هجوم ماكرون على الزعماء الأفارقة بمنطقة الساحل يثير جدلا واسعا.. ما القصة؟

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات غاضبة من دول إفريقية، وذلك بعد تصريحات وصفت بـ"المعادية وذات الحمولة الاستعلائية".

تصريحات ماكرون جاءت خلال انعقاد المؤتمر السنوي للسفراء بباريس، في 6 يناير/كانون الثاني 2025، معلنا بحث أولويات السياسة الخارجية الفرنسية لعام 2025 في مواجهة "الاضطرابات العالمية".

وفي سياق تصريحاته، هاجم ماكرون بشكل مباشر الزعماء الأفارقة، قائلا إن "فرنسا كانت على حق في التدخل عسكريا في منطقة الساحل ضد الإرهاب منذ عام 2013، لكن القادة الأفارقة نسوا أن يقولوا: شكرا".

وأضاف: "لا أحد منهم يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل"، حسب قوله، وأضاف مازحا "لا يهم، سيأتي مع الوقت".

ورفض ماكرون ما يجرى الحديث عنه من أن فرنسا طُردت من إفريقيا، مضيفا أن باريس اقترحت على رؤساء الدول الإفريقية إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي و"بما أننا مهذبون للغاية، فقد سمحنا لهم بالأولوية في الإعلان"، بحسب زعمه.

وأفاد بأن فرنسا غادرت المنطقة "لأنه كانت هناك انقلابات، ولأننا كنا هناك بناء على طلب دول ذات سيادة، ومنذ اللحظة التي حدثت فيها الانقلابات، عندما قال الناس إن أولويتنا لم تعد هي الحرب ضد الإرهاب، لم يعد لفرنسا مكانها".

غضب تشادي

وفي رده على هذه التصريحات، أعرب الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في 7 يناير 2025 عن استيائه من اتهام ماكرون لزعماء أفارقة بـ"الجحود".

جاء ذلك في منشور للرئاسة التشادية على "فيسبوك"، حيث قال ديبي: "أود أن أعرب عن استيائي من التصريحات التي أدلى بها ماكرون أخيرا، وتصل إلى حد الازدراء تجاه إفريقيا والأفارقة".

ورأى أن "ماكرون أخطأ في فهم العصر"، ووصف قرار بلاده وضع حد للتعاون العسكري مع فرنسا بأنه "سيادي".

من جهته، وصف وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، تصريحات الرئيس الفرنسي بأنها: "موقف ازدراء تجاه إفريقيا والأفارقة".

وفي بيان نشرته الخارجية التشادية عبر حسابها على "فيسبوك" في 8 يناير 2025، قال كلام الله: "التاريخ يشهد على أن إفريقيا بما في ذلك تشاد، لعبت دورا حاسما في تحرير فرنسا أثناء الحربين العالميتين، وهي الحقيقة التي لم تعترف بها فرنسا قط".

وأضاف: "تم التقليل من أهمية التضحيات الهائلة التي قدمها الجنود الأفارقة دفاعا عن الحرية، ولم يتم التعبير عن أي شكر ذي معنى".

وشدد كلام الله على أنه "يتعين على القادة الفرنسيين أن يتعلموا احترام الشعوب الإفريقية والاعتراف بقيمة تضحياتهم".

وتابع: "فرنسا لم تقم قط بتجهيز الجيش التشادي بشكل كبير، ولم تسهم في تطويره البنيوي، فخلال 60 عاما من وجودها، الذي شهد الحروب الأهلية والتمردات وعدم الاستقرار السياسي لفترة طويلة، كانت المساهمة الفرنسية في كثير من الأحيان مقتصرة على مصالحها الإستراتيجية الخاصة، دون أي أثر حقيقي دائم للتنمية لصالح شعبنا".

وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أعلنت تشاد إلغاء اتفاقية موقعة مع فرنسا لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والأمن.

وجاءت تصريحات ماكرون في أعقاب مطالبة تشاد الحكومة الفرنسية بسحب جميع قواتها من الدولة الإفريقية بحلول 31 يناير 2025.

وقبل أشهر، أنهت باريس وجودها العسكري في مالي، بالتزامن مع إعلان النيجر وبوركينافاسو إنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا.

كما أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي أخيرا عزمه إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده.​​​​

وتراجع نفوذ فرنسا العسكري والاقتصادي والثقافي في دول إفريقية، بالتزامن مع مطالب إفريقية بتصفية الإرث الاستعماري، وفق مراقبين.

