بينها "أمازون كلاود".. كيف تساعد شركات عملاقة جيش إسرائيل في إبادة غزة؟
“السعة الهائلة لنظام أمازون ويب سيرفيسز تسمح للجيش بالحصول على تخزين لا نهاية له”
بشكل علني ولأول مرة، كشف الجيش الإسرائيلي أنه يستخدم في إبادته المتواصلة لسكان قطاع غزة، خدمات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي التي تقدمها شركات التكنولوجيا المدنية العملاقة.
وتحدثت عن ذلك قائدة وحدة مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات في الجيش -توفر معالجة البيانات للجيش بأكمله- في مؤتمر بعنوان "تكنولوجيا المعلومات للجيش الإسرائيلي"، قرب تل أبيب.
وفي خطابها أمام حوالي 100 عسكري وموظف، في 10 يوليو/تموز، أكدت وفي شرائح محاضرة العقيد، راحيل ديمبينسكي، ظهرت شعارات أمازون ويب سيرفيسز (AWS)، وجوجل كلاود، ومايكروسوفت أزور.
والتخزين السحابي هو وسيلة لتخزين كميات ضخمة من البيانات الرقمية عن بُعد، غالبا على خوادم تُشغَّل بواسطة طرف ثالث.
ثروة مجنونة
وشرحت ديمبينسكي أن وحدتها العسكرية، المعروفة باختصارها العبري "مامرام"، كانت تستخدم بالفعل "سحابة تشغيلية" على خوادم عسكرية داخلية، بدلا من السحب العامة التي تُديرها شركات مدنية، بحسب موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” الأميركي.
ووصفت هذه السحابة الداخلية بأنها "منصة أسلحة"، تتضمن تطبيقات لتحديد الأهداف للضربات الجوية، وبوابة لعرض اللقطات الحية من الطائرات المسيرة فوق سماء غزة، بالإضافة إلى أنظمة الإطلاق والقيادة والسيطرة.
ولكن مع بدء الغزو البري للجيش الإسرائيلي في غزة أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أوضحت ديمبينسكي أن الأنظمة العسكرية الداخلية "سرعان ما أصبحت مثقلة".
يأتي ذلك بسبب العدد الهائل من الجنود والعسكريين الذين أُضيفوا إلى المنصة كمستخدمين، مما تسبب في مشاكل تقنية هددت بإبطاء الوظائف العسكرية الإسرائيلية.
وأوضحت ديمبينسكي أن المحاولة الأولى لحل المشكلة تضمنت تفعيل جميع الخوادم الاحتياطية المتاحة في مستودعات الجيش وإنشاء مركز بيانات آخر، لكن ذلك لم يكن كافيا.
ولذلك، قرر الجيش الإسرائيلي أنه بحاجة إلى "اللجوء إلى الخارج، إلى العالم المدني".
ووفقا لها، أتاحت الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى للجيش شراء مساحة تخزين وخوادم معالجة غير محدودة بضغطة زر، دون الحاجة إلى تخزين الخوادم فعليا في مراكز الكمبيوتر التابعة للجيش.
لكن "الميزة الأكثر أهمية" التي قدمتها الشركات التي تقدم التخزين السحابي، حسبما قالت ديمبينسكي، كانت قدراتها المتقدمة في الذكاء الاصطناعي.
وقالت مبتسمة: "لقد وصلنا بالفعل إلى نقطة تحتاج فيها أنظمتنا فعليا إلى الثروة المجنونة من الخدمات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي".
وأضافت أن العمل مع هذه الشركات قد منح الجيش "فعالية تشغيلية كبيرة جدا" في قطاع غزة.
لكن لم تحدد ديمبينسكي الشركات التي اشترى الجيش الإسرائيلي منها هذه الخدمة، أو كيف ساعدت الجيش.
