النزاعات والتوترات غير المحسومة.. هكذا زادت الإنفاق العسكري حول العالم

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شهد العالم خلال عام 2024 قفزة غير مسبوقة في الإنفاق العسكري، تعكس الاتجاه المتسارع في التسلح، رغم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة لاستمرار هذا المسار في السنوات القادمة.

وبلغت النفقات الدفاعية العالمية 2.7 تريليون دولار خلال عام 2024، وهو أعلى مستوى يُسجل منذ نهاية الحرب الباردة، وفق ما تقول صحيفة "دياريو دي نوتيسياس" البرتغالية.

ويعكس هذا الارتفاع الحاد -بنسبة 9.4 بالمئة مقارنة بعام 2023- تصاعد النزاعات المستمرة والتوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

النسبة الأكثر ارتفاعا

وأكدت الصحيفة البرتغالية أن "النفقات العسكرية شهدت ارتفاعا في جميع مناطق العالم، مع نمو ملحوظ بشكل خاص في أوروبا والشرق الأوسط". 

وشكلت الدول الخمس الأعلى إنفاقا -الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا والهند- ما يقرب من 60 بالمئة من إجمالي الإنفاق العالمي.

إذ بلغ مجموع إنفاقها العسكري 1.635 تريليون دولار، وفقا لبيانات جديدة صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI".

وبهذا الشأن، يقول الباحث في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في المعهد "شياو ليانغ": "أكثر من 100 دولة حول العالم زادت إنفاقها في هذا المجال خلال عام 2024".

ومع إعطاء الحكومات أولوية متزايدة للأمن العسكري، غالبا على حساب مجالات إنفاق أخرى، قد تكون للتضحيات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة آثار كبيرة على المجتمعات في السنوات القادمة.

وفي أوروبا، بما في ذلك روسيا، تشير الصحيفة إلى أن "النفقات ارتفعت بنسبة 17 بالمئة لتصل إلى 693 مليار دولار، وكانت المساهم الرئيس في الزيادة العالمية خلال عام 2024". 

وبحسب تقرير معهد ستوكهولم، فإنه مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، استمر الإنفاق العسكري بالارتفاع في جميع أنحاء القارة. 

وتجاوز هذا الإنفاق مستويات ما بعد الحرب الباردة؛ حيث زادت جميع دول القارة العجوز تقريبا من إنفاقها العسكري خلال عام 2024.

أوروبا والناتو 

وبشكل تفصيلي، توضح الصحيفة أن "الإنفاق العسكري لموسكو بلغ نحو 149 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 38 بالمئة عن عام 2023".

وتابعت: "أما أوكرانيا، فقد ارتفع إنفاقها العسكري بنسبة 2.9 بالمئة ليصل إلى 64.7 مليار دولار، أي ما يعادل 43 بالمئة من حجم إنفاق روسيا". 

وسجلت أوكرانيا أعلى عبء عسكري في العالم عام 2024؛ إذ بلغ إنفاقها الدفاعي 34 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وفي هذا الصدد، يقول دييغو لوبيز دا سيلفا، الباحث الأول في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد "ستوكهولم": "لقد زادت روسيا مرة أخرى من إنفاقها بهذا المجال بشكل كبير، مما وسع الفجوة بينها وبين أوكرانيا".

ويضيف: "تخصص أوكرانيا حاليا كل إيراداتها الضريبية لقواتها المسلحة، ومع هذا الحيّز المالي الضيق سيصعب عليها مواصلة زيادة إنفاقها العسكري".

ومن جهة أخرى، تبرز الصحيفة أن "عدة دول في أوروبا الوسطى والغربية شهدت زيادات غير مسبوقة في إنفاقها العسكري خلال عام 2024"؛ إذ ارتفع إنفاق ألمانيا بنسبة 28 بالمئة ليبلغ 88.5 مليار دولار، مما جعلها أكبر دولة إنفاقا في المنطقة. 

أما بولندا، فقد ارتفعت نفقاتها بنسبة 31 بالمئة لتصل إلى 38 مليار دولار، وهو ما يمثل 4.2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

ويلاحظ لورينزو سكاراتزاتو، وهو أيضا باحث في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم، أنه “للمرة الأولى منذ إعادة توحيدها (عام 1990)، أصبحت ألمانيا الدولة الأكثر إنفاقا على التسلح في أوروبا الغربية”.

ويُعزى ذلك إلى صندوق الدفاع الخاص الذي تبلغ قيمته 100 مليار يورو والذي أُعلن عنه عام 2022.

