تل أبيب تهاجم طهران "على استحياء".. وناشطون: ردع مردوع
انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد الرد العسكري المحدود
على غير المتوقع، جاء الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الأخير ضعيفا، رغم توعد قادة الاحتلال باستهداف قوي يشمل أهدافا عسكرية دقيقة وحيوية.
وأعلن جيش الاحتلال فجر 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنه “يهاجم في هذه الأثناء بشكل موجه بدقة أهدافا عسكرية في إيران، ردا على الهجمات المتواصلة للنظام الإيراني ضد إسرائيل على مدار الأشهر الأخيرة”.
وقال إن طائراته قصفت منشآت تصنيع عسكرية استُخدمت لإنتاج الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل (في أكتوبر وقبلها في أبريل/نيسان 2024).
وأضاف: “قصفنا مصفوفات صواريخ سطح-جو وقدرات طيران إيرانية إضافية كانت تهدف إلى تقييد العملية الجوية الإسرائيلية في إيران”.
وشدد على أنه "إذا اقترف النظام الإيراني خطأ بدء جولة جديدة من التصعيد فسنكون ملزمين بالرد". وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن 100 طائرة مقاتلة شاركت في الهجوم على إيران.
لكن الاستهداف أثار الجدل بعد أن وصفه كثيرون بالضعيف على الرغم من استمراره 4 ساعات وتهديدات وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت بالقول "عندما نضرب إيران لن تعرف ماذا حصل لها".
ونشرت صورة لغالانت وهو يتابع على الشاشة ما قيل إنها صورة للضربات الإسرائيلية على إيران، لكن كذّبت قناة “كان” المشهد وقالت إنها صورة لحريق في طهران قبل سنوات.
وزعمت تل أبيب نجاح ضرباتها، فيما قالت طهران إن الأضرار محدودة، بينما ادعت واشنطن أن ضربات إسرائيل جاءت "دفاعا عن النفس".
وبدوره، قال الدفاع الجوي الإيراني، إنه "رغم التحذيرات الإيرانية السابقة من ضرورة تجنب أي مغامرة، استهدف الكيان الصهيوني مواقع عسكرية في محافظات طهران وخوزستان وإيلام".
وأضاف: "رصدنا وأحبطنا بنجاح هذا العدوان، ولحقت أضرار محدودة ببعض النقاط"، لافتا إلى أن "أبعاد الهجوم قيد الدراسة".
وأوضح أن أصوات الانفجارات التي سمعت في طهران، ناتجة عن "تعاملنا مع محاولات الكيان الصهيوني استهداف 3 نقاط".
وبحسب مصادر مطلعة لموقعي واللا الإسرائيلي وأكسيوس الأميركي، فإن "إسرائيل" أبلغت إيران بأهداف هجومها وبعثت رسالة إلى طهران محذرة الإيرانيين من الرد".
وأشارت المصادر إلى أنها كانت محاولة للحدّ من الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتجنّب تصعيد أكبر، ما يظهر عدم رغبة الطرفين في توسيع الحرب.
وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، الرد العسكري المحدود على هجوم إيران الصاروخي الباليستي على تل أبيب خلال أكتوبر، قائلا إنها كان "يجب أن تدفع ثمنا باهظا".
وأضاف في بيان: "كان القرار بعدم مهاجمة أهداف إستراتيجية واقتصادية في إيران خاطئًا، كان بوسعنا وكان ينبغي لنا أن نطالب طهران بثمن أثقل بكثير".
وأدانت بعض الدول الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران، منها السعودية والإمارات وقطر وباكستان وغيرها، محذّرين من توسع رقعة الصراع.
وتباينت ردود الفعل على منصتي "إكس"، و"فيسبوك" حول الهجوم الإسرائيلي على إيران، بين مندد، وآخرين عدوا ما يجرى “مسرحية مشتركة".
وعبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #إسرائيل، #إيران، وغيرها، استدل أصحاب نظرية المسرحية بالتقارير الأميركية والإسرائيلية التي تؤكد أن تل أبيب أبلغت طهران بالهجوم قبل تنفيذه وبالمواقع المستهدفة، مؤكدين أن الحروب لا تدار هكذا.
وذهب ناشطون إلى أن محدودية الرد الإسرائيلي التي أرجعوها لضوابط أميركية قد تكون مؤشرا على اقتراب انتهاء الحرب في المنطقة.
ضربة محدودة
وتفسيرا لمحدودية الاستهداف، أكد الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، أن حجم الضربة الإسرائيلية لإيران تقطع بما لا يدع مجالا للشك عدم رغبة الكيان في الانخراط بمعركة مع طهران تشغلها عن معركتي غزة ولبنان، أو تقود إلى حرب إقليمية.
وأوضح أن أخطر ما يمكن أن يحدث بالنسبة لإسرائيل هو الوقوع في نمط الرد والرد المقابل مع طهران، الأمر الذي سيشغل قدرا كبيرا من القوة الإسرائيلية عن جبهات القتال الرئيسة.
وقال المحلل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية عراب الرنتاوي، إن المؤكد أنها ضربة محدودة، ليست أبدا كما توعدت إسرائيل أو كما تعهد يوآف غالانت: "عندما نضرب إيران لن تعرف ما الذي حصل لها"، ساخرا بالقول: "تمخض الجبل فولد فأرا".
وأشار إلى أن الاحتلال لم يقصف منشآت نووية ولا نفطية ولا حتى مدنية، مؤكدا أن نتنياهو ملجوم أميركيا.
وأضاف الرنتاوي، أن إسرائيل تبالغ في حجم الضربة والأهداف، وهذا جزء من البرباغندا، إيران مرتاحة لمحدودية الضربة.
وأرجع محدودية الضربة الإسرائيلية إلى أن واشنطن لعبت دورا في لجم تل أبيب، ببساطة لأنها لا تريد حرباً إقليمية واسعة قبل أيام من انتخاباتها الرئاسية.
وبين أن طهران لديها ما ترد به لو أن الضربة نُفذت بشكل مغاير، مؤكدا أن إسرائيل أعجز من أن تضرب إيران بقسوة دون مشاركة أميركية.
ورأى الخبير الاقتصادي مراد علي، أن الضربة الإسرائيلية تؤكد على عدة حقائق، منها، أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد اتفقتا على تأجيل الدخول في حرب شاملة ضد إيران.
وذلك لأسباب متباينة؛ فالولايات المتحدة غير مستعدة لخوض صراع إقليمي كبير في هذه المرحلة، فيما تدرك إسرائيل عجزها عن الدخول في حرب دون مساندة عسكرية أميركية مباشرة.
وتوقع أن تواصل "إسرائيل" استهداف أذرع إيران في المنطقة، كحزب الله والحوثيين، إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة لتوجيه ضربة مباشرة للمشروع الإيراني ذاته.
وقال علي، إن هذه التحركات يتضح منها أن قوة إسرائيل الحقيقية أضعف كثيرًا مما يتصوره البعض، مضيفا أن من المحتمل أن يكون للموقف العربي الرافض للحرب الإقليمية دور في هذا القرار؛ فرغم رغبة بعض الأنظمة العربية في القضاء على مشروع المقاومة، إلا أنها تتحفظ على حرب شاملة في المنطقة قد تهدد استقرارها.
وتابع أن على الرغم من الحصار والضغوط التي تعانيها إيران، فإنها أثبتت أنها القوة الإقليمية الأكثر فاعلية والأكبر تأثيرا، بصورة تتجاوز (للأسف) السعودية ومصر وتركيا.
دور أميركي
وسلط ناشطون الضوء على الدور الأميركي، وبرز حديثهم عن انعكاسات الضربة الإسرائيلية المحدودة لإيران على منطقة الشرق الأوسط وما تمثله من اتجاه نحو التهدئة ووقف التصعيد.
