بعدما شوهت صورتهم لسنوات.. هكذا يرد المسلمون الجدد على السينما الغربية

12

طباعة

مشاركة

في مواجهة ترويج السينما الغربية لظاهرة الإسلاموفوبيا، بدأ مسلمون أوروبيون في إنتاج أفلام تعكس ما يواجهونه من تحديات في المجتمع الغربي.

في تلك الأفلام، سعوا إلى محاربة الأحكام الجاهزة والصور النمطية والمعاملة العنصرية التي تؤججها السينما، بشكل جعل حتى الأوروبيين غير المؤدلجين يتبنون أفكارا غير صحيحة عن المسلمين والإسلام.

كما سعوا إلى الإجابة على أسئلة تتكرر في العديد من الأفلام التي يكون موضوعها الإسلام وعلاقته بالغرب، لا سيما تلك التي لا تميز بين الالتزام الديني والتطرف الراديكالي.

آخر هذه المحاولات ظهرت في مهرجان سراييفو السينمائي الدولي في نسخته الثانية، الذي تم افتتاحه يوم 11 أغسطس/ آب 2023 بعرض عدد من الأفلام الناجحة التي تعبر عن مشكلات المسلمين في الغرب.

وجمعت أفلام المسابقة الرسمية أغلب دول أوروبا، ومنها رومانيا والمجر واليونان وفرنسا وبلغاريا والنمسا وأوكرانيا، لهذا عدها مسلمون فرصة لعرض تجاربهم الثرية سينمائيا.

زوجي المسلم

أحد هذه الأفلام الناجحة المؤثرة التي عرضت في مهرجان سرايفو يوم 13 أغسطس كان الفيلم الروماني "زوجي المسلم" للمخرجين دانيال إيوان بيرنوشي وألكسندرا ليزيتا بيرنوشي، إنتاج عام 2023.

وهو يعد نموذجا من الأفلام التي تعرض حياة الأوروبيين الذين اعتنقوا الدين الإسلامي، في أوروبا الشرقية، والأهم أنه فيلم واقعي وقصة حقيقية لأن بطلي الفيلم هما بالفعل المخرج وزوجته المخرجة، والفيلم يعبر عن قصتهما بعد إسلامهما.

تدور أحداث "زوجي مسلم" حول قصة حياة المخرجة ألكسندرا "ليز" بارنوتي حين التقت بزميلها المخرج دانييل بارنوتي الذي سبقها لاعتناق الإسلام قبل 12 عاما، ووقعت في حبه أثناء لقاء في السينما المحلية ثم تزوجته بعد شهرين.

وقال دانيال لموقع "سكرين إنترناشيونال"، لصناعة السينما الدولية، في 15 يونيو/ حزيران 2023: "جاءت رحلتي إلى الإسلام قبل أن أقابل ليز عندما كنت أبحث في العشرينيات من عمري عن الروحانية في المسيحية والبوذية، ثم أخيرا وجدتها في الإسلام في عام 2010.

وتحول دانيال إلى الإسلام، دفع "ليز" للبحث والسؤال عن الإسلام في رحلة للمسجد فأسلمت بعد اقتناع. 

ولكن سرعان ما اضطر الزوجان الشابان المسلمان إلى مواجهة التمييز وأصبحا يكافحان من أجل حياتهما كأسرة مسلمة بعدما تعرضا للعزلة من قبل بعض ذويهم وأصدقائهم.

ويستعرض الفيلم المشكلات التي يواجهها كلاهما في المجتمع الأوروبي بعد إسلامهما ويشرح معاناة المسلمين في أوروبا للمشاهد بصورة درامية سلسلة. 

من جانبه، قال موقع "cineuropa" في 19 يونيو 2023 إنه تم تصوير فيلم "زوجي المسلم" بأسلوب تلفزيون الواقع، ويبدو للوهلة الأولى وكأنه عبارة عن سلسلة من المقتطفات المرتبة بشكل عفوي من مذكرات حميمة، ومحتواه منسق بعناية.

أوضح أنه "ميلودراما رومانسية محسوبة، تقدم تشويقا بوعي من خلال النكسات العديدة المفاجئة التي تمر بها الشخصيات قبل أن تصل إلى نهاية سعيدة مفاجئة".

وأضاف أنه "يقدم صورة طيبة عن المسلمين وما يعانونه من مشاكل في أوروبا ليس لهم يد فيها".

ويقول صانعو الفيلم إن بعض الأحكام المسبقة القديمة التي واجهها دانيال بعد اعتناقه الإسلام لا تزال قائمة، ففي رومانيا، لا يزال الناس خائفين مما لا يعرفونه.

وأضافوا أنهم يهدفون من وراء الفيلم إلى إظهار أننا منفتحون ثقافيا وإيقاف تشويه صورة المسلمين، بحسب موقع "businessdoceurope" في 15 أغسطس 2023.

وهذا الفيلم ليس الأول من نوعه، فقد عالج المخرج البريطاني من أصول باكستانية "عليم خان" القضية نفسها في فيلمه الروائي الأول "بعد الحب" إنتاج عام 2020.

