احتجاجات السويداء مستمرة دون رد من نظام الأسد.. من أين تستمد قوتها؟
تكاد "الإرادة الذاتية" تكون أحد أبرز المقومات التي يمكن أن يتسلح بها أهالي محافظة السويداء في استمرار احتجاجاتهم المفتوحة منذ 20 أغسطس/آب 2023 الداعية لإسقاط رأس النظام السوري بشار الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254 الممهد للحل السياسي بسوريا.
واتخذ المحتجون ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء جنوبي سوريا، التي تبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، معلما ثوريا للتعبير عن تمسكهم بمطالبهم الشعبية الداعية إلى التغيير السياسي في البلاد.
ويقتصر نفوذ النظام السوري بمحافظة السويداء الحدودية مع الأردن، على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها.
وتنبع خصوصية السويداء من كونها تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية، وقد أسهمت بشكل كبير في اتباع النظام أسلوبا مغايرا لمعالجة الوضع الأمني فيها منذ خروج مظاهرات فيها ضد بشار الأسد إبان اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.
احتجاجات السويداء
ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات الجديدة، بدا سقف المطالب مرتفعا والتي تفجرت بداية احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية عقب قرار السلطات رفع الدعم عن الوقود.
إذ نادى المحتجون بإسقاط الأسد وأحرقوا صوره وأغلقوا مقار حزب البعث الحاكم وأعلنوا استمرار احتجاجهم حتى إسقاط النظام وتطبيق القرار 2254.
وقد شهدت مدينة السويداء في الأول من سبتمبر/أيلول 2023 أكبر تظاهرة مناهضة للنظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة بمشاركة نحو ألفي شخص، قبل أن يرتفع العدد في الأيام التالية إلى أضعاف الرقم المذكور في دلالة على زيادة زخم المظاهرات ضد الأسد.
اللافت أن مشيخة العقل الدرزية لعبت الدور الأكبر في حراك السويداء الجديد، حيث التف هؤلاء حول جموع المتظاهرين وشاركوهم بالاحتجاجات وتمسكوا بذات المطالب التي ثبتها المحتجون في لافتات ورقية يومية رفعوها وسط أهازيج تستهدف شخص بشار الأسد وتطالب برحيله.
وتمكّن دروز سوريا الذين يشكلون 3 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة، من تحييد أنفسهم منذ عام 2011 فلم يحملوا السلاح ضد النظام ولم ينخرطوا في المعارضة باستثناء قلة قليلة.
كما امتنعوا عن إرسال شبابهم للخدمة في صفوف قوات الأسد، وهذه الأخيرة هي النقطة الأكثر حساسية التي يضغط النظام بها على أهالي السويداء.
واستطاع محتجو السويداء نفي صفة "ثورة الجياع" عنهم، بل عدو حراكهم الواسع للمرة الأولى امتدادا حقيقيا لثورة السوريين عام 2011 الداعية لإنهاء الاستبداد من قبل عائلة الأسد.
ورفع المحتجون لافتات أخيرا كتب عليها "لا عودة إلى الوراء" للتأكيد على أنهم لن يقبلوا بأي محاولة لاحتواء الاحتجاجات من قبل النظام السوري، كما جرى في المظاهرات المتكررة التي كانت تخرج بين الفينة والأخرى في السويداء لأيام ثم تخبو نارها بسبب تدخل بعض مشايخ العقل.
وقد حدد مروان حمزة، أحد منظمي الاحتجاجات في السويداء مطالب المحتجين في بيان مصور نشر بتاريخ 30 أغسطس/آب 2023، وتمثلت في إسقاط النظام وأجهزته الأمنية، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا إلا برحيل بشار الأسد.
وأضاف حمزة في البيان، أن "الحراك يسعى إلى بناء دولة مواطنة وقانون، وليس استبدال سلطة بأخرى".
ويعد هذا البيان إعلانا سياسيا من محافظة السويداء لتبني أدبيات ومطالب الثورة السورية في تحقيق انتقال سياسي لا دور فيه لبشار الأسد أو رموز نظامه.
ويؤكد المراقبون أن محافظة السويداء اليوم أمام مفترق طرق كبير، إما الاستمرار في العصيان وتعطيل الحياة والمؤسسات الحكومية، أو أن تواجه خيار الحصار من قبل النظام الذي يخشى معالجة الوضع هناك أمنيا لأسباب طائفية.
إلا أن قرار النظام عدم الصدام مع الحراك الجاري في السويداء، يشي بأنه يريد الانتظار وأخذ نفس طويل عبر اختبار صبر المحتجين من ناحية غياب الحركة المعيشية والاقتصادية، قبل اللجوء إلى أي خيار لإنهاء التصعيد.