وأكد رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، أن ما حدث تم بالضبط كما حددت واشنطن السيناريو، لافتا إلى أن الهجمات الإسرائيلية على إيران ضربت مواقع عسكرية ومصانع الصواريخ والمسيرات.
وأشار إلى أن "إسرائيل" امتنعت عن ضرب المنشآت النفطية والنووية، فيما تجولت مئات الطائرات في شرق إيران وغربها وشمالها وجنوبها، تقصف العاصمة طهران ومدنا أخرى، دون أن تتمكن الدفاعات الجوية الإيرانية من إسقاط طائرة واحدة.
وأكد سلطان، أن التصريحات حتى هذه اللحظة تعطي رضا كاملا من جميع الأطراف، فالإيرانيون راضون عن حجم الضربة وتفادي منشآتهم النفطية والنووية وإعلامهم يهوّن كثيرا من آثارها، وإسرائيل راضية عن تحقيق أهدافها العسكرية وإثبات قدرتها على الوصول إلى أي هدف في إيران.
وأشار إلى أن مواقع إخبارية إسرائيلية ذكرت أن تل أبيب أخبرت إيران قبل ساعات من الهجوم بأهدافه وحذرتها من الرد، مؤكدا أن واشنطن أيضا راضية عن التزام إسرائيل بمطالبها وحدود الضربة، وأن الصفحة طويت بذلك، ضمن اتفاق ثلاثي ضمني.
وقالت أستاذة العلوم السياسية لينا الطبال، إن الضربة الإسرائيلية على إيران لم ترتقَِ إلى مستوى الرد الإيراني الذي، رغم تواضعه النسبي، كان له وقع صاعق على الكيان الإسرائيلي.
ورأت أن هذه الضربة تبيَن حدود استقلالية القرار الإسرائيلي، وخضوعه للضوابط والرؤية الأميركية في المنطقة، مضيفة أن من الممكن أن نقرأ في هذا المشهد مؤشرا على أن التهدئة في الشرق الأوسط قد تكون قادمة، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الأميركية وتزايد احتمالات فوز كامالا هاريس بالرئاسة.
وأعربت المستشارة السياسية ليلى نقولا، عن تفاؤلها بقرب انتهاء الحرب، مؤكدة أن الرد الإسرائيلي على إيران كان لحفظ ماء الوجه، وأن طهران لن ترد -ولو كانت تهدد بذلك- ستأخذ مقابل لعدم الرد.
واستنتجت أن أميركا قايضت الضربة الإسرائيلية المحدودة على إيران بشيء أعطاه لنتنياهو (من الممكن أن يكون سقوط الادعاء في المحكمة الجنائية- ننتظر لنرى ما أعطاه).
ورأى الكاتب وسام عفيفة، أن الرد الإسرائيلي على إيران نزول عن الشجرة، وتراجع عن التهديدات، حيث يظهر حتى الآن تراجعا مقارنة بمستوى التهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال على مدار اسابيع ماضية، مما يعكس محاولات إسرائيلية لخفض التصعيد.
وأشار إلى أن الرد الإسرائيلي كان تقليديا، خاليا من الأهداف النوعية أو الضربات الإستراتيجية التي قد تحدث هزة داخل طهران.
ولفت إلى أن الرد المتواضع يتيح لطهران فرصة للتلويح بحقها في الرد، مما قد يصبح ورقة ضغط دولية، ويفتح نافذة للولايات المتحدة للتدخل والضغط على إسرائيل لضبط سلوكها في باقي الجبهات.
وأكد عفيفة، أن الرد الإسرائيلي لن يكون مقنعا للجمهور الداخلي، خصوصا مع تكرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تهديداته على مدار سنوات بضرب المشروع النووي الإيراني، بينما امتنع عن ذلك في هذه الجولة.
وكتب الباحث العربي مهنا الحبيل: “انتهى الملف الأخير لبدء التسوية الإقليمية الدولية.. ليس الأمر مسرحية كما نكرر دوما.. إنما قواعد لعبة مركزية قذرة تحكم مصالح الغرب الدولية ودولة فارس كدولة قومية تهندس مصالحها”.
