عودة تدريجية لعمل الوزارات والبلديات.. غزة تنهض من تحت الركام

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم الدمار الواسع والتحديات الكبيرة التي خلفها العدوان، بدأت المؤسسات الحكومية والأمنية والقضائية بغزة في استعادة نشاطها تدريجيا، في مشهد يعكس قدرة الجهاز الإداري على الصمود وإدارة شؤون القطاع تحت أصعب الظروف. 

فمنذ بداية سريان وقف إطلاق النار بغزة 19 يناير/كانون الثاني 2025، بدأت الحكومة في العودة لتشغيل الوزارات كافة تدريجيا، كما انتشرت قوات الشرطة والأمن في مناطق القطاع كافة بالزي الرسمي.

عودة سريعة

وأيضا عادت البلديات للعمل بشكل فعال في إزالة الركام، وفتح الطرقات، وإصلاح تجهيزات الصرف الصحي، وتمهيد مناطق واسعة لإقامة مخيمات جديدة للنازحين.

وتمثل أبرز تطور عقب الحرب، في عودة أعمال وزارة الداخلية بأجهزتها الأمنية كافة بشكل علني، بعد أشهر من الفلتان الأمني، وهيمنة عصابات إجرامية في القطاع.

إذ عاد الأمن بشكل ملحوظ بعد انتشار القوات الأمنية، وبدئها حملات أمنية مركّزة ضد بؤر الجريمة، وتأمينها المساعدات الإنسانية الواردة لغزة.

فيما بدأت وزارة التربية والتعليم عامها الدراسي الجديد، 26 فبراير/شباط 2025، رغم التحديات الجمة من دمار أعداد كبيرة من المدارس وانعدام مقومات الدراسة، والنزوح المتواصل للعائلات التي دمرت منازلها خلال الحرب.

ولم تتوقف أعمال وزارة الاقتصاد خلال الحرب، إلا أنها تضررت كثيرا بسبب استهداف الاحتلال موظفيها، حينما كانوا يتجولون في الأسواق بهدف خفض الأسعار.

ولكن مع وقف إطلاق النار، عاد عملها بشكل أكبر بالتعاون مع الشرطة الفلسطينية، وباتت تنفذ بشكل متواصل حملات ضد التجار الذين يرفعون الأسعار.

كما تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على خطط لإغاثة النازحين وتوزيع المساعدات، ومتابعة احتياجات سكان القطاع، بجانب وزارة الإسكان التي بدأت بحملة لحصر وتقييم الأضرار التي لحقت بالمواطنين؛ تمهيدا لمرحلة إعادة الإعمار.

أما وزارة المالية في غزة، والتي كانت تقدم سلفا مالية للموظفين الحكوميين والمتقاعدين بقيمة 800 شيكل، (220 دولارا) خلال الحرب، فقد باتت تقدم راتبا شهريا بقيمة 1500 شيكل (412 دولار) منذ بدء وقف إطلاق النار. 

فيما تواصل وزارة الصحة تقديم خدماتها الطبية، وإعادة تأهيل المشافي التي دمرها الاحتلال خلال الحرب، وافتتاح المراكز الطبية التي كانت ضمن مناطق وجود القوات البرية.

ولم تنحصر عودة الحياة في غزة على عمل الوزارات والبلديات، بل استأنفت النيابات العامة والمحاكم الشرعية، 25 فبراير 2025، عملها داخل نقاط ومراكز الشرطة، لتسهيل الإجراءات القانونية للمواطنين، و"لضمان سير العدالة".

وحسب منصة "الجبهة الداخلية" التابعة لوزارة الداخلية في غزة، فإن استئناف العمل في هذه المؤسسات يأتي "ضمن جهود حثيثة تبذل لإعادة بناء المؤسسات والنهوض بالمنظومة القضائية، بعد العدوان الغاشم الذي طال كل مناحي الحياة".

