التوتر بين الدولتين ما زال مستمرا.. متى تعترف صربيا وحلفاؤها باستقلال كوسوفو؟
تحدث مركز أنقرة لدراسة السياسة والأزمات عن الأزمة بين صربيا وكوسوفو، متناولا خلفيتها التاريخية والعوامل المسببة والفاعلة.
وروى المركز في مقال للكاتب فرقان دوغدو قصة كوسوفو وطريقها نحو الحصول على استقلالها.
وبين أن إحدى الأزمات المستمرة في السياسة اليوم هي أزمة استقلال كوسوفو عن صربيا.
فكما كانت الدولتان تشكلان جزءا مهما من تاريخ يوغوسلافيا، فإن صراعهما يشغل جدول الأعمال في السياسة الدولية اليوم.
ويؤدي التوتر بين الدولتين في بعض الأحيان إلى صراعات عنيفة للغاية، كما كان الحال قبل عام 1999.
ومع ذلك، فما زال الرأي العام الدولي يهدف إلى حل هذه الأزمة على الساحة السياسية. ويبدو هذا الحل ممكن مستقبلاً حيث تقدمت كلتا الدولتين مسبقا بطلب عضوية في الاتحاد الأوروبي.
إلا أن الهجوم الذي شنته صربيا في 29 مايو/أيار من نفس العام وأصابت فيه 93 جنديا من قوات حفظ السلام في كوسوفو، يظهر لنا أن التوتر بين الدولتين ما زال مستمرا.
الدولة الاتحادية
تابع الكاتب: تعود الخلفية التاريخية للأزمة بين كوسوفو وصربيا إلى منطقة البلقان في الفترة التي تلي معاهدة لندن عام 1913.
إذ جرى ضم مقاطعة كوسوفو بموجب المعاهدة إلى المملكة التي اجتمع فيها الصرب والكروات والسلوفينيون، والمعروفة أيضًا باسم يوغوسلافيا.
ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، أطيح بالنظام الملكي على يد الماركسي اللينيني تيتو، وجرى إعلان جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الديمقراطية عام 1943، وكانت هذه أولى خطوات الحقبة الشيوعية في كوسوفو وصربيا.
وفيما بعد، تقرر إنشاء دولة فيدرالية عام 1946 ليتم تحديد اسم الدولة باسم جمهورية يوغوسلافيا الشعبية الاتحادية.
وتغير هذا الاسم مرة أخيرة في عام 1963 إلى جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية.
وجرى إدراج العاصمتين الحاليتين بلغراد وبريشتينا في هذه الدولة الفيدرالية تحت اسم جمهورية صربيا الاشتراكية ومنطقة كوسوفو الاشتراكية ذات الحكم الذاتي حتى تم حل البلاد.
وذكر الكاتب أن سلوفينيا كانت أول من انفصل عن جمهورية يوغوسلافيا عام 1991، لتتجلى هذه الرغبة في كوسوفو وصربيا كذلك.
واستطرد: ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث بقيت رغبة كوسوفو في إعلان الاستقلال محض أمنية، واستمر ذلك حتى عام 2008.
اضطهاد واستقلال
تابع الكاتب قائلاً إن القومية الصربية المتزايدة في أعقاب انتهاء حرب البوسنة والهرسك عام 1995 لم تغض النظر عن شعب كوسوفو.
وأدت ممارسات الصرب المضطهدة بهدف فرض هيمنتهم في كوسوفو، إلى اندلاع حرب بين صربيا وشعوب المنطقة.
وانتهت هذه الحرب التي دارت رحاها في نهاية القرن العشرين بانفصال كوسوفو عن الإدارة الصربية عام 1999. وأشار الكاتب إلى أن هذا تم نتيجة دعم حلف شمال الأطلسي لعمليات بريشتينا.
ولفت إلى أن التوتر الشديد بين صربيا وكوسوفو عام 1999 أعطى نتائج لصالح الأخيرة مع تدخل قوة حفظ السلام فيها (KFOR) بقيادة من حلف شمال الأطلسي.
ودخلت العناصر الأولى لقوات حفظ السلام الأراضي الكوسوفية في 12 يونيو/حزيران 1999، بعد أن جرى اعتمادها قبلها بيومين وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1244.
ونتيجة للصراع الذي استمر حتى 20 يونيو 1999، انسحبت القوات الصربية وأصبحت المنطقة تحت سيطرة عناصر قوات حفظ السلام الكوسوفية.
وبلغ عدد عناصر هذه القوات في البداية حوالي 50 ألف رجل وامرأة. وانخفض هذا العدد تدريجيا في الأعوام التالية، ليصل إلى 39 ألفاً عام 2002، وإلى 17500 عام 2003، وإلى 3500 اليوم.
ومن الجدير بالذكر أن قوات حفظ السلام لا تزال تواصل أنشطتها في كوسوفو الحالية.
جمهورية كوسوفو
بعد انفصال إقليم كوسوفو عن الصرب، أجرت الأمم المتحدة سلسلة من الدراسات لبناء دولة جديدة.
وتتعاون بعثة (UNMIK) المنسقة لأنشطة الأمم المتحدة في كوسوفو، مع المنظمات المدنية والأمنية الدولية الأخرى في المنطقة.
كما ترتبط هذه البعثة ارتباطاً وثيقاً مع قوات حفظ السلام في بريشتينا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) وبعثة الاتحاد الأوروبي لسيادة القانون في كوسوفو (EULEX)، ويجري هذا التعاون ضمن إطار القرار 1244 الصادر في عام 1999.
ويستمر الصراع بين كوسوفو وصربيا حتى يومنا هذا. ومن أهم أسباب هذا الموقف هو أن بلغراد لا تعترف بهذه الدولة التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 2008.
وأضاف الكاتب أن صربيا ليست الدولة الوحيدة التي لا تعترف بكوسوفو كدولة. إذ إن هناك دولا مثل روسيا وأذربيجان ورومانيا تتخذ نفس النهج. ومن هنا نرى أن موقف بلغراد يملك تأثيرا على دول أخرى أيضا، وفق قوله.
بل أصبح الاعتراف بكوسوفو موضوعا للتفاوض خلال الاجتماع الذي عقد في أثينا بين الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في 22 أغسطس/آب 2023.
وعرض الزعيم الصربي على نظيره الأوكراني في الاجتماع تقديم صربيا الأسلحة لأوكرانيا مقابل عدم اعتراف الأخيرة بكوسوفو. وإلى جانب كل هذا، فإن التوتر يتزايد بين البلدين وتنطلق احتجاجات ومظاهرات من كلا الجانبين.
وكنتيجة لذلك، فإن ما حدث بين صربيا وكوسوفو يشكل أزمة مستمرة من الماضي إلى الحاضر.
وعلى الرغم من استمرارها في الساحة السياسية اليوم، فقد أدت أيضًا إلى صراعات عسكرية في الماضي.
وتؤدي الأحداث السياسية بين الدولتين إلى تصعيد التوتر من وقت لآخر. وإنّ خير مثال على ذلك ما حدث في 29 مايو 2023.
ويأمل الكاتب أن تكون مشاركة الدولتين في عملية العضوية في الاتحاد الأوروبي، بشرى لحل هذه المشكلة في وقت لاحق.