وأردف: "التسوية في لبنان ستبدأ إن عاجلا أم آجلا بعد أن سددت طهران جزءا من فاتورة تحجيمها في ذراعها اللبناني المخلص لها.. أما غزة فهي مذبح التاريخ وشهود الوجع في قصة هذه الأرض".
سخرية واستهزاء
وعرض المحلل السياسي ياسين عز الدين، مقطع فيديو يظهر إيرانيين يسخرون من الضربة الجوية الإسرائيلية الضعيفة وخرجوا للسطح ليبحثوا عنها، لافتا إلى أن الغارات كانت محدودة واستهدفت معسكرات جنوب وغرب طهران.
وحذر قائلا: “من فهمي للعقلية الإسرائيلية هذه غارات تمويهية والضربة الحقيقية قادمة على الأغلب في الساعات القادمة.”
وقال الناشط الاجتماعي والسياسي علي مراد، إن إيران تسخر من الضربة الإسرائيلية وتقلل من أذيتها وتأثيرها، ناقلا عن لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني قولها، إن العدو الصهيوني يثير الضجيج فقط وأضعف من أن يصيب إيران بأذى حقيقي.
ونشر الصحفي محمد أبو المجد، صورة من داخل (الحفرة) المحصنة التي يوجد فيها نتنياهو وغالانت تظهر بث الشاشة التي يتابعها وزير الدفاع مشهدا لحريق قديم نشب قرب طهران منذ ٤ سنوات على أنها إحدى صور الضربات الإسرائيلية الحالية، ساخرا بالقول: "بالنسبة لي دي أهم صورة في الليلة".
وقال الكاتب أحمد منصور، إن إسرائيل تدعي أنها فعلت الأفاعيل بإيران، دمرت مصانع وقواعد ومنصات الصواريخ والطائرات المسيّرة وغيرها، وإيران تكذّبها وتدّعي أن الدفاعات الجوية الإيرانية صدتها.
وخلص إلى أنها "حرب نفسية وخسائر مادية محدودة"، قائلا إن هذه خلاصة 6 ساعات من البيانات العسكرية بين الطرفين، والآن انتهي كل شيء، فتحت الأجواء والمدارس.
وعد أستاذ العلوم السياسية عبدالله الشايجي، ما حدث ضربة محدودة لحفظ ماء الوجه وعدم تفجير حرب إقليمية، لافتا إلى أن إسرائيل تضخم حجم الرد المحدود، وإيران تضخم من فشل الهجوم وتؤكد لم تستهدف مواقع للحرس الثوري.
وتوقع أن أي رد إيراني متوقع سيكون محدودا، مكررا أن هدف إسرائيل وإيران إعادة وترميم توازن الردع.
مسرحية ودراما
في المقابل، رأى البعض أن ما يجرى لا يعدو كونه مسرحية، قالت منى أسامة: "إيران لإسرائيل.. متضربنيش جامد، اضربينى بشويش.. يا واش ياواش..".
ورأى حسن خاطر، أن "أحلى حاجة في المسرحية دي أن إيران واليهود بيغنو ويردو على بعض".
وتساءل محمد القرباوي: "أي عداء هذا بين الكيان المسخ ودولة الملالي في إيران.. اضربونا ولكن لا تضربوا هذا ولا ذاك، وأميركا تراقب عن كثب وتطلع على مواقع الضربات قبل حدوثها وتسرب ما تريد وتخفي ما تريد.. وهي التي تسمح أو لا تسمح!".
وقال سلطان القيفي: "انتهى رد إسرائيل على إيران والحصيلة 0 قتلى و 0 خسائر مثل الهجوم الإيراني على إسرائيل تماماً 0 قتلى و 0 خسائر".
ورأى أن الهجوم والرد بين إسرائيل وإيران يكشف حقيقة أن كلتا الدولتين لا تريد الدمار لبلديهم ولكنهما متفقان على تدمير وإبادة الدول العربية.