ويعرض ذلك الفيلم قصة حياة زوجين أحدهما بريطاني من أصول إيرانية متزوج من سيدة بريطانية اعتنقت الإسلام، وما يواجهان من تحديات بسبب عقيدتهما.

ويشير موقع "سويس أنفو" السويسري حول ظاهرة الخوف من الإسلام في السينما الأوروبية، إلى نماذج مختلفة من الأفلام التي ينتجها مسلمون في أوروبا للتعبير عن مشكلات مجتمعاتهم.

ويضيف في تقرير بتاريخ 11 أبريل/ نيسان 2012 إلى أفلام فرنسية أنتجها مهاجرون جزائريون تركز على السخط الاجتماعي والمشكلات العنصرية التي تواجههم.

يوضح أن هذه الأفلام المكتوبة والموجهة إلى حد كبير من قبل مهاجرين من الجيل الثاني، تُظهِر الوجه الآخر للوجود الإسلامي في أوروبا، حيث التمرد ضد الهيمنة الاستعمارية، والالتجاء إلى الهوية الدينية، والتحيّز ضد العنصرية وضيق الأفق.

وظهر هذا بوضوح من خلال الفيلم الوثائقي "هنا نُغرِق الجزائريين" لياسمينة عَدي، الذي يصور القمع الذي تعرض له الجزائريون في فرنسا في عام 1961، أي قبل عام من إعلان استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي، بحسب "سويس أنفو".

المسلمون الجدد

بدأ الاهتمام بالسينما لتقديم صورة إيجابية واقعية عن حياة المسلمين في الغرب عبر المسلمين الجدد أو معتنقي الإسلام بأوروبا، وهم أقلية صغيرة داخل أقلية أكبر، وهي الجاليات الأوروبية المسلمة. 

وقد انعكس التهميش وغياب التمثيل الذي يعاني منه المسلمون الأوروبيون، سواء على صعيد وسائل الإعلام أم الأعمال الفنية والسينمائية، على هذه الأقلية.

يقول الصحفي ومنتج الأفلام "هاني بشر" في مقال بموقع "الجزيرة نت" في 17 أغسطس 2023 حول الفيلم الروماني "إنه يقدم زاوية جديدة للتعاطي مع مسلمي أوروبا الشرقية".

لأن معظم الاهتمام الإعلامي ينصب على تجربة المسلمين الجدد بدول أوروبا الغربية مثل فرنسا وهولندا وبريطانيا من دون الالتفات لمسلمي أوروبا الشرقية مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا.

وأوضح أن الفيلم يصور معاناة حقيقة يمر بها المسلمون الجدد في القارة الأوروبية حيث كُتب عليهم العيش على تخوم ثقافتين، إحداهما ثقافتهم الأصلية المليئة بأمور تتناقض مع الإسلام ويصعب التعايش معها.

والأخرى الثقافة العربية والإسلامية التي تحملها مجتمعات المهاجرين إلى أوروبا، وهي ثقافة لم يتربوا عليها ومليئة بكثير من العادات التي لا تمت للدين بصلة.

ولهذا يضطرون للعيش في أتون صراع للتكيف مع هذه وتلك، وتبلغ المعاناة أوجها حين يتعلق الأمر بزواج مختلط يحاولون فيه بناء أسرة وسط مجتمع غير متجانس.

لكن السينما الأوروبية تختلف في تناولها للقصص المتعددة للمسلمين الجدد، عن حالات التحول إلى الإسلام بالولايات المتحدة، ولا سيما من حيث ارتباطها بالتاريخ والطبقات الأرستقراطية، وفق "بشر".

مثل تجربة أول بريطانية تذهب في رحلة للحج، الليدي إيفلين موراي، أو الليدي زينب المولودة بمدينة إدنبرة الأسكتلندية عام 1867 خلال العصر الفيكتوري، وهي تنتمي لعائلة أرستقراطية وقد تعلمت العربية خلال رحلاتها مع والدها لكل من الجزائر ومصر.

وتظهر خطورة السينما في زمن تهيمن فيه الصورة، في طبيعة التحيزات الكامنة في رسالة الأعمال التي يتم إنتاجها، وهي تحيزات قد تحقق الفرجة، لكنها تمارس اغتيالا على مستوى الوعي بخصوص الثقافات والمجتمعات والشعوب.

وهذا الاغتيال يحدث بأدوات ناعمة تعمل على قلب حقائق التاريخ والبنى العميقة لثقافات الشعوب وخصائصها التي تميزها، حسبما يوضح الباحث المغربي في قضايا الفكر العربي الإسلامي "يحيى عالم" في مقال بموقع "الجزيرة نت" في 19 أغسطس 2023.

أوضح: حصل هذا مع أفلام الكاوبوي، حيث تحول الهنود الحمر، أصحاب الأرض، إلى شعوب عنيفة لا تستحق التعاطف، بينما ينحاز الجمهور بكل متعة وبشكل لا واعٍ إلى استبطان موقف يبرر العنف الذي أدى إلى إبادة حضارة وثقافة بأكملها.

