توسع النفوذ الإيراني في أميركا اللاتينية.. كيف يهدد مصالح إسرائيل؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تحت عنوان "أذرع الأخطبوط الإيراني تعزز قبضتها"، يحذر معهد دراسات إسرائيلي من تبعات توسيع طهران هيمنتها السياسية والأمنية والاقتصادية على أميركا اللاتينية خلال السنوات القليلة الماضية.

ورأى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن إيران "تحاول الاستفادة من التغيرات السياسية التي تشهدها القارة، وعلى رأسها صعود الأحزاب اليسارية إلى سدة الحكم".

وهو الأمر الذي دفع المعهد للتساؤل حول "كيف ولماذا ينبغي لإسرائيل أن تعمل على منع المزيد من التوسع الإيراني في هذه البلدان؟".

واستعرض في مقاله مكامن الخطر على مصالح إسرائيل، جراء تعمق العلاقة بين إيران ودول الجنوب العالمي.

ودعا المعهد العبري إسرائيل لتبني إستراتيجية واسعة هدفها تقييد علاقات إيران بدول أميركا الجنوبية.

قواسم مشتركة

وبداية، أشاد بموقف الأرجنتين المتباين عن مواقف باقي دول أميركا اللاتينية، فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، ودعم القضية الفلسطينية.

وذكر في هذا الصدد تصنيف الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي في 13 يوليو/تموز 2024، حركة المقاومة الإسلامية حماس في الأرجنتين، "منظمة إرهابية دولية" على خلفية تنفيذها عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضاف: "إدارة الرئيس خافيير ميلي داعمة ومتحمسة للولايات المتحدة وإسرائيل، وتعرف جيدا وعن كثب الضرر الناجم عن أنشطة الإرهاب الإيراني".

واسترجع توترات العلاقة في الماضي بين إيران والأرجنتين قائلا: "لا تزال حكومة بوينس آيرس تتهم طهران بالمسؤولية عن الهجمات على السفارة الإسرائيلية في العاصمة عام 1992، وكذلك على مبنى الجالية اليهودية عام 1994".

وأثنى المعهد على سياسة الرئيس ميلي قائلا: "على النقيض تماما من الإدارات السابقة في البلاد، فالإدارة الحالية مستعدة للوقوف في وجه إيران ومحور المقاومة، وليست مستعدة (لإخفاء المشكلة)".

وتابع: “وهذا ليس قرارا يتعلق بحماس فحسب، بل أيضا بالمحاولات الأرجنتينية لتسلم (ومحاكمة) وزير الداخلية الإيراني الأسبق أحمد وحيدي، المتهم بالتورط في نفس الهجمات منذ 30 عاما، كجزء من الجهد الشامل في تلك القضية”.

إذ طالبت إدارة خافيير ميلي بتقديم المسؤولين عن هذه الهجمات إلى العدالة.

على الجانب الآخر، رصد المعهد تعمق العلاقة بين طهران وعدة دول في أميركا الجنوبية، حتى عد أن "السياسة الأرجنتينية تفردت تجاه إيران عن دول القارة، خاصة منذ بداية الموجة اليسارية في الإقليم".

وادعى أن طهران استغلت الوضع وزادت من أنشطتها بشكل كبير في أميركا الوسطى والجنوبية، واختارت المزيد من الدول لتوطيد العلاقات معها.

ومن وجهة نظر المعهد، فإن "إيران ترى بأنه يمكن العمل مع الأنظمة التي وصلت فيها أحزاب يسارية إلى السلطة، من أجل تضييق النفوذ الأميركي، والإضرار بمحاولات دولة إسرائيل توسيع قبضتها السياسية والأمنية عليها".

وأكمل: "هذه الحقيقة تتناسب مع المفهوم الواسع لإيران، والذي يشمل العمل مع كل من هو مستعد لتوحيد الجهود ضد النفوذ الغربي من أي نوع كان".

ولهذا رأى أن طهران تحركها المصلحة البراغماتية، مبينا أنه "رغم أن إيران دولة ثيوقراطية -أي دولة يعد فيها الإسلام الشيعي أعلى مرجعية- إلا أنها مستعدة للتعاون مع الأنظمة العلمانية وحتى الماركسية، التي لا يوجد شيء مشترك بينها وبين الدين".

