معضلة سياسية تعرقل جهود أنور إبراهيم الإصلاحية في ماليزيا.. ما القصة؟
"معضلة سياسية" يواجهها رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، بعد انتهاء انتخابات مجالس الولايات الست التي أجريت في أغسطس/آب 2023، حيث وفرت هدنة مؤقتة تشتد حاجة السياسة الداخلية إليها.
وأُجريت هذه الانتخابات بعد تسعة أشهر من الانتخابات العامة الخامسة عشرة في نوفمبر/تشرين الأول 2022، وكانت بمثابة مقياس لشعبية الحكومة الائتلافية برئاسة إبراهيم، في منتصف مدتها.
وحافظ "تحالف الأمل" (PH) بقيادة إبراهيم، إلى جانب شريكه في الحكومة الاتحادية، حزب "المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة"، المعروف اختصارا باسم (أمنو)، على ثلاث ولايات، هي سيلانجور، وبينانغ، ونيجيري سيمبيلان.
في المقابل، حققت المعارضة ممثلة في "التحالف الوطني" (PN)، والحزب الإسلامي الماليزي (PAS)، أغلبية ساحقة في ولاياتها الثلاث: قدح، وكيلانتان، وترينجانو.
نجاح المعارضة
وقال منتدى شرق آسيا: "في حين أن الاحتفاظ بالسيطرة على الولايات أعطى إبراهيم ارتياحا مؤقتا، فقد حقق (التحالف الوطني) المعارض نجاحات كبيرة في ولايات الساحل الغربي الثلاث".
وأضاف "رغم أن التحالف الحاكم فاز في ولاية سيلانجور، إلا أنه حُرم فيها من أغلبية الثلثين، بينما زاد (التحالف الوطني) عدد مقاعده فيها من 1 إلى 22، وحدثت زيادات مماثلة في المقاعد في ولايتي بينانغ، ونيجيري سيمبيلان".
في المقابل، تمكن "تحالف الأمل" الحاكم من الاحتفاظ بمقعدين في الانتخابات الفرعية الأخيرة في ولاية جوهور.
وأفاد منتدى شرق آسيا بأن "معاقل الحزب الإسلامي الماليزي المعارض ظلت في الولايات التي تسكنها أغلبية من الملايو (السكان الأصليون) في الساحل الشمالي والشرقي لشبه جزيرة ماليزيا".
وفي هذا السياق، زاد دعم "التحالف الوطني" المعارض حتى في الأجزاء شبه الحضرية من ولاية سيلانجور، الواقعة حول محيط المركز الحضري لوادي كلاغ".
وأوضح المنتدى أن "هناك عدة أسباب وراء ذلك، بما في ذلك صعود القومية الماليزية، التي اعتمد عليها قادة التحالف الوطني، خلال الانتخابات العامة الخامسة عشرة، والانتخابات الأخيرة في مجالس الولايات".
وتابع: "إذ إن تراجع حزب (أمنو)، بعد تعرضه لمشكلات التفتت واتهامه بالفساد، ربما لعب دورا في نجاح التحالف الوطني المعارض".
ومع حصول المعارضة ذات الأغلبية العرقية والدينية على دعم الملايو، انتهج تحالف الأمل الحاكم نهجا أكثر محافظة لنيل دعم الملايو، وفق منتدى شرق آسيا.
ففي الفترة التي سبقت انتخابات الولاية، أمرت الحكومة الفيدرالية بحظر ساعات "سواتش" التي تحمل علم الشواذ، وألغت مهرجانا موسيقيا بعد أن ألقى المغني الرئيس في الفرقة خطابا داعما للشواذ.
كما زادت الحكومة الفيدرالية ميزانية وأدوار "JAKIM"، وهي الوكالة الفيدرالية التي تشرف على الشؤون الإسلامية في ماليزيا.
تعزيز الشفافية
وتحركت حكومة إبراهيم لتقييد استخدام غير المسلمين لكلمة "الله" في شبه الجزيرة الماليزية، حيث سحبت استئنافها على حكم محكمة يسمح لغير المسلمين باستخدام كلمة "الله" للإشارة إلى "الإله".
وتهدف الحكومة إلى طرح تعديلات تشريعية، وصفها منتدى شرق آسيا بأنها "مثيرة للجدل"، لرفع دور الشريعة الإسلامية في نظام العدالة الجنائية.
وأوضح أن "تحركات إبراهيم لتعزيز موقعه بين الأغلبية المسلمة تشكل منحدرا زلقا محتملا، يتمثل في استمرار (التحالف الوطني) المعارض في تحديد الأجندة السياسية في البلاد، ما يضع الحكومة في خانة رد الفعل".
"علاوة على ذلك، قد ينشأ تهديد آخر -لكنه أكثر أهمية- يستهدف أجندة الإصلاح، إذا أجلت الحكومة الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية التي تشتد الحاجة إليها؛ سعيا إلى تهدئة الملايو وكسب دعمهم"، وفق المنتدى.