ومقابل تراجع نفوذ فرنسا، الدولة الاستعمارية السابقة، دخلت أطراف دولية جديدة إلى المنطقة، لا سيما الصين وروسيا.

نفي سنغالي

تفاعلا مع تصريحات ماكرون، نفى الوزير الأول السنغالي، عثمان سونكو، أن يكون الانسحاب المعلن للجنود الفرنسيين من بلاده قد تم من خلال مفاوضات بين باريس وداكار.

واستنكر سونكو عبر منشور على “فيسبوك” في 6 يناير 2025، بشدة تصريحات ماكرون بشأن الالتزام العسكري الفرنسي في إفريقيا.

ووصف سونكو التصريحات التي تفيد بأن انسحاب مئات الجنود الفرنسيين جاء بناء على مقترح من فرنسا التي تركت للدول المعنية أسبقية الإعلان عن هذا الانسحاب بأنها "خاطئة تماما".

وأكد قائلا "لم تجرِ أي مفاوضات حتى الآن، والقرار الذي اتخذته السنغال نابع من إرادتها بصفتها دولة حرة ومستقلة وذات سيادة".

ويرى سونكو أن "فرنسا في كثير من الأحيان قد ساهمت، على العكس من ذلك، في زعزعة استقرار بعض الدول الإفريقية مثل ليبيا، مع عواقب وخيمة على استقرار وأمن منطقة الساحل"، مشيرا إلى أنها "لا تمتلك لا القدرة ولا الشرعية لضمان أمن إفريقيا وسيادتها".

في المقابل، اعتبر حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي الفرنسي، أن تصريحات رئيس الدولة "تعكس عمى يصل إلى حد الجنون" وتكشف عن "الأبوية الاستعمارية الجديدة التي لا يمكن التسامح معها".

وأضاف الحزب عبر بيان في 7 يناير 2025، أن "مثل هذه التعليقات غير متسقة سياسيا وغير مسؤولة على الإطلاق دبلوماسيا، وتزيد من إضعاف علاقاتنا مع دول غرب إفريقيا".

إخفاقات متواصلة

وانتقدت مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، ليزلي فارين، ما وصفته بـ"محاولات ماكرون المتكررة في تغيير الحقائق، لتحويل الإخفاقات إلى نجاحات".

واستبعدت أن "يكون انتهاء مصالح فرنسا في منطقة الساحل أحد الأسباب التي دفعته إلى هذا الهجوم والاستفزاز".

وأضافت فارين في تصريح صحفي تعليقا على تصريحات ماكرون، أنه "في إفريقيا، وبالنظر إلى التاريخ الماضي والحديث، فإن هذه النغمة التي يتم إرسالها تعد بمثابة صب الزيت على النار، بدلا من تخفيف التوترات".

واسترسلت: "لأن الرئيس الفرنسي لا يستطيع مواجهة فشله في منطقة الساحل"، معتبرة أن "السياسة الخارجية التي يتبعها تمثل استمراره في إضعاف فرنسا".

أما عن توقيت هذه التصريحات، فتعتقد أنه من الصعب تقديم تحليل واضح لذلك؛ "لأنها صدرت من رئيس الدولة بدون تفكير في العواقب، إلى درجة دفعت تشاد والسنغال إلى الرد بشكل قاسٍ، وخلفت حريقا من الصعب إخماده على مواقع التواصل الاجتماعي"، حسب قولها.

وفي هذا الإطار، تعتبر فارين التي نشرت كتابا بعنوان "إيمانويل ماكرون في منطقة الساحل.. رحلة الهزيمة" أن خطاب الرئيس الفرنسي "خالٍ من أي طابع دبلوماسي، وهو ما يدل على عدم فهمه للقضايا المتعلقة بإفريقيا وعدم اهتمامه بمسألة الحفاظ على الاحترام في العلاقات الثنائية، بما في ذلك المصالح والثقافات الخاصة بكل بلد".

أخطاء جسيمة

قال الصحفي أساني سامب المتخصص في تحليل الخطاب السياسي، إن "فرنسا ترتكب أخطاء جسيمة"، مشيرا إلى أن "هذه ليست المرة الأولى، وبالطبع ستزيد من تطرف القادة الأفارقة".

وأضاف سامب لموقع "قرارات إفريقية" في 13 يناير 2025، "أعتقد أن ماكرون يحاول التعويض عن الأخطاء التي ارتُكِبَت في العلاقات بين فرنسا وإفريقيا، في محاولة لأخذ زمام المبادرة لصالحه".

