراجع.
فتركيا أمام فرصة تاريخية، إذا استثمرت التحولات الأمنية والسياسية بحكمة، فإن الطريق نحو استقرار دائم وازدهار حقيقي قد أصبح ممكناً أكثر من أي وقت مضى، وفق تقديره.