ومثل هذا حصل في فلسطين، وفي الأعمال السينمائية التي عالجت التدخل الأميركي بالعراق، حيث تم تقديم الغزو بصفته مسعى لتوطين الديمقراطية، ويستمر ذلك الآن في إعادة صياغة السردية نفسها من خلال صورة نمطية كفيلة بإحداث تأثير يمتد لأجيال، في ظل غياب السينما العربية عن المنافسة عالميا.

وبحسب الباحث المغربي "الصورة النمطية التي يتم تصديرها من خلال السينما عن العرب والمسلمين، لا يمكن تصحيحها إلا من خلال الوسائط الثقافية والفنية نفسها".

صورة مشوهة

ولأهمية هذه القضية نشرت جامعة هارفارد في أغسطس 2021 كتاب للكاتب "كريستيان بيترسن" بعنوان "المسلمون في الأفلام" تضمن سلسلة مقالات تستكشف كيف يجرى تصوير المسلمين واستقبالهم في الأفلام الأوروبية الأمريكية.

وفيه يجمع المؤلف مجموعة من الخبراء من الغرب والشرق ليشرحوا كيف تقدم أفلام أوروبا وأميركا المسلمون للمشاهدين، وكيف يجرى تصوير المسلمين على الشاشة من خلال قضايا الهوية والإنتاج الثقافي. 

وكانت دراسة أجرتها مبادرة أننبرغ للإدماج (Annenberg Inclusion Institute) التابعة لجامعة جنوب كاليفورنيا حول "واقع المسلمين في الأفلام العالمية الشعبية"، بين عامي 2017 و2019 أوضحت أن المسلمين "مفقودون ومشوهون" في الأفلام الغربية.

أشارت الدراسة، إلى رسم السينما الغربية صورة قاتمة تمحو المسلمين من نحو 200 فيلم تم إصدارها خلال تلك السنوات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلاندا.

وأوضحت أنه "تم تصويرهم (المسلمين) بصورة نمطية مشوهة بصفتهم أجانب غرباء يشكلون تهديدا، وربما أسهمت هذه الأفلام في ظهور جرائم الكراهية ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم".

ونقلت عن استطلاعات أنه بسبب هذه الأفلام أشارت إحدى التقديرات إلى أن عدد الهجمات المحتملة ضد الإسلام (إسلاموفوبيا) بلغت في عام 2019 فقط نحو 500 هجوم في الولايات المتحدة.

وفي العام نفسه، كان ما يقرب من نصف جرائم الكراهية في إنجلترا وويلز موجهة ضد المسلمين، وفي مارس 2019، قُتل 51 شخصا وأصيب آخرون في إطلاق نار على مسجد في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا. 

ونقل الموقع عن الممثل المسلم "ريز أحمد" الحائز على جائزة إيمي قوله: "إن تمثيل المسلمين بشكل مشوه على الشاشة يغذي السياسات التي يتم سنها، والأشخاص الذين يُقتلون، والبلدان التي يتم غزوها".

كما نشر موقع "ديد لاين" دراسة أشرف عليها "كاشف شيخ"، الشريك المؤسس ورئيس "صندوق الركائز" لتقديم نصائح حول صورة المسلمين في الأفلام، تبين أن أكثر من 90 بالمئة من الأفلام الـ200 التي تم فحصها لم تتضمن شخصية مسلمة واحدة.

وأضاف أن 39 بالمائة من الشخصيات المسلمة التي تم تصويرها في هذه الأفلام جرى إظهار المسلمين مرتكبي أعمال عنف، و70 بالمائة تعرض المسلمون فيها للإهانة، و62 بالمائة منها تعرض فيها المسلمون لإهانات أو نغمات عنصرية أو دينية.

وخلص إلى أن "المسلمين، سواء على الشاشة أو خارجها، مقيدون بسرد يظهر طباعهم على أنهم عنيفين ويربط عقيدتهم بالتطرف"، كما يجرى تصوير نسائهم على أنهن خاضعات لقيود و"المرأة المسلمة خاضعة ومقولبة".

وقال كاشف شيخ، إن الدراسة "تكشف حجم المشكلة التي تواجه المسلمين في مجال الأفلام والسينما، والحاجة الملحة إلى حلول تزيد من حضور أصوات المسلمين في رواية القصص".

وأضاف أن مخطط الصندوق لإدماج المسلمين في هذا المجال "يقدم استجابة مباشرة لهذه النتائج من خلال تقديم مجموعة واسعة من التوصيات لمحترفي صناعة السينما. 

ومضى يقول: نحن متحمسون لدعم الصناعة لاتخاذ خطوات عملية نحو تصوير أكثر دقة يعمل على إبراز أصوات المسلمين، وتبديل النظرة السلبية لهم في السينما.

ويؤكد الصندوق أن المخطط "يتضمن حلولا قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للتغيير، وتوصيات ملموسة للجميع من شركات الإنتاج إلى مدارس الدراما، ومجموعة من الموارد العملية والاتصالات لدعم كل شيء بدءا من دراسة السيناريو وحتى اختيار الممثلين".