وأردف: "في الواقع يتحدث إلى الرأي العام الفرنسي والرأي الأوروبي ليُعلمهم أن الوضع تحت السيطرة، وأن ما يحدث هو ما أراده [الفرنسيون]. إنهم لا يزالون يسيطرون على مقاليد العلاقات بين إفريقيا وفرنسا".

وأضاف "الواقع مختلف تماما، لأن الفرنسيين فقدوا السيطرة بالفعل لفترة طويلة".

واسترسل: "من الواضح أن فرنسا ليس لديها سيطرة كبيرة على هذه العلاقات، وهذا هو بالضبط ما أزعج ماكرون وأحرجه إلى حد أنه قام بمثل هذا الخروج الأخرق الذي ستكون له أيضا عواقب سلبية بنفس القدر".

ويعتقد سامب أن هذه التصريحات الأخيرة لماكرون "قد يكون لها عواقب سلبية على العلاقات الفرنسية الإفريقية".

وتابع: "من الواضح أن فرنسا ستخسر المزيد من الأراضي"، مشيرا إلى أن "روسيا هناك، والصين، وهذه الدول موجودة، وهي مستعدة للتعاون بطرق أخرى وبطرق أكثر مرونة بكثير وبوسائل أكثر جوهرية بكثير".

ووفقا للمحلل السياسي، فإن "العلاقة بين فرنسا وإفريقيا بدأت تُرهق، ومع ذلك، فهو يؤكد أنه لا يعتقد أنه سيكون هناك انقطاع تام؛ مثل ذلك الذي أعلنه تحالف دول الساحل الثلاث".

 وأضاف: "لا أعتقد أن دولا أخرى ستحذو حذوها، لا سيما دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، بالتأكيد لا، بالنسبة للعديد من هذه الدول، ستبقى فرنسا شريكا إستراتيجيا، فهناك العديد من الروابط التاريخية والثقافية على جميع المستويات"، بحسب قوله.

وتابع سامب قائلا: "على المستوى الاقتصادي أيضا، نحن لسنا مستعدين للانهيار، ففرنسا قوة اقتصادية وتكنولوجية عظيمة، ونحن بحاجة إلى نقل التكنولوجيا".

تصحيح الأخطاء

في تحليله للمشهد، اعتبر الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، إدريس آيات، أن "الأرقام والشهادات تؤكد أن التدخل الفرنسي لم يسهم في تحقيق الاستقرار ولا في تعزيز سيادة دول الساحل، بل على العكس زاد من حدة الأزمات".

وأضاف آيات لـ"الاستقلال"، أنه "لذلك يبقى السؤال مشروعا: على ماذا تطلب فرنسا الشكر؟ هل على السياسات التي حولت منطقة الساحل إلى مركز للإرهاب العالمي؟ أم على التدخلات التي قوضت سيادة هذه الدول وأفشلت مساعيها للتنمية؟".

وشدد الباحث الأكاديمي على أن "تصريحات ماكرون، بعيدا عن كونها دعوة للاعتراف بجهود بلاده، تعكس فشلا ذريعا في قراءة الواقع، وهروبا من المسؤولية التاريخية التي تحملتها فرنسا تجاه إفريقيا لعقود طويلة".

بدوره، قال المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في الشأن الإفريقي، جان-فيليب بوي، إن "تصحيح أخطاء ماكرون في إفريقيا يعتمد على إرادة سياسية قوية ورؤية إستراتيجية طويلة الأمد"، موضحا أنه "من غير المرجح أن يُظهر خلفاؤه تحسنا ملموسا في المستقبل القريب".

وأضاف بوي لـ"الاستقلال"، أن "التدخل العسكري الفرنسي في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل، كان مبنيا على افتراضات غير صحيحة حول قدرة القوى الغربية على السيطرة على الوضع الأمني".

وأكد أن "ماكرون أخطأ في قراءة ديناميكيات الاستقلالية السياسية في بعض دول القارة، لكن خلفاءه سيكون لديهم تحديات أكبر في محاولة تغيير السياسة الفرنسية بالكامل".

ورأى جان-فيليب بوي أنه "إذا كانت فرنسا جادة في تحسين علاقتها مع إفريقيا، فإنها بحاجة إلى تقديم الدعم الحقيقي للاقتصادات الإفريقية، والمساهمة في تطوير البنى التحتية بدلا من تركيز جهودها على الهيمنة العسكرية".

واعتبر أن "التطورات في الدول الإفريقية، والتغيرات السياسية والاجتماعية في القارة قد تؤثر في قابلية التعاون مع فرنسا، وأن الضغط الدولي، والمنافسة من القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا قد تفرض على فرنسا إعادة التفكير في دورها في القارة".