ويضيف الخبير أن "السياسات الأخيرة التي اتخذتها ألمانيا والعديد من الدول الأخرى تشير إلى أن أوروبا دخلت في مرحلة من الإنفاق العسكري المرتفع والمتزايد، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل المنظور".

وفي ذات السياق، أفادت الصحيفة البرتغالية بأن جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” زادوا من إنفاقهم العسكري خلال عام 2024؛ إذ وصل إجمالي إنفاق الحلف إلى 1.5 تريليون دولار، أي ما يعادل 55 بالمئة من الإجمالي العالمي في هذا المجال.

وأنفق 18 من أصل 32 عضوا بالحلف ما لا يقل عن 2 بالمئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على قواتهم المسلحة، مقارنة بـ11 دولة فقط عام 2023.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، تلفت الصحيفة إلى أن إنفاقها العسكري ارتفع بنسبة 5.7 بالمئة في عام 2024.

وبوصوله إلى 997 مليار دولار، توضح أنه يمثل 66 بالمئة من إجمالي إنفاق حلف الناتو و37 بالمئة من الإنفاق العسكري العالمي في عام 2024. 

وفي هذا الإطار، توضح جيد غيبيرتو ريكار، الباحثة في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد "ستوكهولم"، أن "الزيادة السريعة في نفقات أعضاء الناتو الأوروبيين جاءت مدفوعة بشكل رئيس بالتهديد الروسي المستمر، وبالقلق من احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الحلف".

الشرق الأوسط

وبتسليط الضوء على الشرق الأوسط، تقول الصحيفة: إن "نفقاته العسكرية بلغت نحو 243 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 15 بالمئة مقارنة بعام 2023، وبارتفاع بنسبة 19 بالمئة عن مستويات عام 2015". 

وبالنظر إلى إسرائيل، فقد سجلت زيادة بنسبة 65 بالمئة لتصل إلى 46.5 مليار دولار، وهي الأكبر سنويا منذ حرب الأيام الستة عام 1967.

وتضيف الصحيفة كذلك أن "عبء الإنفاق العسكري ارتفع فيها إلى 8.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ثاني أعلى معدل في العالم".

أما لبنان، فقد ارتفعت نفقاته العسكرية بنسبة 58 بالمئة لتصل إلى 635 مليون دولار، بعد سنوات من الإنفاق المنخفض نتيجة للأزمة الاقتصادية والاضطرابات السياسية.

وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن زبيدة كريم، الباحثة في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم، قولها: "رغم التوقعات الواسعة بأن العديد من دول الشرق الأوسط سترفع إنفاقها بهذا المجال في عام 2024، فإن الزيادات الكبرى اقتصرت على إسرائيل ولبنان".

وأضافت الخبيرة: "في أماكن أخرى، لم تزد الدول من إنفاقها بشكل كبير ردا على الحرب في غزة، أو أعاقتها القيود الاقتصادية عن ذلك".

وهنا، تنوّه الصحيفة إلى أنه من بين هذه الدول إيران، التي سجلت تراجعا بنسبة 10 بالمئة بالقيمة الحقيقية، ليبلغ إنفاقها 7.9 مليارات دولار.

ورغم تورطها في نزاعات إقليمية، تعزو الصحيفة هذا الانخفاض إلى تأثير العقوبات المفروضة عليها.

خطر مرتقب

وبإلقاء نظرة على آسيا، تبرز أن الصين، ثاني أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكري في العالم، زادت نفقاتها بنسبة 7 بالمئة لتصل إلى نحو 314 مليار دولار.

وسجلت بذلك ثلاثة عقود متواصلة من النمو؛ حيث تمثل بكين وحدها 50 بالمئة من إجمالي الإنفاق العسكري في آسيا وأوقيانوسيا.

ومن جانبها، سجلت اليابان أيضا زيادة ملحوظة بنسبة 21 بالمئة لتصل إلى 55.3 مليار دولار، وهو أكبر ارتفاع سنوي منذ عام 1952.

في حين ارتفع إنفاق الهند -خامس أكبر منفق عسكري عالميا- بنسبة 1.6 بالمئة ليبلغ 86.1 مليار دولار، وفق الصحيفة.

وفي النهاية، تنقل عن نان تيان، مدير برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم، قوله: إن "كبار المنفقين بهذا المجال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يكرسون موارد متزايدة لتطوير قدرات عسكرية متقدمة".

ويرى الخبير أنه "في ظل النزاعات غير المحسومة والتوترات المتصاعدة، فإن هذه الاستثمارات قد تدفع المنطقة إلى دوامة خطيرة من سباق التسلح".