وأردف: "في حين وافقت الحكومة على قانون حرية المعلومات وقانون المشتريات الحكومية الذي طال انتظاره، إلا أنه يجب اتخاذ خطوات ملموسة لإقرارهما في البرلمان".
وأضاف أن "مراجعة منتصف المدة لخطة ماليزيا الثانية عشرة، تقترح تقديم دعم للكهرباء، والديزل، والبنزين، وزيادة المساعدات الاجتماعية".
وشدد المنتدى على أن "التقشف أمر مُلح؛ نظرا للضغوط المالية التي تعاني منها البلاد، وارتفاع الإنفاق العام في السنوات الأخيرة".
ويرى أنه "إذا تمكنت الحكومة من تحقيق ذلك، فسيكون ذلك بمثابة نجاح كبير لها، لأن ترشيد الدعم قد يضعف شعبية إبراهيم بين الأسر ذات الدخل المنخفض، التي تكافح من أجل التكيف مع ارتفاع تكاليف المعيشة".
وبذلك فإن تنفيذ قانون المشتريات الحكومية يعد أمرا بالغ الأهمية؛ لتعزيز الشفافية والقدرة التنافسية في مجال المشتريات العامة.
ومن غير الواضح إذا ما كانت الحكومة تتمتع بالثقة اللازمة، لإصلاح مجموعة كبيرة من الشركات المرتبطة بالحكومة في ماليزيا.
وذلك لأن العديد من هذه الشركات أُنشئت لتمكين مجتمعات بوميبوتيرا (الملايو وغيرها من السكان الأصليين)، ولكنها "أصبحت ضحايا للمحسوبية"، حسب المنتدى.
الحاجة للإصلاح
وأكد أن "الشركات المرتبطة بالحكومة -والتي لا تتمتع بقدرة تنافسية وتتسم بالأداء الضعيف- تشكل ضغطا ماليا على القطاع العام".
وأشار إلى أنه "من الضروري إجراء مراجعة مالية وأدائية شاملة لجميع الشركات المرتبطة بالحكومة، لتحديد أي منها يجب أن يستمر، خاصة تلك الشركات التي لم تُدرَج في البورصة، وبالتالي لا تخضع للتدقيق الدقيق من قبل الجهات التنظيمية، مثل بورصة ماليزيا وهيئة الأوراق المالية".
واستطرد: "لابد أن تنتهي ثقافة التعيينات السياسية في مجالس إدارة الشركات المرتبطة بالحكومة، والتي استمرت عليها إدارة إبراهيم".
وأفاد "منتدى شرق آسيا" بأن "الحكومة أطلقت خططا اقتصادية طموحة، بما في ذلك الإطار الاقتصادي المدني، وخارطة طريق التحول الوطني للطاقة، والخطة الرئيسة للصناعة الجديدة، ومراجعة منتصف المدة لخطة ماليزيا الثانية عشرة".
وأكد على أن "هناك حاجة إلى الإصلاح السياسي للحد من الفساد"، مشيرا إلى أنه "لتنفيذ هذه الإستراتيجيات، فإن بذل جهود الإصلاح الهيكلي أمر ضروري".
ولكن إذا نُظر إلى هذه الإصلاحات على أنها تؤثر على الحصة الاقتصادية للملايو، فإن إدارة إبراهيم ستواجه مقاومة منهم، حسب المنتدى.
وأوضح أن "النهج الأفضل الذي يمكن أن تنتهجه الحكومة يكمن في إثبات أن هذه الإصلاحات من شأنها أن تعمل على توسيع الفرص الاقتصادية للجميع، وتوفير احتياطي مالي محدد في فترة زمنية لأولئك الأكثر تضررا".
ويعد خطاب ميزانية عام 2024، الذي ستُعلن فيه الحكومة عن جزء من أجندتها الاقتصادية، هو الوقت المناسب لفعل ذلك، يوضح المنتدى.
وأضاف أنه "أصبح من الصعب على تحالف الأمل الحاكم أن يحافظ على صورته الإصلاحية، خاصة بعد تعيين رئيس المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، زاهد حميدي، الذي يعاني من الفضائح نائبا لرئيس الوزراء".
ويعتقد المنتدى أن "الإجراء الأخير الذي اتخذه المدعي العام بإعفائه من جميع تهم الفساد، أمر مثير للدهشة".
وأورد أنه "في ماليزيا، يتولى منصبي المدعي العام والنائب العام نفس الشخص"، مشيرا إلى أنه "إذا لم تستجب الحكومة لدعوة المجتمع المدني المستمرة منذ عقود، للفصل بين المنصبين، فستكافح الحكومة لاستعادة مكانتها الأخلاقية".
وختم المنتدى بالقول إنه "يتعين على ماليزيا أن تعيد تفعيل أجندتها الإصلاحية بسرعة، في الوقت الذي تعمل فيه على إيصال الفوائد الاقتصادية إلى الملايو، وهذا يشكل تحديا كبيرا للحكومة".