الاحتجاجات في سوريا تكتسب زخما متصاعدا في عدة مناطق.. هل تنفجر الثورة مجددا؟
منذ أكثر من أسبوعين، تتواصل الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، في محافظة السويداء التي تسكنها غالبية درزية جنوب سوريا، مما أثار أحاديث عن ثورة جديدة.
وأخيرا، شهدت عدة مناطق سورية احتجاجات على قرار النظام رفع أسعار الوقود في 16 أغسطس/آب 2023.
وشهدت كل من محافظات إدلب (شمال غرب) وحلب (شمال) والحسكة (شمال شرق) ودرعا والسويداء (جنوب) مظاهرات ضد نظام الأسد.
ويتناول موقع "دويتشه فيله" الألماني المشهد الثوري للاحتجاجات الأخيرة في سوريا، والتي اكتسبت زخما خلال الأسبوعين الماضيين.
ويقول إن الظروف المعيشية السيئة هي الزناد الذي أطلق هذه الاحتجاجات، ويبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل نظام الأسد على هذا التحدي.
ضعف النظام
يشير الموقع إلى أن محافظة السويداء جنوبي سوريا تخضع فعليا لسيطرة نظام الأسد، ومع ذلك، يرفرف علم الثورة السورية هناك في بعض النقاط.
كما يتظاهر ما يصل إلى 2000 شخص يوميا، منذ أكثر من أسبوعين، ضد نظام بشار الأسد.
ويقول أحد المتظاهرين، لم تذكر "دويتشه فيله" اسمه لأسباب أمنية، إن "الأمور سيئة للغاية بالنسبة لنظام الأسد. إنه ضعيف، خاصة في السويداء".
كما أشار إلى أن المواطنين يريدون تنظيم مثل هذه المظاهرات منذ فترة طويلة، لكن قوات الأمن منعتهم من ذلك.
وبالعودة بالزمن إلى عام 2011، يقول الموقع إن نظام الأسد قمع حركة الاحتجاج الديمقراطية التي بدأت حينها بوحشية، حيث قُتل عشرات الآلاف، ولا يزال مصير كثير من الناس مجهولا حتى الآن.
ولكن الآن، بحسب الموقع الألماني، يؤكد متظاهر من السويداء أنه "رغم ذلك، لن تتوقف الاحتجاجات مهما حاول نظام الأسد"، مضيفا أنهم حذرون ومدركون لأساليب النظام الإجرامية الدنيئة.
وأفاد الموقع بأن المتظاهرين أغلقوا الطرق المؤدية إلى دمشق والمكاتب الحكومية وأزالوا صور الأسد الإجبارية من المباني.
وانتشرت الاحتجاجات منذ ذلك الحين في جميع أنحاء المحافظة، كما نُظمت مظاهرات أصغر حجما في مدن أخرى خاضعة لسيطرة النظام، مثل درعا، تضامنا مع السويداء.
كما نقل "دويتشه فيله" عن أحد الناشطين في درعا، موضحا دوافع الاحتجاجات: "نحن هنا لأن الحكومة لا تزال تحتجز أكثر من نصف مليون شخص في السجون".
وأردف: "نتظاهر ضد عمليات القتل التي ترعاها الحكومة، وضد الأسعار المرتفعة ونقاط التفتيش حيث تسلب مليشيات النظام الأموال منا".
ثورة جديدة؟
وأكمل الناشط: "ستستمر الاحتجاجات حتى إسقاط النظام وهذا أمر لا مفر منه"، موضحا أنهم يخشون فقط اعتقالهم عند نقاط التفتيش.
ومن ناحية أخرى، كما ورد عن الموقع، ذكر الناشط رضوان الأطرش من مدينة إدلب شمالي سوريا، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الثوار أن "الاحتجاجات المدنية في المناطق التي يسيطر عليها النظام مهمة للغاية".
وأكد أنهم "يأملون ألا يستسلم المتظاهرون في السويداء ومناطق أخرى في الجنوب، كما يأملون امتداد الاحتجاجات إلى الساحل وحلب ودمشق".
ويشير الموقع الألماني إلى أنه "في أزمنة قريبة كان هناك عدد من الاحتجاجات الصغيرة، لكن الضوء سُلط على الاحتجاجات الحالية لحدوثها في مناطق السويداء ومحيطها، والتي يعدها المراقبون الأكثر أهمية منذ سنوات".
وفي هذا الصدد، أوضح الصحفي البريطاني السوري روبن ياسين كساب، في مقال له، أن هناك عدة عوامل جعلت هذه الاحتجاجات ملحوظة بشكل خاص.
ويذكر الصحفي أن الدروز، وهم إحدى الأقليات التابعين لطائفة "الموحدين" في البلاد، متحدون ضد نظام الأسد.
ويذهب إلى أنه أمر مهم لأن حكومة الأسد تبرر موقفها بحجة أن "الأقليات في البلاد معرضة للخطر إذا تخلت هي عن السلطة".