ومع ذلك، كشف تحقيق جديد أجرته مجلة "+972 Magazine"، وموقع "Local Call" الإسرائيليين، أن الجيش خزّن فعليا بعض المعلومات الاستخباراتية التي جمعها من خلال المراقبة الجماعية لسكان غزة على خوادم تديرها "أمازون ويب سيرفيسز"، التابعة لشركة أمازون.
وأظهر التحقيق أن بعض مزوّدي الخدمات السحابية قدموا للجيش الإسرائيلي مجموعة واسعة من قدرات وخدمات الذكاء الاصطناعي منذ بداية العدوان على غزة.
واعتمد التحقيق على مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وفي صناعة السلاح، وثلاث شركات تقدم خدمات تخزين سحابي، وسبعة مسؤولين في الاستخبارات شاركوا في العمليات منذ بدء الاجتياح البري.
وأوضحت “كيف يستعين الجيش الإسرائيلي بالموارد المتاحة في القطاع الخاص لتعزيز قدراته التكنولوجية” خلال العدوان.
تخزين لا نهاية له
وأكدت ثلاثة مصادر استخباراتية أن التعاون بين الجيش الإسرائيلي و"أمازون ويب سيرفيسز" وثيق للغاية، حيث تقدم الأخيرة لوحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مركز بيانات خاصا، يُستخدم لتخزين كميات ضخمة من المعلومات الاستخباراتية التي تدعم الجيش في عملياته الحربية.
ووفقا لمصادر متعددة، فإن السعة الهائلة لنظام "أمازون ويب سيرفيسز" تسمح للجيش بالحصول على "تخزين لا نهاية له"؛ للاحتفاظ بمعلومات استخباراتية عن "الجميع" تقريبا في غزة.
أحد المصادر -التي استخدمت النظام السحابي أثناء العدوان الحالي- وصف التجربة بأنها أشبه بـ "طلب المعلومات من أمازون"، حيث كان ينفذ مهامه العملياتية مستخدما شاشتين، واحدة متصلة بالأنظمة الخاصة للجيش الإسرائيلي والأخرى موصولة بمنصة "أمازون ويب سيرفيسز".
وأكدت مصادر عسكرية أن نطاق المعلومات الاستخباراتية التي جُمعت من مراقبة جميع السكان الفلسطينيين في غزة كبير جدا؛ بحيث لا يمكن تخزينها على خوادم عسكرية فقط.
وعلى وجه الخصوص، وفقا لمصادر استخباراتية، كانت هناك حاجة إلى قدرات تخزين وقوة معالجة أكثر شمولا للحفاظ على مليارات الملفات الصوتية (على عكس المعلومات النصية أو البيانات الوصفية فقط)، مما أجبر الجيش على اللجوء إلى خدمات الحوسبة السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا.
وساعدت الكمية الهائلة من المعلومات المخزنة في سحابة أمازون، كما شهد مصدر عسكري، في تأكيد ضربات الاغتيال الجوي في غزة في بعض الحالات، تلك الضربات التي كانت تقتل وتؤذي المدنيين الفلسطينيين أيضا.
الجدير بالذكر أنه في عام 2021، وقعت إسرائيل عقدا مشتركا مع جوجل وأمازون يسمى "مشروع نيمبوس".
وكان الهدف المعلن للعقد، الذي كان بقيمة 1.2 مليار دولار، هو تشجيع الوزارات الإسرائيلية على نقل أنظمة المعلومات الخاصة بها إلى خوادم السحابة العامة لتلك الشركات.
وكانت الصفقة حينها مثيرة للجدل للغاية، حيث وقع مئات العمال في كلتا الشركتين على رسالة مفتوحة تدعو إلى قطع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي.
ونمت الاحتجاجات من قبل موظفي أمازون وجوجل منذ 7 أكتوبر 2023، تحت شعار "لا لتكنولوجيا الفصل العنصري".
وفي أبريل/نيسان 2024، طردت شركة جوجل 50 موظفا لمشاركتهم في احتجاج في مكاتب الشركة بنيويورك.
