اعتقال سلطة عباس للمقاومين.. هل تقود للاقتتال الداخلي بالضفة الغربية؟
انتقلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مرحلة جديدة من الاعتقالات السياسية، وذلك من خلال استهدافها المقاومين وقادة المجموعات العسكرية في المخيمات خاصة في جنين ونابلس (شمال).
استهداف السلطة الفلسطينية للمقاومين في الضفة يهدد بحدوث حالة من الاقتتال، والانفجار الداخلي، خاصة أن هؤلاء يعدون هذه الخطوة ضمن الخدمات الأمنية التي تقدمها حكومة رام الله لإسرائيل.
وزادت حدة اعتقالات السلطة الفلسطينية للمقاومين في الضفة الغربية، عقب انتهاء معركة جنين التي خاضتها المقاومة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في يوليو/تموز 2023.
ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي في بداية يوليو 2023، عملية عسكرية ضد مخيم جنين، تسببت باستشهاد 12 فلسطينياً وعشرات الجرحى، كما خلفت دماراً كبيرا في البنية التحية، وتشريد قرابة أربعة آلاف فلسطيني من المخيم، بالإضافة إلى مقتل جندي إسرائيلي من قوات النخبة.
أبرز الاعتقالات
وكان من ضمن أبرز معتقلي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، خالد ملايشة، وهو أحد أبرز قادة "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في جنين.
وملايشة الذي اعتقلته السلطة خلال يوليو 2023، يعد أسيرا سابقا وواحدا من أبرز المطاردين من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وسبق اعتقال المقاوم ملايشة، إقدام الأجهزة الأمنية الفلسطينية في سبتمبر/أيلول 2022، على اعتقال مصعب اشتية الناشط في حركة المقاومة لإسلامية حماس وأحد أبرز المطاردين من جيش الاحتلال في مدينة نابلس وشمال الضفة الغربية.
وتقدم النيابة العامة الفلسطينية لائحة اتهام بحق المقاومين تتضمن بندا ثابتا وهو "حيازة سلاح دون ترخيص"؛ ليكون ذلك ذريعة للمحكمة للحكم بتمديد اعتقالهم وربما الحكم بسجنهم.
وتشدد السلطة برئاسة محمود عباس على أن سلاحها الذي لا تستخدمه ضد إسرائيل هو "الشرعي والوحيد"، كما ترفض أي عمل مسلح وتدعو إلى انتهاج المقاومة الشعبية فقط.
وأمام تلك الاعتقالات، هددت "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس، باتخاذ خطوات لنصرة المقاومين المختطفين في سجون السلطة، محذرة من أن هذه التصرفات قد تفجر الوضع وتوصله إلى مرحلة لا يحمد عقباها.
وقالت الكتيبة خلال بيان لها في يوليو: "بعد معركة بأس جنين والتي خاضتها كتيبتنا ومعها أحرار الوطن من فصائل المقاومة وبصمود أسطوري وتضحيات أبناء شعبنا وبعد النصر المؤزر والذي تمثل في تقهقر العدو هاربا يجر أذيال الخيبة والهزيمة بين قتيل وجريحـ تكافئ أجهزة أمن السلطة المقاومين بالخطف والتعذيب بتهمة المقاومة".
وإلى جانب المقاومين، تستهدف الأجهزة الأمنية الفلسطينية الطلبة الجامعيين والناشطين السياسيين، والأسرى المحررين، وتزجهم في سجونها، مع توجيه عدة تهم تصنف غالبيتها على أنها غير قانونية وفقاً لمؤسسات حقوقية فلسطينية.
وتؤكد مؤسسات حقوقية أن اعتقال الناشطين والمقاومين، يندرج في إطار الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي، وأن جميعها تجري دون وجود أو إبراز اي مذكرة توقيف من جهات الاختصاص، الأمر الذي يخالف القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان.
ووثقت مجموعة محامون من أجل العدالة، 727 حالة اعتقال منذ بداية العام 2023 ضمت عشرات الناشطين ومواطنين على خلفية انتماءاتهم السياسية وحرية الرأي والتعبير وأخرى استهدفت طلبة جامعيين على خلفية نشاطاتهم الطلابية.
كما وثقت المجموعة وفق بيان أصدرته في 18 أغسطس 2023 عشرات حالات التعذيب منها 14 حالة عبروا بشكل واضح عن تعرضهم للتعذيب في محاضر التحقيق أمام النيابة أو المحكمة.
ورأت أن تزايد حالات القمع والاعتقال مؤشر على الأزمة المستمرة التي تمر بها السلطتان التنفيذية والقضائية، التي توفر غطاء وشرعية لحالة القمع التي تستهدف حقوقا دستورية منها حق تقرير المصير، وتعبر عن مدى الانحراف في الدور والصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون.