بدوره، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة: إن الحكومة باتت تشغل المؤسسات والوزارات والبلديات وتدير شؤون المواطنين، وتؤدي دورها بعد خطة متكاملة، بدأت فور دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

وأضاف لـ “الاستقلال”: “أعدنا تشغيل مرافق حيوية مثل المياه والصرف الصحي، وبدأت البلديات بجهود كبيرة من أجل تنظيف الشوارع وإعادة تأهيلها، وأنجزت الكثير على مدار الفترة السابقة”.

وتابع: "كذلك ندير الأسواق ونحرص على منع رفع الأسعار والاحتكار، ونشغل المرافق العامة تدريجيا وفقا لتوجيهات السلامة العامة".

وأكد الثوابتة أن "الأمن مستقر وتحت السيطرة الكاملة لقوات الشرطة الفلسطينية، التي بدأت تنفيذ خطة أمنية لضمان سلامة المواطنين"، على الرغم من استشهاد نحو 1400 من منتسبيها خلال العدوان، وفق بيان رسمي.

وذكر أنه "فور وقف إطلاق النار بدأنا نشر الآلاف من عناصر الشرطة في مختلف محافظات القطاع كما نفذت حملات أمنية استهدفت المجرمين والخارجين عن القانون والعصابات التي كانت تنشط وتتعاون مع الاحتلال".

وتابع: “تستقبل مراكز شكاوى المواطنين وتعمل على حلها، وتسخر أقصى ما تستطيع من إمكانيات من أجل المحافظة على استتباب الأمن، ومنع أي مظاهر غير قانونية”.

فشل المخططات

وجاءت هذه العودة السريعة بعد شهور من تأكيدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحرب لن تنتهي إلا بعد تدمير كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، واجتثاثها من الحكم، وتعيين حكام غير معادين لإسرائيل.

وفشل نتنياهو في تحقيق وعوده بـ"الانتصار الكامل" و"القضاء التام على حماس" رغم المجازر الدامية والدمار الهائل الذي لحق بمناطق القطاع كافة.

ومنذ الأشهر الأولى للحرب طرح نتنياهو ما أسماها مبادئ اليوم التالي، والتي تضمنت إنهاء حماس عسكريا وسلطويا، وسيطرة إسرائيل العسكرية والأمنية على غزة، وإنشاء حكم مدني موال للاحتلال، والحفاظ على حرية مطلقة للعمل العسكري في القطاع.

وسعت إسرائيل، بحكومتها وجيشها ومؤسساتها الأمنية، خلال الحرب لإيجاد بديل لحكم حماس بحيث يكون تابعا لها، ومحميا بقوتها العسكرية على الأرض لكنها فشلت في ذلك.

وأثار تهاوي مخططات "اليوم التالي" تساؤلات كبيرة في الداخل الإسرائيلي، وحتى على المستوى العالمي، بعد أن فشلت الحرب في تدمير حركة حماس وإزالة حكمها كما تعهد الاحتلال كثيرا.

وحول قوة حماس العسكرية الحالية، قال وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن 15 يناير 2025، خلال خطابه الأخير، في المجلس الأطلسي، إن الحركة جندت عددا من المقاتلين الجدد بقدر ما خسرته في غزة.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز، في 23 يناير 2025: إن اليوم الأول من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، أكد أن حركة حماس، لا تزال تسيطر على القطاع، على الرغم من الخسائر التي تكبدتها طوال 15 شهرا من الحرب.

وأضافت أن ظهور مقاتلي كتائب القسام أو موظفي حفظ الأمن بلباسهم الرسمي، وأسلحتهم وسياراتهم "بلمح البصر" فاجأ إسرائيل، وأرسل لها رسالة مفادها أن الحركة لا تزال تحكم غزة، رغم مقتل بعض قادتها وعناصرها.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، 25 فبراير 2025، عن مسؤولين ومصادر عسكرية إسرائيلية أن مسلحي حركة حماس في قطاع غزة، أعادوا تنظيم صفوفهم في وحدات قتالية جديدة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن المصادر نفسها: إن آلافا من مقاتلي حماس لم يغادروا شمالي القطاع. موضحة أن الحركة "تعلمت دروسا أساسية" من العمليات البرية الإسرائيلية السابقة، وفق تعبيرها.