علاوة على ذلك، يشير إلى أن نضال دول أميركا اللاتينية من أجل التحرر من "المحتل الأجنبي" الغربي، في نظر إيران، يشبه إلى حد كبير نضالها ضد الغرب، وبالتالي فهي دول متشابهة التفكير، ولديها الكثير من القواسم المشتركة.

علاقات متصاعدة 

واستعرض المعهد علاقات طهران مع بلدان القارة، قائلا: “إيران تستثمر جهودها السياسية والأمنية في عدد من الدول الرئيسة، وعلى رأسها فنزويلا”.

وبين أن فنزويلا تعد مركز نشاط إيران في القارة وأن "علاقات البلدين تشمل، إلى جانب النشاط الدبلوماسي المشترك، أيضا نظاما واسعا من العلاقات الأمنية المبنية على تقديم طهران دعما عسكريا كبيرا للعاصمة كاراكاس، مثل الطائرات بدون طيار والسفن".

ولا تنفرد فنزويلا بكونها الدولة الوحيدة التي تركز عليها إيران جهودها، فوفق المعهد، تعد بوليفيا أيضا "دولة صاعدة" من حيث التأثير الإيراني. 

وأشار هنا إلى أن الاتفاق الأمني الذي وقعته الدولتان، في يوليو/ تموز 2023، والذي يتضمن من بين أمور أخرى بيع الطائرات بدون طيار وسفن النهر للنظام البوليفي.

هذا بالإضافة إلى التعاون في مجال الأمن السيبراني والتدريبات العسكرية المشتركة.

وهو ما يدل على عمق التعاون المتطور بين إيران وبوليفيا، حيث يسعى النظام الحالي في الأخيرة إلى توسيعه.

ويضيف المعهد: “بالإضافة إلى ذلك، تستمر إيران في تعميق علاقاتها مع نيكاراغوا وكولومبيا”.

إذ تسعى للاستفادة من حكم الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي يعد معارضا صريحا وقويا ضد النفوذ الغربي في بلاده.

كما تواصل إيران أيضا توسيع التعاون مع كوبا، خاصة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية.

وتستهدف إيران كذلك تعزيز علاقاتها مع البرازيل بشكل كبير، التي تراها كدولة رئيسة في القارة.

وبين المعهد أن "النظام في إيران عد انتخاب لولا دا سيلفا، تحولا دراماتيكيا في سياسة البرازيل، وهو ما تجلى أيضا في انضمامها إلى مجموعة بريكس".

وأضاف: "بالنسبة لإيران، تشكل هذه فرصة فريدة لتعميق بصمتها في دولة رئيسة، من حيث قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي".

ويتدخل البعد الديني أيضا في تحركات إيران، إذ زعم المعهد أن "طهران تسعى لتوسيع نفوذها وتأثيرها على مئات الآلاف من المسلمين الشيعة، الذين يعيشون في أنحاء البرازيل".

من جانبها، يبدو أن برازيليا تعاطت بشكل إيجابي مع تطلعات طهران لتوثيق العلاقات.

ويقول المعهد: "إن سماح البرازيل لسفينة بحرية إيرانية، بالرسو في موانئها عام 2023، كان دليلا على التغيير الذي طرأ على تصورات برازيليا تجاه طهران، وعلى دفء العلاقات بين البلدين".

وزعم وجود "مؤامرات إرهاب إيرانية اكتشفت عام 2023 في بيرو والبرازيل"، كما ادعى "حدوث استخدام واسع لجوازات السفر البوليفية من قبل الإيرانيين".

وادعى أن تلك الحوادث تشير إلى "أن إيران (مباشرة أو من خلال النفوذ الذي يتمتع به حزب الله في القارة)، تسعى للاستفادة من وجودها هناك أيضا، لتحقيق مكاسب عملياتية، وتعزيز أنشطة الإرهاب، بالاعتماد على الدول التي يكون نظامها صديقا لطهران".