حوادث متلاحقة
وبدأت مظاهر الاقتتال بين السلطة الفلسطينية في الضفة والمقاومين تظهر في عدد من المخيمات والمدن.
أبرز تلك الاشتباكات اندلعت في 2 أغسطس/آب 2023، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة على خلفية استمرار اعتقال المواطن خالد عرعراوي عم الشهيد مجدي ووالد الجريح كمال.
وخلال الاشتباكات اقتحم عناصر من الأجهزة الأمنية مستشفى جنين الحكومي وتحصنوا فيها وأطلقوا النار صوب منازل مخيم المدينة المذكورة، فيما أطلق مقاومون النار بكثافة نحو مقر المقاطعة (السلطة برام الله).
وإلى جانب الاشتباكات التي حدثت في جنين، وقعت مناوشات أخرى في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في نفس اليوم.
ودارت الاشتباكات بين السلطة والمقاومين، بعد إزالة الأمن الفلسطيني حواجز حديدية على مدخل المخيم جرى وضعها لإعاقة حركة مرور مركبات قوات الاحتلال حال دون اقتحامه.
كما شهد مخيم نور شمس شرق طولكرم في يونيو/حزيران 2023، اشتباكات مسلحة بين أجهزة الأمن الفلسطينية وعناصر تتبع مجموعات المقاومة بعد المحاولة الأولى لإزالة حواجز حديدية وإطارات مركبات وضعها مقاومون على مدخل المخيم.
وحسب مصادر صحافية وفيديوهات وثقت الحدث، فإن قوات الأمن اقتحمت محيط المخيم لإزالة الحواجز والإطارات، فيما حاول الشبّان المسلحون الحفاظ عليها في مكانها ما أدى لاندلاع اشتباكات مسلحة، دون الإبلاغ عن إصابات.
وإلى جانب الاشتباكات، خرج عشرات المقاومين في طوباس شمال الضفة الغربية المحتلة بعد منتصف ليلة 16 أغسطس/آب 2023 في شوارع المدينة يحملون أكفانهم، رداً على استمرار ملاحقتهم من عناصر أجهزة السلطة واعتقال أحد زملائهم.
وندد المقاومون بقمع فعالية شعبية خرجت في البلدة تطالب أجهزة السلطة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين.
تطويع المقاومة
وبدوره، لا يستبعد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بالضفة الغربية، ماهر الأخرس، حدوث اقتتال داخلي بين السلطة ومقاومين، نتيجة استمرار حملات الاعتقالات التي تنفذها ضدهم.
ويقول في حديثه لـ"الاستقلال: "اعتقال السلطة للمقاومين بالضفة الغربية لا يخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في وقت يحتاج الشعب الفلسطيني لمقاومة إسرائيل والدفاع عن نفسه".
ويوضح الأخرس الذي اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد يوم من إجراء الاستقلال مقابلة معه، أن السلطة الفلسطينية تسير في طريق خاطئ، من خلال محاولتها إرضاء قادة إسرائيل على حساب الشعب.
وهو ما كان واضحا من خلال التعزيزات الأمنية التي وصلت لجنين بعد انسحاب الاحتلال منه، وفق تقديره.
ويبين أن ما يحدث من اعتقالات للمقاومين من قبل السلطة في محافظات الضفة الغربية، يأتي ضمن التزاماتها، بتطويع المقاومة خاصة بعد عملية جنين.
ويشير إلى أنه لا يوجد قرار بالإفراج عن المقاومين المعتقلين لدى السلطة، كون ذلك مرتبطا بتعليمات من قبل السلطات الإسرائيلية والأميركية
ويرى أن حفاظ السلطة على سيادتها يكون من خلال مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يدمر بيوت المواطنين ويقتل أبناء الشعب الفلسطيني، مفترضا أن صمتها يعني موافقتها على انتهاكات تل أبيب.
ويبين أن المقاومين لديهم قرار بالدفاع عن أنفسهم في حالة أقدمت السلطة على اعتقالهم، أو محاولة سحب سلاحهم فهم لن يسلموه حتى لو قتلوا.
من جانبه، أكد عضو المجلس الثوري في حركة فتح جمال حويل، أن ملاحقة المقاومين تحت مسمى القانون أمر غير مقبول، مطالبا السلطة بالإفراج عنهم.
وشدد في مهرجان أقيم في 18 أغسطس في جنين لتأبين عدد من شهداء المخيم، على أن رصاص المقاومة لن يكون موجهًا إلا صوب الاحتلال، مشددا على أن محاولات البعض إشعال فتن بين المقاومين لن تنجح.
وأشار إلى أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين وأن البندقية ستبقى حتى زوال الاحتلال.