سرية المعلومات
وذكرت تقارير إعلامية أن الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع سيقومان فقط بتحميل المواد غير السرية إلى السحابة العامة في إطار "مشروع نيمبوس".
لكن التحقيق يكشف أنه منذ أكتوبر 2023 على الأقل، تقدم هذه الشركات خدمات تخزين البيانات والذكاء الاصطناعي لوحدات الجيش التي تتعامل مع المعلومات السرية.
وأخبرت مصادر أمنية متعددة أن الضغط على الجيش الإسرائيلي منذ أكتوبر أدى إلى زيادة كبيرة في شراء الخدمات من أمازون ويب سيرفيسز(AWS)، وجوجل كلاود، ومايكروسوفت أزور.
وأوضح مصدر أمني أنه في بداية الحرب، كانت أنظمة الجيش الإسرائيلي مثقلة للغاية لدرجة أنهم فكروا في نقل النظام الاستخباراتي -الذي كان بمثابة الأساس للعديد من الهجمات في غزة- إلى خوادم سحابية عامة.
وقال المصدر: "كان عدد المستخدمين أكثر بـ 30 مرة، لذا فقد تعطل النظام الخاص بالجيش الإسرائيلي".
وتابع قائلا: "ما يحدث في السحابة [العامة] هو أنك تضغط على زر، وتدفع ألف دولار إضافية لذلك الشهر لتحصل على 10 خوادم".
وتابع: "فإذا ما بدأت الحرب، تدفع مليون دولار، وتحصل على ألف خادم إضافي، وهذه هي قوة السحابة، فلهذا السبب، ضغط العديد من الأشخاص في الجيش الإسرائيلي للعمل مع السحابة".
ومع ذلك، حتى داخل الجيش، أعرب البعض عن مخاوفهم بشأن احتمال حدوث اختراق للبيانات، بحسب موقع “ريسبونسبل ستيتكرافت”.
وقال مصدر استخباراتي: "عندما بدأوا في التحدث إلينا حول السحابة، وسألنا عما إذا كانت هناك مشكلة تتعلق بأمن المعلومات في إرسال معلوماتنا إلى شركة خارجية، قيل لنا إن هذا [الخطر] يتضاءل مقارنة بقيمة استخدامه".
وأفادت مصادر مجلة "+972 Magazine"، وموقع "Local Call" بأن معظم المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالجيش الإسرائيلي حول المقاتلين العسكريين الفلسطينيين تُخزن على الأنظمة الداخلية للجيش، وليس على السحابات العامة المتصلة بالإنترنت.
ومع ذلك، وفقا لثلاثة مصادر أمنية، فإن أحد أنظمة البيانات التي يستخدمها جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مُخزن على السحابة العامة التابعة لشركة أمازون.
ووفق الموقع، فقد كان الجيش الإسرائيلي يستخدم هذا النظام في غزة للمراقبة الجماعية منذ نهاية عام 2022 على الأقل، لكن استخدامه لم يكن عمليا بشكل كبير قبل اندلاع الحرب الحالية.
أما في الوقت الراهن، وفقا لتلك المصادر، فإن نظام أمازون يحتوي على "مخزون لا نهائي" من المعلومات التي يمكن للجيش الاستفادة منها.
وأكدت مصادر دفاعية أن المعلومات الاستخباراتية المخزنة على "أمازون كلاود" تُعدّ حتى الآن "ضئيلة" من حيث الاستخدام التشغيلي، مقارنة بتلك المخزنة على الأنظمة الداخلية للجيش.
ومع ذلك، أوضحت ثلاثة مصادر شاركت في الهجمات العسكرية الإسرائيلية أن هذا النظام استُخدم في بعض الحالات لتوفير "معلومات إضافية" قبل تنفيذ الغارات الجوية على المقاتلين الفلسطينيين المشتبه بهم، ما أدى في بعض الأحيان إلى مقتل عدد كبير من المدنيين.