تدفع الصين باتجاه الحرب الباردة.. ما هي إستراتيجية واشنطن لقمع بكين؟
طفى على سطح النقاشات الدولية، احتمالية الدخول في أتون "حرب باردة جديدة" بين الصين والولايات المتحدة، خاصة بعد الاستقطابات الحادة بين القوى العالمية.
لكن يرى بعض الخبراء عدم احتمالية ذلك، عطفا على مجموعة من الأسباب والعوامل التي تجعل المشهد الحالي مختلفا عما كان عليه بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة (1991-1947).
إستراتيجية شاملة
وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية إن "الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين أصبحت في الآونة الأخيرة موضوعا ساخنا في الرأي العام العالمي".
ولكن بتحليل المشهد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، أوضحت الصحيفة أن ما يسمى بـ"الحرب الباردة" كان عبارة عن مواجهة شاملة دون "حرب ساخنة" منذ الخمسينيات وحتى أوائل التسعينيات.
وأضافت أن "حدوث هذه الحرب وتطورها كان في بيئة دولية محددة ولها خصائص مميزة للغاية".
وتابعت: "فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتاحت العالم حركات الاستقلال والتحرر الوطني المناهضة للإمبريالية والاستعمار، وغالبا ما كانت تقود هذه الحركات أحزاب شيوعية أو منظمات يسارية قومية في مختلف البلدان".
وقالت الصحيفة: "في مثل هذه البيئة الدولية، انقسم النمط العالمي بسرعة إلى معسكرين للمواجهة، برئاسة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهنا نشأت الحرب الباردة".
ولفتت إلى أن تلك الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي "كانت عبارة عن لعبة شاملة محصلتها صفر، حيث كان ينحسر أحدهما ويتأرجح الآخر".
فيما نبهت "غلوبال تايمز" إلى أنه "منذ تولي إدارة جو بايدن السلطة، ورغم ادعائها مرارا وتكرارا أن واشنطن لن تنخرط في حرب باردة مع بكين، إلا أنها تعد الصين التهديد الأكثر خطورة".
وأشارت إلى أن إدارة بايدن لم تدخر أي جهد لتشكيل "زمر سياسية"، في سبيل محاصرة الصين، وتتبع إستراتيجية شاملة صيغت باستلهام من عقلية الحرب الباردة، موضحة أن الغرض منها "إدخال الصين في إطارها الإستراتيجي المحدد مسبقا للحرب الباردة".
وأوضحت الصحيفة أن هذه الإستراتيجية تشمل "تنشيط التحالف مع الدول ذات القيم المشتركة" ضد الصين و"إزالة الطابع الصيني" عن الاقتصاد باسم "إزالة المخاطر"، بالإضافة إلى رغبة واشنطن في إنشاء "دائرة احتواء في منطقة المحيط الهندي والهادئ" لقمع بكين.
إزالة المخاطر
ومع ذلك، وكما حدث أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ترى الصحيفة أنه "من الصعب على الولايات المتحدة أن تطغى على الصين اليوم سياسيا وعسكريا".
وأشارت إلى أنه "رغم تصريح كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، علنا أنهما يسعيان إلى (تعايش سلمي) طويل الأمد مع الصين، إلا أن تفكير واشنطن العام لا يزال يتجه نحو بذل جهود كبيرة لسحق بكين اقتصاديا، كما فعلت مع الاتحاد السوفيتي".
ولهذا السبب، ومن بين السياسات المختلفة التي اتبعتها إدارة بايدن لاحتواء الصين والتفوق عليها، فإن أقواها وأكثرها قسوة وكثافة هي محاولة "إزالة الطابع الصيني" عن الاقتصاد.
وبهذا الشأن، قالت الصحيفة الصينية إن "ما يسمى بـ"الفصل" و"إزالة المخاطر"، فضلا عن إنشاء "ساحات صغيرة وجدران عالية" في مجال التكنولوجيا الفائقة، يهدف في الأساس إلى استبعاد الاقتصاد الصيني من الاقتصاد العالمي، أو على الأقل من اقتصادات الدول المتقدمة".