وتابعت أن حركة حماس استعادت خلال فترة وقف إطلاق النار السيطرة على المؤسسات المدنية، وأعادت تأسيس أنظمة الضرائب لتمويل رواتب عناصرها، كما استخدمت الحكم المدني لإعادة بناء قوتها العسكرية والاقتصادية، على حد تعبيرها.

مراكمة التجربة

ومن جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن حركة حماس تعد جزءا متأصلا في النسيج الفلسطيني، وقد راكمت تجربة إدارية وحكومية متقدمة، رغم الضغوط والتحديات التي واجهتها منذ نجاحها في الانتخابات عام 2006. 

فمنذ اللحظة الأولى، وجدت نفسها في مواجهة حصار خانق وعدوان متكرر، بدءا من 2008، مرورا بـ 2012، 2014، و2021، وسلسلة من المواجهات التي كانت تخرج منها أكثر قوة وتنظيما.

وأضاف في حديث لـ “الاستقلال”: "رغم محاولات الاحتلال المستمرة لضرب البنية الإدارية، نجحت الحركة في بناء منظومة طوارئ فعالة، وأصبح جهازها الحكومي قادرا على العمل في أقسى الظروف، فلم تتمكن إسرائيل من شلّ القدرات الإدارية والبيروقراطية في غزة".

 "إذ أثبت العنصر البشري قدرته على العمل والاستمرار، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعدم انتظام الرواتب، بل وتمكن من ابتكار آليات عمل في بيئات شديدة التعقيد، بما فيها بيئة الحرب ذاتها". 

وشدد المدهون على أن هذا الصمود الإداري يعود إلى الانتماء العميق للمشروع الوطني؛ حيث يدرك الموظفون والعاملون أنهم جزء من "مشروع نبيل"، ويرون في نجاحه استمرارا لصمود شعبهم.

كما أن قدرة حماس على التنظيم والتكيف مع المتغيرات مكّنتها من تجاوز العقبات التي فرضها الاحتلال، ما جعل الجهاز الإداري والبيروقراطي في قطاع غزة مستمرا في أداء دوره، نابضا بروح الانتماء والتحدي، حسب تعبيره.

واستدرك "لا شك أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة شكّلت ضربة قوية لقدرات حماس، خاصة على المستوى الحكومي والإداري، لكنها لم تستطع كسرها أو شلّ حركتها بالكامل".

وتابع المدهون "إن استمرار العمل الحكومي وسط هذه الظروف الصعبة، يعكس صلابة ومتانة جهاز حماس الحكومي والإداري، ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يجد الاحتلال الإسرائيلي بديلا عن الحركة لإدارة قطاع غزة".

وأكد أنه رغم العدوان والتدمير، لا تزال حماس تحظى بحاضنة شعبية واسعة وجبهة داخلية متماسكة. 

فالجرائم التي ارتكبها الاحتلال لم تؤدِ إلى عزلة الحركة، بل على العكس، زادت من شعبيتها ورسّخت التفاف كوادرها وأنصارها حولها. 

في المقابل، أي جهة تسعى للحلول مكانها دون شرعية وطنية ستُقابل برفض شعبي مطلق، وفق المدهون.

واختتم حديثه قائلا “حماس لا تزال قوة سياسية وعسكرية متماسكة، قادرة على الحفاظ على إدارتها وحكمها، بفضل كتائب القسام التي أثبتت قدرتها على مواجهة الاحتلال وتكبيده خسائر فادحة”.

كما أن قيادة حماس أوضحت موقفها بجلاء: أي قوة تحاول دخول غزة دون تنسيق معها ستُعامل كقوة احتلال، ما يعني أن فرض بديل بالقوة ليس خيارا بسيطا أو ممكنا، وفق المدهون.