"إرادة ذاتية"
في هذا السياق، يرى الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط، "أنه لا يمكن التكهن بسير الأمور في السويداء، إلا أن ما يستند عليه السكان هناك هو إرادتهم الذاتية والرغبة في الخلاص من هذا الاستبداد، وهي رغبة أطلقها الشعب السوري في ثورته عام 2011 وهذه هي أحد مقومات الصمود حاليا هناك".
وأضاف قرقوط لـ "الاستقلال": "التطلع ليوم الغد والنظرة البعيدة لإعادة لم شمل العائلات التي تشتتت بكل أنحاء العالم، يعني أن الناس بدأت تتمسك بالمطالب لإنهاء الفساد ونهب ثروات البلد واستعادة مقدرات سوريا، وهذا هو الدافع المباشر والأهم لاستمرار الناس في السويداء بالاحتجاج ضد نظام الأسد".
ومضى يقول: "ولا سيما أن الناس في السويداء شعروا بأهمية الحرية والسير بدون رقابة مخابراتية، وهذا يعني أن ذلك يعطي دافعا مباشرا للاستمرار في الاحتجاجات وتحقيق المطالب".
وخاصة أنه في احتجاجات السويداء لا يوجد دعم دولي ولا حتى من مؤسسات المعارضة الرسمية، كون الشارع أكد على رفضه لدعم الخارج وأنهم مستعدون لأكل الخبز اليابس، وفق الصحفي السوري.
وبين أن المحتجين يعملون على قطع الطريق على تخوين النظام لهم بأنهم يتلقون دعما للاستمرار في الاحتجاج ضده، وخاصة بعد تحديد المطالب بتطبيق القرار الدولي 2254 وإنهاء الاستبداد ومحاكمة القتلة والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
ونوه قرقوط إلى أن "حالة التظافر بين جميع مكونات وشرائح السويداء سواء الدينية أم الشعبية هي عامل مهم للصمود كي تستمر المحافظة في الاحتجاج حتى الوصول إلى دولة سقفها القانون".
ولم يسجل أي اعتداء من عناصر النظام السوري ضد المحتجين الذين قال ناشطون إنهم التزموا بالبقاء داخل المقار الأمنية الموجودة في المحافظة.
وقد شكلت احتجاجات السويداء الجديدة التي ركزت على الاستهزاء ببشار الأسد والمطالبة برحليه، إحدى الصور المحرجة للنظام السوري، كونه دأب على الترويج بأنه حامي الأقليات الدينية.
حل منفرد؟
إذ أدى انخراط مشايخ العقل، والزعماء الدينيون للطائفة الدرزية، الذين درجوا سابقا على تبني مواقف محايدة أو مؤيدة للأسد لحدوث ارتباك داخل بنية النظام الأمنية التي كانت تساعدها سابقا على تهدئة الفئات المحتجة في المحافظة.
ولا سيما أن أغلب التشكيلات العسكرية المحلية الدرزية التي لها حظوة السيطرة منذ 9 سنوات على أجزاء كبيرة من السويداء التفت حول مشايخ العقل المؤيدين للحراك من أمثال رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في المحافظة الشيخ حكمت الهجري.
واعتمدت هذه التشكيلات منذ البداية نهج تجنب الصدام المسلح مع النظام السوري وأجهزته الأمنية ومليشيا الدفاع الوطني التي شكلها من الموالين له من شباب المحافظة.
وهذا عامل أساسي في الاحتجاجات الجديدة من ناحية الالتفاف مع القيادة الدينية بوزنها الثقيل شعبيا مع الحاضنة العامة.
ولا سيما من ناحية رد التهم الموجهة إليهم من إعلام النظام بمحاولة أهالي السويداء "تحقيق الانفصال" عن الدولة السورية، أو الذهاب نحو "إدارة ذاتية" في الجنوب السوري.
وأمام هذه المعطيات، يحذر قادة الحراك في السويداء من لجوء مخابرات الأسد راهنا لخيارات أمنية من قبيل تنفيذ اغتيالات أو تفجيرات كالتي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية ونالت بعض شيوخ عقل الطائفة الدرزية.
وخاصة أن النظام السوري عمد إلى عقد لقاءات في دمشق مع شيوخ من الطائفة الدرزية الموالين له في محاولة لإحداث شرخ جديد داخلها عبر شق ولاء المحتجين وإفشال حراك السويداء.
وفي هذا السياق، قال الإعلامي السوري المنحدر من السويداء نورس عزيز خلال تصريح تلفزيوني في 11 سبتمبر 2023 "إن تشكيل نظام الأسد هيئة روحية خاصة بالدروز هي آخر خطوة سلمية لإفشال الاحتجاجات قبل قمع الحراك".
وأضاف عزيز: "إن حراك السويداء لن يثمر عن حل حقيقي إلا بتحرك باقي المحافظات السورية ضد النظام السوري، خشية وضع المحافظة في زاوية الحل المفرد".