بالإضافة إلى ذلك، فإن انهيار الاقتصاد يُعد أحد عوامل اشتعال هذا الاحتجاج، والنتيجة ستكون إما ثورة أو مجاعة كبيرة، كما نقل "دويتشه فيله" الألماني، عن كساب.
ويلفت الصحفي إلى أنه "بعد أكثر من عقد من الحرب، فإن ما يقرب من 90 بالمئة من السكان السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وفقا للأمم المتحدة".
صعوبات اقتصادية
من جانبه، يذهب الموقع الألماني إلى أن الاحتجاجات جاءت نتيجة للزيادات الهائلة في الأسعار.
ففي 15 أغسطس 2023، ألغت حكومة النظام الدعم الحكومي لأسعار الوقود، وهو ما أدى إلى تضاعف سعر البنزين.
وفي الوقت نفسه، أعلن النظام أنه سيضاعف رواتب موظفي الخدمة المدنية، وهو الإجراء الذي كان سيفيد العديد من السوريين، لكن الفجوة بين متوسط دخل السوريين وتكاليف المعيشة كانت ضخمة بالفعل.
ومنتصف أغسطس، أصدر بشار الأسد مرسومين ضاعف بموجبهما رواتب العاملين في القطاع العام، من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، في قرار لاقى استياء وسخرية في ظل تزامنه مع رفع وزارة التجارة الدعم بشكل كلي عن البنزين، في بلد أنهكت سنوات الحرب اقتصاده ومرافقه.
ونصّ القرار الصادر عن الأسد على "إضافة نسبة 100 بالمئة إلى الرواتب لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين". وتشمل الزيادة، وفق المرسوم الثاني، "أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين".
وتراوح راتب الموظف العام بين 10 ونحو 25 دولارا في السوق السوداء، قبل صدور المرسومين.
وعلى وقع تدهور قيمة العملة المحلية، تراجعت قدرات المواطنين الشرائية وباتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، مع انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي وشح في المحروقات.
وتزامن قرار الزيادة في الرواتب مع إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رفعَ الدعم كليا عن البنزين وجزئيا عن المازوت. وبات سعر لتر البنزين 8 آلاف ليرة (نحو نصف دولار)، بعدما كان 3 آلاف ليرة، وارتفع سعر المازوت من 700 إلى ألفي ليرة، وبررت الوزارة قرارها بـ"مقتضيات المصلحة العامة".
وبهذا الشأن، قال حايد هايد من مركز تشاثام هاوس البحثي في لندن لـ"دويتشه فيله": "لقد عانى السوريون كثيرا، لكن تجارب الماضي لن تمنعهم من التظاهر مرة أخرى إذا لم يعودوا قادرين على إطعام أطفالهم".
وفي رأيه، يمكن اعتبار العامل الاقتصادي المحرك الرئيس لهذه الاحتجاجات، ولكن هناك أيضا أسباب سياسية، حيث يُلقى اللوم على الحكومة في الوضع الاقتصادي السيئ.
رد مفتوح
بالتزامن مع ذلك، تتزايد الدعوات لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 في السويداء، الذي يدعو نظام الأسد إلى "تسليم السلطة إلى حكومة جديدة".
وفي النهاية، يتحدث الموقع عن أن "العالم بأكمله بانتظار كيف سيكون رد فعل النظام، الذي يحاول حاليا العودة إلى الساحة الدولية".
وفي هذا الصدد، يقول حايد: "أفترض أنها ستستجيب للوضع بأساليب مختلفة، اعتمادا على المخاطر التي تنضوي عليها".
وأضاف: "ربما تعمل الحكومة على احتواء الاحتجاجات في السويداء، ويبدو أنهم يأملون أيضا أن يفقد السكان الاهتمام بالمظاهرات في نهاية المطاف".
وأشار إلى أنه "من المحتمل أن يستخدموا العنف في أماكن أخرى، لكنهم يتجنبون ذلك في السويداء خلال الوقت الحالي".
من ناحية أخرى، يشير الموقع الألماني إلى استخدام قوات الأمن بالفعل العنف ضد المتظاهرين في أماكن أخرى.
فعلى سبيل المثال، في أغسطس 2023، أظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي جنودا يحاولون منع الإضراب العام في محافظتي درعا وحلب وفي بلدة ساحلية قرب مدينة اللاذقية.
وأفاد ناشطون من المعارضة بأن قوات الأمن متمركزة في مسجد داخل حمص لقمع الاحتجاجات في المنطقة.
ويقول محمد علاء غانم، رئيس المجلس السوري الأميركي ومقره واشنطن، إن "النظام يعمل حاليا بشكل مكثف في السويداء لإقناع المتظاهرين بالانسحاب".
وأكد أن "النظام يعمل على خطة بديلة إذا فشلت جهوده الدبلوماسية، حيث يعمل بالفعل على تجهيز وتعبئة قوات الأمن لهذه الحالة".