وأشارت إلى أن هذه الطريقة "لن تمكن واشنطن من إعاقة التنمية الاقتصادية في الصين فحسب، بل يمكنها أيضا تمكين الولايات المتحدة وحلفائها من توحيد القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية بطريقة شاملة، كما حدث إبان الحرب مع الاتحاد السوفيتي".
لكن ترى أن الوضع الآن مختلف عما كان إليه آنذاك، حيث تؤكد أن "الاقتصاد الصيني اليوم أصبح مندمجا بشكل عميق مع الاقتصاد العالمي".
وتعزو ذلك إلى إصرار الصين على الإصلاح والانفتاح وعلى تطوير اقتصاد السوق الاشتراكي، كما أنها تتوافق مع تيار العولمة الاقتصادية.
وهنا، في رأي الصحيفة، تتورط الولايات المتحدة وحلفاؤها في لعبتين مختلفتين تماما في منافستهم مع الصين.
فمن ناحية، يُنظر إلى الصين بصفتها "المنافس الأكثر خطورة"، والتي تحاول الولايات المتحدة قمعها بكل ما أوتيت من قوة.
ومع ذلك، ونظرا للاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي لا رجعة فيه بين الجانبين، فإنهم لا يستطيعون -الولايات المتحدة وحلفاؤها- "الانفصال" عن الصين.
نهج خاص
وبعبارة أخرى، ذكرت الصحيفة أن "الاختلال بين المصالح الأمنية والمصالح الاقتصادية يشكل أكبر عائق أمام الولايات المتحدة لدمج قواتها داخليا وتشكيل زمر في الخارج لقمع الصين".
وذكرت أن "هذه العقبة تجعل من الصعب على الولايات المتحدة توحيد القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية لاحتواء الصين، كما فعلت ضد الاتحاد السوفييتي".
لكن الأهم، حسب تقديرها، هو أن "الصين لن تخضع أبدا لقيادة الولايات المتحدة، ولن تقع في الفخ الإستراتيجي الذي نصبته لها في الحرب الباردة الجديدة".
وعللت هذا التقدير بعدد من الأسباب، أولها أن الصين تتجنب المواجهة الأيديولوجية الواضحة مع الولايات المتحدة.
وأوضحت: "فبينما تقترح الولايات المتحدة ما تسميه القيم العالمية أو قيم الديمقراطية الليبرالية، والتي تُفرض بشكل أساسي على الآخرين، تركز الصين على المصالح المشتركة وتعزز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية".
وأضافت: "ترفض الصين (الثورة الملونة) وتصر على اتباع نهجها الخاص، لكنها لا تصدر الأيديولوجية، ولا تجبر الدول الأخرى على اتباع نفس المسار الذي تتبعه".
ومن ناحية أخرى، فيما يتعلق بالاقتصاد، تصر الصين على الانفتاح على العالم الخارجي وتلتزم بالتنمية التعاونية وتحقيق المنفعة المتبادلة والنتائج المربحة للجانبين.
وأتبعت الصحيفة: "وطالما استمرت الصين في الإصلاح والانفتاح، والتزمت باقتصاد السوق الاشتراكي، فمن الخطأ أن تقوم الولايات المتحدة بـ(نزع) الطابع الصيني" عن اقتصادها".
وقد أقرت بذلك وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي زارت الصين منذ وقت ليس ببعيد، حيث قالت: "بصراحة إنه في ظل آلية اقتصاد السوق، فإن انفصال الولايات المتحدة عن الصين سيكون كارثيا".
فيما أكدت الصحيفة على أن الظواهر الأساسية للحرب الباردة؛ التبادل الأيديولوجي والسياسي، والمواجهة العسكرية، والفصل الاقتصادي الكامل، لا وجود لها في المشهد بين الصين والولايات المتحدة اليوم.