ورأى المعهد أن زيارة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي إلى فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا عام 2023، أكدت الأهمية الكبيرة التي توليها إيران لأميركا اللاتينية، كجزء من مساعيها الواسعة لتعزيز علاقاتها مع دول "الجنوب العالمي"، وبالتالي كسر العزلة السياسية المحيطة بها. 

ويؤكد على أن "وفاة رئيسي لن تغير هذه السياسة الإيرانية، فالرئيس المنتخب مسعود بزشكيان قد صرح بالفعل برغبته في متابعة سياسة سابقه".

تقاعس غربي

وانتقد المعهد تقاعس الغرب خاصة الولايات المتحدة الأميركية، أمام محاولات إيران والصين وروسيا استغلال الفراغ وزيادة قبضتهم على أميركا اللاتينية.

وبرر حالة عدم النشاط الأميركي في أميركا الجنوبية بانشغالها -خاصة منذ 7 أكتوبر 2023- بمحاولة منع اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، مما جعلها تُظهر اهتماما أقل بما يحدث في "فنائها الخلفي"، وخصوصا فيما يتعلق بتهديد مستوى نفوذها في القارة.

ومع ذلك، على الرغم من اجتياح اليسار لأميركا اللاتينية، سواء حاليا أو سابقا في عدد من الدول بما في ذلك الأرجنتين، والإكوادور، وغواتيمالا -وهي دول يحكمها اليمين حاليا- فإن صعود أنظمة موالية للغرب، قد يشكل نقطة انطلاق لنشاط مضاد للتأثير الإيراني المتزايد في القارة، وفق تقديره.

ويتابع: "تعمل هذه الدول من منطلق فهم أن إيران والدول المدعومة منها، تشكل تهديدا أمنيا حقيقيا لأي دولة تتعاون إستراتيجيا مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن تصاعد النشاط الإيراني يهددها أيضا".

في السياق الإسرائيلي، يشير المعهد إلى أن “الحملة لزيادة الضغط على نظام طهران، لا يمكن أن تركز فقط على الشرق الأوسط”.

ويرى أن هناك حاجة لزيادة الضغط على إيران أيضا من خلال كبح محاولاتها، لتأسيس تأثير سياسي وأمني في تلك المناطق من (الجنوب العالمي) إفريقيا وأميركا اللاتينية.

والسبيل لتحقيق ذلك بحسب قوله هو أن “تعمل إسرائيل على تعزيز علاقاتها مع الدول التي تعارض إيران”.

وذكر أنه: "إذا أمكن، ينبغي عليها تقديم دعم أمني ودبلوماسي لتلك الدول، لمساعدتها في مواجهة إيران وحزب الله، الذي يعمل في القارة بتوجيه إيراني في مجال تهريب المخدرات، وتجنيد عناصر محلية لتنفيذ عمليات إرهابية".

وينصح إسرائيل بـ "التنسيق مع الإدارة الأميركية لوضع خطة منظمة لتقليص النشاط الإيراني في أميركا اللاتينية، إذ إن درجة تأثير وحضور الولايات المتحدة في العديد من دول القارة، تشكل منصة ملائمة لتنفيذ أي خطة من هذا النوع".

وزعم المعهد أن “قطع بعض الدول في أميركا اللاتينية علاقتها مع إسرائيل، يعود إلى وجود تأثير إيراني عليها”.

ويقول إن تجاهل أنشطة طهران في أميركا اللاتينية، لا يعرض مصالح إسرائيل فقط للخطر، ولكن قد يؤدي أيضا إلى أن تطلب دول أخرى قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تل أبيب، بسبب الضغط الذي تمارسه عليها إيران ودول أخرى.

وأكمل: "بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الإيراني يعرض تلك الدول القليلة في القارة، التي لا تزال تدعم إسرائيل، لنوع من الخطر الحقيقي".

ويختتم مقاله محذرا من أنه "بدون إستراتيجية واسعة تهدف إلى تقليص أنشطة إيران، وبدون تنسيق وتعاون مع الإدارة الأميركية وجهات أخرى، سيستمر نفوذ إيران في التوسع في هذه المنطقة".